صدى 20 أوت 1955 على مسارالثورة الجزائرية
بعد اندلاع ثورة أول نوفمبر المجيدة في غرة نوفمبر 1954 توالت الإمدادات تصل تباعا إلى القوات الفرنسية بالجزائر وقد وصل تعداد هذا الجيش في أوائل سنة 1955 إلى ثمانين ألف جندي تشكل من بينهم القوات الخاصة من كومندوس ومظليين، التي شاركت في حرب الهند الصينية والمدربة على حرب العصابات والجبال النسبة الكبيرة، وكل ذلك لإخماد الثورة في مناطق الأوراس الجبلية الوعرة.
وفي مقابل هذه القوات المججة بالأسلحة الهائلة، كان عدد المجاهدين لا يتعدى أربعة آلاف جندي، علاوة على قلة تدريبهم وعتادهم الحربي وعلى الرغم من الرجحان الكبير لميزان القوة إلا أن الجيش الفرنسي لم يستطع القضاء على الثورة ولا الحد من انتشارها ويرجع ذلك إلى اختلاف العقيدة القتالية والهدف وإلى أسلوب القتال بين الجيشين الفرنسي وجيش التحرير الوطني.
فمن ناحية العقيدة القتالية والهدف كان هدف جيش التحرير الوطني يتمثل في تحقيق الاستقلالى الوطني وعقيدته النصر أو الاستشهاد، أما عقيدة الجيش الفرنسي فهي عقيدة المحتل الغصب وهدفه الاحتلال والاستيطان.
أما من ناحية أسلوب القتال فلقد اتبع الفرنسيون أسلوب الحرب الكلاسيكية وهذا ما ظهر من وحشودهم وتكتيكهم في العمليات أما المجاهدون فقد اتبعوا أسلوب حرب العصابات المتطور والمتغير في آن واحد، ولهذا جاءت نتائج معظم المعارك لمصالح جيش التحرير الوطني على الرغم من قلة إمكانياته وقدراته العسكرية أمام الحشود الفرنسية كما وكيفا.
وفي نطاق مقاومة الثورة والقضاء عليها قامت القوات الفرنسية بعدة عمليات اشتركت فيها الطائرات بأول قصف جوي للأوراس في 15 نوفمبر 1954، وتبعه تدمير للقرى والمداشر للقضاء على نفس الثورة في منطقة الأوراس الملتهبة، حيث لجأت السلطات الاستعمارية إلى فرض حالة طوارئ للسلطات المدنية حرية ممارسة الحكم التقليدي وتقويته وتمركزه لجعله قادرا على التكيف مع الأوضاع الجديدة التي فرضها المجاهدون والتي جعلت النظام العام الذي يرتبط به الوجود الفرنسي في خطر. ومع فشل قانون الطوارئ المطبق في الأوراس لقمع الثورة أعلنت سلطات الاحتلال تطبيقه على كامل البلاد ليتسنى لها السيطرة مراقبة البلاد كلها وقطع الاتصالات والمؤن بين المناطق.
وأمام هذا التصعيد الخطير في موقف المستعمر وخططه الهادفة إلى سحق الثورة والقضاء عليها وعلى الشعب الجزائري، وكانت الثورة الفقية تلاقي صعوبات داخلية كثيرة عانت منها ولكنها لم تقف حجر عثرة في تقدمها لتحقيق أهدافها.
فعلاوة على الحملات الوحشية التي يشنها المستعمرون للقضاء على الثورة وحملات الاعتقالات والزج بالمواطنين داخل سجون التعذيب كانت الثورة تعاني من مشاكل نقص السلاح والعتاد الحربي وكثرة المؤامرات الاستعمارية في محاولة سحقها. ففي 14 فبراير 1955 ألقي القبض على الشهيد مصطفى بن بولعيد قائد الولاية الأولى وتبعه حادث مفجع آخر تمثل في استشهاد أحد أركانها القوية وهو الشهيد ديدوش مراد، قائد الولاية الثانية (ولاية الشمال القسنطيني) ، وخلفه في المنصب ذاته الشهيد زيغود يوسف.
وأمام هذه الوضعية السيئة كان لزاما على الثورة أن تثبت وجودها وتعلن شموليتها وتكسر الحصار المفروض عليها، وتفند ادعاءات العدو وتحبط خططه وتفشل مشاريعه الرامية إلى سحق الثورة ودمج البلاد وترسيخ الاستعمار.
أهداف هجوم20 أوت 1955
أمام الأوضاع السياسية المتريدة، كان على قيادة جيش وجبهة التحرير الوطني أن تحسم الأمر وتبادر باتخاذ خطط وأساليب جديدة واستراتيجية تتماشى والوضع السائد وبإيعاز من الشهيد زيغود يوسف قائد الولاية الثانية،(الشمال القسنطيني)، قررت قيادة الولاية لجبهة وجيش التحرير الوطني القيام بعمليات 20 أوت بعد أن رسمت الأهداف وحددت الغايات من هذه العمليات التي تتمحور حول:
1- فك الحصار المفروض على الولاية الأولى (الاوراس)، بعد أن نقل الاستعمار قواته إليها في محاولة منه لتطويق الثورة والقضاء عليها في المهد،وقد أضحت المنطقة بمقتضى ذلك في عزلة تكاد تكون تامة، فكان لزاما على جيش التحرير أن يشن بالمقابل هجمات مضادة لفك الحصار على الأوراس والولاية الثانية وإعادة الاتصالات التي باتت شبه مقطوعة في المنطقة.
وذلك بشن هجمات منسقة شاملة لتشتيت القوى الاستعمارية، وفك القيود عن الثورة وتثبيت وجودها الراسخ.
2- تأكيد استمرارية وشمولية الثورة المسلحة التي فجرتها طلائع جبهة التحرير الوطني في أول نوفمبر 1954، ثم شمولها لمختلف أنحاء البلاد لتثبيت خطأ العدو عندما اعتقد بمحدودية مواقع الثورة وعدد الثوار.
3- إثبات عكس ما يدعيه الاستعمار بأن الثورة ما هي إلا عملية إرهابية دبرها الخارجين عن القانون من اللصوص وقطاع الطرق. وتأكيد الطابع الشعبي والشمولي للثورة، وتنفيذ كل ادعاءات الاستعمار التي نشطت أبواقها في الداخل والخارج للتبشير بالقضاء على الثورة واستعادة التحكم في الوضع.
4- تعميم الثورة وترسيخها وتغلغلها في الأوساط الشعبية بواسطة لإمداد جيش التحرير الوطني بعناصر قوية تدعم الكفاح والنضال من اجل الاستقلال.
5- كسب انضمام كل تيارات الحركة الوطنية، والشخصيات السياسية الجزائرية المرتبطة بالأحزاب في صفوف جبهة التحرير الوطني، لتوحيد صفوف وجهود الحركة الوطنية الجزائرية من اجل الاستقلال.
6- رفع معنويات المجاهدين وتحطيم أسطورة الاستعمار وجيشه الذي لا يقهر، وإعادة الثقة وتعزيز الروح القتالية للمجاهدين والشعب على السواء، وبث الرعب وعدم الاطمئنان في نفوس المعمرين.
7- الرد عل عمليات الإبادة والتقتيل الجماعي والسلب والنهب التي ممارستها قوات جيش الاستعمار ضد المواطنين العزل في القرى والمداشر والمدن، لمساندتهم للثورة.
8- صادف 20 أوت ذكرى نفي الاستعمار لملك المغرب محمد الخامس إلى مدغشقر. وهذا ما أعطى للهجوم الكاسح بعدا للتضامن والاحساس بالمصير المشترك ووحدة النضال والأهداف لشعوب المغرب العربي.
9- لفت الأنظار الدولية للقضية الجزائرية،وكفاح شعبها ضد الفرنسيين وإدراجها ضمن أعمال ومناقشات الجمعية العامة للأمم المتحدة السياسي والمعنوي للشعب الجزائري في كفاحه لتحقيق الاستقلال الوطني وحتى تقرير المصير.
وانطلاقا من هذه الأهداف والغايات المرسومة. شرع في ترجمتها إلى عمليات عسكرية لتحقيق الأهداف المرجوة، فجاء دور العمل السياسي المتمثل في الاجتماعات واللقاءات التحضيرية والاعدادية.
الإعداد للهجوم
عقد الاجتماع الأول الذي دعا إليه الشهيد زيغود يوسف في الفترة من 25 جوان إلى 1 جويلية 1955 في ضواحي سكيكدة وحضره جمع من المجاهدين أعضاء الولاية الثانية منهم: الأخضر بن طوبال، مصطفى عمار بن عودة، علي كافي، محمد الصالح ميهوبي، وبوضرسة عمار. وتم في هذا الاجتماع رسم الخطوط العريضة للعمليات، وتحديد توقيتها وأماكنها وتنظيم العمل السياسي، وتوعية الفئات الشعبية والإلحاح على إشراك أعداد كبيرة من المواطنين في العمليات لتكون حركة عسكرية شعبية. فمن ناحية التوقيت حدد السب 20 أوت 1955 الذي يوافق الذكرى الثانية لنفي ملك المغرب محمد الخامس إلى مدغشقر.للبرهان على وحدة وتلاحم شعوب المغرب العربي في كفاحها ضد الاستعمار. وهناك أسباب أخرى، منها فرض مسألة استقلال الجزائر على الصعيد العالمي، وخاصة الأمم المتحدة التي عقدت دورة جمعيتها في سبتمبر من تلك السنة. كما روعي في الهجوم عنصر المفاجأة والمبادرة بأخذ زمام المعركة فقد وافق 20 أوت 1955 يوم السبت وهو نهاية الأسبوع وبداية العطل والإجازات بالنسبة لعساكر جيش الاحتلال، وكذلك يوم سوق سكيكدة التي تنشط فيها الحركة وتتوافد عليه أعداد كبيرة من مواطني الجهات المجاورة. فيسهل على أفراد جيش التحرير الوطني التستر والتنكر والدخول مع الوافدين إلى السوق.
وحددت الثانية عشر ظهرا كساعة الصفر لبدء العمليات، لأن الجو حار وفيه يخرج الأوروبيون من أعمالهم لتناول الغذاء. فيشكلون تجمعا يسهل على مجموعات المجاهدين الدخول إلى أماكن العمليات دون توجيه الأنظار لهم، والإحساس بهم من طرف قوات العدو التي تتبادل الحراسة على الثكنات في هذه اللحظة. وبهذا يتحقق عنصر المفاجأة والمباغتة، وضمان نجاح العملية بأكبر خسائر ممكنة في صفوف العدو وأقلها بالنسبة لمجاهدي جيش التحرير الوطني.
تم في هذا الاجتماع تحديد أماكن وأهداف العمليات. فاختير 39 هدفا في قطاع الشمال القسنطيني مسرحا للعمليات وبصفة خاصة المدن والأماكن التالية: قسنطينة، الخروب، سكيكدة، القل، عين عبيد، وادي الزناتي، السمندو، (زيغود يوسف حاليا)، الحروش، رمضان جمال، قالمىة، عزابة، الميلية وغيرها مناماكن الشمال القسنطيني.
واختيار هذه الأماكن جاء نتيجة لدراسة مسبقة من طرف جيش التحرير الوطني لتوفر هذه الأماكن على الأهداف الاقتصادية والعسكرية الاستعمارية.
كما نوقش في هذا الاجتماع التحضيري مشاكل تزويد المجاهدين والمشاركين في العمليات بالسلاح، وخاصة بعدما شددت الرقابة وعمليات التفتيش الواسعة من قبل سلطات الاحتلال بحثا عن السلاح لدى المواطنين، وإنزال أشد العقوبات على حامليه. ونظرا لاعتماد أفراد جيش التحرير الوطني على حرب العصابات فقد روعي في الاجتماع التحضيري طبيعة أماكن العمليات التي اختيرت مسرحا للأحداث كالجبال والغابات، وكذلك القرى التي يمكن للمجاهدين الاحتماء بها بعد إتمام العمليات لإيوائهم وتأمينهم دون أن تطولهم يد العدو التي ستسارع للرد والانتقام.
الاستعداد للهجوم
بعد الاجتماع التحضيري، عقدت عدة اجتماعات سياسية وتوجيهية أخرى في إطار اللقاءات والإعداد للعمليات في مختلف الجهات وقد ضمت مسؤولي المناطق والقسمات والجهات وخصصت لتحديد المهام وجمع الأسلحة، وتنظيم العمل العسكري والسياسي ، وتجنيد الشعب وتوعية الفئات المشاركة في العمليات للقيام بها على أحسن وجه.
وتواصلت الاجتماعات في شتى المناطق حتى ليلة تنفيذ العمليات وقد وزعت الأفواج وحددت مهام كل منها كما نظمت عمليات قطع الاتصالات الهاتفية والبرقية وقطع خطوط مواصلات وتموين العدو.
وعشية يوم الجمعة 19 أوت عقد الاجتماع الأخير للقيادات المسؤولة في جيش التحرير الوطني، ترأسه الشهيد زيغود يوسف لوضع اللمسات الأخيرة وقد انصرف على إثره المجتمعون من قادة وجنود جيش التحرير الوطني للالتحاق بوحداتهم وتواجد في أماكن عملياتهم.
ومما جعل هذه الاجتماعات والتحضيرات ناجحة، هو المحافظة على السر من طرف الجميع وهذا ما جعل السلطة الاستعمارية في غفلة من أمرها وعدم التنبه إلى العمليات في معظم المناطق حتى الساعة التي شن فيها جيش التحرير هجومه الكاسح على جميع قواعد الاستعمار في المناطق المحددة، تساند فيها جماهير المسبلين، ولقد كان للتكوين السياسي الذي سبق الهجوم فضل كبير في تهيئة المناخ المناسب، وتسهيل المهام للقيام بالهجومات الساحقة.
الهجوم الكاسح
حسب الخطط المرسومة، وصل معظم أفراد جيش التحرير الوطني صباح يوم السبت 20 أوت 195 متنكرين في الزي المدني متجهين إلى الأسواق أو مختبئين في المنازل، أو متمركزين في الغابات والهضاب القريبة من مسرح العمليات حتى لا ينكشف أمرهم. وما إن أشارت عقارب الساعة منتصف النهار حتى انطلقت جميع العمليات مدوية واختلطت أصوات الرصاص بصرخات وفزع جنود جيش الاحتلال الفارين المذعورين من هول المفاجأة غير المنتظرة. وبدأت الأفواج القتالية تساندها جموع الشعب المسبلين في شن الهجمات وتفجير القنابل، كل حسب ما انيط له من مهام حسب ما سبق التخطيط له واستهدفت هجمات جيش التحرير الوطني وجماهير المسبلين، الثكنات العسكرية ومراكز الشرطة والدرك والمعمرين والخونة من المتعاونين مع العدو. وقد عم الهجوم جميع مناطق الشمال القسنطيني في الوقت واحد واحترام القتال بحدة وعنف فاهتز كيان المستعمر وأعوانه. ففي سكيكدة التي كانت ميناء حيويا وكدينة كبرى، يجتمع فيها الكثير من المعمرين علاوة على نشاطها الصناعي والتجاري ومركزها العسكري الاستراتيجي، قام فوج من المجاهدين بالهجوم على مطار المدينة فدمروا عددا من الطائرات الحربية والمباني العسكرية وقتلوا وأصابوا عددا كبيرا من الجنود، كما تم الهجوم على ميناء سكيكدة وعلى مراكز المخابرات العامة بداخله نتجت عنه خسائر كبيرة أدت إلى شل الحركة داخل الميناء.
كما استهدفت العمليات نواحي الميلية والقل، والحروش فهوجمت مراكز الدرك وقطعت أسلاك الهاتف ودمرت أنابيب المياه وشبكات الكهرباء لسد الطرقات ومداخل بعض المدن لعرقلة الإمدادات التي قد يبعث بها العدو لنجدة قواته.
وفي قسنطينة ونواحيها هاجم المجاهدون مراكز الدرك والشركة ومؤسسة (برنادرد) لبيع الأسلحة والذخائر واستولى الثوار على ىما بها.
وبعد أن حقق المجاهدون أهدافهم بنجاح، أخذ معظمهم بالانسحاب إلى الغابات المجاورة الجبال للالتحاق بنقط التجمع قبل أن يبدأ العدو عملياته الانتقامية.
رد فعل السلطات الاستعمارية
نتيجة للفشل الذريع والخسائر التي مني بها جيش الاحتلال قامت قواته بمجازر انتقامية رهيبة واسعة النطاق، اتسمت بالهمجية والوحشية وحشدت القيادة الفرنسية قوات هائلة لتنفيذ عمليات الانتقام فوصلت التعزيزات العسكرية من مشاة ودبابات وآليات إلى المناطق التي هاجمت المجاهدون، وقامت هذه القوات بأقسى أنواع التعذيب والتنكيل والإبادة الجماعية لسكان المدن والقرى.
ففي سكيكدة شهد الملعب البلدي للمدينة عمليات القتل والدفن الجماعي التي ذهب ضحيتها الآلاف من السكان العزل، وقامت الجرافات التابعة للجيش الفرنسي بحفر وتسوية المقبرة الجماعية التي دفن فيها عشرات المئات من المواطنين الأبرياء. وألقي بجثث المئات منهم في الأماكن الخاصة التي استخدمها العدو الاستعماري كمقابر جماعية وسط حملته الانتقامية.
وتوافدت الإمدادات العسكرية على كامل الشمال القسنطيني وانتشرت حملات الاعتقال الجماعي، والسلب والنهب وهتك الأعراض، وأخذت الدوريات المسلحة تجوب شوارع المدن والقرى للبحث عن المجاهدين والسلاح، ونفذ الإعدام في الآلاف منهم. كما قامت الطائرات بحرق وإتلاف المزارع وإلقاء القنابل على القرى وملاحقة المجاهدين في الجبال والغابات.
واعترفت صحف جيش الاحتلال ببشاعة وهمجية الانتقام، فصحيفة "لاديباش" الصادرة بتاريخ 23 أوت 1955 كتبت تقول (هدمت قوات الأمن مشاتي ومخابئ الإرهابيين في معسكرات وادي الزناتي وجهات عزابة، وفي عين عبيد أصبحت الحياة لا معنى لها والموت لا زال يحوم حول هذه القرية، وإنذار العسكريين الأهالي بالخروج من منازلهم حيث فصل الرجال عن النساء والأطفال، وقام الجنود الفرنسيون بقتل الرجال).
أما التصريحات الرسمية فكان أول بيان صدر عن حكومة الاحتلال بالجزائر تعترف فيه بقيام قواتها بعمليات القمع والإرهاب وتدمير القرى والمشاتي صدر عن جريدة "لوموند" بتاريخ 23 أوت 1955 رقم 3290 فيه (بلاغ صادر عن الحكومة العامة بتهديم وتحطيم مشاتي الإرهابيين التالية: مشته مبروك بن هاشمي العشعاشية الحاج مبروك التابعة لبلدية وادي الزناتي، ومشته كرمات التابعة لبلدية عزابة، ومن بلدية رأس الماء مشاتي العولة، والمايل وفرادية ورأس الماء. واعترف بيان قوات الاحتلال بتحطيم هذه المشاتي نهائيا من طرف قوات الأمن ولكنه لم يعط أي تفاصيل عن مصير سكانها.
ومن خلال رد فعل الاستعمار وأعماله العدوانية التي اتسمت بالانتقام والوحشية إثر عمليات الهجوم، وكذلك البيانات والتصريحات الرسمية يتبين لنا أن عمليات الهجوم الشامل قد حققت أهدافها وغاياتها المرسومة بنجاح واستطاعت أن توجه للاستعمار ضربات قوية محكمة نتج عنها الكثير من الخسائر الباهظة رغم فرض حالة طوارئ.
نتائج هجوم الشمال القسنطيني
علاوة على ما حققته عمليات هجوم الشمال القسنطيني من خسائر بشرية ومادية باهظة في صفوف العدو. فإن التخطيط لهذا اليوم كان ناجحا وقد حقق أهدافه وغاياته المرسومة وأتت العمليات بثمارها عل الصعيدين الداخلي والخارجي وأثبتت وجود الحرب التحريرية المفروضة على الاستعمار كوسيلة لتحقيق الاستقلال المنشود. بالرغم من التقليل الجماعي الذي قام به الاستعمار عقب أحداث الهجوم.
النتائج التي تمخضت عن أحداث 20 أوت 1955
· من ناحية جيش التحرير الوطني حطمت نهائيا أسطورة الاستعمار وجيشه الذي لا يقهر وعادت الثقة لنفوس المجاهدين والشعب. وتعززت الروح القتالية للمجاهدين، وأثبتت الهجمات قدرة جيش التحرير على التخطيط والتنسيق وعدم صمود دفاع العدو أمام هجمات المجاهدين التي أخذت على حين غرة.
· فك الحصار العسكري والسياسي على الثورة وتحرير العديد من المناطق التي أصبحت خاضعة تماما للسلطة وإشراف جبهة التحرير الوطني.
· من ناحية العدو شلت هذه العمليات قواه وبددت طاقته التي تمركزها على الأوراس والقبائل، وفتحت أمامه جبهات أخرى مما جعله يضطرب وتفشل خطته العسكرية. وأجبر قادته على تغيير استراتيجية العسكرية للتحكم في تطور الثورة.
· محو الصفات الدنيئة التي ألصقها المستعمر بالمجاهدين عن طريق أبواق الدعائية كاللصوصية وقطاع الطرق. وقد تناقلت أجهزة الإعلام ووكالات الأنباء الداخلية والخارجية أخبار جيش التحرير الوطني وتلاحم الشعب معه.
· وضعت عمليات 20 أوت الناجحة حدا نهائيا للذين ترددوا في الإنظمام والالتحاق بصفوف الثورة، وخاصة من الشخصيات السياسية التقليدية الجزائرية.
· أفقدت عمليات 20 أوت ثقة المعمرين في حماية الجيش الفرنسي لهم. وبدأت حركة الهجرة المضادة من الجزائر نحو وطنهم فرنسا.
· أعطت هجومات الشمال القسنطيني دفعا جديدا للقضية الجزائرية في المجال الدولي.
كما وجدت القضية الجزائرية من شقيقاتها العربيات دعما ماديا ومعنويا وذلك في إطار جامعة الدول العربية.
· فندت عمليات الهجوم أقاويل الاستعمار على أن الثورة عملية مسيرة من الخارج، وبرهنت على وجودها الداخلي وأصلها الوطني.
وبهذا اتضح للعدو أن أحداث 20 أوت قد أظهرت للعالم التفاف الشعب الجزائري حول الثورة، وانه لا يمكن له فصله عنها مهما استخدم من أساليب القمع والتقتيل الجماعي، وأن الثورة ليست أعمالا طائفية من صنع قطاع الطرق كما كانت تصورها أجهزة الإعلام الاستعمارية وان العالم أصبح يدرك أن الشعب الجزائري شعب ثائر أراد تقرير مصيره وتحرير أرضه خلافا للدعاية الفرنسية القائلة بالجزائر الفرنسية وبذلك تأكدت شرعية الثورة وشعبيتها.
ولقد مهدت عمليات 20 أوت الخطوات لعمل عسكري وسياسي ذو أهمية تنظيمية وهو ما وقع يوم 20 أوت 1956، أي بعد مرور سنة واحدة عن تلك الأحداث ألا وهو مؤتمر الصومام المحطة الأخرى والأهم في تاريخ الكفاح المسلح