Overblog
Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

كتاب حروب امريكا ،اسرائيل وبريطانيا على العراق/الخدمة العسكرية ونظام التعبئة في الجيش الاسرائيلي /المؤلف صال

الخدمة العسكرية ونظام التعبئة في الجيش الإسرائيلي

اقتبس الإسرائيليون مفهوم التجنيد من الألمان الذين كانوا يطلقون على المدني المجند تعبير "المواطن بالزي العسكري" حيث أضاف الإسرائيليون مفهوما آخر هو "المواطن بالزي العسكري" والجندي "بالزي المدني" فجعلوا به الفرد "جنديا مقاتلا" طيلة حياته في كل زمان ومكان وصهروا حياة الفرد المواطن وأشكالها في بوتقة واحدة وأعطوها اتجاها وحيد يسير فيه جميع الأفراد المكان الصهيوني، بحيث المجتمع الإسرائيلي الهجين –بكامل أفراده- مجتمعا مجيشا بالمعنى المجرد والحقيقي "التطبيقي" لهذا المصطلح العسكري.

لذا تستغل إسرائيل الطاقة البشرية لديها بالطرائق العلمية والعملية لتواجه مشكلة قلة عدد السكان ولتوفر للدولة والمجتمع الحد اللازم من الإنتاج وبصورة خاصة في زمن الحرب حيث توجه جميع الجهود والطاقات لتصب في القوات المسلحة على أن عدد السكان في الكيان الصهيوني خلال عام 86-87 حوالي 4.400.000 نسمة (بما فيهم السكان العرب) حيث قدرت هذه المصادر عدد الرجال اليهود من سن 1830 بحوالي 472.800 نسمة ومن سن 21-45 بـ 410.000 نسمة. وقدر عدد النساء اليهوديات من سن 18-30 بحوالي 450.000 ألف نسمة ومن سن 21-45 بـ 405.000 نسمة وتعتبر نسبة القوات المسلحة إلى عدد السكان في إسرائيل أعلى نسبة في العالم حيث تبلغ 17.57%  تقريبا.

وتتخذ الخدمة العسكرية في إسرائيل ستة أشكال هي:

1) الخدمة الدائمة:

وهو نظام التطوع لضباط وضباط الصف والفنيين، ويشكل هؤلاء الهيكل الأساسي (النواة) لمختلف تشكيلات الجيش العاملة والاحتياطية والناحال.

2) الخدمة الإلزامية:

وتطبق على كل من بلغ الثامنة من العمر ما عدا العرب، ومدتها سنتان ونصف للرجال، وسنتان للنساء ويستدعى المكلف بالخدمة بواسطة البريد لمراجعة مكتب التجنيد، وحين الانتهاء من الخدمة، يحتفظ المجند المسرح بلباس عسكري كامل صيفي وشتوي لارتدائه حين دعوته لخدمة الاحتياط في المستقبل.

3) خدمة الاحتياط:

تعتبر خدمة الاحتياط من الصفات المميزة للجيش الإسرائيلي، حيث تستمر خدمة الرجال حتى سن الـ49 عاما والنساء حتى سن الـ34 عاما ما عدا المتزوجة والمتوفية، وقد نظم أسلوب التبعية على أساس تقسيم البلاد إلى مناطق حيث تشمل كل منطقة سكان عدة مستعمرات متجاورة يشكلون مركز حشد وتنظيم وتسليح، ويستدعى الرجال المكلفون بالخدمة الاحتياطية في التشكيلات القتالية في كل عام لإجراء دورة تدريبية مدتها 58 يوما للضباط و36 يوما للأفراد من الرجال و26 يوما للأفراد من النساء كحد أدنى للخدمة السنوية أما المكلفون المبعوثون في الوحدات الفنية الاختصاصية فيدعون لخدمة احتياطية كل 3 أشهر لمدة أسبوع واحد وذلك كي يبقى هؤلاء على صلة مستمرة باختصاصاتهم الفنية في الجيش الاحتياطي.

وهناك نوعان من الدعوة للخدمة الاحتياطية: عادية وطارئة؛ فالعادية تبلغ إلى المكلف الاحتياطي بواسطة البريد، أما الطارئة فإنها تتم في أحوال الخطر والتهديد بالحرب ولها أسلوبان علنية بواسطة وسائل الإعلام المختلفة، وسرية بواسطة الشرطة العسكرية الجدناع أو التبليغ الشخصي بنظام الحلقات أو بواسطة الإذاعة مع استعمال مصطلحات مبسطة متفق عليها، ويستنفر الفرد الإسرائيلي خلال العام الواحد عشرات المرات، ويستدعى من بيته ليلتحق بمركز تجنيده وسوقه، وقد يطول أمر تجنيده ساعات قلائل أو أيام عديدة، والمهم في الموضوع أن يبقى على صلة دائمة مع الوحدة المعبأ فيها والقريبة من مكان الإقامة.

4) خدمة الناحال:

وهي خدمة عسكرية –زراعية تشمل المجندين الذين يقبلون الخدمة في المستعمرات خلال السنة والنصف السنة الأخيرة من الخدمة الإلزامية.

وكلمة ناحال هي تعبير يضم الأحرف الأولى من الجملة العبرية (Nahabnoar halutzi lohem). وتعني رواد الشباب المقاتل وباللغة الإنجليزية (Figting pioneer youth).

ترمز إلى الالتزام الوحيد تجاه مجتمع جيش الدفاع الإسرائيلي والعلاقة معه بقدر ما ترمز إلى الخدمة الطويلة الاختيارية يقوم بها الشاب الصهيوني المنظم، وواجب الناحال: "استرداد الأرض وإصلاحها، وتكون الوحدات الممتازة بنوعيتها القتالية في جيش الدفاع الإسرائيلي".

5) خدمة الدفاع الإقليمي:

وتشمل الأفراد المقيمين في مستعمرات الحدود ممن تتراوح أعمارهم بين سنة 21-29 أما الذين تتراوح أعمارهم بين المقيمين في مستعمرات الحدود ممن تتراوح أعمارهم بين سنة 29-49 سنة فإنهم يشكلون القوة الاحتياطية ويكلف هؤلاء بالدفاع الإقليمي ضمن نطاق خطة الدفاع عن الدولة.

6) خطة الدفاع المدني:

 يؤخذ أفراد هذه الخدمة من أفراد الخدمة الاحتياطية الذين تتراوح أعمارهم بين سن 45-49 سنة ويكلفون بالعمل في سلاح الخدمات العامة وحراسة النقاط الحيوية والمنشآت الهامة، والدفاع المحلي والأطفال وترحيل السكان مدنيين والإخلاء وغير ذلك من أعمال الدفاع المدني ومساعدة المدنيين.

بالإضافة إلى ذلك فهناك كما أسلفنا تنظيم وقيادة الجدناع المرتبطة مع رئاسة الأركان العامة الإسرائيلية والجدناع –كما تعرفه المصادر الصهيونية هي اختصار لجملة العبرية "جدودي نوعر"      (Gdoudi Noar) أو كتائب الشباب Youth corps وهي حركة الشبيبة العبرية التي تأسست رسميا سنة 1948 وتضم المتطوعين من الفتيان والفتيات من طلبة المدارس والثانوية ونوادي الشباب في إسرائيل للتدريب على واجبات الخدمة العسكرية والتعرف المباشر على جغرافية البلاد من خلال رحلات المسير الطويلة، وتتعاون وزارة التربية والتعليم مع وزارة الدفاع في توجيه وتدريب أعمال الجدناع. وتستخدم الجدناع في حالات الطوارئ بموجب موافقة خاصة من رئيس الأركان العامة، وهناك الجدناع في قسم الطيران والجدناع في قسم البحرية، ويلتحق الجدناع خلال العطل المدرسية والصيفية في مخيمات تدريب خاصة وفي مستوطنات الحدود وقوى المهاجرين من الجدد.

إن اعتماد إسرائيل على نظام الخدمة الاحتياطية، وحاجتها إلى الطاقة والبشرية عند إعلان حالة الطوارئ والحرب ورفع المستوى الجاهزة القتالية لجيش الدفاع الإسرائيلي جعلها تتبنى نظاما متقدما للتعبئة العامة، ودعت احتياط للالتحاق بوحداتهم ومراكزهم المعبئين فيها منذ وقت السلم وتنفيذ التعبئة في الكيان الصهيوني يتم بالشكل التالي:

1) القوات النظامية:

وهي جاهزة للعمل والتدخل الفوري في أماكن تمركزها وتحشدها لوجودها في الخدمة العسكرية الدائمة.

2) القوات الاحتياطية:

 نظمت تعبئتها على أساس إقليمي محلي –كما أسلفنا- بحيث تشكل كل وحدة احتياطية أفرادا من مدن وقرى ومستعمرات متجاورة، وذلك لسرعة ضمان التبليغ والالتحاق بمقر الوحدة باستثناء الفنيين والمحاربين القدماء الأخصائيين الذين يلتحقون بوحدات أو مصالح مهيأة حسب اختصاصاتهم. وتتألف القوات الاحتياطية -عادة- من خطين متتالين:

(أ‌)   خط الاحتياط الأول: وتتم تعبئة وحدات هذا الخط في مدة 72 ساعة خففت بعد حرب أكتوبر التحررية لعام 1973 إلى 24 ساعة وفق النسب التالية: 50%  من الوحدات تكون جاهزة في يوم التعبئة ذاته. 70% من الوحدات تكون جاهزة  بعد48 ساعة من إعلان التعبئة. و100% من الوحدات تكون جاهزة بعد 72 ساعة من إعلان التعبئة( أي بعد ثلاثة أيام) وخففت الآن إلى يومين فقط.

(ب‌)  خط الاحتياط الثاني: وتتم تعبئة وحدات هذا الخط في أماكنها في مدة خمسة أيام، وخففت الآن إلى ثلاثة أيام فقط.

3) قوات الدفاع الإقليمي:

وهي قوات يجري تجمع أفرادها في أماكن عملهم ومعيشتهم ولذا تكون جاهزة للتعبئة وأعمال الدفاع فور إبلاغ الأفراد، وتتبع إسرائيل نظام سريع ومتطور للتبليغ وتستخدم لدلك وسائط الإعلام.

 

Voir les commentaires

كتاب حروب امريكا ،اسرائيل و بريطانيا على العراق /القوة العسكرية الاسرائلية /المؤلف صالح مختاري

 

القوة العسكرية الإسرائيلية

أعلن عن تأسيس الجيش الإسرائيلي رسميا بتاريخ 26 ماي عام 1948 بموجب القانون رقم (4) الذي أصدره، دافيد بن غوريون. رئيس مجلس وزراء دولة إسرائيل ووزير الدفاع بعد 12 يوما من قيام الكيان الإسرائيلي. وحدد القرار المذكور أن تشمل القوات المسلحة الإسرائيلية: القوات البرية والجوية والبحرية كبند أول. وحدد إجراءات التعبئة العامة في حالة الطوارئ والحرب في البند الثاني، وشمل البند الثالث قسم الولاء للدولة وقانون الجيش وعلاقته بالدولة. وحضر في البند الرابع وجود أي نوع من أنواع القوات المسلحة في حدود الأراضي المحتلة آنذاك باستثناء زحال وزاحال اسم مختصر لجيش الدفاع الإسرائيلي الذي جم في بداياته شتات العبرية التالية: (Zvah haganah la isral) وتعني، قوات الدفاع الإسرائيلية، وقد تطور هذا الجيش الذي جمع في بداياته شتات أفراد العصابات اليهودية وتنامى خلال أربعين سنة تقريبا من عام 1948 حتى عام 1988 تخللها أربع حروب محلية وفترات صراع حادة بين كل حرب وأخرى. ويمكن تلخيص العوامل المؤثرة في هذا التطور في ثلاث عوامل أساسية هي: توفر القدرة القتالية الكافية لقيام جيش الدفاع الإسرائيلي بواجباته الوظيفية في قهر الأمة العربية وإخضاعها واستنزاف قدراتها بصورة مستمرة أولا وتعاظم أهمية المنطقة العربية ثانيا. وتنامي القدرة العسكرية للأمة العربية ودخول المنطقة في دائرة سباق التسلح ثالثا.

وتبني إسرائيل استراتيجيتها العسكرية –وفق النظرية الأمنية الإسرائيلية- وتعتمد في مواجهاتها العسكرية مع الدول العربية في أي معركة أو حرب تخوضها على ثلاث قواعد استراتيجية بارزة هي:

·      الحرب.

·       الضربة الاستباقية.

·   تحقيق التفوق العسكري على البلدان العربية مجتمعة، واستمرارية هذا التوفيق على طريق تنظيم الجيش الإسرائيلي ومواكبة التطورات التكنولوجية الحاصلة في مجال التسلح وفي العلوم العسكرية والخبرات الحربية في العالم.

تتميز القيادة الإسرائيلية –بصورة عامة- بالوضوح الاستراتيجي فيما يتعلق بالأهداف البعيدة والأهداف القريبة. والوسائل الداخلية والخارجية الموضوعة تحت تصرف هذه القيادة لبلوغ هذه الأهداف وفق المراحل الزمنية المقرة، وقد ساعد هذا الوضوح الاستراتيجي –الذي تميزت به القيادة الإسرائيلية السياسية والعسكرية منذ نشوء الحركة الصهيونية حتى يومنا هذا- ساعد على تسهيل عملية اختيار القيادة وإعدادهم الإعداد العلمي السليم وذلك في مختلف الأنساق القيادية.

يعتبر وزير الدفاع في إسرائيل هو المسؤول عن كل ما يتعلق بأمن الدولة، ويؤدي الوزير المذكور واجبه هذا بواسطة وزارة الدفاع وهيئة الأركان العامة في الأحوال العادية، لكن في حالة الحرب توجد إلى جانب الوزير. عدة سلطات قيادية للتخطيط والتنفيذ العسكري على المستوى الاستراتيجي مثل لجنة الدفاع في الكنيسة ووزارة الحرب المصغرة "اللجنة الوزارية ويدخل في عضويتها وزراء الدفاع والخارجية والإعلام والاقتصاد وأي وزير تنفيذي له علاقة بالمجهود الحربي وإعداد الدولة للحرب. وهنالك قيادات عسكرية بحتة كقادة الجبهات وقادة المجموعات العملياتية وقيادة قوات الميدان المستحدثة خلال عملية غزو لبنان عام 1982.

إن وزارة الدفاع الإسرائيلية هي الجهاز المدني والإداري لوزير الدفاع وتقوم بتجهيز كافة احتياطات الجيش المعد من قوى بشرية ومادية وأسلحة وفق تقديرات هيئة الأركان العامة تعالج هذه الوزارة أيضا جميع الشؤون الدفاع وتشرف على تنفيذها وتشارك في إعداد الكيان الاقتصادي للدولة وتطويره لصالح الوزارات والمؤسسات والهيئات وجهودها وتنسيق ذلك لصالح أعمال الدفاع وتأمين والإحصاءات عن جميع القوى البشرية والمادية وتضع الخطط اللازمة لاستخدام هذه القوى في حالات الطوارئ والحرب.

يطلق الإسرائيليون على هيئة الأركان العامة اسم (ماتي كلاي) ويرمزون لها في الصحافة العسكرية بمصطلح "ماتكال" "MATKAL" ويقع مقرها الدائم في مستعمرة "رامات غان" على طريق حيفا –تل أبيب وتقوم هذه الهيئة بتنفيذ قرارات وزير الدفاع الخاصة بالنواحي العسكرية. ويعتبر رئيس الأركان العامة مسؤولا أمام وزير الدفاع عن تنفيذ هذه القرارات. كما تقوم هيئة الأركان المسلحة الثلاث (البرية والجوية والبحرية) وتخضع مخطط العمليات لهذه القوات وتنسق فيما بينها وتشرف على تنفيذ هذه الخطط.

تختلف هيئة الأركان العامة الإسرائيلية من حيث التشكيل والتنظيم عن غيرها من هيئات أركان الجيوش في العالم باحتوائها على بعض الفروع والأقسام والقيادات الخاصة بدولة إسرائيل مثل: "قسم المصطلحات العسكرية العبرية، الحاخامية العسكرية". قبادتا "الجدناع" و"الناحال" ، الجيش النسائي شعبة المخابرات "أجاف مودعين" قيادات المناطق الثلاث: الشمالية والوسطى والجنوبية التي تتولى كل منها في زمن الحرب واجبات وصلاحيات قيادة فيلق وتنقلب في زمن الحرب، في أكثر الأحيان إلى قيادة جبهة ولرئيس الأركان العامة الإسرائيلي سلطة قيادة كاملة على مجموع أنواع القوات المسلحة الثلاث (برية، جوية، بحرية) إلا أن سلطة تامة منحت لقائدي سلاح الطيران والبحرية في القضايا الإدارية والفنية.

يعمل الجيش الإسرائيلي على تبديل قادته في المناصب القيادية العليا باستمرار وذلك بهدف تجديد الفكر العسكري وتطويره بصورة مستمرة، بحيث أن مدة خدمة رئاسة الأركان العامة أو قادة المناطق أو الأسلحة أو التشكيلات لا تتجاوز مدة سنتين إلا في ظروف استثنائية، ويمكن الرجوع إلى القادة الذين انتهت مدة خدمتهم في كثير من الأحيان نظرا لوجودهم في وظائف لها صلة بالحياة العسكرية –وبصورة خاصة أثناء الأزمات التي تهدد الكيان الصهيوني بوجوده- بهدف الإفادة من خبراتهم أو حتى الاستفادة من مجرد أسمائهم ورتبهم فقط.

بات من المعروف تاما، أن الإدارة العسكرية في إسرائيل مستقلة تمام في عملها وأن الدولة والكيان والتنظيمات كلها تابعة للإدارة العسكرية، وأن العمل العسكري يمارس دوره في إطار كامل من حرية العمل وليس على بقية الأجهزة سوى إيجاد الذرائع وابتكار الحجج والمسوغات لإقناع العالم بصحة عمل الإدارة العسكرية وقيمها بدورها الوظيفي بصورة صحيحة ولا عجب أن يقول "بيجال ألون" الصهيوني منذ عدة سنوات "…أن لكل دولة في العالم جيشا يحميها إلا إسرائيل فإن لها جيشا يملك دولة". وإذا كان الأمر كذلك فإن على المهاجرين اليهود (الجود) أن يعرفوا تماما أنهم مجرد (إدارة حرب –يعيشون للحرب- ومن أجل الحرب فقط- ولا شيء غير الحرب).

قدر تعداد القوات المسلحة الإسرائيلية في عام 86-87 بحوالي: 149 ألف مقاتل في الخدمة العاملة النظامية (من بينهم 93300 مجند من الذكور والإناث) موزعين على الأنواع الرئيسية للقوات المسلحة الإسرائيلية كما يلي: 112 أف مقاتل (منهم 88 ألف مجند من الذكور والإناث) وفي القوات البرية و28 ألف مقاتل في القوات الجوي (منهم 2000 مجند في الدفاع الجوي) و9000 في القوات البحرية (منهم 3300 مجند) كما يقدر تعداد الاحتياطيين بـ 554000 مقاتل من كافة أنواع الأسلحة الرئيسي موزعين من كافة أنواع الأسلحة الرئيسية موزعين كالآتي في القوات الجوية 50 ألف في القوات البحرية 10 آلاف وذلك عند الاستعداء الفوري للاحتياطيين، فيصبح مجموع تعداد القوات المسلحة الإسرائيلية من الأفراد حينئذ حوالي 703000 مقاتل عند التعبئة العامة.

تملك إسرائيل من وسائط الصراع المسلح الحديثة والاعتدة الحربية لغاية عام 1987 ما يلي: 3785 دبابة قتال رئيسية، 10 آلاف عربة مدرعة متنوعة، 1500 قطعة مدفعية منها ألف مدفع ذاتي الحركة 1100 هاون  من عيار 81 ملم فما فوق، 500 راجمة صواريخ متعددة الفوهات و(50) منصة إطلاق صواريخ (أرض-أرض) من طراز "لانس" وإعداد وفيرة من الفوهات م/د العادية منها والصاروخية الموجهة، وأنظمة دفاع جوي من طراز "فولكان" و"شابرال" في تسليح القوات البرية، ويملك سلاح الجو الإسرائيلي حوالي 684طائرة قتالية متنوعة النماذج والمهام منها (90) طائرة مقاتلة و(60) طائرة حوامة مسلحة (هجومية) ويملك سلاح البحرية الإسرائيلي 3 غواصات و6 سفن حراسة و23 زورق هجومي سريع و3 زوارق طوافات بوسادة هوائية، و41 زورق دورية و12 سفينة برمائية و2 سفينة نقل مسلحة وسفينة تموين واحدة و4 سفن ساحلية مساعدة، و2 سفينتين للتدريب.

تهتم قيادة الجيش الإسرائيلي أيضا بموضعي التوجيه المعنوي والتوجيه الثقافي لأفراد جيش الدفاع الإسرائيلي تعاليم الدين اليهودي فيما يتعلق بشؤون القتال والأمور المعنوية، ويهدف شعار "التوراة والسيف نزلا معا من السماء" وينطلق نحو إيجاد عمود فقري لهذا الشتات من اليهود لأن الجيش الإسرائيلي –أي المجتمع الإسرائيلي- يضم نحو مائة جنسية ولغة وعشرات الثقافات والعقليات والمفاهيم والعادات والتقاليد، ومهمة الجيش صهر هذه الأجناس والثقافات والعقليات في بوتقة واحدة ليخرج بعدها "الإسرائيلي الجديد" كما يلقن الجيش رجاله دروس التاريخ العسكري لليهود جنبا إلى جنب مع التاريخ العسكري العالمي القديم والحديث. 
  

 

Voir les commentaires

كتاب حروب امريكا ،اسرائيل وبريطانيا على العراق/المذكرة الاستراتجية بين اسرائيل وامريكا/المؤلف صالح مختاري

 

المذكرة الاستراتيجية بين إسرائيل وأمريكا

قدمت أمريكا هدية إلى إسرائيل بمناسبة عيد ميلادها الأربعين، هي عبارة عن مذكرة استراتيجية إضافية تتضمن لأول مرة بندا يقضي باعتبار إسرائيل حليفا أساسيا للولايات المتحدة دون ضمها بصفة رسمية إلى حلف الأطلنطي.

وينص البند الأول من الاتفاقية على استمرار المشاورات واللقاءات من حين لأخر بين الرئيس الأمريكي ورئيس حكومة إسرائيل ووزيري خارجية البلدين ووزيري الدفاع لدراسة القضايا العالمية والقضايا ذات الاهتمام المشترك.

أما البند الثاني فينص على التقاء المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية ونائب وزير الخارجية الأمريكي بصورة منظمة من أجل التشاور حول القضايا السياسية المشتركة، كما يتلقى رؤساء وكالة التطوير الوطنية بالولايات المتحدة مع رؤساء مديرية التعاون الدولي بوزارة الخارجية الإسرائيلية من أجل التنسيق فيما بينهم ووضع خطط المساعدات المشتركة للدول حديثة التطور والإشراف على تنفيذها.

ويقول البند الثالث: إنه من الضروري الاهتمام بمتابعة أعمال اللجنة العسكرية السياسية المشتركة ولجنة تخطيط المساعدات الأمنية واللجة المشتركة للتطوير الاقتصادي وهي اللجنة التي تشرف من خلالها الدولتان على بحث تطور الاقتصاد الإسرائيلي والعمل على ازدهاره.

وينص البند الرابع وأخير على أن المذكرة الإستراتيجية لا تمس ولا تلغى الاتفاقيات والتعهدات السابقة بين الدولتين.

وتمتد صلاحية المذكرة الجديدة إلى خمس سنوات يتم تجديدها إلى خمس سنوات أخرى، وتعتبر بنودها بمثابة، تعديل وتوسيع، للمذكرات الإسرائيلية الأمريكية السابقة التي تم التوصل إليها في عهد الرئيس ريجان، كما تعتبر- وفقا لراء الخبراء في السياسة الأمريكية الإسرائيلية- تحديا أمريكيا واضحا لمواقف الدول العربية التي طالبت بعد الممارسات الإسرائيلية العنيفة إزاء الانتفاضة الفلسطينية  بالأرض المحتلة، طالبت أمريكا بالضغط على إسرائيل.

وهكذا ختم ريغن عهده الصهيوني المجيد بالمزيد من العطاء لإسرائيل. الذي خلفه فيما بعد نائبه جورج بوش الذي سعى منذ توليه السلطة إلى إرضاء سادة تل-أبيب.

 

Voir les commentaires

كتاب حروب امريكا ،اسرائيل وبريطانيا على العراق/اسبابالمساعدات المالية الخليجية للعراق في حربه مع ايران /المؤ

 

 

أسباب المساعدات المالية الخليجية للعراق في حربه مع إيران

إن دور إيران في الخليج ينطلق من أسئلة أساسية عدة كانت مؤشرا في تحديد هوية الدور الإيراني ودوافعه الحقيقية، والسؤال الأول هل للسوابق التاريخية والحقائق الجغرافية هي التي أثرت على أحداث الحرب.

ولا شك في أن الصراع لاحتلال المركز الأقوى والأهم في الخليج ليس وحده العامل الحاسم في كل الذي يحدث اليوم بين العرب والفرس. صحيح أن هذا الصراع هو النهاية من أجل مركز ما في الخليج، إنما يجب التذكير بأن الوضع الجغرافي مثلا، لا ينفرج في تقرير دور إيران الآن، كما كان يقرره في الماضي، إذ ليس صدفة أن يكون الاعتقاد التاريخي السائد لدى الإيرانيين أن الخليج "بحيرة فارسية" وأن يصر هؤلاء بالتالي عل أن دورهم الحالي ما هو إلا تتمة لدورهم التاريخي السابق.

فقد كان حكام إيران، يعتزون تاريخيا بأن بلادهم هي "أول دولة مستقلة في العالم" يضاف إلى ذلك أن الجيش، الذي هو العمود الفقري للاستقرار الداخلي، دفع، عند تقويته، كل حاكم إلى التطلع نحو الخليج. وإذا كانت الظروف الداخلية المريحة هي التي كانت تقرر إلى حد ما، إذا كانت إيران تستطيع أن تلعب دورا كبيرا في الخليج، أم لا، فإن الظروف الخارجية كانت تحد من حرية الحركة لدى الإيرانيين بمقدار ما كانت تساعد هؤلاء وتشجعهم على العمل في الخليج والاضطلاع بدور أساسي وفعال.

لكن كيف تتفق وأين تصطدم المصالح الإيرانية والمصالح العربية في الخليج؟  

إن اهتمام الشاه السابق بالخليج بدأ عام 1958، أثر ثورة العراق التي أطاحت بالملكية وتولي عبد الكريم قاسم الحكم، قبل ثورة العراق كان الشاه محمد رضا بهلوي يتابع تطورات العالم العربي من دون خوف منها، وكانت إيران على علاقات من دون خوف منها، وكانت إيران على علاقات ودية مع معظم الدول العربية بما فيها سوريا ومصر، حتى أنها أيدت مصر في حرب السويس عام 1956، ذلك بأنها كانت تشعر بأن وضعها في الخليج سليم ما دامت الملكية قائمة في العراق، الدولة الشريكة لها في حلف بغداد.

ومنذ ذلك الوقت والعلاقات العربية- الإيرانية تسير من سيء إلى أسوأ كلما كان الخلاف يشتد بين الشاه السابق والرئيس الراحل جمال عبد الناصر، بل كلما اتسع مد القومية العربية بزعامة عبد الناصر وأحزاب اليسار في العالم العربي معمقا الفجوة بين الدول العربية "التقدمية" والدول العربية "الرجعية" وكلما أصبحت إيران طرفا في الحرب العالمية الباردة في الستينات والسبعينات. إلا أن الخلاف حول الخليج لم يقتصر على الدول "التقدمية- الثورية"، بل تعداه إلى الدول "اليمينية- الرجعية".

فقد اختلفت إيران من جهة والسعودية والكويت من جهة أخرى عندما عرضت إيران للمناقضة التنقيب عن النقط في المنطقة التي تشكل جزءا من الجزف القاري بين الدول الثلاث، وسوي الخلاف وديا مع الكويت عام 1965، ومع السعودية عام 1968.

ثم تجدد الخلاف مع السعودية حول السيادة على جزيرتي فارسي وعربي التابعتين للسعودية واللتين تطالب بهما إيران، ولم يحل هذا الخلاف إلا عام 1971.

ثم كان خلاف إيران والعراق حول شط العرب الذي بدأ منذ أيام الشاه رضا، والد الشاه السابق، عندما حاول رضا خان أن يثبت وجوده في الشط ويؤكد موقع بلاده من الخليج، ورفع العراق الأمر إلى عصبة الأمم في 29 نوفمبر 1934، ومحاولا الحصول من مجلس العصبة على اعتراف بحق قانوني في ممارسة السيادة على الشط كله، إلى جانب ممارسته سيادة الأمر الواقع. وقاومت إيران الموقف العراقي، إلى أن تم الإتفاق بين الطرفين على نقل الخلاف إلى خارج عصبة الأمم، ومن ثم تم اتفاق على حدود شط العرب في 4 جويلية 1937. واستمر الاتفاق الأخير ساري المفعول إلى أن ألغته إيران من طرف واحد في 19 أبريل 1969. وكان سببا مباشرا لنشوب الحرب مع العراق بعد عقد كامل من الزمن.

وإذا أخذنا مجمل الخلاقات العربية- الإيرانية في الخليج، نجد أن الخلاف حول شط العرب له أهمية خاصة بالنسبة إلى إيران، فشط العرب قريب من خورنستان (عربستان) وهي منطقة تمرد محتمل في استمرار، وقريب من منابع  النفط فيها، وقريب من عبادان ومصفاتها الكبيرة ومعداتها الكثيرة والتي هي على مرمى النار من شط العرب، وقريب من سد "دز" ومشاريع الري والكهرباء في تلك المنطقة. وازدادت أهمية شط العرب بازدياد الخلاف حول القضية الكردية، التي –كانت وما زالت- تتولى إيران تصعيدها عندما تناسبها الظروف.

تضاف إلى ذلك الحرب العربية- الإسرائيلية واحتمال اشتعالها مجدا في أي وقت وتتغير المقاييس الدولية والمحالفات الإستراتيجية وازدياد الأهمية الاقتصادية للعراق ودول المنطقة، فإذا كان مضيق هرمز أهم مركز استراتيجي سياسي- عسكري لإيران شرق الخليج، فإن شط العرب هو المركز الذي لا يقل عنه أهمية غرب الخليج.

وجاء احتلال إيران لجزر أبو موسى والطنب الكبرى والطنب الصغرى في 30 نوفمبر 1971، بعدما كان الخلاف حول البحرين قد سوي بإسقاط المطالبة الإيرانية بها وإعلان استقلالها في 14 أوت 1971، صفعة قوية للذين كانوا يقولون أن إيران لن تلجأ إلى القوة في حل خلافاتها مع العرب، ولم تتحدث إيران عن حقوقها التاريخية المغلوطة في الجزر العربية الثلاث إلا بعدما سويت قضية البحرين، فأهمية الجزر سياسية واستراتيجية ولا أساس تاريخيا صلبا للمطالبة بها. وكان توقيت إيران لاحتلالها الجزر بارعا. إذ حدث قبل شهر تماما من انسحاب بريطانيا نهائيا من الخليج وفي الوقت الذي لم تكن بريطانيا فيه تستطيع القيام بأي إجراء عسكري مضاد، كذلك كان العالم مشغولا بالحرب الهندية- الباكستانية التي أسفرت عن انفصال باكستان الشرقية وإعلان استقلال بنغلادش، وكانت أزمة الشرق الأوسط في أوج توترها، كما كان خطر قيام حرب جديدة مع إسرائيل قريب الاحتمال. لذلك فشل  الإيرانيون في فهم الاستياء العربي من عملية الاحتلال، الذي كان أول احتلال حقيقي منذ الحرب العالمية الثانية، خاصة أن ردود الفعل العربية جاءت مختلفة ومتناقصة ومتباعدة.

وحدث تغيير مفاجئ، عندما أعلن في الجزائر في 6 مارس 1975، أثناء انعقاد مؤتمر القمة للدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبيك)، باتفاق عراقي- إيراني ينهي الخلاف العريق بين البلدين حول قضيتين أساسيتين:

- الأولى: إنهاء المساعدة الإيرانية للأكراد بزعامة الملا مصطفى البارزاني، وبالتالي نهاية الحرب الكردية- العراقية وتصفية جيوبها كليا.

- الثانية: تخطيط الحدود البرية (شمال العراق) والنهرية (شط العرب) للبلدين في شكل نهائي.

وكان التفسير المنطقي لهذا الاتفاق أنه يحقق ما يلي: 

1- وقف الخطر الحرب بين أكبر دولتين هما إيران والعراق وصيانة الأمن والاستقرار في المنطقة.

2- إزالة حالة التوتر والشكوك بين دول المنطقة وفتح آفاق واسعة بينها وحل مشكلات كانت قائمة. وهذا بالتالي يؤدي إلى تلاحم عربي- خليجي يجعل من عرب المنطقة قوة تعاون وأمن واستقرار كبيرة.

3- عودة العلاقة الطبيعية مع إيران إلى جانب ما يشكل التلاحم الخليجي من قوة مضاعفة.

4- احتمالات التدخل الأمريكي في دول النفط تضمحل أو تقل إلى حد كبير، لأنه لم يعد في استطاعة الولايات المتحدة استغلال خلال خليجي محلي، ولو استمر هذا الخلاف لكان في وسع واشنطن مثلا أن تستغل حادث ضرب باخرة في الخليج، أيا تكن جنسيتها واعتبارها، كمبرر للتدخل، بحجة الحفاظ عل الملاحة وتأمين وصول الطاقة إلى الدول الصناعية. لكن بعد التفاهم الإيراني- العراقي سدت ثغرة وزالت كل مبررات التدخل الأمريكي الذي يمكن أن يحدث، لكن من دون أن تستطيع واشنطن إيجاد أي عذر لها أمام المجتمع الدولي.

5- إبقاء الموازين الدولية على ما هي عليه، دون تغليب الكفة الأمريكية على غيرها.

6- الإبقاء على وحدة منظمة، "أوبيك" والدليل على ذلك ترحيب دول النفط في العالم وإجماع مندوبيها في قمة الجزائر على الإشادة بالاتفاق العراقي- الإيراني، كما أن دول النفط في أمريكا الجنوبية أعلنت صراحة أن الاتفاق هو انتصار لمنظمة الدول المصدرة للنفط وتعزيز لوحدتها التي كانت مهددة، وهذه الوحدة إذا استمرت لا بد أن تخلق وحدة عالمية هي في خدمة مصالح العالم الثالث.

لا شك في أن الانسحاب البريطاني من الخليج ومضاعفاته قد وفرت لإيران الأسباب الكاملة للسيطرة والتدخل، ذلك بأن إيران لم تكن لتقبل أن تملأ الفراغ العسكري والسياسي الذي تركته بريطانيا، أي من الدول الكبرى، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. فهي تعتبر نفسها الوريثة الشرعية للتاج البريطاني وأن أمن الخليج هو مسؤوليتها، مع بعض التعاون مع السعودية والكويت والعراق إذا أمكن.

فإيران كانت تعرف أن عليها أن تعتمد على قوتها فقط للحفاظ على ما يسمى "أمن الخليج" لأن لا سبيل للتوصل إلى اتفاق حول هذا الموضوع مع دول الخليج العربية. وإذا كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي يشتركان في الرأي في أن الأمور الخليجية يجب أن تعالجها دول الخليج نفسها لا دول أخرى، فإن من الصعب التصور نظرا إلى أهمية المنطقة، أن الخليج سينجو من المنافسة الأمريكية- السوفياتية. فالفجوة بين الموقف الأمريكي-السوفياتي المعلن والنظري، وواقع المنافسة أو الخلاف الأمريكي- السوفياتي قد ازداد، لأن القوتين أدركتا أن مصالحهما في الخليج أكبر وأهم من أن تترك لسياسة عدم التدخل نهائيا.

إلا أن دور إيران في الخليج، أساسي وضخم، ولا يجوز التقليل من أهميته أو حجمه، فإيران أقوى دول الخليج عسكريا وبشريا، وهي تعتبر أن الخليج بحرية إيرانية سميت مجازا الخليج العربي، إذ استبدل العرب كلمة "فارسي" بكلمة "عربي" رفعا لمعنوياتهم لا غير، وعلى هذا تتصرف إيران تصرف القوي العارف قوته الحقيقية، الواضح المطامع والأهداف والمحدد السياسة في المنطقة كلها، ومطالبها قديمة، إلا أنها لم تتحول من مجرد مطالب إلى خطر إلا مع رفع المظلة البريطانية، واعتبرت إيران نفسها أنها ذات الحق الوحيد في ملء الفراغ.

وقضية إيران لا تنتهي فالقوة الإيرانية ذات شقين:

الأول: القوة العسكرية، التي تعتبر الأبرز في المنطقة والتي تدعم إيران مطالبها بها.

الثاني: القوة المدنية الممثلة في الجالية الإيرانية الضخمة الموزعة من الكويت شمالا، حتى رأس الخيمة جنوبا.

فطعن التهديد باستخدام الأولى، وتحريك القوة الثانية بدعوتها إلى عصيان مدني تستطيع إيران، كما تعتقد، أن تحقق أغلب مطالبها وربما مطامعها. يضاف إلى ذلك اعتبار إيران نفسها الدولة الحامية للشيعة، من العراق شمالا إلى سلطنة عمان جنوبا، محاولة استمرار تشويه ولاء الشيعة العرب في الجزيرة العربية والخليج، أكانوا في عسير شرق السعودية، أو في البحرين أو عمان، من دون أن ننسى شيعة العراق، فإقحام شيعة الخليج في عملية المطامع الإيرانية، ووضعهم تحت مظلة الحماية الإيرانية، وبالتالي تعريضهم للتشكيك الدائم في وطنيتهم وعروبتهم، لم تعط أية نتائج إيجابية حتى الآن، لكنها تعرض المنطقة في استمرار للانقسام الطائفي الذي لم تعرفه منذ أيام الحجاج بن يوسف.

من علي مشارف الأحقاد التاريخية التي تذكيها إيران في الخليج، ومن على أعتاب الشكوك الحضارية الفاصلة بين الفرس والعرب، ومن جذور خلافات الاجتهاد بين مسلمي الشيعة والسنة كانت إيران وما زالت تجد منفذا واسعا وبابا مفتوحا ونافذة مشرعة لتدخل إلى ركاكة الكيان العربي، فتشتري صمت العرب بأبخس الأثمان، ومن دون أن يدرك العرب، خليجيتين ومشرقيتين، أنهم  أمام تجدي صيرورة المستقبل كله.

في قراءة سريعة للتاريخ الإيراني- الفارسي يتضح أن أي حاكم لإيران كان يوجه عاملين أساسيين: الدين والجغرافيا. ومن خلال هذين العاملين كان يتم التحكم في السياسة الإيرانية خلال تعاملها مع العرب، لم يكن هاجس إيران خلال السنوات الخمس عشرة الماضية كما كانت تدعي، إيقاف زحف الجليد السوفياتي إلى منابع النفط الدافئة، ولا إيقاف أطماع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين عند حدود الهند، لقد شغلت العلاقات العربية- الإيرانية فترة السبعينات كلها. شغلت العرب وشغلت الصين الماوية وجاءت الثمانينات بالحرب العراقية- الإيرانية لتدمر نهائيا هذه العلاقات، وتعيد الزمن إلى الوراء وتفضح الأطماع الفارسية على حقيقتها.

هبط الخوف على كل ما أحاط العلاقات العربية- الإيرانية، بدءا من تناقضات مسيرة التاريخ الإسلامي المشترك الطويلة والعلاقة المتنافرة الفريدة بين الشعبين العربي والفارسي وانتهاء بعبء التراث من تطلعات الحاضر ودروس الماضي واستقراء المستقبل. كان كل ما في العلاقات العربية- الفارسية يعد بالخوف ولم يزل هذا الخوف بزوال الشاه، كان الخوف العربي في حينه خوفا جغرافيا بل تضاعف بوجود خميني. لقد أصبح خوفا دينيا تدفعه طموحات جغرافية، تأجل هذا الخوف فترة قصيرة من الوقت ما بين سقوط الشاه وتولي خميني السلطة، أجل العرب هذا الخوف تفاؤلا منهم. واغتال آيان الله ألا يرانيون التفاؤل العربي ببراعة فريدة، وظل بين الهاجس الإيراني والخوف العربي خيط رفيع يفصل بين الضعف العربي والرعونة الفارسية.

اعتبرت إيران أن الخليج بحرية فارسية  وان عربستان جزء من فارس الكبرى وأن البحرين جزيرة "إيرانية" طالب بها رضا خان سنة 1927 واقتطعتها العرب وبريطانيا من "الوطن الأم" ولها في مجلس النواب الإيراني حتى عام 1971 نائب يمثلها باعتبارها المقاطعة الحادية والعشرين. وإن ما رضخ له الشاه تجاه الضغط الدولي، رفضه خميني الذي عاد مطالبا بالبحرين كجزء من إيران محاولا قلب نظام الحكم فيها سنة 1981 وأن تجديد المطالبة "بفارسية" البحرين تمت في عهد الثورة الإسلامية التي تطلع إليها كل العرب انتصارا وفرحا وإعجابا.

لكن المطالبة بالبحرين لم تسقط مجانا لقد استعاض عنها الشاه باحتلاله ثلاث جزر عربية هي: الطنب الكبرى والطنب الصغرى وأبو موسى، التابعة لكل من رأي الخيمة والشارقة، الإمارتين العضوين في دولة الإمارات العربية المتحدة. ويوم سقط الشاه واطلت ثورة خميني  منتصرة وهلل العرب لها، وطالبوا بإعادة الحق الذي اغتصبه الشاه- الطاغية الذي أسقطته الثورة- جاء الجواب من آيات الله الحاكمين في طهران: أن هذه الجر فارسية وستبقى فارسية، وأصبح منذ ذلك التاريخ للقوة الإيرانية- الشاهنشاهية والخمينية- مطل مبنى عل العجز العربي المتأصل والفهم الدولي لهذا نفسه العجز الدائم.

واعتبر الشاه نفسه صاحب الحق الوحيد في ملء الفراغ الناتج عن انسحاب بريطانيا في نهاية 1971، وأن بلاده هي الوريثة الشرعية لمصالحها ومصالح الغرب في المنطقة الخليجية بحكم كونها أقوى الدول المجاورة من الناحية العسكرية والاقتصادية والبشرية معتمدة على هذا العجز العربي المتأصل وبحكم مالها في الجالية الإيرانية المنتشرة في كل دول الخليج من عناصر يمكن الاعتماد عليها كليا عند الحاجة.

عندما أطلق الشاه العنان للعسكريتاريا الإيرانية، بأسلحتها وعتادها وعددها ومدربيها من الأمريكيين والبريطانيين وأصبحت بحريتها الأقوى في المحيط الهندي وطيرانها يغطي سماء الجزيرة العربية وجيشها يقف على مشارف بلاد اليمن العربية ومخابراتها تحصى أنفاس الملائكة في المنامة والدوحة ودبي وأن القيوين لم نسمع بوقفه عربية واحدة تحاول أن تضعه عند حده. وبذلك حددت العسكرتاريا الإيرانية معالم الأطماع الإيرانية وعززت غرور الشخصية الفارسية في تعاملها مع العرب. ولا اعتقد أن أحدا من السياسيين العرب، وخاصة الخليجيتين من الذين تعاملوا مع الإيرانيين منذ عام 1967، ينكر مدى التعامل الفوقي الذي كان يمارسه الإيرانيون، وأصبحت السياسة الإيرانية في المنطقة العربية تعتمد على التهديد والترغيب، العصا أو الجزرة، العصا لمن تمرد والجزرة لمن أطاع، وبذلك استطاعت أن تضع يدها على هواجس الضعف العربي في كل مكان.

والحرب العراقية – الإيرانية ما هي إلى نهاية منطقية للدور الصدامي التاريخي الذي أهلته لها الظروف السياسية في المنطقة، فجذور الخلاف العربي- الفارسي قائمة في الأصول الثقافية والحضارية والقومية والمتباعدة والمختلفة للشعبين. والمشاركة والمساهمة في الحضارة الإسلامية  لم تغيرا من أحقاد العرب والفرس وتباعدهم قبل الإسلام. والشخصية الفردية في الأمتين لم يلغ الإسلام منها شيئا ولذ يذبها، ولم يحقق العرب عن طريق الإسلام اندماجا عضويا أو وحدويا مع الفرس. بل استطاع الفرس أن يغيروا الكثير من المفاهيم الأولية والأصلية للإسلام كما جاء به العرب. فلقد كان لبلاد فارس عبر التاريخ شخصية مميزة وحضارة مستمرة وحدود مستقرة إلى حد ما، ذلك أن الفرس كأمة ليسوا كالعرب ممزقين بين الشعور الوطني القومي والأعزاء الإسلامي الأوسع. لقد تخطى الانفصال الجغرافي، مع اللغة والثقافة المميزة للفرس، الشعور الديني المشترك مع العرب وغيرهم من مسلمي العالم، وجاءت المفاهيم السياسية الحديثة لتصعد من حدة الخلافات بين  الفرس والعرب، مكرسة عدم الثقة المشتركة ومعمقة قوة الخوف المتبادلة.

كان لحكام إيران طموح دائم إلى لعب دور أساسي في الخليج وكثير ما كانت شخصية الحاكم الإيراني هي التي تقرر دور بلاده في الخليج، من داريوس الكبير والملوك الساسانين في التاريخ القديم إلى الشاه عباس الكبير إلى نادر شاه إلى الشاه محمد رضا بلهوي إلى آية الله خميني في التاريخ الحديث، كلهم كانوا يسعون إلى احتلال المركز الأقوى والأهم في الخليج ويؤججون الصراع من أجل هذا الدور.

أراد الشاه السابق محمد رضا بلهوي أن يملأ الفراغ البريطاني في الخليج كوال فترة السبعينات، بدعم وتشجيع وتسليح وتحريض من الغرب، عندما لم سكن في الخليج في تلك الفترة طرف عربي ويملأ فترك الأمر للأسد الفارسي وشمسه بالأصالة والوكالة، وأراد أية الله خميني أن يملأ الفراغ الثوري في الخليج عن طريق الإسلام في بداية الثمانينات بتصدير ثورة لا تصدر فجاء عن طريق التحريض الديني المذهبي والعرقي يدعو إلى شيء غير مألوف ولا مقبول ولا سابقة تاريخية له عند العرب.

واتضح مجدا اتساع الهوة في المفهوم القومي والمفهوم الثوري بين العرب والفرس. فالفكرة القومية عند العرب كانت دائما متصفة بالتسامح الديني والتآلف العرقي والتآخي المذهبي والتعددية الشخصية. بينما كانت الفكرة القومية عند الفرس مغلقة دائما بالعرقية التي أدخل عليها الشاه الطابع الآري وبالشوفينية المعادية لكل ما هو غير فارسي، حتى الإسلام- وفي المذهب الشيعي الجعفري الإثني عشري- أصبح له مدلول مختلف عن غيره من الشيعة غير الإيرانيين وطابع فارسي صرف بل وحتى طقوس قلما تمارس خارج إيران.

لقد ظلت الطموحات الإيرانية الجديدة في الخليج تستلهم الأحلام الفارسية الماضية مصرة على أن دور الثورة الإسلامية في إيران حاليا ما هو إلا تتمة لدور ثورات "ملوك الطوائف" التاريخي، لذلك لم تستطع ثورة خميني أن تتجنب الانزلاق ضد العرب ما دامت تتحكم فيها عقلية القرن العاشر الهجري.

 

لماذا قطعت السعودية علاقاتها مع إيران

بالرغم من أن الحج مناسبة دينية لها قداستها وحرمتها، وبالرغم من أن المسلمين الذين يحجون إلى بين الله الحرام يتوجهون إلى مكة وإلى عرفات وإلى المدينة المنورة والخشوع يملأ قلوبهم وعبادة الله وتقواه هي نبراسهم، إلا أن إيران منذ تولي أمرها آية الخميني حاولت تحويل مناسبة الحج إلى غير مفهومها الديني، وخرقت آيات القرآن الكريم التي تقول بأنه "لا رفت ولا فسوق ولا جدال في الحج" ونادت بانتهاز المناسبة الكريمة من أجل التظاهر ومن أجل رفع الشعارات السياسية المفرضة.

ويبدو أن السبب الرئيسي الكامن وراء سياسة أية الله الخميني كان تنفيذ الهدف نادى منذ بداية ما ادعاه من "ثورة إسلامية، بتصدير هذه الثورة، خاصة إلى الدول المجاورة مثل السعودية والكويت.

وقد حاولت السعودية مرارا وتكرارا بواسطة سياسة النفس الطويل والصبر في التعامل مع نظام الخميني تعبيرا على الأسلوب الإيراني، ولكن تلك السياسة لم تلق التفهم الواجب من طهران، بل أنه في كل مرة كانت السعودية  مضطرة فيها للوقوف في وجه تحرشات النظام الإيراني الذي كان يتراجع ويخفف من حدة مواجهاته.

ومن أمثلة ذلك أنه عندما صعدت طهران من هجومها على السعودية بدعوتها لسكان المنطقة الشرقية إلى تخريب المنشآت النقطية في أبريل 1984 ومواجهة الرياض لتلك الدعوة التخريبية، غيرت طهران من لهجتها العدوانية وبدأت تلعب بورقة الصداقة والتفاهم.

ويجمع المراقبون على أن السبب في تحول إيران من العدوان إلى الاعتدال في ذلك الوقت هو حادث إسقاط الطائرتين الإيرانيتين خلال محاولتهما الاقتراب من المنشآت البترولية السعودية في مهمة استطلاعية.

والحقيقة هي أن العلاقات الإيرانية السعودية كانت على الدوام تخضع لعوامل عديدة لعل أهمها:

أولا: كراهية الخميني للسعودية باعتبارها القاعدة الإسلامية الكبرى التي يتطلع إليها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها.

ثانيا: الخلط الذي انتاب السياسة الإيرانية بعد سيطرة الغوغائية على قادة طهران، فقد بدأ هؤلاء القادة- كما نعرف جميعا- بتركيز هجومهم على الشيطان الأكبر أي أمريكا، ثم تطوروا وبدئوا يهاجمون الحكومة السعودية، وكشفوا عن وجههم الحقيقي بعد ذلك حينما أصبحت بياناتهم تدور وتلف صراحة حول هذه الحكومة.

ثالثا: الخطأ الذي ارتكبته حكومة الخميني حين اعتقدت أنه في وجود عدنان الخاشنجي وهو تاجر سلاح عالمي من أصل سعودي، ومطرود من الأراضي السعودية، ووجوده في قضية إيران-غيث، يعتبر دليلا على موافقة السعودية على الاتصالات السرية والإيرانية الأمريكية، وتناست طهران- بسذاجة غربية- أن تحقيقات لجنة تاور التي تناولت فضيحة "إيران-غبت، أكدت أن الخاشنجي كان الممول الرئيسي لصفقات الأسلحة الإسرائيلية الأمريكية التي شحنت إلى إيران في عامي 1985-1986 وعلى أية حال فإنه سجل العلاقات بين طهران والرياض كان على مدى الأعوام العشرة الماضية أي منذ قيام ثورة الخميني خاضعا للذبذبة وعوامل المد والجزر…فقد كانت طهران كلما قوبلت بموقف متفهم من السعودية تعتبر هذا الموقف مؤشرا على خوف سعودي من إيران وكانت تحاول استغلاله لتحقيق أطماعها الإقليمية أو الدولية.

وبلغ من صفه حكام إيران أنهم خلال زيارة وزير خارجية طهران على أكبر ولاياتي في عام 1976 للرياض، أنهم أضاعوا هذه الفرصة لتحقيق لون من التقارب بين السعودية وإيران، وخاصة أن ولاياتي استقبل بترحيب كبير من الحكومة السعودية… ففي الوقت الذي كان ولاياتي يصرح فيه بإمكان قيام علاقات تاريخية متميزة بين طهران والرياض اتصل رئيس وزراء غيران بسفارة إيران بالرياض وأمر بقطع الزيارة وعودة وزير خارجيته فورا على طائرة خاصة أرسلت على وجه السرعة إلى الرياض ! !  

ثم جاءت أحداث مكة خلال موسم الحج في عام 1987 لتؤكد أن طهران لا تعتبر السعودية عدوها الرئيسي فحسب، بل إن حربها ضد العراق ما هي إلا مقدمة لحرب أوسع نطاقا ضد السعودية والكويت.

ونذكر هنا أن أول مرة اكتشفت فيها السعودية وجود مخطط إيراني لتحويل مناسك الحج إلى مظاهرة سياسية ترفع فيها شعاراتها المفرضة كانت في 1983 حين عين الخميني، محمد موسوى خونيني ها، أميرا للحج ودس بين جموع الحجاج ألافا من أفراد  الحرس الثوري استعدادا وتحسبا للمواجهة  المحتملة مع البوليس والأمن السعودي…. وقد فشل المخطط الإيراني في حينه. وبالرغم من ذلك استمرت طهران في محاولاتها الرامية إلى إفساد موسم الحج وإخراجه عن هدفه الديني النبيل.

وما وقع في عام 1984 حينما اكتشفت سلطات الأمن السعودي المحاولة الإجرامية لدس المتفجرات وتهريبها إلى السعودية، وسكتت السعودية على ذلك حرصا منها على المحافظة على جلال موسم الحج بحيث لم يكشف عن محاولة تهريب المتفجرات إلا في لعام 1987.

وقد مارست إيران حملة إعلامية واسعة النطاق ضد السعودية، وهي حملة نفسية تستهدف إجبار الرياض على الموافقة على إدخال 150 ألف حاج إيراني، وهل هؤلاء الحجاج هو زوار بيت الله الحرام فعلا، أم هم من أفراد الحرس الثوري محترفي الشغب والعنف؟

وقد فشل المخطط الإيراني وجدت الحكومة السعودية نفسها في مواجهة تهديدات وأقدمت على قطع علاقاتها الدبلوماسية مع حكام طهران لكي يتوقفوا، ويفكروا في سياساتهم التهجمية تجاه السعودية، فأعلنت الرياض أنها حددت عدد الحجاج الإيرانيين في ذلك الموسم، وأن على حكومة طهران أن تحترم إرادة الحكومة السعودية وسيادتها على أرضها. وقابل الإيرانيون ذلك بالدهشة، فقد كانت الخطوة السعودية أكثر من مفاجأة لهم.

 

Voir les commentaires

كتاب حروب امريكا ،اسرائيل وبريطانيا على العراق/اسباب الحرب العراقية الايرانية /المؤلف صالح مختاري

 

أسباب الحرب العراقية الإيرانية

على امتداد ثماني سنوات كانت الجبهة العراقية الإيرانية مسرحا لأعنف المعارك في أطول الحروب التقليدية خلال هذا القرن. فالحرب كانت مبهمة، لا معنى لها ولا فائدة لها، لا تملك أية استراتيجية ولا تبررها أية شعارات. ثمان سنوات استفاد خلالها تجار السلاح وحدهم، فقد اشترت كل من العراق وإيران سلاحا متنوعا من 50 دولة، نذكر منها إسرائيل، جنوب إفريقيا، الشيلي، البرازيل، كوريا الشمالية، الصين، مصر، الاتحاد السوفياتي..الخ. 

أما الدول الثلاث الأكثر تصنيعا وبيعا للأسلحة فقد كانت المستفيد الأكبر من تجارة السلاح، وهي فرنسا، بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.

ولهذا السبب لم يفرح تجار السلاح لانتهاء الحرب، ولم تخف إسرائيل المستفيد الأول، عدم ارتياحها للتغير الذي سيطرأ على موازين القوى بعد قبول إيران القرار 598.

في 22 سبتمبر 1980 شن الجيش العراقي هجومه على إيران، بهدف توجيه ضربة قوية لتحذيرها من التمادي في سياستها الهادفة إلى تصدير الثورة الإسلامية  بحجة ما سبق قرار الحرب من أعمال العنف قام بها أشخاص موالون لإيران استهدفت تفجير الجامعة المستنصرية في بغداد وإطلاق النار على وزير الخارجية العراقي، طارق عزيز وهو يلقي محاضرة في الجامعة، ولكن سبقها أيضا إعلان الرئيس العراقي سقوط اتفاق الجزائر محاولة تلقين الدرس لم تتوقف إيران عند حدود الردع والتأديب، فقد أوحت القوة العددية لإيران، (48 مليون نسمة مقابل 15 مليون عراقي) بأنها قادرة  على سحق القوات العراقية، فأخذ زعيم الثورة الإيرانية العهد عل نفسه بأن يقضي على نظام صدام حسين، وإلا فلن تتوقف الحرب فكانت حرب المبادئ والمثل.

التشدد الإيراني والتفوق التكنولوجي العراقي أغرى الطرفين بالرهان على التفوق والانتصار الساحق، فقاد شعبيهما إلى خسارة بشرية واقتصادية، كانت أهم ما توصل إليه الطرفان من نتائج بعد ثماني سنوات من الاقتتال.

سواء كانت الأسباب المباشرة لإعلان العراق الحرب على إيران في عام 1980 تاريخية، تتعلق بمشكل الحدود أو سياسية تتعلق بوقف زحف الثورة الإيرانية التي هددت وجوده ورأى فيها خطرا على سياسته القومية، خاصة مع محاولات تصدير الثورة الإيرانية وتحرير مدينتي كربلاء والنجف فإن الشيء المؤكد أن الحرب التي استنزفت اقتصاد البلدين (أكثر من 240 مليار دولار من الخسائر) وقضت على أكثر من مليون نسمة من القوى النشيطة المنتجة وذات الكفاءة، لم تكن في النهاية سوى مشروع انتحاري لا غالب فيه ولا مغلوب، تقدر الاستثمارات الضائعة من مجموع الاستثمارات خلال سنوات الحرب بحوالي 40% بالنسبة لإيران و 60% للعراق، إضافة إلى تدمير عشرات المدن والقرى ومحوها من خريطة البلدين.

وإذا كانت خسائر العراق قد بلغت حوالي (226 مليار دولار)، فإنه لم يتضرر كثيرا أو بحجم تضرر إيران، فهو يتلقى الدعم المالي من دول الخليج، وقد استمر تدفق نفطه عبر أنانيب ثلاثة: اثنان عبر تركيا وخط عبر المملكة السعودية، الأمر الذي ساعده في تحمل تكاليف الحرب. أما إيران التي بقيت معتمدة على نقل نفطها عبر الخليج فقد عانت كثيرا من انخفاض صادراتها التي تقلصت بحوالي 60 بالمائة، بعد حرب الناقلات ، وضرب منشئات النقط كما عانى الاقتصاد الإيراني من عزلة دولية وعسكرة نسبة كبيرة من الشباب العامل والذي فقدته مراكز الإنتاج لصالح الحرب الخاسرة.

إن الحرب التي دامت 8 سنوات كانت إيران تعتمد فيها على التفوق العددي بحيث تقوم الهجومات متسلسلة تنفذها أمواج بشرية مسلحة يتصدى لها العراق معتمدا على التفوق التكنولوجي والإمداد المستمر (تبلغ تكاليف تجهيز الجيش العراقي أكثر من 60 مليار دولار منها 10 ملايير للتجهيزات الفرنسية. 

وكان الطرفان على ما يبدو معتمدين على عائدات النفط التي وفرت طيلة سنوات الحرب 140 مليار دولار لطهران و 100 مليار دولار لبغداد. إضافة إلى المساعدات الخارجية والتي شملت بصفة خاصة الصفقات السرية في تجارة الأسلحة بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة الأمريكية. كما درت تجارة السلاح أموالا معتبرة لفرنسا مقابل بيع صواريخ وطائرات للعراق الذي تعتبره زبونا رئيسيا لها.

أما المستفيد الأكبر من الحرب العراقية الإيرانية فهي إسرائيل، التي لم يخفي وزير خارجيتها مخاوفه من توفقها، وعلق على توقيف الحرب بقوله أن العراق قد بنى جيشا قويا، والسؤال الآن هو معرفة ما إذا كان سيركز جهوده في إعادة البناء أو يحاول بسط هيمنته.

لقد استطاع العراق فعلا أن يبني جيشا قويا تعداده حوالي مليون ونصف مليون جندي موزعين على سبعة فيالق و 50 فرقة.

ويملك من العتاد والسلاح أكثر من 4500 دبابة مع 2800 ناقلة للدبابات و 4 آلاف مصفحة، إضافة إلى سلاح جوي متطور يتوفر على أكثر من 500 طائرة قاذفة ومقاتلة وطيارين متمرنين على المهات الصعبة.

امتلاك صواريخ أرض- أرض التي يصل مداها إلى أبعد من 600 كلم ويمكنها أن تحمل عبوات نووية، وهذا أهم ما يخيف إسرائيل لأنها معرضة للإصابة في أي مكان بواسطة هذه الصواريخ.

وبشكل آخر، إعادة بناء الاقتصاد العراقي وإستدراك التأخر الذي فرض على الصناعة بسبب نقص الاستثمارات فيها وتوجيهها إلى شراء الأسلحة وكذلك إعادة بناء المفاعل النووي فرصة للدول الغريبة التي لن تخفي رغبتها في استثمار أموالها ضمن صفقات ضخمة مع العراق. وقد شرع العراق في تشجيع القطاع الخاص لتسيير الشركات التابعة للقطاع العام في مجال الصناعة.

إن الحرب العراقية الإيرانية التي دامت ثمان سنوات لم تكن في صالح أحد الطرفين، وإن كانت قد عادت إيجابيا على الجيش بتطوير تجهيزاته، وتحسين مقدرته القتالية فهي قد خربت اقتصاد البلدين وخلفت أجيالا من اليتامى والأرامل والمشردين. ولم يكن النصر في مرحلة ما حاسما لأحد الطرفين على الأخر.

 

 

 

المراحل الأربعة التي مرت بها الحرب العراقية-الإيرانية

1- الهجوم العراقي:

من سبتمبر 1980 إلى جوان 1982، حيث تمكن العراق من احتلال آلاف الكيلومترات من التراب الإيراني.

 

2- الهجوم الإيراني المضاد:

من جويلية 1982 إلى ربيع 1984، حشدت إيران أمواجا بشرية مسلحة يدفعها الحماس، وتمكن بعد خسائر كبيرة من دخول التراب العراقي وحاولت عبثا احتلال الطريق الرابط بين بغداد والبصرة، وفي تلك الأثناء وجهت الإتهامات للعراق باستعمال الغازات السامة والمحظورة دوليا، ولكن الإيرانيين تمكنوا من احتلال جزر مجنون التي تحتضن 15%  من احتياطي النفط العراقي.

 

3- بداسة الحرب الاقتصادية:

فقد لجأ الجيش العراقي الذي حوصر إلى حدما، إلى الاستنجاد بطائرات (سوبر- إيطندار) الفرنسية المزودة بصواريخ (إيكزوسات) الفرنسية أيضا، فجهز بها قواته الجوية وحدد لها منذ مارس 1984 مهمة تدمير منشآت النفط الإيرانية في جزر خرج وسيري ولاراك.

وردت إيران بضرب ناقلات النفط التابعة لحلفاء العراق وخاصة الكويت والمملكة السعودية.

حرب الناقلات كانت حصيلتها تدمير 520 ناقلة وباخرة وإلحاق الضرر بها. ولكنها لم توقف تصدير النفط.

في مارس 1985 وأفريل 1987 ومارس 1988 فتح العراق جبهة جديدة تمثلت في ضرب أكبر المدن الإيرانية بصواريخ أرض-أرض السوفياتية (سكود) وقد بلغ عدد هذه الصواريخ في شهر مارس 1988 فقط، 170 صاروخا أصابت طهران وما جاورها مقابل 40 صاروخا سقطت على بغداد.

 

4- مرحلة تدويل النزاع:

  وذلك بعد التدخل المباشر للولايات المتحدة الأمريكية لحماية ناقلات النقط الكويتية أولا تم فيما بعد من كل الجنسيات، وكان هذا على إثر إمداد إيران بصواريخ صينية استعملتها في الخليج (ماي 1987).

وأرسلت فرنسا حاملة الطائرات (كليمنصو) Clemenceau التي تكلفها كل شهر 100 مليون فرنك.

ابتداء من أفريل 1988 استعاد العراقيون ميناء الفاو وأغرقت البحرية الأمريكية ستة بواخر إيرانية، ثم استعاد العراق جزر مجنون ومدينتي ومهران وحلبجه.

 

حيثيات القرار 598

في الوقت الذي بدأ الصراع يدخل منعطفا جديدا ويكاد يتحول إلى نزاع دولي تتضارب فيه عدة مصالح، صدر القرار 598 عن منظمة الأمم المتحدة. ولم تفلح قبل هذا كل جهود ومحاولات الوساطة لتوقيف الحرب، وإن كانت الجبهة قد عرفت فترات من الاستراحة وتخفيف الهجومات، وقد حاولت من لجنة المساعي الحميدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي وحركة عدم الانحياز، وغيرها إيجاد تمهيدات لإقناع الطرفين بإنهاء الحرب، إلا أنها قوبلت بالتشدد والإصرار على الحرب خاصة من الجانب الإيراني، الذي ترجمه قول الإمام الخميني فور صدور القرار بأن "قبوله أصعب من تجرع السم".

العراق رحب بالقرار فور الإعلان عنه لأنه تضمن كثيرا من المقترحات التي تقدم بها، لأنها النزاع ضمن مشروع من خمس نقاط في جويلية 86، وإذا كان من الصعب فهم الأسباب التي دفعت إيران إلى الرفض، فإن معرفة أسباب قبولها متروكة للمستقبل حسب ما قلاه هاشمي رافسنجاني الرئيس السابق للبرلمان الإيراني: "قد نحتاج إلى وقت للتحقق من طبيعة القرار الذي اتخذه سماحة الإمام، ولماذا اتخذ قرارا مفاجئا بالقبول، ولماذا حصل مثل هذا الانعطاف في الحركة الكبيرة لهذا السلوك، وهو ما لم يكن منسجما مع التوجه السابق الذي كنا حددناه".

ويتضح لمتتبعي الأحداث، أن أسبابا كثير دفعت غيران إلى قبول القرار 598، بعد سنتين من التشدد ومحاولة تخطي الواقع الاقتصادي والعسكري.

لقد عرفت إيران على مستوى علاقتها السياسية بالمحيط الدولي عزلة شبه تامة ناتجة عن التشدد وإهمال الواقعية، فخسرت بذلك علاقاتها مع العالم الإسلامي والعربي  ومحيطها الطبيعي، أي دول الخليج، وكذلك الدول الغربية والمعسكر الشرقي.

كما كان للانفراج الدولي الذي طرأ على محيطها القريب في أفغانستان واتجاه المعسكرين إلى التفاهم حول عدة نقاط ساخنة في العالم إثره عل القوى الداخلية ومختلف تياراتها.

ومن الناحية الاقتصادية تضررت إيران كثيرا من جراء إصابة كل منافذ تصدير للنفط وهبط حجم صادراتها ضمن منظمة أوبك إلى 60% كما عانا من حصار اقتصادي دولي وتقلص محيط مبادلاتها التجارية.

ويجمع الملاحظون والمتتبعون لتطورات حرب الخليج منذ بدايتها أن ميزان قوى العسكرية تغير في الأخير أي بعد مرحلة تدويل النزاع المشار إليها لصالح العراق، وهو الأمر الذي أحدث ضغوطا داخلية في القيادة الإيرانية كان من نتيجتها تسليم قيادة القوات المسلحة لرئيس السابق للبرلمان هاشمي رافسنجاني في 2 جوان 1988، الذي أخذ يتحدث عن استراتيجية عسكرية جديدة.

في 17 جويلية 1988 أعلن العراق البلاغ العسكري رقم 3264 عن انسحاب قواته من منطقة دهلورانن حيث استطاع الجيش بعد تحرير منطقة زبيدات الحدودية والتوغل إلى مسافة 40 كلم داخل التراب الإيراني.

لقد وجد الجيش العراقي سهولة كبيرة في استعادة الأراضي التي احتلها الإيرانيونن ودارت معارك عنيفة لتحرير مدينة حلبحة كما تمكن من أسر 700 إيراني في منطقة زبيدات، وقد لاحظت مصادر صحفية أن أثار المعارك لم تكن بالشكل المعهود الأمر الذي جعلها ترجح أن انسحابا إيرانيا مكثفا وسريعا ساعد على استعادة المناطق المذكورة.

ولعل ما يفسر ذلك إعلان إيران في الغداة أي يوم 18 جويلية قبولها للقرار 598 ولذلك دخلت حرب الخليج منعطفا جديدا تأكد يوم 20 أوت حيث أوقف الجانبان رسميا إطلاق النار، لكن العراق لم تقتنع قبل هذا بقبول، إيران استهدف فيها الطيران العراقي أحد المراكز النووية، وتم إسقاط ثلاث طائرات له من بين خمس طائرات قتالية قامت بالمهمة، حسب طهران، التي دعت مجلس الأمن للانعقاد.

   التصعيد كان تأكيدا لإنهاء الحرب بالتفوق، وبالتالي تأكيد أحقية العراق في فرض اتفاقية الجزائر لعام 1975، المتعلقة بالسيادة على شط العرب. وإيران من جانبها تعتبر الحرب التي خاضتها طيلة ثماني سنوات حربا دفاعية ولابد في الأخير من تحديد الظالم لإنصاف المظلوم.

وسط التحفظات وللحذر المتبادل وكذلك الاتهامات بخرق الهدنة كان الأمين العام للأمم المتحدة لا يضيع وقتا، وقد تمكن من أن يلعب دورا بارزا منذ أكثر من سنة من الجهد الدبلوماسي الذي توجه القرار 598.

وفور إعلان إيران قبول القرار بدأ الإعداد لإرسال القوات الأممية لمراقبة وقف إطلاق النار، وقد وصل إلى بغداد وطهران في 10 أوت 1988 فريقان من الملاحظين الأممين للإشراف على تنصيب تلك القوات المسماة "القبعات الزرقاء".

فقد شاركت 24 دولة في القوات الأممية الملاحظة وهي: الأرجنتين، أستراليا، النمسا، بنغلاديش، كندا، الدانمراك، فنلنده، غانا، المجر، الهند، إندونسيا، إيرلنده، إيطاليا، كينيا، ماليزيا، زيلندة الجديدة، نيجيريا، النرويج، بولونيا، السينغال، السويد، تركيا، يوغسلافيا، زامبيا وتضم القوة 350 ضابط على رأسهم الجنرال اليوغسلافي سلافكو جوفيتش ولأول مرة تضم القوات عناصر للمراقبة البحرية.

تعتبر البعثة السابعة من نوعها منذ نشأة الأمم المتحدة، وقد قدر الأمين العام للأمم المتحدة 74 مليون دولار لتمويل البعثة خلال ستة شهور، تدفعها الدول المشاركة ضمن مساهمتها في ميزانية المنظمة كما عبر عن أمله في أن تدفع الولايات المتحدة الأمريكية نصيبا من المصاريف وذلك رغم ديونها تجاه المنظمة التي تبلغ 450 مليون دولار.

وقد أبدى ممثل الولايات المتحدة استعداد بلاده لدفع التكاليف مبينا أن الولايات المتحدة طلبت من دول الخليج المساهمة بقيمة 20 مليون دولار.

إن القرار 598، تضمن وقف إطلاق النار وإجراء تحقيق مستقل لتحديد البادي بالحرب وكانت إيران قد رفضت من قبل الموافقة عليه ما لم يتم تحديد العراق كمبادر بالعدوان. لكن التنازلات التي قام بها العراق فيما يخرص المفاوضات المباشرة جعلت إيران تعلن قبولها لباقي نقاط القرار، وتغض الطرق عن المبادئ بالعدوان، ويبدو أن هذا ما دفع العراق إلى التأكيد، على الخلاف بشأن مشكل الحدود الدولية والسيادة على شط العرب.

والحقيقة أن هذه النقطة بالذات كانت محل نزاع منذ بداية القرن، حيث توصلت الوساطات الروسية والإنكليزية في 1913 و 1914 إلى اتفاق الدولة العثمانية وإيران على توقيع بروتوكول حدود بينهما، سميت اتفاقية "أرضروم" (تركيا).

لكنها سقطت بسقوط الإمبراطورية العثمانية وانتهاء الحرب العالمية الأولى وقد عقدت في 1937 اتفاقية بين العراق وإيران لتنظيم النزاع الحدودي ضمن ميثاق سعد أباد، لكن موت ملك العراق وقيام الحرب العالمة الثانية أسقط الاتفاقية.

وفي 1975 عقدت اتفاقية الجزائر، التي استوجبت لإلغائها ثمانية أعوام عجاف من الحرب والدمار، فهل يعقل أن يبقى السلام في الخليج مهددا بكابوس الحسابات الإستراتيجية والمطالب الراديكالية.

 

Voir les commentaires

كتاب حروب امريكا،اسرائيل وبريطانيا ضد العراق/اسباب حماية امريكا للكويت/المؤلف صالح مختاري

 

 

 

أسباب حماية أمريكا للكويت

لا يختلف اثنان في أن إقدام العراق على ما أقدم عليه يعتبر قنبلة التي فجرت الأوضاع وقلبتها رأسا على عقب، تلك الأوضاع التي كانت توحي بقضاء صيف هادئ بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، وبعد انتهاء أحداث أوروبا الشرقية، فكل الدوائر السياسية والإعلامية توجهت أو كانت تتهيأ لقضاء عطلة صيفية، فجورج بوش أدار الأرمادا وحرك قواته واتخذ قراراته السياسية وهو في مركز يبعد عن واشنطن بمئات الكيلومترات. وكذا الحال لبقية الرؤساء بما فيهم الرؤساء والملوك العرب، حيث تحولت مراكز العطل والاصطياف إلى عواصم سياسية تدار منها أخطر أزمة تعرفها أخطر منطقة، أزمة مست مباشرة ترتيبات القوى الرأسمالية في منطقة الخليج، أزمة مست الأنظمة السياسية المقننة حسب الطلب والحاجة الأمريكية والأوروبية في المنطقة، ولهذه الأسباب كلها قامت القيامة على العراق !

ردود الفعل جاءت من الشرق والغرب قبل أن تأتي من الدول العربية نفسها التي تريثت أياما قبل أن تعلن موقفها، لأنها كانت تنتظر مواقف القوى الدولية وبعبارة أخرى فإن البلدان العربية والعالم كله كان ينتظر موقف واشنطن وسلوكها قبل أن تتوالى تباعا ردود الفعل الأخرى مطابقة في أغلب صورها لهوى واشنطن، ولم يستثن من ذلك حتى مجلس الأمن الدولي للأمم المتحدة التابع لواشنطن الذي تحرك طبقا لرغبات البيت الأبيض وظل يعقد اجتماعاته ويصدر فرماناته لفرمنة العراق سياسيا ثم اقتصاديا وأخيرا عسكريا.

الولايات المتحدة ومجلس الأمن الدولي والمجموعة الدولية كلها أجمعت بأن الاجتياح العراقي للكويت مخالف للشرعية الدولية وبعبارة أخرى مخالف للسياسة والمصالح الأمريكية والأوروبية، ولما كانت الولايات المتحدة هي مصدر "الفتوى" السياسية التي تطابق بين  تصرفات الدول والمواثيق الدولية، فهي التي تقرر ما إذا كانت هذه التصرفات أو تلك شرعية أو لا. وقد رأت هذه المرة أن تصرف العراق عير مطابق للشرعية الدولية وذلك على خلاف تصرفات واشنطن في غرينادا وبانما، وتصرفات إسرائيل في لبنان وفلسطين، فهذه الأخيرة مطابقة للقوانين الدولية والأخلاق الإنسانية، أما صدام حسين فهو "الدكتاتور" الذي بعث 'هتلر" من مرقده المجهول، وهذا هو منطق الشرعية الدولية التي نصبت نفسها زعيمة العالم الحر وحامية للديمقراطية والحرية والسلام في العالم.

ردود الفعل كانت متفاوتة حسب القدر والقدرة، وتبدأها أولا بالدول العربية، فهي وإن اجتمعت على إدانة التدخل العسكري العراقي في الكويت إلا أن إدانتها تراوحت بين مجرد الاستنكار والتحرك العنيف وهذا ما ظهر في قمة القاهرة الطارئة، حيث انقسمت القيادات السياسية على نفسها، اتجاه يرى أن القضية عربية ويجب حلها عربيا ولا تستحق إقحام القوى الأجنبية المعادية في هذه القضية  وأن إقحامها بالشكل الذي تم أمر خطير أكثر من خطورة التصرف العراقي، أما الاتجاه الآخر فقد تزعمته السعودية ومصر باعتبارهما أكثر ولاء للولايات المتحدة الأمريكية، فالرياض قد صعدت الموقف وقبلت عرض واشنطن بإرسال قوة عسكرية ضخمة إلى المملكة العربية السعودية ليس للوقوف في وجه أي هجوم عراقي على السعودية ولكن استعدادا لضرب العراق وردعه بالقوة حتى يعود من حيث أتى، وحتى تبقى المنطقة ضمن دوائر النفوذ المعدة لها سلفا، والموقف السعودي هذا وافقته مواقف الإمارات الخليجية وبعض الدول غير الخليجية التي لم تتأخر في تبنى الموقف السعودي دون أية اتفاقية للرأي العام الوطني والعربي من معضلة الخليج، وما تجدر الإشارة إليه أن الولايات المتحدة التي كانت غاضبة جدا على صدام حسين  و"خرجاته" المقلقة لواشنطن في المنطقة فقد تحركت أساطيلها بسرعة، وأرسلت وزير دفاعها (ديك تشيني) إلى المنطقة ليمهد الطريق لنزول القوات الأمريكية الضخمة في الدول المجاورة للعراق استعداد لساعة الحسم، أما على الصعيد السياسي فقد رمت بكل ثقلها لجر أبتاعها وحلفائها في صف واحد، كما جندت مجلس الأمن الدولي ولأول مرة في تاريخه لإصدار قرارات "الشرعية" كغطاء لما تقرره واشنطن فيما بعد ضد العراق ابتداء من المقاطعة الاقتصادية والخطر التجاري والحصار البحري واستعمال القوة العسكرية لفرض الخطر والحصار لحمل العراق على الاستسلام وانسحاب قواته إلى ما كانت عليه قبل اكتساح الكويت، وذلك دون قيد أو شرط.

الولايات المتحدة كانت تدرك أن عناد العراق لا مثيل له وأن قواته العسكرية على قدر كبير من الاستعداد والتجربة، ولهذا تحركت بقوة واستعدت لجميع الاحتمالات وأعدت لذلك كل الوسائل العسكرية الممكنة لحل الإشكالية بالقوة، إن عجزت وسائل الضغط السياسي والخطر الاقتصادي والحصار البحري وتشمل هذه الوسائل أيضا العمليات المخابراتية السرية للإطاحة بنظام الرئيس "صدام حسين"، حيث أكد الرئيس بوش  في تصريحاته أنه لا يستبعد اللجوء إلى القوة العسكرية وأنه أعطى أوامره للأجهزة المختصة للعمل على الإطاحة بالنظام القائم في بغداد، فهل تستطيع قهر تمرد صدام حسين مثلما قهرت نوريغا من قبل؟ وإذا كان البعض يرى بأن هذا الاحتمال هو المرشح في الصراح العراقي-الأمريكي، فإن البعض الآخر يرى خلاف ذلك لأن العراق ليس "باناما" وأن صدام حسين المدعوم بشعبه ليس هو "ترويغيا" الصنيعة الأمريكية المتمردة، ومهما يكن الأمر فإن التصعيد العسكري يبقى  الطابع المميز لأثناء العراق عن عزمه والإبقاء على الترتيب الأمريكي الموضوع سلفا للمنطقة وهو الترتيب الذي يجعل منابع النفط تحت إمرة واشنطن المباشرة لكي تتحكم في رقاب أوربا واليابان، وهي القوى الاقتصادية المنافسة والمهددة لمركز الولايات المتحدة الأمريكية بعد انتهاء سيطرتها العسكرية بانتهاء الحرب الباردة وزوال الخطر الشيوعي بعد تفكك الكتلة الشرقية واختناق الاتحاد السوفييتي في شرنقته الداخلية، ولذلك عمدت واشنطن إلى الضغط على كل حلفائها وأتباعها وجرهم إلى الدخول في مواجهة مفتوحة مع العراق بدعوى أن واشنطن لا تتحمل وحدها دائما أعباء الدفاع عن مصالح الدول المصنعة في العالم الثالث خاصة وأن هؤلاء الشركاء قد باتوا منافسين أقوياء للآلة الاقتصادية الأمريكية، وأن كل المؤشرات تدل على أنه بعد انتهاء الحرب البارجة فإن الحرب القادمة ستكون حربا اقتصادية بين القوى الاقتصادية الكبرى بعدما ظهر من الدلائل ما يرشح انزواء  الاقتصاد الأمريكي أمام الزحف الياباني والأوروبي.

وعلى صعيد آخر، فإن اشتراك الحلفاء في عملية التصدي لنظام صدام حسين، يعني أن الولايات المتحدة لم يعد بمقدورها تحمل أعباء حرب خارج حدودها لأن تكاليفها باهضة جدا، كما يعني أيضا تخوف الولايات المتحدة من تحمل  انتكاسة عسكرية تذهب برهبتها العسكرية، فعقدة الفيتنام لا تزال ماثلة في أذهان الأمريكيين والخوف من تكرار الهزيمة أمام قوة معتبرة مثل العراق أمر وارد في التفكير الأمريكي. لذا عمدت واشنطن إلى إشراك حلفائها الأوروبيين وبعض أتباعها المناهضين لصدام حسين لإرهاب العراق في مرحلة أولى، ولضربه في مرحلة ثانية، ولتغطية بقائها في المنطقة كمرحلة ثالثة تحت غطاء الشرعية الدولية.

ولكي تضمن واشنطن انصياغ حلفائها وأبتاعها، عمدت إلى شن حملة نفسية مركزة للتهويل من الخطر العراقي على كل الدنيا، ودعت المجموعة الدولية لمساندتها في درء هذا الخطر، وهي الطريقة التي أدار بها بوش سياسته في الخليج، والتي تتماشى والسياسة الدولية للولايات المتحدة في ظل اختفاء صراع شرق-غرب، وغياب منافس لها في مقام الاتحاد السوفييتي، وحتى لا يتقهقر وضعها فهي بحاجة دائما إلى عمل صاخب يعيد لها فرض سيطرتها على القوى الاقتصادية الأوربية واليابانية وهو ما لا يتأتى لها إلا إذا خلقت جوا دوليا متوترا يلغي كل الحسابات الأوروبية واليابانية ويعيدها تحت المظلة الأمريكية مثلما كانت في سنوات الحرب الباردة.

مما لا شك فيه أن للبلدان الأوروبية واليابان مصالح مباشرة وحيوية في منطقة الخليج ومن مصلحتها أن تبقى بلدان هذه المنطقة على وضعها حتى تبقى كما كانت مصدرها الرئيسي للطاقة وسوقا استهلاكيا للصادرات الصناعية لكل أصناف المنتوجات ابتداء من المعدات الثقيلة إلى أجهزة الألعاب الإلكترونية والمواد الغذائية وكل صغيرة وكبيرة في حياة البذخ الاستهلاكية بالإضافة إلى أن هذه البلدان تشكل مجالا حيويا لنشاط الشركات الأوروبية واليابانية لإنجاز مشاريع ضخمة وهو ما لا  تجده هذه الشركات في مناطق أخرى من العالم. وهناك عامل آخر يتمثل في توجه رؤوس الأموال الخليجية إلى البنوك الغربية سواء بطرق مباشرة أو غير مباشرة ولكنها تؤدي في النهاية إلى تراكم الأموال  وتداولها في الدول الصناعية، ولهذه الأسباب كلها كان من مصلحة أوروبا واشنطن أن لا تتغير الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، وهي مصلحة تقتضي ضرب كل من يحاول تتغير هذه الخريطة.

لكن أوربا واليابان تدرك أكثر من غيرها أن التصعيد الأمريكي مبالغ فيه وأن الخطر العراقي لم ولن يصل  إلى الحد الذي تفتعله واشنطن، وأن الإدارة الأمريكية إنما عمدت إلى هذا التصعيد كله لإحكام السيطرة الأمريكية على منابع النفط أو بالأحرى للإمساك برقبة أوروبا واليابان وليس لحمايتها من خطر العراق فعندما تتحكم الولايات المتحدة بالمصدر الأول للطاقة يمكنها أن تتحكم في السياسة الاقتصادية للمجموعة الأوروبية واليابان وتجعلها تحت رحمة الولايات المتحدة الأمريكية التي بدأت تفقد شيئا فشيئا هيمنتها الاقتصادية على العالم بعد الطفرة اليابانية والوحدة الأوروبية، وأمام شعور اليابان وأوروبا بهذه النوايا والخطط الأمريكية لم ترد وتقاعست أكثر وتركت الساحة لواشنطن وحدها، بل رمت بنفسها وراءها حتى جاءت ساعة تقاسم الغنيمة، كان لها الحق في المطالبة بنصيبها، وهذا ما يفسر لنا خروج فرنسا عن موقفها المعتدل في الأيام الأولى من الأزمة، بحيث كانت تنادي بالتعقل والحكمة في حل المشكلة ولكنها أضحت بعد ذلك على شاكلة الولايات المتحدة في رؤيتها لازمة الخليج، على الرغم من محاولات باريس الدائمة لإيجاد سياسة مستقلة عن السياسة الأمريكية، بخلاف بريطانيا التي تميزت سياستها بالتأييد مستقلة من السياسة الأمريكية، بخلاف بريطانيا التي تميزت سياستها بالتأييد المطلق لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية خطوة بخطوة أما بقية البلدان الأوروبية الأخرى فقد انصاعت لضغوط واشنطن رهبة ورغبة كي تبقى حليفا أو تابعا لواشنطن أو حتى لا تغضب البيت الأبيض لأن غضب هذا البيت يعني الكثير من المخاطر.

أما الاتحاد السوفييتي الذي انهارت كتلته وتصدعت إمبراطوريته وتشققت أسوار الكرملين، فلم يعد ذلك العملاق العنيد الذي يرعب العالم الحر، فتخلى عن عقيدة الثورة الاشتراكية وإيديولوجية الشيوعية، وأصبح يعمل على حفظ ينيان دولته الاتحادية المهتزة تحت ضربات الأزمة الاقتصادية والمطالب السياسية الانفصالية، وصارت مصلحته الاقتصادية والسياسية تقتضي أن يكون تابعا لأمريكا وحليفا لها، ولذلك لم يتجرأ على استعمال حق النقض ولو مرة واحدة في مجلس الأمن حتى في قراره الأخير الذي يفتح الباب لاستعمال القوة ضد العراق رغم أن موسكو تربطها معاهدة للصداقة والدفاع المشترك مع بغداد…

وهكذا ينتهي الصراع الإيديولوجي لحساب التقارب الاقتصادي والمصالح المتبادلة بين الشرق والغرب. وحتى الصين نفسها لم تذهب بعيدا في سياستها المناهضة لاستعمال القوة العسكرية إذا حذت حذو موسكو. فبعد أن كانت بكين تعارض بشدة استعمال القوة ضد العراق تراجعت عن ذلك فجأة بعد زيارة ولي العهد الكويتي إلى الصين، وصوتت إلى جانب واشنطن وموسكو ولندن وباريس ترى ما هو المقابل الذي تلفته بكين، وهل قبضته "كاش"  أم تأجل الدفع ليوم العسرة والشدة كيوم ربيع بكين في عام 1990.

أما البلدان العربية التي أرسلت قواتها إلى الخليج لتكون كلاب حراسة الجنود الأمريكان قبل بدء الحرب، فهي  فعلت ذلك تقربا من أرباب البترو-دولار وسادة البيت الأبيض ولن نقول أكثر من ذلك حتى نسيء إلى أحد رغم أن مقايضات المواقف السياسية بالدولارات الأمريكية والريالات السعودية لا تخفى على أحد.

 

Voir les commentaires

كتاب حروب امريكا ، اسرائيل وبريطانيا على العراق /ازالة الخطر العراقي على اسرائيل/المؤلف صالح مختاري

 

إزالة الخطر العراقي على إسرائيل

جاء في تصريح المستشار السابق للبيت الأبيض بريزينسكي: "أن الحرب ضد العراق تخدم كثيرا إسرائيل… ومن الناحية الجيو-سياسية تعتبر إسرائيل الرابح الكبير.

وهكذا كان الحال بعد أن وضعت الحرب أوزارها، وكانت نتيجتها مكسبا حيويا بالنسبة لإسرائيل، فهي من الناحية الجيو-استراتيجية رأس الجسر الأمامي لمصالح أمريكا، بل الولاية 51 من مجموعة الولايات الأمريكية، وقد بدا واضحا أنه من التناقض الصارخ سماع تصريحات بعض الساسة التي تقول بأن الغرب قد ضغط على إسرائيل حتى لا ترد على الهجومات الصاروخية العراقية، وأن إسرائيل قد استجابت كغير عادتها لهذه الضغوط وتملكت نفسها عن الانتقام من العراق، وقد صورت وسائل الإعلام ذلك بشكل يوحي بأن الآلة العسكرية الإسرائيلية قادرة على سحق العملاق بعد أن عجز حماة إسرائيل أنفسهم عن ذلك.

ويغير من مجريات الأمور ويوسع من دائرة الحرب، وهذا ما تخشاه أمريكا فاستغل الإسرائيليون هذه الورقة، بممارسة سياسة الابتزاز على أمريكا رغم ما تتلقاه منها من مساعدات مالية، مقابل سكوتها المصطنع وبذلك كانت إسرائيل المستفيد الأول من المساعدات الأمريكية الخارجية في ميزانية 1992 بمبلغ 3 ملايير دولار منها 1.8 مليار دولار على شكل مساعدة عسكرية ويضاف إلى ذلك أن إسرائيل تقدمت بطلب رسمي للبيت الأبيض لتقديم مساعدة عسكرية عاجلة قدرها مائة مليون دولار لتغطية النفقات التي نجمت عن حرب الخليج، وأعلنت إسرائيل أنها تريد أن تدخل تلك المساعدات ضمن قائمة المساعدات الاستثنائية التي أضيفت إلى ميزانية 1991 للإنفاق على عملية "عاصفة الصحراء" التي تستثني من القيود المفروضة على الميزانية العادية العامة لعام 1992. وفي هذا الصدد أيضا فإن الممثل الديبلوماسي الإسرائيلي في الولايات المتحدة (زلمان سوفان) قدم طلبا إلى وزارة الخارجية في واشنطن ليضغط الكونغرس على الحكومة الأمريكية لحملها على إدخال مساعدات إسرائيل ضمن الميزانية الإضافية المطلوبة للحرب.

كما أعلنت المجموعة الاقتصادية الأوروبية على لسان رولان دوما وزير خارجية فرنسا السابق تقديم 150 مليون وحدة حسابية أوروبية بما يعادل 210 مليون دولار. رغم أن هذه المساعدة قد تخلق صعوبات مالية أمام المجموعة الأوروبية.

كما استفادت إسرائيل من مساعدات ألمانية تمثلت على وجه الخصوص في صواريخ باتريوت التي يكلف صنعها أموالا ضخمة، إلى جانب مئات الملايين من الماركات.

لقد خدمت هذه الحرب استراتيجية إسرائيل إلى البعد الحدود إذ كيف تفسر حرب الإبادة المعلنة على الشعب العراقي، رغم قبول العراق قرارات هيئة الأمم بما في ذلك الانسحاب من الكويت، لذا فإن هذه الحرب لم تكن في يوم من الأيام حرب الشرعية الأممية بقدر ما هي حرب لتكسير شوكة نظام العراق.

لقد جاءت منذ بداية الحرب تصريحات المسؤولين الصهاينة كدعوة لتدمير القوة العسكرية والاقتصادية للعراق باعتباره يشكل قوة ردعية تهدد أمن إسرائيل، والإطاحة بنظام صدام حسين واستبداله بنظام عميل يخدم مصالح أمريكا ويؤمن مخططات آل صهيون في المنطقة لأن صدام تمكن من تأجيج غضب الشارع العربي والإسلامي وهذا ما تخشاه إسرائيل.

وعند بداية الحرب البرية صرح موشي ارينز: "أهلا بالحرب، إننا الآن هادئون ومطمئنون… ونتمنى أن تؤدى هذه العملية إلى تدمير العراق وإسقاط نظام صدام حسين…".

ومع بروز الخطة السوفييتية حذر وزير الدفاع موشي أرينز من بقاء فعالية القوة العسكرية العراقية في حالة قبول التحالف للمبادرة السوفييتية وتمنى أن تستمر الحرب ليتم القضاء على هذه القوة بصفة حاسمة.

ومع الإعلان عن وقف إطلاق النار أبدت تل-أبيب ارتياحها لتدمير جزء هام من الآلة العسكرية العراقية، كما لم يفتها اشتراط جملة من التدابير منها:

- التدمير الفوري للصواريخ منصات إطلاقها  المنصوبة غرب العراق.

- تدمير الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والقدرة العراقية التي تتيح صنعها

- منع العراق كليا من الحصول على التكنولوجيا والمعدات والمواد الضرورية لصنع أسلحة الدمار الشامل بدعوى أن هذه الأسلحة تهدد كيانه.

- وضع رقابة على التسلح العراقي.

- يتعهد العراق رسميا بعدم الاعتداء على إسرائيل.

- الإبقاء على الخطر الدولي المفروض على العراق طالما لم يوافق العراق على توقيع اتفاقيات سلام مع دول المنطقة بما فيها إسرائيل.

وهذه الشروط الإسرائيلية تجسدها الشروط التعجيزية للولايات المتحدة الأمريكية بغية تركيع العراق بعد تمريرها عن طريق مجلس الأمن-الأمريكاني.

وهكذا لم يعد يخفي على أحد، أن هناك ارتباط وثيق بين ما يجري وما جرى في الخليج وبين مشاركة الصهاينة في التخطيط والتنفيذ وإدارة العمليات في المنطقة تحت مظلة الأمريكان وما يجري في الخليج هو أحد المخططات التي كتب عنها كاتب الدولة الخارجية الأمريكي الأسبق اليهودي الأصل (هنري كيسنجر) منذ عام 1985، حيث ذكر أنه لا بد من حرب شاملة في المنطقة، بحيث يعاد تقسيم هذه المنطقة بعد نهاية الحرب بشكل يضمن لإسرائيل أن تكون الدولة الكبرى القوية هناك وهو ما يجري تنفيذه الآن، فالهدف الصهيوني الغربي هو تمهيد لإحياء إسرائيل الكبرى ولهذا فالغرب كله يشارك في هذه الحرب القذرة، مع استغلال الطاقات العربية البشرية والمادية.

لقد خطط الصهاينة في السابق لإيجاد أوضاع متأزمة، تفسح المجال لتحقيق آمالهم المتمثلة في إسرائيل الكبرى في إطار النظام الدولي الجديد وإعادة ترتيب أوضاع المنطقة حسب ما تسمح به الظروف وإعطاء الأولوية لخدمة أهداف إسرائيل التوسعية حسب المنطلق الأمريكي.

وهكذا لم يعد يخفى على أحد أن هناك ارتباط وثيق بين ما يجري وما جرى في الخليج وبين مشاركة الصهاينة في التخطيط والتنفيذ وإدارة العمليات في المنطقة تحت مظلة الأمريكان وما يجري في الخليج هو أحد المخططات التي كتب عنها كاتب الدولة الخارجية الأمريكي الأسبق اليهودي الأصل (هنري كيسنجر) في عام 1985، حيث ذكر أنه لا بد من حرب شاملة في المنطقة، بحيث يعاد تقسيم هذه المنطقة بعد نهاية الحرب بشكل يضمن لإسرائيل أن تكون الدولة الكبرى القوية هناك، وهو ما يجري تنفيذه الآن، فالهدف الصهيوني الغربي هو تمهيد لإحياء إسرائيل الكبرى، ولهذا فالغرب كله شارك في هذه الحرب القذرة مع استغلال الطاقات العربية البشرية والمادية.

 

Voir les commentaires

كتاب حروب امريكا ،اسرائيل و بريطانيا على العراق/ظلوع امريكا واسرائيل في حرب الخليج /المؤلف صالح مختاري

 
ظلوع أمريكا وإسرائيل في حرب الخليج 
العراق الذي لم ينس أبدا أن الكويت جزء من وطنه أجتز منه عنوة، يرى أنه إن كان لا بد قبول الأمر الواقع، فإن ذلك ينبغي أن يكون في إطار يتحقق فيه الحد الأدنى من الالتزامات القومية ومصلحة البلدان العربية… غير أن وجهة النظر العراقية هذه لم يكن لها المدى الكافي، وظلت تصطدم بعقبات تلو العقبات بسبب تشابك مصالح بلدان الخليج الأخرى -بما فيها الكويت – مع مصالح القوى العالمية المهيمنة. وسعي هذه الأخيرة عبر الأنظمة الموالية لها إلى عرقلة العراق المتمرد على الغرب في مسعاه المشروع لأن يكون له شأن ووزن في المنطقة، خارج الإطار الذي رسمته قوى الهيمنة العالمية لمنطقة الخليج الاستراتيجية.

ولقد كانت من نتائج هذه الثنائية في التوجه العراقي-الخليجي أن ظهرت بالمنطقة عدة أطروحات متواجهة، طرفاها العراق من جهة، وبلدان الخليج من جهة أخرى، ففي حين يرى العراق مثلا ضرورة توحيد السعي العربي من أجل إنماء الوطن العربي وتخلصيه من مخالب الدائنين الغربيين، ترى البلدان الخليجية الأخرى خلاف ذلك، وتنادي بالحرية والبرغماتية في إدارة شئونها السياسية والاقتصادية.

إن إمعان النظر في الأطروحتين، يفضي إلى القول بأن العراق في واد، وبلدان الخليج الأخرى في واد آخر، فالعراق الذي يحاول أن يشق لنفسه طريقا مغايرة للتنمية الوطنية ، ولبناء كيانه القوي هو غير تلك البلدان المرتبطة اقتصاديا وعسكريا بعجلة أوروبا وأمريكا. ومن الطبيعي والحالة هذه أن يكون الخلاف جوهريا بين النظام العراقي الذي يرى بأن مصلحته الاقتصادية تتعارض مع مصالح الاقتصاد العربي وبين أنظمة بلدان الخليج الأخرى، التي تقف ضد كل ما يعيق تحقيق المصلحة المشتركة، بينها وبين الغرب، ومن الطبيعي أيضا أن ينشأ الجدل بين هذه البلدان وأن يكون التباين في  الرؤى وفي الممارسة وأن يحدث الخلاف في العديد من المسائل قبل أن يتحول هذا الخلاف إلى عمل عسكري قد تكون نتائجه، وخيمة على كل المنطقة.

العراق من منطلقه الفكري- العقائدي، يرى بأن المنطق الجيو-سياسي يقول بأن الغرب الذي كان دوما وراء عربدة إسرائيل في المنطقة العربية إنما يفعل ذلك بأموال عربية، ولولا هذه الأموال لما أبدى للغرب سخاءه المعهود للدولة العبرية، بل ولولا هذه الأموال، لتغيرت الكثير من أيجديات السياسية الغربية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي.

ويقول العراقيون أيضا، استنادا إلى دراسة لمعهد الأنباء العربي بأن الـ 200 مليار دولار التي تمثل ديون الغرب على العالم العربي، والتي يدفع فوائد عنها تصل إلى نحو 40 مليار دولار سنويا للدائنين الغربيين، هي في الأصل رؤوس أموال عربية وتحديدا خليجية تم إيداعها في المصارف الغربية. وكان من الأجدر أن توظف في البلدان العربية لتساهم في رفع الغبن الاقتصادي في هذه البلدان. ويرى العراق بأن بلاده التي خرجت من حرب 8 سنوات ضد إيران دفاعا عن كل بلدان الخليج هي في وضع تحتاج فيه إلى رساميل ضخمة لإعادة بناء ما هدمته لها هذه الحرب. وأيضا لتمويل استثماراتها الاقتصادية وإنفاقها العسكري الكبير، وهي بالتالي أولى البلدان المستحقة لهذه الرساميل الخليجية، وأن عدم السير في هذا النهج يعد جريمة في حق الأمة العربية، وفي حق الشعب العراقي على وجه الخصوص.

وإلى جانب هذا المطلب العراقي فإن العراق يتهم بلدان الخليج الأخرى على أنها أدوات في يد القوى الإمبريالية تستخدمها لعرقلة العراق في مسعاه الحثيث لبناء دولة قوية تحقق على الأقل توازنها العسكري مع إسرائيل ربيبة الإمبريالية العالمية والعدو التقليدي للأمة العربية، ويقول العراق في هذا الشأن بأن مصدره الوحيد لتمويل مشاريعه الإنمائية، ومتطلبات إنفاقه العسكري هو النفط وهذا المصدر لا يؤدي غرضه المطلوب. ولا يكون له جدوى إن ظل سعره دون قيمته الحقيقية كما تطالب بلدان الخليج بإيعاز من أمريكا وقد قدرت الخسارة التي تلحقه هو وحده عن انخفاض دولار واحد في سعر برميل من النفط بمليار دولار سنويا. وهو بالتالي يرى أن الواجب القومي يدعوا هذه البلدان إلى إعادة النظر في سياساتها وبشكل تراعى فيه مصلحة الشعوب العربية الأخرى سواء تعلق الأمر باستخدام النفط أو باستثمار عائداته، أو بانتهاج سياسة خارجية تخدم الغرض القومي المنشود.

 حاول العراق إعادة بعث الوعي العربي الإسلامي بمفهومه الثوري الرافض للاستغلال والداعي لفرض سيادة الأمة وإرادتها على الميزان الدولي، أما الأطروحة الكويتية-الخليجية ، فتقوم على أساس حق اختيار كل دولة نفطية ممارسة سياستها الخارجية، وتوظيف أرصدتها المالية وتحديد سعرها النفطي، وزيادة إنتاجها منه، وإدارة شؤونها الاقتصادية بحرية مطلقة، ودون أي اعتبارات أخرى، اللهم إلا الاعتبار البراغماتي الصرف الذي نعتبره المقياس الوحيد والأوحد لإدارة علاقاتها السياسية والمالية في المحيط العالمي، وترى بأن هذا النمط البراغماتي لا يؤثر سلبا على التزاماتها القومية، وإنما يبوئها المكانة اللائقة، ويعطيها القدرة على الإبقاء، بهذه الالتزامات وكيف لا وهي التي حملت على عاتقها منذ زمن ليس بقصير، مهمة إعانة البلدان العربية الفقيرة وتقديم الدعم المادي لمنظمة التحرير الفلسطينية وتمويل المشاريع في بعض البلدان العربية. وهي فوق كل هذا ترى مسؤولية عرب النفط على الرخاء العالمي وهو ما يستدعي منها توقع عرض نفطي هائل في السوق العالمية بأسعار لا تتعدى 10 إلى 12 دولار للبرميل الواحد، وذلك لتجنيب اقتصاد الغرب موجة تضخمية ستكون لها عواقب وخيمة في الغرب وفي العالم الثالث والمنطقة العربية.

ويقول الكويتيون ومن ورائه بلدان الخليج الأخرى في هذا الشأن أيضا أن عوائد النفط المستثمرة في البنوك الغربية لا تعني خليجا معاداة للعراق أو أي بلد عربي آخر، بقدر ما هي محصلة لطبيعة الأنظمة القائمة في الخليج، وهي أنظمة حرة لا يعقل فيها حمل هذا المستثمر أو ذاك، أن يوظف أو يودع أمواله بهذا البلد بعينه، لأن ذلك يتنافى وروح الليبرالية التي تكفل كامل الاختيار وحرية المبادرة للمواطنين.

وانطلاقا من هذه القناعات الراسخة في السياسات الخليجية، فإن هذه البلدان ظلت تنظر إلى صدام حسين على أنه (بسمارك) العالم العربي الذي يريد توحيد الأوطان العربية بالقوة وبالطريقة التي يريدها هو، وتنظر إليه أيضا على أنه يريد أن يفرض عليها وصايته، ويحدد لها الإطار الذي تتحرك فيه، والجدود الذي ينبغي أن تتجاوزها وفي هذا –كما تقول- انتقاص من سياستها كبلدان مستقلة وأعضاء في جامعة الدول العربية وفي هيئة الأمم المتحدة. ونست هذه البلدان، أن السيادة الحقيقية لا يكون لها أي معنى بمنأى عن الحديث النبوي الشريف "المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا" وقوله (ص): مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى".

يعتقد البعض أن السبب المباشر للمواجهة بين العراق والحلف الغربي-الأمريكي هو دخول العراق للكويت، ولكن يقول صدام حسين أن الكويت هي بمثابة شركة نفطية غريبة، أقامتها بريطانيا على جزء من أرض العراق لتأمين استغلالها لنفط البلاد بالسعر المرغوب، ولكن للمواجهة سببا آخر أبعد من ذلك ويعود إلى أكثر من عام، كما يقول الخبراء وتحديدا عندما تأكدت المخابرات الأمريكية والصهيونية أن العراق يملك السلاح الكيمياوي المزدوج، وأنه سيمتلك خلال الثلاث سنوات المقبلة السلاح النووي وصواريخ في وسعها أن تصل إلى القواعد الأمريكية في أوروبا وأساطيلها في البحر الأبيض المتوسط، وبإمكانها إضافة أي نقطة في إسرائيل، وعندها تم إعداد خطة لضرب القوة العراقية، يقول الخبراء أنها في إدراج الحربية الأمريكية، وتقضي الخطة بإسقاط نظام صدام حسين ومنعه من اكتساب أسلحة العصر الني ينبغي بالمنطق الأمريكي أن تبقى حكرا على إسرائيل في المنطقة.

في غضون شهر مارس 1990، علم العراق عن طريق أجهزته الاستخبارية أن إسرائيل بتواطؤ مع الولايات المتحدة الأمريكية تحضر لعدوان على قواعد الصواريخ العراقية، كما فعلت عام 1981 عندما دمرت مفاعل تموز النووي، وحينها أعلن الرئيس العراقي صدام حسين أمام الملأ أنه سيحرق نصف إسرائيل إذا ما حاولت تكرار فعلة مفاعل تموز، وقد نزل هذا الإعلان كالصاعقة على الدوائر الصهيونية والإسرائيلية الني راحت أجهزة إعلامها تنظم تعبئة نفسية ضخمة للرأي العام العالمي ضد العراق وفي ذات الوقت دفعت واشنطن بلدان منطقة الخليج إلى تجاوز سقف الإنتاج النفطي لتخفيض الأسعار كأسلوب للضغط على العراق ومحاصرة مشروعه الصناعي العلمي والعسكري كما عمدت أيضا إلى تأليب البنوك العالمية ضد العراق ودعتها إلى رفض جدولة ديونه وعدم مده بقروض جديدة وكل ذلك لإيقاف نظام صدام حسين عن المضي في طريق التطوير واكتساب القوة، ولم يجد هذا النظام من بد سوى أن يتقدم إلى الكويت في محاولة لسحب البساط من تحت أقدام مناوئي العراق، وكان هذا الطرح العراقي بحسب المحللين أول طرح لجوهر المشكلة في الصراع العربي-الأوروبي، وقد أصبح العراق يسيطر على 20 بالمائة من احتياطي النفط العالمي. ومعنى ذلك أنه سيغدو ذا تأثير على مجريات الأحداث، هذا الوضع لم تهضمه الولايات المتحدة التي أعلنت في البداية تدخلها بالخليج. يهدف إلى حماية المملكة العربية السعودية من الخطر العراقي (الموهوم). ولكن عندما أبدى صدام حسين استعداده للتعهد بعدم الإقدام على ذلك، أضحت الولايات المتحدة الأمريكية تطالب العراق بالانسحاب من الكويت ودون قيد أو شرط والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو: ماذا لو انسحب العراق من الكويت، هل ينتهي كل شيء ويرفع  الخطر على العراق من الكويت؟ وتعود القوات الغربية الأمريكية من حيث أتت؟

الجواب نجده في تصريح هنري كيسنجر كاتب الدولة السابق للشؤون الخارجية الأمريكية، حيث نقلت عنه الصحافة قوله: "انسحاب العراق من الكويت لن يقدم لنا إلا استراحة قصيرة معه". وفي هذا التصريح تتلخص كل أهداف أمريكا من تدخلها في أراضي الجزيرة العربية.

إن العراق الذي خرج من حرب الثمانية سنوات مع إيران، وهو يتمتع بخبرات علمانية واسعة وبعزم أكيد على اكتساب كل عناصر القوة، أثار حفيظة البلدان التي تنتهج سياسات متناقضة مع السياسة العراقية، وقد مثل لها هذا الأمر- كما مثل للغربيين والأمريكيين- بأن العراق سيغدو بالضرورة قوة عسكرية جديدة تستطيع فرض إرادتها في صياغة القرار وفي توجيه الأحداث بالمنطقة… وهذا يعني لدى قيادة الخليج خطرا محققا على المصالح الخاصة وعلى مصالح أمريكا والغرب ويعني لدى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، سقوط أحد أطراف المعادلة الموضوعة بعناية لشعوب العالم الثالث على العموم والمنطقة العربية على وجه الخصوص، وفي المعادلة التي تضمن عدم إتاحة الفرصة لأي كان في العالم العربي، ليتحول إلى قوة تتحدى القوى العظمى وإسرائيل.

وإن تداعي أحد أطراف المعادلة الغربية-الأمريكية، هو الذي أضفى على مشكلة العراق-الكويت طابعا خاصا لم يسبق له مثيل في التاريخ الحديث، إلا إبان الحرب العالمية الثانية، وأثناء حرب السويس في عام 1956، حين تجمعت القوى الكبرى لكسر شوكة جمال عبد الناصر منعه في تأميم قناة السويس.

لقد تحول الصراع في الخليج وبسرعة مذهلة إلى صراع عراقي-أمريكي غربي بدلا من أن يبقى صراعا عراقيا-كويتيا، يمكن أن تتم تسويته في إطار جامعة الدولة العربية، أو في إطار الأمم المتحدة، وإن المدد العسكري الأمريكي الذي أخذ يتدفق على المنطقة منذ اللحظات الأولى للأزمة، خير شاهد على إحساس الولايات المتحدة الأمريكية بـتمرد العراق على الصيغة التي وضعتها للمنطقة.

لقد توالت التعزيزات العسكرية الأمريكية في منطقة الخليج، وتوالت معها تعزيزات البلدان الأطلسية وغير الأطلسية، لتغدو منطقة الخليج ساحة كبرى لأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا العسكرية في الغرب، بل وأصبحت  المنطقة معسكرا كبيرا للقوات المتعددة الجنسيات التي تأهبت الاعتداء على دولة العراق، وهنا نتساءل عن الدوافع الحقيقية التي كانت وراء هذا التضامن العالمي ضد العراق، وكيف أن مثل هذا التضامن لم يحدث من قبل، رغم أن العالم بمشرقه ومغربه قد عرف معضلات وأزمات أكثر مأساوية وحدّة ! !.

إن منطقة الخليج العربي بمخزونها النفطي وصادراتها من هذه المادة الضرورية، تعد في السياسة الدولية، منطقة استراتيجية من الدرجة الأولى، وبما أن المتغير الاقتصادي هو المقياس الحراري للعلاقات الدولية الخليجية والأوروبية –الأمريكية، فقد كان تطابق وجهات نظر هذه البلدان منذ الوهلة الأولى للأزمة على ضرورة التدخل وشرعية التواجد الأجنبي، لمنع تهديد المصالح الحيوية لهذه البلدان وانطلاقا من هذه القناعة، عقدت الولايات المتحدة الأمريكية. العزم على أن تتولى هي بنفسها مهمة درء الخطر وإثناء العراق عن عزمه، وكسر شوكة الصمود فيه، وإدخاله في صف الموالين لها. ولكن قبل أن تشرع في أية مبادرة، كان عليها أن تكتسب الرأي العام الأمريكي والعالمي وأن توفر لنفسها مظلة دولية تشفع لها ما قد ترتكبه من جرائم في حق الشعب العربي العراقي، وفي هذا الاتجاه سارت دبلوماسيتها جنبا إلى جنب مع قواتها العسكرية المتدفقة نحو الخليج بأعداد هائلة، وقد استطاعت أن تقنع العالم بضرورة مشاركتها في المهمة واستصدرت قرارا من مجلس الأمن الدولي لأول مرة في تاريخه يقضي بفرض الحصار الاقتصادي على العراق بالقوة وقد وافق على هذا القرار حتى الاتحاد السوفييتي الحليف التقليدي للعراق.

إن تطور الأزمة في الخليج بدأت النظريات الاستراتيجية العسكرية والسياسات الدولية التي تولت إدارة الصراع في منطقة الخليج، ونتائج هذه السياسات والاستراتيجيات كانت بحسب ما تفرضه المنفعة المادية والتفكير البراغماتي لكل بلد على حدة فالولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، فرنسا، إسرائيل مثلا كانت أكثر تصميما على وضع حد لنظام صدام حسين، في حين تأتي مواقف واستراتيجيات البلدان الأخرى في درجات متفاوتة تحددها مصلحة كل واحد منها. ومعنى هذا أن القرار الدولي بخصوص التدخل في منطقة الخليج، هو قائم على منطق حسابي تقدر فيه نسبة المنفعة والربح وليس على أساس الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، كما ادعت الولايات المتحدة الأمريكية.

لقد كان العراق صامدا في وجه العدوان المفبرك رغم موجة الرياح التي كانت تعصف عليه من كل اتجاه، والشعب العراقي المتشبع بالروح الثورية والفكرة القومية كان سريع التجاوب مع أطروحات وقرارات قيادة بلاده، وقد أبدى استعداده التام ليموت كريما، أو يعيش عزيزا. فانضوى تحت لواء قيادة بلاده كجيش شعبي وصل تعداده مليون رجل على أهبة الاستعداد للمواجهة العسكرية.

لقد كان الحل العراقي المقترح لأزمة الخليج شاملا، ويشترط لخروج الجيش العراقي من الكويت خروج كل القوى الأجنبية من منطقة الخليج بما في ذلك خروج إسرائيل من الجولان، وخروج القوات السورية من لبنان، وإذا كان هذا الاقتراح قد قوبل بالرفض من قبل أمريكا والغرب، فهذا شيء طبيعي ولكن غير الطبيعي هو أن ترفضه بعض البلدان العربية  المعنية بالانسحاب الإسرائيلي من أراضيها وتتستر تحت غطاء حفظ أمن وشرعية الكويت لترسل بقواتها إلى المنطقة للعمل تحت المظلة العسكرية الأمريكية- الصهيونية، وننسى أن أجزاء من أراضيها تساوي أضعاف الأرض الكويتية، هي تحت رحمة الدولة العبرية.

العراق على لسان رئيسه صدام حسين قطع في أمر أزمة الخليج، وطلب من العالم أن ينسى الحديث عن دولة الكويت، ما لم تتحرر المنطقة من كل تواجد الأجنبي، وقد أعد العدة للدفاع عن موقفه معتمدا على إمكاناته ومواهبه المكتسبة من حروبه السابقة. معتمدا أيضا على الشارع العربي الذي لم تعطى له حتى الفرصة للتعبير عن موقفه من  الأزمة. فهذه هي نقاط القوة في نظام صدام حسين التي أولتها الولايات المتحدة كل الاهتمام، فالعراق ليس بالخصم السهل وبإمكانه أن يكرر قصتها مه الفيتنام وأن يمرغ الأنف الأمريكي في التراب. ثم أن الشارع العربي ليس بالأمر الهين، الذي كان بمقدوره أن يقلب الأوضاع رأسا على عقب، عندما تطاولت الولايات المتحدة في اعتدائها على الشعب العربي في العراق الذي كان بوسعه أن يحدث تصدعا في اقتصاديات الولايات المتحدة بضربه لواقع ومنشآت النفط الكبرى بالمنطقة عندما تعرض لهجوم أمريكي.

وكل هذا كاد أن يتحقق لولا تحالف دول المعمورة على دولة لها حضارة عريقة كانت من أسباب النهضة العلمية في أوربا والغرب بصفة عامة، فكل هذه الدول تعرف بأن الكاضمة هي اسم لمنطقة أصبحت تسمى الكويت التي كانت أرضا عراقية.

Voir les commentaires

برقية من الأمير عبد القادر إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ويلسون

 

 

برقية من الأمير عبد القادر إلى رئيس

 الولايات المتحدة الأمريكية ويلسون

 

Télégramme adressé à Wilson le 2 Janvier 1919 par le comité algéro tunisien

Monsieur Wilson, Président des EtatsUnis d'Amérique, Palais Quirinal, Rome

Monsieur le Président,

Convaincus de traduire les sentiments du peuple algéro tunisien, nous vous adressons nos salutations respectueuses et nous nous per

mettons de vous exposer nos revendications. Au milieu du déchaînement des appétits impérialistes de toutes sortes, vous avez noblement élevé la voix en faveur des peuples opprimés et de leur droit à la vie libre. Vous avez préconisé la paix des peuples par le règlement de toutes les questions sur la base de la libre acceptation et non par la violence.

Comme tous les peuples soumis à une domination étrangère, nous mettons notre confiance en votre heureuse intervention. Nous espé

rons que votre voix qui a rencontré le suffrage des peuples, sera entendue et que le Congrès de la Paix fera du Droit la loi du monde. Vous avez déclaré que le peuple américain est solidaire de tous dans la revendication du Droit. Le peuple algéro tunisien ne revendique que le respect du droit violé, car sa situation sous la domination fran

aise est la suivante: il est astreint à tous les devoirs, y compris l'impôt du sang; par contre, il est privé de tous les droits et soumis à un régime d'arbitraire, d'iniquité et de terreur. Ce sont les propres termes dont le journal Le Temps et plusieurs hommes d'Etat et parlemen

taires français se sont servis pour stigmatiser le régime imposé à un peuple vaincu et sans défense par les bureaucrates et les coloniaux qui, seuls, jouissent de tous les droits civils et politiques et seuls ont des représentants au Parlement français. Le peuple français dans sa grande majorité ignore cette situation et s'il en avait une idée nette, il serait scandalisé et indigné.

Certains projets de réformes à introduire en Algérie ont été publiés il y a un an. Le Gouvernement français ne manquera pas d'en faire état au Congrès de la Paix. Or, ce sont des simulacres de réformes qui ne répondent pas aux vœux des Algériens et qui laissent subsister entièrement intact le régime de violence dans lequel ils gémissent.

Quant à la Tunisie, aucun changement n'est apporté à son sort . . . Les Tunisiens sont toujours bâillonnés et soumis au régime du pou

voir absolu de quelques fonctionnaires. Et pourtant ce petit peuple a toujours su diriger les affaires de son pays. Il a toujours joui paisible

 ment de son autonomie la plus complète jusqu'au jour où le Protecto

rat inspiré par la force l'a frappé d'incapacité. Cet état de choses est il de nature à favoriser l'établissement d'une paix définitive? Comme vous l'avez déclaré, une paix durable est impossible là où ne règne pas une atmosphère de justice, de liberté et de droit. Et cette atmosphère ne règne pas chez nous. Une paix qui ne mettra pas fin à l'injustice ne sera ni juste, ni durable.

Le peuple algéro tunisien a versé abondamment son sang pour la France. Malgré cela, il est toujours privé de ses droits les plus légitimes et asservi à une minorité de colons. Aussi nos compatriotes revendiquent ils le droit d'envoyer des mandataires légaux au Congrès de la Paix pour' défendre leur cause et obtenir un statut nou

veau qui leur permette l'exercice de la plénitude de leurs droits. Il serait paradoxal que des peuples qui n'ont pas participé effectivement à la guerre soient représentés au Congrès de la Paix, tandis que le peuple algéro tunisien ne le soit pas, lui qui a envoyé dès le début de la guerre ses enfants combattre en France et dont la jeunesse a été fauchée. C'est un droit qu'on ne peut lui refuser et le Gouvernement français ne pourra s'y opposer puisque M. Clemenceau luimême vient de l'admettre devant la Chambre des Députés en déclarant que toutes les réclamations des peuples qui s'estiment lésés doivent être portées devant la Conférence de la Paix et que les peuples, grands et petits s'y présenteront.

Le peuple algéro tunisien met ses espoirs en vous, Monsieur le Pré

sident, pour recouvrer son droit de disposer librement de son sort. Lettre citée par Colomb Charles.  Vérités Nord-africaines, Alger, 1933, pp. XII  XIII

 

Voir les commentaires

كيف جرت المجزرة في ميناء الجزائر في 5 ماي 1962 /شهادة ضحايا مجزرة اواس الارهابية

كيف جرت المجزرة في ميناء الجزائر 5-5-1962

شهادة   ضحايا مجزرة اواس الارهابية

اعداد صالح مختاري

 

  اقترفت الحركة السرية المسلحة في العاصمة الجزائر أفظع الجرائم   ضد السكان المسلمين ، و ذلك عندما   فجرت سيارة مشحونة بقطع الحديد والصلب و المواد المتفجرة أمام مركز العال الرصيف في  ميناء الجزائر ،   كانت الساعة تشير إلى السادسة و عشر دقائق ،  عندما كان  مابين 1200 و 1300 عامل ينتظرون ككل صباح دخولهم إلى أرصفة الميناء عندما وقع انفجار ، فحصدت المواد المتفجرة و قطع الحديد جمهور العمال المحتشدين أمام المركز . و الأفظع من ذلك أن عصابات الحركة السرية المسلحة كانت مختفية في العمارات المجاورة لمكان الانفجار تراقب نتائج العملية ، و قد سارعت تلك العصابات إلى إطلاق النار على الأفراد القلائل الذين نجوا من شظايا السيارة كما صبوا وابلا من الرصاص على الجرحى   .   عمال الرصيف الذين تمكنوا من الفرار لم يكن في مقدورهم كتم سخطهم بعد هذه المجزرة   ، فاعترضوا سبيل السيارة يقودها سائق أوروبي تابع لشركة بترول الفرنسية  كانت قد وصلت إلى مكان الحادث بعد مرور  ربع ساعة من الانفجار ،  فانهالوا عليه ضربا ثم ذبحوه

شهادة حية عن وقائع المجزرة

 .و قد   روى   احد الشهد و هو عامل جزائري صورة الفاجعة ((لقد كانت مجزرة فضيعة فقد وقعنا فيها على الأرض من شدة الانفجار ، و كان زملائي يصرخون من شدة الألم بينما قطعت أرجلهم وأذرعهم  خربت بطونهم من شظايا ، و كان الجرحى يسعون على بطونهم لابتعاد عن المكان خوفا من انفجارات أخرى بينما كان آخرون يجرون و يصحون و قد سقط منهم الكثير عندما فرغت أجسامهم من الدم ، إنني لم أسمع أبدا في حياتي انفجارا أقوى من هذا الانفجار ، أما أنا فقد انبطحت على الأرض وبذلك نجوت من الحادث ، و قد وصلت سيارات الإسعاف بعد مرور وقت طويل على الانفجار و لكن إخواننا وصلوا بسرعة البرق إلى المكان و بادروا إلى  نقل الجرحى إلى المصحات التي فتحتها الجبهة في حي القصبة و بلكور ،و غيرها من الأحياء العربية ، لقد فقدنا الثقة في المستشفيات الأوروبية  و سارع المسؤولون الجزائريون عن النظام إلى تهدئة الزملاء الذين تفاقم سخطهم إلى أقصى درجة ، و فعلا فقد وصلنا إلى أقصى ما يتصوره العقل من الصبر، إننا لم نعد نطيق هذه الحالة ، إن كافة المسلمين  نفذ صبرهم و لا أظن أنهم سيلزمون الهدوء هذه المرة ، لقد قتل منا الكثير و استهدفنا لكثير من الضربات.و نظرت حولي فلم أجد إلا ما يزيغ البصر و يضرم الأحقاد في النفس ، فقد خربت جدران مركز العمال و كذلك جدران المباني المجاورة بالشظايا السيارة الملغمة بل أن بعض الجدرا كانت تهدد بالانهيار من فرط ما لحقها من أضرار، و كانت دماء الضحايا تلطخ الطريق و المركز و تهشم الزجاج جميع النباتات كما زرعت الانهج بقطع الحديد المعوجة المحترقة و بالزجاج و الأخشاب و الحجارة المتناثرة ، وقذف محرك السيارة الملغمة من شدة الانفجار على مسافة 80 مترا من مكان الحادث .و سألت شاها أخرا فقال (أجل إن السيارة تمزقت إربا و زرعت الموت من كل مكان حولها ، و لم نتفطن حتى لوجودها حيث أن  الكثير من السيارات توجد كل صباح في هذا المكان ، و بعد هذا كله فإننا لم نكن نتصور بأن الحركة السرية المسلحة  ستتجرأ على الاعتداء على عمال الميناء بمثل هذا الشكل ، لقد كنا أخر الجزائريين الذين بقوا يعملون في الأحياء الأوروبية ، و لم نكن نشتغل من أجل عائلاتنا فحسب بل كنا نشتغل من أجل تموين السكان الأوروبيون أيضا لقد كنا نعتبر أن النشاط يجب أن يستمر في الميناء ، و لهذا فقد كنا نأتي من أجل تغذية عائلاتنا و كذلك من أجل استمرار الحياة في الميناء و أذا توقف الميناء فإن العاصمة تختنق و لكن ما حدث اليوم كل شيء إننا لن نعود إلى الميناء و لن يعود أحد للعمل في الميناء . )) .

و في كامل الصبيحة كانت السيارات تجوب انهج الأحياء العربية و على ظهرا المسؤلون الجزائريون عن الأمن الذين يحثون الناس على التزام الهدوء  و قد ساد الهيجان سكان القصبة و ساحة الحكومة التي طوقها قوات الأمن و النظام و احتلتها السيارات المصفحة ، كما وجهت نجدات إلى  قوات الأمن المحطة بالأحياء سالمبي و بلكور و   أهم الأحياء  الجزائرية الأخرى ، و أما المصحات التي أنشأتها لجبهة فقد امتلأت بالجرحى وبلغ التأثر أوجه الناس الذين كانوا يسيرون في الطرقات كالمجانين ،و قد هرعت بعض الجموع على أثر الحادث وأخذت كميات كبيرة من الأدوية. و قال لي جزائري أخر (( لم أفكر بأننا اتخذنا احتياطنا لكي لا تعتدي المنظمة الإرهابية على عمال الرصيف فقد اصطحب عدد كبير منهم أبناءهم إلى مركز العمل ظنا منهم أن السفاكين لن يجرءوا على مهاجمة الصبيان ، و لكن رأيتم ماذا وقع ، إنها فضيحة  إننا لا ننسى هذا الحادث و لن نتسام معهم بعد تقتيلهم الأطفال )) . و فعلا لقد لاحظت إن هذه الجريمة الاستفزازية أثارت سخط الجزائريين الذين بدأت أعصابهم تنهار من فرط المحن التي يقاسونها ، لقد كنا نشعر و نحن نسير في القصبة أن ثورة عميقة سوف تسير في الخفاء و أن الحقد على الأوروبيون قد ينفجر على مستوى واسع ، و لذلك فإن الأوروبيون متخوفون جدا من عواقب هذه الحوادث ، إنهم يغشون انفعال الجزائريين بحيث كنت تستمع في كلا الجانبين نفس السؤال (( هل نحن على أبواب معركة هائلة أخرى بالعاصمة )) .لقد زرت أحد المصحات التي أنشأتها الجبهة في حي بلكور و شاهدت هناك مناظر يقشعر لها الأبدان ، فقد رأيت الجرحى و قد شوهت وجوههم و قطعت أعضاؤهم و هم يئنون في كل زاوية بينما كانت أنظارهم تائهة في الفضاء ، و أنهم لا ينسوا ، و كان بعضهم ممددا مباشرة على الأرض حيث أن الآسرة لم تعد كافية بالرغم من سيارات الشحن التي تتوافد على المصحة بالأدوية و الأغطية و الأفرشة . و رأيت في إحدى الحجرات جثثا ممزقة في ثيابها الملطخة بالدماء و قد تكدست فوق بعضها، و رأيت النساء يبكين وينتحبن و يندبن وجوههن.إن الجو متأزم للغاية و الوجوه عابسة والأنظار تائهة ، إن ريح الحقد تهب على المدينة العربية ، وكلما تفاقمت فداحة الأضرار و الخسائر كلما تزايد الخوف في الأوساط الأوروبية و قد شاهدت أصحاب السيارات الأوروبية تعود من حيث أتوا حالما يقتربون من القصبة و هم يتساءلون مع كل فرد في هذه العاصمة (( كيف سينتهي الأمر )) . إن القصبة و الأحياء العربية الأخرى ظلت مطوقة من طرف قوات الأمن وحجر على أي أوروبي الدخول إليها ، ولكننا بوصفنا صحفيين تمكنا من الدخول فاستقبلنا بأنظار حادة محترزة ، و من حسن الحظ التقينا بأحد المسؤولين الجزائريين عن المنطقة و كان شاحب الوجه كثيبا و مع ذلك فقد أظهر لياقة معنا و بادرته بالسؤال التالي ((على الرغم من نداءاتكم إلى الهدوء و القوات التي تعتمدونها و برودة الدم العجيبة التي برهنت عليها لحدا لأن الجماهير الجزائرية ، على الرغم من كل ذلك هل تظنون إنكم ستتمكنون من التحكم هي هذه الجماهير إذا وقع حادث أو حادثان آخران من هذا النوع هل تظنون إنكم ستقدرون على منع سكان القصبة من غزو المدينة الأوروبية )) (( أظن ذلك و على كل حال ذلك ما أتمناه ، إن شعبنا بلغ اليوم بعد سبع سنوات من الخرب درجة من النضج السياسي و النظام ما يسمح لنا بالتحكم في غضبه ،و مع ذلك فإنني اعترف أن الأمر يزداد يوما بعد يوم ،لقد بدأت ردود فعل العاطفية تتغلب على العقل ، إننا نضاعف وسائلنا كما ترون و لكننا لا ندري ماذا يخبئ القدر . أضف إلى ذلك فان الحركة السرية تحاول أن تحصل على رغائبها  ليست فقط بالإرهاب بل أيضا بالبؤس و التأزم الاجتماعي و ذلك بحرمان لعائلات آخر مواردها ، و لو لا حركة التضامن الواسعة التي برهن عليها شعبنا في محنته لانتشرت المجاعة )) و سألته عن مشاريعهم الراهنة إزاء الأوروبيين  فقال __ إننا نتأسف جدا لما نرى عددا كبيرا مجا من الأوروبيين خاضعون بصورة عمياء للحركة السرية التي تقودها إلى الهاوية ، ومع ذلك فإننا نميز بين الأشياء ، إننا نعلم أن جزءا منهم حاقدون على أعمال المنظمة السرية وإنهم ينددون بجرائمها التي تؤدي إلى الكارثة . و قد ارتحنا لبعض مظاهر العطف الصادرة عن الفرنسيين مثل اليد دوفمال كبير أسقفة العاصمة الذي تبرع علينا بمصحة مسيحية ، و أمام تزايد عدد الجرحى تطوع عدد من الممرضات الأوروبيات و هذا شيء له قيمته بالرغم من الهوة الدامية التي تحرفها الحركة السرية المسلحة.

 

Voir les commentaires

<< < 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 > >>