Overblog
Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

كتاب حروب امريكا اسرائيل وبريطانيا على العراق /المؤلف صالح مختاري/أهداف التدخل الأمريكي في العالم

أهداف التدخل الأمريكي في العالم

صد الخطر الشيوعي:

يعتبر التدخل شرعيا في نظر الولايات المتحدة، إذا تعرضت الدول الرأسمالية أو حايفاتها للخطر الشيوعي.

وبهذا الصدد برر "فرستاردلاس" "FORSTER Dulles"، تدخل الولايات المتحدة في غواتيمالا سنة 1954، بضرورة محاربة الشيوعية، إذا صرح قائلا "أن السيطرة أو الرقابة على المؤسسات السياسية لأية دولة أمريكية، من طرف الحركة الشيوعية العالمية تضع سيادة واستقلال الدول الأمريكية في خطر وهي تشكل تهديدا ضد السلم في أمريكا، ويتطلب اجتماعا لمنظمة الدول الأمريكية، من أجل دراسة العمل المناسب بما يتفق والاتفاقيات السابقة".

ومن أجل مقاومة المد الشيوعي في بلدان الشرق الأدنى والشرق الأوسط، وافق الكنغرس الأمريكي منح الرئيس حق إرسال القوات الأمريكية لأي بلد من هذه البلدان إذا كان ضروريا لمكافحة الشيوعية.

كما صرح الرئيس "إيزنهاور" "EISENHOWER" في فبراير 1957 بأن "الولايات المتحدة تحذر بأن العدوان الشيوعي في الشرق الأوسط يشكل تهديدا خطيرا على مصالحها الحيوية…وتعلن عن استعدادها استعمال قواتها المسلحة في رد العدوان المباشر عن هذه المنطقة" وقد قامت الولايات المتحدة بتطبيق هذا المبدأ، والتدخل مباشرة في لبنان سنة 1958.

في سنة 1961، بعد فشل التدخل الأمريكي في كوبا أشار الرئيس "كندي" "KENNEDY" "بأنه إذا تبين في يوم من الأيام بأن نظرية عدم التدخل الأمريكية سوف تسمح أو تؤدي إلى إخفاء سياسة انتظارية، وإذا نسيت شعوب هذه المنطقة واجبها المتمثل في مكافحة النفوذ الشيوعي. فإنني أعلن بأن الحكومة سوف لن تتردد في تنفيذ التزاماتها المتعلقة بأمن بلدنا".

وخلال أحداث الدومينيك عام 1965 بررت الولايات المتحدة تدخلها العسكري المباشر في هذا البلد بوجود خطر شيوعي، يهدد المنطقة.

فبعد التدخل الأمريكي صرح الرئيس "جونسن" "JOHNSON" "بأن الدول الأمريكية لا يمكن ولا تريد أن تقبل بانشاء حكومة شيوعية جديدة في نصف الكرة الغربي" وأعلن أيضا "بأن مبادئ الشيوعية تتعارض مع نظامنا الأمريكي".

وبررت الولايات المتحدة تدخلها المباشر في الفيتنام إلى جانب حكومة فيتنام الجنوبية، بضرورة مواجهة الخطر الشيوعي القادم من الشمال، وبهذا الصدد دافع الوفد الأمريكي أمام الأمم المتحدة عن موقف بلاده قائلا "…إن الولايات المتحدة كانت مستعدة دائما للتدخل لتأييد هذه الشعوب وتمكينها من تقرير مصيرها في مواجهة ضغوط التدخل الشيوعي في شؤونها".

وبررت الولايات المتحدة، تدخلها في شؤون السلفادور، بوجود خطر شيوعي على المنطقة، نتيجة دعم كوبا ونيكاراغوا للثوار في السلفادور.

ولا يقتصر الخطر الشيوعي على بلدان العالم الثالث فقط بل أن البلدان الغربية هي الأخرى معرضة لهذا الخطر وهذا ما يدفع بالولايات المتحدة إلى تهديد هذه الدول في حالة قيام حكومات شيوعية فيها، بقطع العلاقات الاقتصادية والتجارية. وقد حصل التهديد أثناء الانتخابات التشريعية في إيطاليا عام 1979.

 

حماية مصالحها الحيوي:

تسعى الولايات المتحدة إلى أحكام السيطرة على بلدان العالم الثالث، بواسطة القوة العسكرية في الوقت الذي فشلت فيه الوسائل السياسية والاقتصادية.

ولضمان حماية مصالحها الحيوية، قامت بإنشاء ما يسمى بقوات التدخل السريع لاستعمالها عند الحاجة في المناطق الحيوية من العالم، كالشرق الأوسط والشرق الأدنى.

وترجع فكرة استعمال قوات التدخل السريع إلى وقت بعيد، فقد سبق أن أعلن السيد "روبرت ماكنمارا" "ROBERT MACNAMARA" على إثر تصاعد موجة التحرر الوطني في العالم الثالث بأن بلاده تقف أمام خيارين احدهما يتمثل في إقامة كميات هامة من التجهيزات والرجال، في كل الأماكن القلقة، أو تنصيب قوة صغيرة في منطقة وسطى من الولايات المتحدة وإرسالها بسرعة إلى أي مكان.

وقد استخدمت مثل هذه القوات لأول مرة في حرب الفيتنام ولكن ابتداء من عام 1974، وبعد قيام البلدان العربية بخطر النفط على الولايات المتحدة بعد حرب أكتوبر بدأت الولايات المتحدة بالتهديد باستخدام قواتها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط ولهذا الغرض صرح وزير الدفاع الأمريكي آنذاك "شليسنجر" "CHLYZINGER" قائلا "بأن البلدان المنتجة للنفط تجازف بتعريض نفسها لضربة في حال ما إذا الحقت الضرر بالعالم الصناعي"

وفي عام 1977 قرر الرئيس الأمريكي السابق "ج. كارتر" "J. CARTER" تشكيل "قوات التدخل السريع" تتمثل مهمتها في "توجيه ضربة سريعة إلى النقاط المتأزمة في "العالم الثالث". ولا سيما في الخليج العربي. لأن منطقة الخليج العربي تعد منطقة هامة للمصالح الحيوية الأمريكية.

ونتيجة للأحداث الخطيرة التي عرفها العالم بعد التدخل السوفياتي في أفغانستان، وقيام الثورة الإيرانية، ثم أزمة الرهائن، سعى البيت الأبيض الأمريكي على الإسراع في إنشاء هذه القوات.

وتعتبر الثروة النفطية التي تزخر بها منطقة الخليج العربي، وبسبب تزايد موجه التحرير الوطني، وتصاعد كفاح الشعوب في هذه البلدان، من أجل استخدام هذه الثروات في خدمة الاقتصاد الوطني والرقي الاجتماعي، من أهم الدوافع للاهتمام الأمريكي بالمنطقة. وهذا ما أدى بالولايات المتحدة إلى التهديد صراحة بالتدخل في المنطقة إذا ما تعرضت أبار النفط للخطر، أو في حالة تغيير في أنظمة الحكم في هذه البلدان. ويمكن أن تفهم ذلك من التصريح الذي أدلى به وزير الدفاع الأمريكي هـ. براون "H. BROWN" لمجلة أمريكية أن "الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة لاستخدام القوة العسكرية بغية حماية مصالحها الحيوية "في منطقة الشرق الأوسط التي تعتبر بالنسبة للغرب مصدرا هاما للحصول على النفط" وكذلك ما صرح به أحد أعضاء مجلس الشيوخ لشؤون القوات المسلحة الأمريكية قائلا "بالنظر إلى تبعية الولايات المتحدة الأمريكية للنفط الأجنبي، قد نجد أنفسنا في وضع نضطر فيه لاستخدام القوات المسلحة من أجل تأمين تدفق هذا النفط".

ولا يعتبر النفط فقط، مصدر الاهتمام الوحيد للاستراتيجية الأمريكية، بل أن كل المصالح الاقتصادية التي تندرج ضمن مفهوم الأمن الاقتصادي بالنسبة للولايات المتحدة تدخل أيضا ضمن المصالح الحيوية التي تسعى للحفاظ عليها ولو باستعمال القوة.

وقد لعبت المصالح الاقتصادية دورا هاما في اعتبارات الأمن العسكري، ذلك أن القوة العسكرية تقوم وترتكز على الأسس الاقتصادية، كما أن التبعية للخارج بالنسبة للمواد الأولية، يعتبر خطرا على أمن الولايات المتحدة، وذلك خوفا من استعمال هذه المواد أداة للضغط والتهديد.

ولا تعتبر منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي ميدانا وحيدا لتدخل "قوات التدخل السريع" بل أن المناطق الأخرى من العالم يمكن أن تكون هدفا لهذا التدخل إن كانت تندرج ضمن منطقة المصالح الحيوية الأمريكية لقد صرح رئيس أركان الجيش الأمريكي "ى ماير" "Y MAYER" لجريدة "نيويورك تايمز" مارس 1980، قائلا "أننا لا نفكر بالشرق الأوسط والخليج العربي فحسب، بل يمكن هذه القوات أن تنقل إلى أية منطقة أخرى" ونفس ذلك صرح به الرئيس "كارتر" "J. CARTER" في خطابه الموجه للأمة في جانفي 1980، قائلا "سوف نضاعف إمكانيات التدخل بسرعة وفي ظروف طارئة، وذلك خارج منطقة الحلف الأطلسي، في أي مكان، أو كلما تعرضت مصالحنا الحيوية للخطر أن قواتنا مستعدة لأي عمل سريع وفي أي منطقة استراتيجية من العالم."

إن الموقف الأمريكي يعد استثناءا خطيرا لمبدأ عدم التدخل، ولا يقوم على أية أسس شرعية، ذلك لتعارضه الصريح مع مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وحقها في اختيار النظام السياسي والاجتماعي الذي ترضاه ويتنافى مع حق هذه الشعوب في السيادة على ثرواتها الطبيعية، والاستفادة من خبراتها لصالح التنمية والتطور.

هذه الحقوق التي أكدتها مواثيق عديدة أهمها ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها وميثاق حقوق وواجبات الدول الاقتصادية 1974، وكذا قرارات مؤتمرات حركة عدم الانحياز والمنظمات الدولية الأخرى.

إن فكرة الخطر الشيوعي ليست حجة قانونية، وإنما فكرة سياسية وإيديولوجية، كما أن فكرة المصالح الحيوية، ليست مفهوما قانونيا وإنما هي فكرة سياسية واقتصادية، أي أن القانون الدولي لم يكرس بعد لا مفهوم الخطر الشيوعي ولا فكرة المصالح الحيوية.

Voir les commentaires

كتاب حروب امريكا اسرائيل وبريطانيا على العراق/المؤلف صالح مختاري/الدعم العراقي للعرب في حربهم ضد إسرائيل

الدعم العراقي للعرب في حربهم ضد إسرائيل

قام العراق بإرسال وفد عراقي على مستوى عال إلى القاهرة ما بين 26-28 مارس 1972 كان يرأس الوفد السيد صدام حسين الرجل الثاني في العراق وأحد الأعمدة الرئيسية التي يتركز عليها النظام العراقي، وكان هذا يشير إلى مدى الأهمية التي يعلقها العراق على هذا اللقاء العراقي-المصري. كان هذا اللقاء بناء على مبادرة عراقية إذ تلقت السلطات المصرية أخطارا من بغداد تفيد أن وفدا عراقيا على مستوى عال سوف يصل إلى القاهرة يوم كذا لإجراء مباحثات مهمة، قامت مصر بتشكيل وقد مصري من الدكتور محمود فوزي نائب رئيس الجمهورية، حافظ إسماعيل مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي، ممدوح سالم وزير الداخلية. مراد غالب وزير الخارجية، الفريق سعد الدين الشاذلي، عبد المنعم النجار سفير مصر في العراق في يوم 23 مارس اجتماع الوفد المصري برئاسة الدكتور فوزي اجتماعا تمهيديا بقصد دراسة المواضيع التي يحتمل أن يثيرها الوفد العراقي، ثم طلب رئيس الوفد الكلمة من الأعضاء.

تم الاستماع إلى تقرير السفير المصري في العراق، وكان يتلخص فيما يلي:

1- العراق حريص على تحسين علاقته مع مصر وأنه لا يريد أن يتم ذلك على حساب العلاقات المصرية السورية. إنه يهدف إلى إقامة محور بغداد-القاهرة، بحيث يمر المحور من خلال دمشق.

2- سواء كان حزب البعث السوري وحزب البعث العراقي جسمين برأسين، فإنه من الممكن أن يتعايش النظامان مع بعضهما.

3- إن العراق على استعداد للمشاركة في المعركة بقواته المسلحة بالحجم الذي يراه الأمين العام المساعد العسكري للجامعة العربية.

4- إن العراق مستعد للمشاركة في عملية التصنيع العسكري العربي.

5- إن العراق يؤيد قيام الوحدة العربية، وإذا كان ذلك غير ممكن في الظروف الحالية فإنه يؤيد أي إجراء يقرب  هذه الوحدة.

 

ونصح السفير بأن تقوم مصر بتشجيع هذه الخطوة ومباركتها حيث أن رجال الحكم في العراق مخلصون في إيمانهم بالقومية العربية.

- تكلم الأعضاء الآخرون فأظهروا شكوكهم في تلك المبادرة وتراوح رأيهم بين الحذر والتخوف وبين الرفض الصريح، إلا أن أحد الأعضاء أعلن رفضه بطريقة لا تخلو من الاتهام حين قال: "لا أعتقد أنهم يرغبون في أي نوع من الاتحاد أو الوحدة العربية مهم قالوا ذلك. ولا أعتقد أنهم سوف يشاركون بأية قوات عسكرية في المعركة ضد إسرائيل مهما قالوا ذلك. إن المبادرة العراقية ما هي سوى مناورة حزينة.

- وعندما جاء دور الفريق سعد الدين الشاذلي في الكلام أوصى بتشجيع المبادرة العراقية وأدلى بالنقاط الرئيسية التالية:

1- لا يجب أن نتجاهل القوة العسكرية العراقية وأثرها على المعركة ضد إسرائيل، أن العراق من وجهة نظري تعني 250 طائرة قتال، 4 فرق مشاة، وفرقتين مدرعتين، فإذا استطعنا بأية وسيلة كانت أن نشرك تلك القوات أو جزءا منها في المعركة ضد إسرائيل في الجبهة الشرقية فإن ذلك سوف يضيف أبعادا جديدة للمعركة.

2- إني أعتقد أن العراق سوف يثير مشكلة القيادة بالنسبة لقواته التي تشترك مع سوريا ولكن كمبدأ عام فإن قوات الدعم العراقية يجب أن تخضع للقيادة العامة السورية باعتبارها الدولة المضيقة.

3- قد يقول العراق بأنه سوف يرسل قواته العسكرية إلى جبهة القتال عند قيام الحرب ولكن يجب أن توضح له أن عامل الوقت أن يسمح بأن تكون هذه القوات ذات تأثير فعال على المعركة، ما لم تتمركز في الجبهة السورية قبل المعركة بوقت كاف.

4- قد يثير العراق أن سبب إحجامه عن إرسال جزء من قواته الجوية والبرية إلى الجبهة السورية الآن، هو ضعف الدفاع الجوي في سوريا، ونتيجة الاتصالات بالجانب السوري فإننا نستطيع أن نؤكد له بأن سوريا ترحب بأن يقوم العراق ببناء مطارات متقدمة له في سوريا وأن يجهزها بالدفاع الجوي المناسب قبل أن يرسل قوته إلى سوريا.

- وفي نهاية الجلسة اتفقنا على أن يخضع اتجاه الوفد في مناقشاته مع الجانب العراقي للاعتبارين التاليين:

1- المساعدات التي يمكن للعراق أن يقدمها للمعركة؟

2- إن تمركز القوات العراقية في سوريا يخضع في النهاية لقرار الحكومة السورية.

- اجتمعنا مع الوفد العراقي وأخذنا تدور في حلقات مفرغة- كان الدكتور محمود فوزي يتكلم باسم الوفد المصري، وكان الدكتور فوزي صاحب مدرسة في الدبلوماسية التي تعتمد على الكلمات المرنة والمعاني الواسعة: كان يتكلم لمدة ساعة أو أكثر دون أن يستطيع مستمعوه أن يفهموا حقيقة ما يعنيه، وبالتالي فإنه يترك الباب مفتوحا للمناورة والمراوغة.

كان الوفد المصري حريصا على أن يخطو أية خطوة في اتجاه العراق حتى لا يؤثر ذلك على العلاقات المصرية السورية، وكان لا يأخذ الضمانات والتأكيدات التي يقدمها الوفد العراقي مأخذ الجدية، وانتهت المباحثات دون الوصول إلى أي حل وعاد الوفد العراقي إلى بلاده في 28 مارس. كانت النتيجة الإيجابية الوحيدة هي أضرار صدام حسين على أن أقوم بزيارة رسمية للعراق وأن يقوم الفريق سعد الدين الشاذلي بزيارة رسمية للعراق وأن يزور التشكيلات والوحدات العراقية أسوة بما فعله في الجزائر والمغرب.

 

عارض الرئيس السادات أن يقوم الفريق بزيارته للعراق، لقد كان رأيه في الرئيس حسن البكر لا يقل سوءا عن رأيه في الرئيس هواري بومدين والملك الحسن الثاني، ولكنه وافق في النهاية على أن يقوم  بهذه الزيارة 26 ماي إلى 2 جوان 1972 كان قيامه بهذه الزيارة الرسمية للعراق تعني الكثير بالنسبة لمصر وبالنسبة للعراق، فقد كانت أول زيارة رسمية تقوم بها شخصية مصرية كبيرة إلى بغداد منذ سنوات عديدة –لذلك فإنه كان ينظر إلى هذه الزيارة على أنها بداية لإعادة فتح الجسور بين القاهرة وبغداد. في بغداد كانت البصمات الثقافية المصرية واضحة في جميع المجالات. كان هناك عدة آلاف من المدرسين والأساتذة المصريين وكان ارتباط الشعب العراقي بأخبار مصر وقوتها بشكل ظاهرة لافتة للنظر. كان برنامج زيارتي حافلا فقد زرت الكثير من الوحدات العراقية البرية والجوية في أقصى المناطق الجبلية في الشمال، حيث تنخفض درجة الحرارة في هذا الوقت من السنة إلى حوالي الصفر. كما زار الوحدات التي تتمركز في أقصى الجنوب حيث ترتفع درجة الحرارة في الظل إلى حوالي 45 درجة مثوية، زار مناطق الأكراد ومناطق الحدود العراقية الإيرانية وقمت برحلة بحرية داخل شط العرب المتنازع عليه بين العراق وإيران.

وقد قابل الفريق الرئيس حسن البكر وعددا من الزعامات العراقية، وكانت آراء الجانب العراقي تتلخص في النقاط التالية:

1- إن العراق يوجه مشكلتين رئيسيتين، الأولى هي التنازع مع جراته إيران حول الحدود ولا سيما ما يتعلق منها بشط العرب، والمشكلة الثانية هي ثورة الأكراد في الشمال، وأن هذا التهديد الذي يأتي من اتجاهين مختلفين يرغم العراق على الاحتفاظ بقواتها قريبة من هذه المناطق.

2- إن العراق تمثل الجناح الأيمن للأمة العربية وهي لذلك يجب أن تكون قوية في تلك المنطقة حتى يستطيع أن تحمي المصالح العربية من أي هجوم.

3- عندما تبدأ المعركة سيقوم العراق بإرسال جزء من قواتها المسلحة إلى الجبهة الشرقية بحيث لا يؤثر على موقفها في الجبهة الإيرانية والجبهة الكردية.

4- سيقوم العراق بإصلاح وتجديد الطائرات هوكر هنتر، وإرسالها بعد تمام تجهيزها إلى الجبهة المصرية بدلا من الجبهة السورية أو الجبهة الأردنية.

- كانت هذه الزيارة محدودة النجاح، كانت هناك وعود عراقية بدعم الجبهة الشرقية جبهة سوريا، ولكن هذا الدعم كان مشروطا بالموقف على الجبهة الإيرانية وموقف الأكراد في الشمال كما أنه كان مشروعا بقيام حرب فعلية، وبالتالي فإن الجبهة الشرقية لا تستطيع أن تدخل في حسابات القوات العراقية أو جزءا منها كعنصر أساسي عند التخطيط للمعركة، كان هذا على صعيد العلاقات العربية. أما على صعيد العلاقات المصرية-العراقية فقد فتحت الزيارة الأبواب بين بغداد والقاهرة مؤذنة ببدء مرحلة جديدة من التعاون بين البلدين.

- بعد عودة الفريق إلى القاهرة بأربعة أيام فقط وصل اللواء عدنان عبد الجليل مساعد وزير الدفاع العراقي إلى القاهرة، وأخبر الفريق  بأن صدام حسين سوف يقوم بزيارة فرنسا في المدة بين 14-16 جويلية 1972 وأن السلطات العراقية تود أن تعرف الأصناف التي تريد مصر أن تشتريها من الغرب بصفة عامة ومن فرنسا بصفة خاصة، حتى يمكنها أن تتعاقد عليها وذلك كنوع من الدعم المادي لمصر. لقد بدأت العلاقات المصرية العراقية تأخذ مظهرا من مظاهر التعاون. وهذا التعاون، وإن كان محدودا فإنه كان خطوة كبيرة نحو تفاهم أفضل. لقد فتحت مصر مدارسها العسكرية لاستقبال بعض الطلبة العراقيين كما أرسلنا عددا من الخبراء العسكريين المصريين إلى العراق، وقامت الحكومة العراقية من جانبها بوضع 7 ملايين جنيه إسترليني باسم وزارة الحربية المصرية في أحد مصارف لندن حتى يمكن الإنفاق منها لشراء بعض الأصناف التكميلية العربية التي قد تحتاج إليها.

وفي 12 فبراير 73 وصل الفريق عبد الجبار شنشل رئيس أركان القوات المسلحة العراقية في زيارة رسمية لمصر تستغرق أسبوعا

قام الفريق شنشل بزيارة الكثير من الوحدات والمنشآت العسكرية واطلع على كل ما يريد الاطلاع عليه. وبهذه الزيارة التي تمت بعد 8 شهور من زيارة الفريق لبغداد كانت العلاقات المصرية العراقية قد وصلت إلى ما لم تصل إليه قبل، وبعد حوالي شهر من زيارة الفريق شنشل بدأ السرب العراقي من طراز هوكر هنتر يصل إلى مصر، حيث بقي بها إلى أن قامت حرب أكتوبر 73 واشتراك فيها.

وقد أشاد القادة العسكريون العسكريون بالسرب العراقي وبالطيارين العراقيين فقد كان أداء الطيارين العراقيين في ميدان المعركة رائعا مما جعلهم يحوزون على ثقة وحداتها البرية، ففي أكثر من مناسبة كانت تشكيلات البرية المصرية عندما تريد مساعدة جوية ترفق طلبها بالقول، نريد السرب العراقي، أو نريد سرب الهوكر هنتر، إن هذا في حد ذاته يعتبر خير شهادة لكفاءة السرب العراقي وحسن أدائه خلال حرب أكتوبر.

 لم يقتصر الدعم العراقي على الجبهة المصرية ولكنه أسهم إسهاما فعالا في الجبهة السورية فبمجرد اندلاع حرب أكتوبر 73 قام العراق بإجراء سريع يهدف إلى تأمين جبهته مع إيران ويسمح له بإرسال جزء من قواته إلى الجبهة السورية، وقد أشرك العراق في القتال 4 أسراب جوية، فرقة مدرعة، فرقة مشاة، فكانت قواته في الترتيب الثالث بعد مصر وسوريا من ناحية الكم والكيف. لقد اشترك أول سربين جويين في القتال يوم 8 أكتوبر، وأن العناصر المتقدمة من القوات البرية قد بدأت تصل إلى الجبهة يوم 11 أكتوبر، ولو أن تلك القوات العراقية كانت متمركزة في سوريا قبل بدء القتال لتغيرت نتائج القتال على الجبهة الشرقية، وهذا درس يجب أن نستفيد منه في المستقبل.

 

Voir les commentaires

كتاب حروب امريكا اسرائيل وبريطانيا على العراق /المؤلف صالح مختاري/إسرائيل تهدد الكيان العربي

 

إسرائيل تهدد الكيان العربي

التفوق في السلاح التقليدي هو خطة إسرائيل في الماضي، وخطتها الحالة هي التفوق في الأسلحة غير التقليدية ومنع العرب من الحصول عليها. وشهدت المنطقة تصعيدا ملحوظا في وثيرة التهديدات الإسرائيلية ضد العرب من مغبة استخدام أو تطوير الأسلحة غير التقليدية، ومن صواريخ وأسلحة كيميائية وبيولوجية وصولا إلى السلاح النووي.

والواقع أنه لم يكد يمر يوما واحدا من دون أن يطلق فيه مسؤول إسرائيلي أو أمريكي تصريحات مسهبة يتحدث فيها عن مخاطر وآفاق مستويات التسليح الجديدة في الشرق الأوسط، ويستوي في ذلك القادة العسكريون والسياسيون.

والسؤال الذي فرض نفسه في أعقاب هذه التصريحات الخطيرة، هو هل نحن أمام تهويل إعلامي واسع النطاق، هدفه الأول والأخير تعبيد الطريق أمام تسوية سلمية زاحفة في المنطقة، أم أن منطقة الشرق الأوسط معناها الجغرافي الأوسع الذي يضم باكستان وإيران وتركيا والعراق قد دخلت بالفعل في مرحلة تاريخية جديدة لم يسبق لها مثيل من سباق التسلح في الأعتدة غير التقليدية.

فالضجة الراهنة حول مستويات التسلح في المجالات النووية والكيميائية والبيولوجية تترافق مع جهود حثيثة في الساحة الدولية لدفع تسوية ما الصراع العربي-الإسرائيلي إلى دائرة الضوء، وهذه الجهود تواكب بدورها، تطورا نوعيا في العلاقات السوفييتية-الأمريكية قد يكون الأول من نوعه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية التي توجت بمعاهدة يالطا، وهو تطور جعل سلسلة كاملة من الصراعات الإقليمية أفغانستان. حرب الخليج انفولا ونامينا كمبوديا…الخ توضع فجأة على طاولة المفاوضات الجدية.

هذا إضافة إلى أنه بات سرا معروفا بأن الولايات المتحدة تعودت منذ مطلع الستينات أن تحرك قضية التسلح غير التقليدي في كل مرة ترى في ذلك وسيلة ضغط، غير تقليدية على تل أبيب لفرض موقف ما، هذا برغم أن الموقف الرسمي الأمريكي من مسألة التسلح النووي الإسرائيلي، يستند إلى مقاربة القرود الثلاثة على حد تعبير مؤتمر أخير عقد في أوسلو حول انتشار الأسلحة النووية أي: "لم نسمع، لم نر، لم نتكلم".

يقول الكاتب الإسرائيلي إيلي تانجر في هذا الصدد: "خلال العقد الأخير، أصبحت الأخبار التي مصدرها الولايات المتحدة حيال القدرات الذرية الإسرائيلية، رد فعل شرطي-على غرار باقلوف والكلب-في العلاقة بين الطرفين فكلما حاولت الإدارة الأمريكية تنفيذ صفقة سلاح مع دولة عربية مما تلقي معارضة من اللوبي الإسرائيلي، ـو كلما حدث توتر سياسي في العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية، يصبح الاحتمال كبيرا في تسريب وثيقة أمريكية عن وجود أسلحة ذرية في يد إسرائيل، وبعدما يعقب هذا التسرب، أو لا يعقبه اعتذار من واشنطن يقول: "آسفون أخطأنا".

والحال أن وزير الخارجية الأمريكي السابق جورج شولتز استخدم على ما يبدو رد الفعل الشرطي الباقلوفي هذا، خلال جولته المكوكبة السابقة في الشرق الأوسط، حين أعلن في القدس المحتلة أن "انتشار الأسلحة النووية والصواريخ بعيدة المدى، تهدد بأن تصبح النزاعات المستقبلية أكثر دموية، ونحن نريد تجنب نشوب أي حرب أن تكون أبدا كسابقاتها في حجم الدمار والخسائر، وهذه الحقائق يجب أن تدفع الأطراف الإقليمية إلى تحبيذ التسوية.

الاحتمال الأول، إذن أي استخدام ورقة التسلح غير التقليدي للضغط باتجاه تسوية ما. له مبرراته الواقعية.

بيد أن هذا لا ينفي الوجه الآخر للحقيقة، وهو أن سباق التسلح هذا قائم بالفعل، وأنه بدأ يتطور بوتائر متسارعة للغاية… وبشكل علني.

ونقطة الانطلاق "الشكلية" في هذا السباق كانت بالطبع حرب الخليج، فقد دشنت "حرب المدن، بين العراق وإيران، استخدام الصواريخ البالستية ضد أهداف مدنية للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، وتبع ذلك سباق محموم بين دول المنطقة على شراء وتطوير في حالة العراق الصواريخ، تتوج بحيازة المملكة العربية السعةدية لصواريخ أرض-أرض "دي-أف 2-أ" الصينية المعروفة باسم éريح الشرق" وبهدف معلن هو ردع إيران التي يصل مداها إلى نحو 1500 ميل، وهي بذلك قادرة على الوصول إلى إسرائيل واليونان والاتحاد السوفييتي والهند.

وإلى جانب وصول الصواريخ البالستية على الساحة الخليجية، كانت الحرب الكيميائية تستخدم بكثافة وأكثر من أي وقت مضى منذ الحرب الثانية، في الحرب العراقية-الإيرانية. هذا في وقت تتواتر فيه الأنباء عن مساع حثيثة تبذلها إيران للحصول على التقنيات العسكرية النووية، ومن مساع أخرى يبذلها العراق لاستكمال أبحاثه النووية المتطورة التي عطلها مؤقتا الهجوم الإسرائيلي على المفاعل النووي تموز.

إن حرب الخليج كانت نقطة الانطلاق لسباق التسلح غير التقليدي في الشرق الأوسط، وتم وصف هذه النقطة بأنها "شكلية" لسبب بسيط هو أن نقطة الانطلاق الحقيقية كانت ستتم في مكان آخر، وقبل وقت طويل من اندلاع حرب الخليج.

فإسرائيل كانت قد قطعت خلال العقود الأخيرة شوطا بعيدا في تطوير الأسلحة غير التقليدية، على الجبهات كافة: الأسلحة النووية، الأسلحة الكيميائية، الأسلحة البيولوجية، ومؤخرا الصواريخ بعيدة المدى والقادرة على حمل رؤوس نووية أريحا-2 ناهيك عن مشاركتها في برنامج "حرب النجوم" الأمريكي الذي سيمكنها من مواكبة تكنولوجيا الصواريخ المضادة لصواريخ.

وهذه التطويرات بخاصة في المجال النووي، تمت في إطار ما أسماه بعض البحاثة الإسرائيليين بـ "الغموض الموجه، الذي استهدف تحقيق الأغراض الآتية:

* في المرحلة بين 1956 و1966، كان هدف السرية هو حماية مفاعل ديمونا، الذي ينتج كميات ضخمة من البلوتونيوم من ضربة وقائية عربية لمنع إسرائيل من حيازة الأسلحة النووية.

* وفي مرحلة لاحقة، أصبح الغموض الموجه أفضل سياسة تنتهجها إسرائيل لتحقيق ما يصفه الدكتور جيرالد شتينيرغ من الجامعة العبرية بـ "الردع النووي الخفي للعرب".

ويضيف شتينيبرغ "أن الغموض يتمتع بمزايا عديدة للغاية ولا ينطوي على مخاطر كثيرة أو على الكلفة التي تصاحب تحويل الأسلحة النووية إلى أسلحة علنية، ولنا أيضا أن نتوقع رد فعل من جانب الاتحاد السوفييتي: فعدا عن خوف موسكو من استخدام الأسلحة النووية ضدها، فإن الزعامة السوفييتية ستجد نفيها -إذا ما أصبح الردع الإسرائيلي علنيا- تحت وطأة ضغط من حلفائها العرب للقيام برد ما. ويحتمل أن يكون الرد توريد أسلحة تقليدية متطورة للعرب وتدخلا عسكريا مباشرا في إعطاء العرب ضمانة نووية، ومثل هذا الرد السوفييتي يمكن أن يكلف إسرائيل ثمنا فادحا.

* مواصلة اعتماد إسرائيل على القوات التقليدية، طالما أن هذه القوات تحقق أهداف تل أبيب السياسية والعسكرية والاستراتيجية. عبر استمرار تفوقها على القوات التقليدية العربية.

أن كل هذه العوامل مجتمعة كانت كافية في السابق، الآن تدفع إسرائيل إلى مواصلة سياسة "الغموض الموجه، وقطف ثمراته الداخلية استمرار التطوير التكنولوجي والخارجية ابتزاز العرب في آن واحد العراق وإيران. بيد أنه يبدو أن تغييرات عميقة بدأت تدخل على هذه الصورة الخفية، مع ما أقررته حرب الخليج من تطورات أدخلت القلق إلى قلوب قادة تل أبيب.

فإذا كانت إسرائيل تحتكر الآن السلاح النووي في الشرق الأوسط إلا أن هذا السلاح ليس وسيلة الفتك الشامل الوحيدة، وخاصة مع دخول الصواريخ المتوسطة وبعيدة المدى إلى ساحة المعادلات العسكرية.

إذ أن هذه الصواريخ وحتى لو لم يمتلك العرب الخيار النووي قادرة على تشكيل مخاطر جمة، لأنها تعطي أصحابها القدرة على استخدام الأسلحة الكيميائية، إلى درجات بالغة التدمير وفي هذا الإطار ليس ثمة فرق مادي كبير بين السلاحين النووي والكيميائي بخاصة إذا ما ركبت رؤوس كيميائية في الصواريخ.

ومعروف أن الأسلحة الكيميائية التي يمكن أن تستخدم كغازات أو سوائل تستطيع احتراق الملاجئ وتلويث الهواء والتغلغل داخل الملابس ومهاجمة الجلد والعينين والأعضاء الداخلية، كما أنه في المستطاع إطالة أمد تأثيراتها من ساعات قليلة إلى أسابيع كاملة، الأمر الذي يحول مناطق برمتها إلى أفخاخ موت.

وقد استخدم هذا السلاح للمرة الأولى في 22 أبريل 1915، حين أطلق الألمان سحابة من "الكلورين" فوق القوات الفرنسية قي منطقة أيبيرز، وكانت محصلة مروعة، 5 آلاف قتيل و15 ألف مشوه، ومنذ ذلك الحين كانت الأسلحة الكيميائية تستخدم بشكل متقطع في الحروب الإقليمية، لكن التطويرات التي أدخلت عليها فيما بعد وخاصة قي ترسانات الدول الكبرى وحتى الدول المتوسطة، جعلتها على قدم المساواة مع الأسلحة النووية.

وتشرح مجلة "نيوسانيتيست" البريطانية تأثيرات الأسلحة الكيميائية بالتعابير الآتية "أن سلاحا كيميائيا ما يستخدم غاز الأعصاب "سارين" قادر على تدمير 20% من محتشدات العدو في بقعة محددة والهواء يساعد الغاز على التنقل فأي شيء غير محمي على مسافة 15 ميلا، ويقتل ويتعرض الناس إلى أضرار بالغة إذ كانوا على بعد 20 ميلا من ميدان المعركة. إن الإصابات ستكون بالملايين، والعديد من المصابين سيحتاج إلى عناية طبية للبقاء على قيد الحياة.

إن إسرائيل التي كانت تراقب عن كتب الاستخدام المكثف والفعال لكل من الصواريخ المتوسطة والبعيدة والأسلحة الكيميائية في حرب الخليج التي بدأت تتحرك بسرعة متزايدة في منحيين اثنين:

الأول، العمل لتكريس تفوقها في المجالات العسكرية النووية والكيميائية والصاروخية، ليس فقط من خلال التطويرات التكنولوجية بل أيضا عبر توجيه الضربات العسكرية "الوقائية" لبعض الأهداف المنتخبة في الدول العربية ضرب المفاعل العراقي التي كان فاتحة هذا الاتجاه.

والثاني: الاستعداد لإشهار أسلحتها غير التقليدية كوسيلة ردع وابتزاز للأطراف العربية، بهدف إحباط عزيمتها في سباق التسلح الجديد في المنطقة.

وفي هذه النقطة، لا يزال البعض يثير تساؤلات حول ما إذا كان العالم النووي الإسرائيلي فعنونو، الذي أفشى الأسرار النووية الصهيونية لصحيفة "صندداي تايمز" البريطانية هو مجرد عالم محب للسلام، أو أنه طرف سربته إسرائيل لإضفاء الصفة الرسمية والعلنية على وجود رادعها النووي؟

يضاف إلى ذلك أن المناورات التي أجرتها إسرائيل، ونضمت تدريب السكان المدنيين على خوض الحرب الكيميائية ومجابهتها، كانت مؤشرا آخر على أن تل أبيب لن تتردد في خوض  أية معركة تمكنها من حسم موازين قوى الأسلحة غير التقليدية في المنطقة لصالحها.

وكان ملفتا على أي حال أن ترد صحيفة "جيروزاليم" على التحذيرات التي وجهها الاتحاد السوفييتي لإسرائيل بعد تجريبها صاروخ "أريحا-2" بعيد المدى.

يقولها "في الحقيقة في إسرائيل هي التي يجب أن تقلق، في ضوء الأنباء التي تقول سوريا بأن سوريا تقوم بتطوير رؤوس صواريخ ذات طبيعة كيميائية جرثومية يمكن إيصالها بواسطة الصواريخ المتوفرة لديها الآن.

وتضيق الصحيفة: "إن تهديد الحرب الكيميائية العربية ضد إسرائيل هو التهديد الراهن الذي يعتبر بمثابة شكل من أشكال الرد العربي والردع المضاد لتفوق إسرائيل النووي وغير ذلك من أنظمة الأسلحة المتطورة التي قد تكون في حوزة إسرائيل.

إن بدء خروج إسرائيل من شرنقة الغموض المحيط بتسلحها غير التقليدي إضافة إلى التطورات النوعية والحديثة في التسلح الخليجي الذي ترافق مع الحرب العراقية-الإيرانية، فمنطقة الشرق الأوسط قد دخلت بالفعل مرحلة تاريخية جديدة، ستكون فيها القوة النووية والأسلحة الكيميائية والبيولوجية والصواريخ بعيدة المدى وكذلك تقنيات الحرب الإلكترونية، عوامل مؤثرة بشكل مباشر وفعال على موازين القوى وإستراتيجيات القوى الإقليمية الرئيسية في هذه البقعة من العالم، ناهيك بالطبع عن تأثيرها على مصير المنطقة برمتها.

وتبدو إسرائيل أكثر من مصرة على كسب هذه الجولة الجديدة والخطيرة من معادلات القوة الشرق أوسطية، فماذا عن الجانب العربي؟

إن القدرات غير التقليدية متوافرة لدى العرب في العراق ومصر وسوريا والجزائر في شتى المجالات النووية والكيميائية والبيولوجية لكن العامل الحاسم في هذا الصراع، وفي أشكال الصراعات في الواقع، ليس القدرات بين الارادات التي متى توفرت فإنها قادرة على ضمان الأمن القومي العربي وتحقيق الأهداف العربية.

والحال أن وجود القدرات العربية محذوفا منها الإرادة، سيمكن إسرائيل في النهاية من حسم موازين القوى الجديدة لصالحها، فتل أبيب التي لم تأل جهدا لتدمير القدرات العسكرية العربية التقليدية، ستكون مستعدة لخوض أكثر من حرب ألان لمنع العرب من استكمال ولوج باب التكنولوجيا العسكرية المتطورة.

Voir les commentaires

كتاب حروب امريكا اسراائيل وبريطانيا على العراق/المؤلف صالح مختاري/القاذفات الاستراتيجية التي قصفت العراق في

 

القاذفات الاستراتيجية التي قصفت العراق في حرب الخليج

ظهرت فكرة القاذفات أول ما ظهرت سنة 1911 عندما قامت الطائرات العسكرية برمي يدوي للقنابل المحمولة في مقصورات القيادة. ومنذ ذلك الوقت عرف هذا المجال تطورات متلاحقة، إلى أن تم تصميم طائرات خاصة لهذه العملية أطلق عليها اسم القاذفات أو المقنبلات Bombaediers، ورغم التطور الحاصل على جميع المستويات في هذا السلاح إلا أننا نجد مهمة الطائرات المقنبلة بقيت ثابتة، فهي تقوم بالتوغل داخل الإقليم المعادي جوا. وتقنبل الأهداف المرسومة لها بصفة دقيقة.

شهدت القاذفات تطورات هامة على جميع المستويات التقنية كالسرعة والحمولة وـأقصى ارتفاع يسمح بتنفيذ المهمة، ففي سنة 1944. قامت القاذفة B-24 بتنفيذ مهمتها على ارتفاع 8500 وبسرعة تقدر بـ 350كم/سا، وفي سنة 1950 استطاعت القاذفة B36-D رمي حمولتها على الأهداف المرسومة لها من ارتفاع 128000م بسرعة 650كم/سا، أما القاذفة B-58 فقد قامت في سنة 1959 بتنفيذ مهمتها من ارتفاع 195000م وبسرعة 2200كم/سا ورغم ذلك فقد أصبح هذا النوع الأخير عملي وأحيل على التقاعد منذ عدة سنوات.

وبظهور القنابل النووية يصل قطرها إلى ثلاثة أمتار وطولها سبعة أمتار، وتستعمل لضرب أعماق العدو على بعد عشرات الآلاف من الكيلومترات في بعض الأحيان برزت الحاجة إلى طائرات قاذفة عملاقة فإمكانها القيام بهذه المهمة بحمل عدد كبير من هذه القنابل، وبذلك ظهرت إلى الوجود القاذفات الاستراتيجية.

لو تتوقف التكنولوجيا الخاصة بالسلاح عند إنتاج قنابل نووية عملاقة ترمي بالطائرات فقط. بل توصل الخبراء سنة 1957م إلى إمكانية وضع رأس نووي على قذيفة مدفعية طولها 28سم. كما أمكن وضع رؤوس نووية على قنابل صغيرة الحجم يمكن رميها بطائرات صغيرة تقل عن المطاردات الحديثة من حيث الحجم والتكنولوجيا المتوفرة.

تعد القاذفة الاستراتيجية الأمريكية B-52 التي استخدمت في حرب الخليج ضد العراق من أكبر وأثقل وأقوى القاذفات في العالم في الوقت الراهن. ولقد صمت هذه القاذفة سنة 1946 على شكل  طائرة ذات محرك دافع وأجنحة مستقيمة، وخلال تلك الفترة لم تكن هناك محركات باستطاعتها دفع قاذفة عابرة للقارات، وذلك نظرا لكمية الوقود الكبيرة التي تحتاج إليها مثل هذه المهمات وكذا صعوبة حملها وباختراع المحرك النفاث اتجه الخبراء إلى إعادة النظر في دراسة إنتاج قاذفة جديدة وقد تمكنوا من ذلك بالفعل سنة 1948 وكانت القاذفة الجديدة وبأجنحة سهمية تختلف عن سابقتها وباستطاعتها أن تحمل كمية كبيرة من الوقود وبذلك تحولت إلى قاذفة عابرة للقارات تقوم بالمهام الاستراتيجية، وقد أصبحت طائرة البوينغ بي-52 ستروتوسترس stratostresse القاذفة الأساسية في قيادة السلاح الاستراتيجي الأمريكي منذ منتصف الخمسينات وتطورت إلى الطراز بي-52د التي استخدمت في حرب الفيتنام والتي تحمل ما يقدر بـ 84 قنبلة، بالإضافة إلى 24 قنبلة أخرى بين أجنحتها، وقد تم حتى سنة 1984 إنتاج 170 قطعة من هذه القاذفة العملاقة التي تطورت وأدخلت عليها عدة تحسينات. فمنذ سنة 1976 أصبحت القاذفة تستطيع القيام بمهام بحرية هجومية، وفي الوقت الراهن تقوم الولايات المتحدة بإعداد أسطول جوي من قاذفات B-52-H B-52-C وهي مزودة بخزانات وقود مستقلة وأجهزة للتحكم عن بعد، إضافة إلى قدرتها على حمل صواريخ جو-أرض من طراز AGM-89 وقد أنتج منها إلى حد الآن ما يربو عن 193 قاذفة موزعة على مختلف الأنواع.

يحتوي ذيل الطائرة على برج يتم التحكم فيه عن بعد يحتوي على أربعة مواسير 12.7 ملم في جميع أصناف القاذفة ما عدا B-52-H فإن برجها يحتوي على ستة مواسير لدافع ASG-21 عيار 20 ملم.

وتبلغ حمولتها الداخلية من القنابل: 31750كغ وباستطاعتها حمل صاروخين جو-أرض AGM-28-B، وأيضا 12 صاروخا AGM-69-A من النوع الهجومي ذو المدى القصير.

ونشير إلى أن هذه القاذفة الاستراتيجية العملاقة قد دخلت الخدمة وكان أو لتحليق لها يوم 15 أفريل 1952 ثم أصبحت جزءا عمليا من القوة الجوية الأمريكية ابتداء من 29 جوان 1955 ولا تزال  القاذفة تتربع على عرش الطيران إلى يومنا هذا، وقد شاركت بفعالية كبيرة في حرب الخليج العدوانية على شعب العراق تحت ذريعة تحرير الكويت، وقد اتخذت من بريطانيا وفرنسا وإسبانيا قواعد لشن غارتها المروعة على العراق، ولم تستطع الدفاعات الجوية العراقية بعد مرور أكثر من ثلاث أسابيع من الحرب سوى إسقاط طائرة واحدة من هذا النوع العملاق لأنها التوفر على كل شروط الحماية في أداء مهماته.+

Voir les commentaires

كتاب حروب امريكا اسرائيل وبريطانيا على العراق /هل كانت الكويت ارضا عراقية /المؤلف صالح مختاري

 

هل كانت الكويت أرضا عراقية؟

لقد اقترن اسم البصرة كثيرا بمركزها الواقع على رأس الخليج وقد بقي على حاله منذ تأسيسها في العام 14 للهجرة دون تغيير كبير- وكان ذلك أمرا طبيعيا للغاية, فهذه سنة درج عليها العثمانيون طويلا, إذ ظل - أي المركز- الميناء والسوق الرئيسية, ومقر الجيش والسراي, وموطن الوكالات التجارية الغربية, وكان على الدوام عامرا, غاصا بالحركة. ويمكن القول أن أهمية مركز البصرة تعود أساسا إلى موقعه الفريد المتميز, ووضعه كنافذة للعراق على العالم. وحسب التصنيف الإداري الذي جاء به الوزير مدحت باشا والي بغداد الشهير بين عامي 1869-1871, فقد أعطي مرتبة السنجق وقسم إلى ثلاثة أقضية هي الفاو والقرنة والكويت.

ومن بين هذه الأقضية الثلاثة، كانت الكويت تتمتع بوضع خاص، إذ كان يحكمها آل الصباح على مبدأ الشورى، فلما شن مدحت باشا 1871 حملته الشهيرة على الاحساء، قامت الكويت بإمداده بمجموعة من الفرسان تحت امرة مبارك صباح, فكوفئت على صنيعها بمنحها مرتبة القائمقامية.

على أن هذه ليست المرة الأولى التي تستنجد فيها الدولة بعشائر الكويت. فقد سبق لها أن استعانت بحملة قادها الشيخ جابر الصباح, 1837, للإغارة على إمارة بني كعب في عربستان, وقد انسحبت بعد أن حققت نجاحا كبيرا وأمعنت في النكاية بالكعبين.

وعندما تولى الشيخ مبارك إمارة الكويت, 1896, أرسل حمدي باشا والي البصرة يوم ذاك مركبا حربيا يهدف إقصائه عن كرسي الإمارة إلا أنه لم يتمكن من تنفيذ مهمته, فقد عقدت الكويت معاهدة مع بريطانيا سنة1898, أعطتها الحماية الكافية والوضع الخاص. وقيل لأن الباعث على التصرف البريطاني هذا, هو ما أشيع عن منح الروس امتيازا في استنبول لمد سكة حديد الأناضول- الكويت. وقد فصلت هذه المعاهدة الكويت عمليا عن البصرة. كما أن هذه الأحداث جعلت من الشيخ مبارك الصباح قطبا من أقطاب المعارضة للسياسة العثمانية في المنطقة وواحدا من أبرز الزعماء العرب فيها.

وامتلك الكويتيون, وخصوصا الشيوخ من آل الصباح, أراضي واسعة في البصرة والفاو. فقد كانت ملكية الأراضي الزراعية إحدى أهم أسباب الثروة والجاه في ذلك الوقت وقد أصبحت هذه الملكية من الروابط التي تشد الكويت إلى الولاية حتى بعد توقيعها مع بريطانيا.

ومن المقاطعات الأخرى، التي كانت تابعة للولاية، منطقة الأحساء وقد أصبحت هي الأخرى سنجقا سنة 1871 إثر حملة مدحت باشا الأنفة الذكر. وعلى الرغم من أنها كانت من الناحية النظرية أيضا تابعة للدولة العثمانية منذ زمن طويل إلى أن  سيطرت الدولة السعودية الأولى عليها جعلتها عمليا خارج هذا الإطار فلما تمكن الجيش المصري في سنة 1837 من الهيمنة عليها، بناء على طلب من الدولة ذاتها، أصبحت أكثر استغلالية من ذي قبل عنها. إلا أنه نقرر الانسحاب سنة 1840 تحت ضغط من الدول الأوربية التي وجدت فيه منافسا خطيرا. وقد قامت حكومة الولاية بنصب حاميات صغيرة في أقضية الأحساء الثلاث: القطيف، والهفوف، وقطر. إلا أنها كانت دائما عرضة لهجمات التجمعات القلية الموالية للإمامة السعودية. وعندما أنقسم الحكم السعودي، الذي عاد إلى الوجود بعد رحيل إبراهيم، اغتنم مدحت الفرصة وقام بحملته استجابة لرغبة القوم، فأصبحت الإحساء من جديد، خاضعة للحكم العثماني المباشر. وقد وصلتها أخيرا، طلائع الدعوة إلى العروبة، على يد طالب النقيب، عندما عين متصرفا فيها عامي 1902 و 1903. ولكن غارات القبائل، والفوضى، لم تنقطع أبدا حتى أقرت الدولة العثمانية سنة 1912 بمعاهدة، حالت ظروف الحرب العالمية الأولى دون توقيعها مع بريطانيا، بعجزها عن حماية ممتلكاتها في الجزيرة العربية وساحل الخليج وكان ذلك بمثابة المؤشر لابن سعود لاستعادة منطقة الإحساء ثانية، وضمها إليه، في حين أخذت بريطانيا بالهيمنة المطلقة على الساحل. ففرضت حمايتها على قطر بمعاهدة شبيهة بتلك المعاهدات التي وقعتها مع المشيخات الأخرى، وقد وجدتها في أمس الحاجة إلى العون بعد صراعها الطويل الذي خاضته مع البحرين حول منطقة الزبارة الواقعة في شمالها الغربي. وقد عرفت هذه المنطقة، التي هجرها آل خليفة تحت ضغط من الدولة السعودية الأولى إلى جزر البحرين بأنها منطقة الصراع الرئيسية في المنطقة وبرميل البارود المتفجر آنذاك.

ولقد تم الأمر على نفس الشاكلة في ما يتعلق بمنطقة القصيم التي اعتبرت سنجقا لواء من سناجق البصرة عام 1905، وكان قسم منها خاضعا لسيطرة ابن الرشيد أمير حائل. وقد استطاع ابن السعود أن يستعيد الرياض في وقت مبكر، وأن يضم إليه المنطقة بأكلمها بعد انتهاء الحرب.

ويرتبط تاريخ ولاية البصرة أيضا، بأمارة أخرى كانت تقوم على الساحل الشمالي الرشقي الخليج، وتتمتع بوضع خاص لدى الدولتين الإيرانية والعثمانية. هذه الإمارة هي إمارة بني كعب العربية التي كانت ملا الدولتين تدعي السيادة عليها. أما هي فقد كانت مستقلة استقلالا تاما. إلا أنها كانت تؤدي أحيانا مقدارا من الضرائب والهبات إلى التاج الإيراني، وكان ولاؤها هذا نوعا من الانحياز، لا بد منه، إلى أحد القطبين الرئيسين في المنقطة. وقد أتى عليها حين من الدهر واجهت فيه بريطانيا والأتراك مجتمعين، وحاولت مديد العون إلى "أحمد شاه" الذي وقع تحت رحمة رئيس وزرائه رضا خان قبل أن يبتلعه الأخير ابتلاعا.

إن الدولة العثمانية، التي كانت تعتبرها على الدوام جزءا من ولاية البصرة، أقرت بحث الإمارة في تملك الأراضي الزراعية في الولاية. فتد أخلت حدودها بين الدولتين تداخلا كبيرا. وكان ميناء المحمرة العائد إليها ينافس ميناء البصرة منافسة حادة ويستأثر بالعائدات من دونه. ولقد أدى كل ذلك إلى جملة من المنازعات والمشاكل، عقدت على إثرها معاهدة أرضروم سنة 1847 لفض مسألة الحدود بين كل من تركيا وإيران، وقد أصبحت هذه المعاهدة أساسا لاتفاقيات أخرى متعددة بين كل من العراق وإيران في ما بعد.

وفي الحرب العالمية الأولى، أعلنت إمارة بني كعب الحرب على الدولة العثمانية بينما وقفت كعب الحرب على الدولة العثمانية بينما وقفت إيران على الحياد، فاحتلت القوات التركية قسما من أراضيها ثم تراجعت سنة 1915، إثر نزول القوات البريطانية في مدينة المحمرة وقد انسحبت بعد ذلك بوقت قصير.

إن دعم إمارة بني كعب لثورة العشرين، جعل من أميرها الشيخ خزعل بن جابر أحد المرشحين الأفوياء لتولي عرش العراق، خصوصا وأنه كان في الأصل، بريطاني الهوى. ولكنه اضطر للتراجع تحت وعيد منها بفضل ولاية البصرة عن العراق، وإلحاقها بإمارته، ولم يحدث ذلك طبعا واقتيد الشيخ خزعل  سنة 1925 أسيرا إلى طهران بخدعة ماكرة والغيث إمارته تماما، وألحقت بحكومة رضا خان.

في عام 1913 عقد في المحمرة مؤتمر ضم أطرافا ثلاثة كان له أثر بعيد في سياسة المنطقة في تلك الحقبة المتزلزلة من التاريخ، هذه الأطراف هي الشيخ خزعل أمير المحمرة والشيخ مبارك الصباح  أمير الكويت، والسيد طالب النقيب من أشهر رجالات البصرة وملاكها. وقد أيد المؤتمر مطالبة العراق بالاستقلال عن الحكم العثماني، الذي كانت تدعو له في السر الأحزاب والجمعيات العربية والمعروف أن السيد طالب الذي مثل البصرة في المؤتمر، كل من زعماء حرب الاتحاد والترقي في الولاية قبل أن يتحول إلى صف المعارضة، ويقود الاتجاهات الداعية إلى الاستقلال وقد أسس الحزب الحر الممثل الذي ظهر إلى العلن عقب الانقلاب العثماني سنة 1908 ثم ائتلف مع أحزاب أخرى ودعى بحرب الحرية والائتلاف ولكنه حل سنة 1910 بقرار من أعضائه فعاد السيد طالب وأسس جمعية الإصلاح التي أصبحت محور السياسة الوطنية في العراق وكانت على صلة وثيقة مع الجمعية الأمريكية التي أسسها في مصر عزيز علي المصري.

وعندما أقدمت القوات البريطانية على اختلال البصرة 1914، كان السيد طالب دور كبير في تعبئة الناس لمقاومة الاحتلال فقبض عليه ونفي إلى الخارج.

وعندما تأسست أول حكومة وطنية انتقالية في العراق 1920 كان هو وزير داخليتها العائد من المنفى، ونظرا لرغبته الجامحة في تولي عرش العراق الموعود، وعدم ثقة بريطانيا به، قامت الأخيرة بنفيه مجددا إلى جزيرة سيلان بعد دعوته إلى حفلة شاي في دار الاعتماد البريطانية في بغداد.

إن القرن التاسع عشر الميلادي لم ينصرم إلى وقد أصبحت بعض المرافق الخدمية موجودة بالفعل في هذه الولاية، ولعل من أهمها وسائل التعليم الابتدائي والمتوسط.

وساهمت الإرساليات التبشيرية الأمريكية التي امتدت من البحرين إلى البصرة سنة 1891، وافتتحت لها فروعا في كل من العمارة التعليم وإنشاء المدارس رغم تحفظ الناس إزاء اتجاهاتها التبشيرية، كما أن الطوائف غير الإسلامية أنشأت هي الأخرى مدارسها الخاصة ومنها مدرسة للبنات قبل أن تنشأ الحكومة مدرستها سنة 1911، أما باقي الأقضية فقد افترض أن كلا من يحوي مدرسة ابتدائية للبنين، عدا عن وسائل التعليم غير النظامية، ولكن هذا ام يحدث مبكرا في كل مكان، فقد افتتحت مثلا أول مدرسة في الكويت وهي المدرسة المباركية في 1912.

على أن أهم المؤسسات التي نجعت عن تطبيق نظام مدحت باشا الإداري، هي مؤسسة البلدية، فقد كانت مهامها متعددة وكثيرة إذ داومت على إمارة الشوارع وتنظيفها وإصلاح الجسور وإدارة الأسواق، وإعطاء التراخيص ومهام الحراسة، وكانت خدمتها منتشرة في الأقضية والنواحي. أما المجلس البلدي فكان ينتخب انتخابا مباشرا وغالبا ما كانت الأحزاب والتجمعات تجد طريقها إليه وتتخذ منه ميدانا لأنشطتها السياسية والاجتماعية.

ولقد توجت الولاية أعمالها بإصدار أول صحيفة لها عام 1889 وهي صحيفة بصرة لتكون لسان حال الحكومة باللغتين العربية والتركية. وهي أول صحيفة تصدر في الخليج على الإطلاق ثم تلتها بعد إعلان فترة إطلاق الحريات عشر 1908 صحف عديدة جاورت الخمس عشرة بمجهودات فردية وحزبية.

وعندما وقعت الولاية تحت الاحتلال البريطاني المباشر سنة 1914، دخلت مرحلة جديدة من تاريخها وأصيبت فيها مؤسساتها بالشلل والركود، فلما أنشئ الحكم الوطني في العراق 1921 أصبحت لواء من أوليته.
أسباب دخول العراق للكويت

اجتياح الجيش العراقي للكويت، لم يتم هكذا بمحض الصدفة ودون خلفيات سياسية وغير سياسية، وإنما كان ناتج عن أسباب كثيرة، منها ما هو تاريخي ظل –ولا يزال- يختمر في وعي الشعب وقيادة العراق، ومنها ما هو استراتيجي يتعلق بالمصالح العليا للبلاد في ظل سياسة تطمح إلى بناء دولة عصرية قادرة على مواجهة التحديات، ومن هذه الأسباب ما هو اقتصادي يرتبط بقدرة العراق المادية على إنجاز مشروعه الطموح في التقدم والرقي.

بمجرد تفحص تاريخ العلاقات العراقية الكويتية، يبدو لنا موضوع المطالب العراقية في الكويت وهي المطالب التي تكررت أكثر من مرة في أكثر من مناسبة.

فالحكومات العراقية المتعاقبة كانت تؤكد على أن الكويت جزء من محافظة البصرة العراقية واستمرت على هذا المنوال حتى سنة 1914. حينما قامت القوات البريطانية  بغزو العراق وفصل الكويت عنه. وقد تم في سنة 1932 اعتراف العراق بالحدود العراقية الكويتية تحت تأثير بريطانيا، وفي سنة 1933 في عهد الملك غازي بن فيصل –ملك العراق- بدأت المطالبة بالكويت من جديد. لكن بمقتل الملك غازي في 1939 انتهت المطالبة بانضمام الكويت، ومع أوائل عام 1958 حين تم إنشاء الهلال الخصيب دعا نوري السعيد –رئيس الوزراء العراقي للاتحاد دون قيد أو شرط، لكن فشل مشروع الاتحاد حال دون ذلك، ومنذ ذلك الحين لم يثر موضوع الكويت مجددا إلى في سنة 1961 حينما أعلن رئيس الوزراء العراقي عبد الكريم قاسم آنذاك، أن الكويت جزء من العراق وكانت الكويت قد تحولت خلال هذه الفترة من 1939-1961 إلى دولة نفطية غنية. وفي 25 جوان 1961 طالب الزعيم قاسم بانضمام الكويت إلى العراق وأعلن عن تعيين شيخ الكويت قائماقاما للكويت كإحدى توابع مقاطع البصرة، ولم تنته مطالب العراق بحقها في الكويت إلا بمقتل قاسم في انقلاب قاده حزب البعث في سنة 1963. حيث كان القادة العراقيون الجدد يرغبون في حسم الموضوع  مع الكويت واحترام سيادته، فتم اعترافهم باستقلال الكويت سنة 1963.

وفي الفترة ما بين 1963-1968 لم تشهد الحدود العراقية الكويتية أي تؤثر، ولكن في سنة 1969 حين تصاعدت الأزمة العراقية الإيرانية، بسبب إلغاء شاه إيران لاتفاقية 1937 التي تتعلق بشط العرب. وصلت العلاقات العراقية الكويتية إلى حد النزاع المسلح حيث شعر العراق بالحاجة إلى منفذ بحري يمكنه من الاستفادة من الخليج. خاصة وأن العراق لا يملك منفذا حقيقيا على الخليج إلا من خلال شط العرب. وفي هذه السنة طلب العراق من الكويت السماح للقوات العراقية الموجودة في الأراضي الكويتية بالدفاع عن ميناء "أم قصر" ضد أي هجوم إيراني محتمل.

ومع مطلع سنة 1973 أنشأت القوات العراقية موقعا دفاعيا في منطقة "الصامتة" الواقعة في الأراضي الكويتيةّ، وقد طلب الكويت من القوات العراقية الانسحاب منها مقابل مبالغ مالية قدرت بالملايين آنذاك.

وفي هذه السنة أيضا ظهرت مجددا مطالب العراق بإلحاح أثناء زيارة ولي العهد الكويتي الشيخ جابر أحمد الصباح للعراق بجزيرتي وربة وبوبيان من أجل ضمها إلى العراق لأهميتها الاستراتيجية بالنسبة للأمن العراقي. سيما ما يتعلق منه بجانب المحافظة على سلامة ميناء أو قصر العراقي ولم يتوقف هذه المطالب إلا مع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية في 1980. حيث ترك الحديث عن الخلافات الحدودية بين البلدين واتجهت  الكويت نحو تدعيم العراق لصد الخطر الفارسي كما سميت في ذلك الوقت، ولكن بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية لم يتوصل الطرفان إلى أي اتفاقية تتعلق بتسوية الحدود، وقد تأججت الأزمة الحدودية أكثر بعد المذكرة التي بعث بها العراق لجامعة الدول العربية بتاريخ 15 جويلية 1990، والتي جدد فيها مطالبه بجزيرتي بوبيان وروبة، ومن ذلك اليوم أثيرت قضية الحدود من جديد بين البلدين، خاصة وأن العراق ترى أن الكويت استغلت الوضع وانتهزت فرصة الحرب العراقية-الإيرانية فأقامت منشآت عسكرية ونفطية على أرض العراق، ومن ثم بدأت الحرب الكلامية بين البلدين، والتي انتهت إلى اجتياح الجيش العراقي واكتساحه للكويت.

تشير بعض المصادر الإعلامية إلى أنه تم في العراق اكتشاف شبكة مضادة لنظام الرئيس صدام حسين، وقد تم وفق اعتقال مجموعة من المقربين من النظام ومن صدم حسين من الشخصيات العسكرية والسياسية البارزة بتهمة التخطيط المضاد لمصلحة العراق والإطاحة بالرئيس صدام حسين، وهو ما اكتشفته المخابرات العراقية وترى العراق بأن هذا العمل كانت ورائه الدول الخليجية، والكويت غير مستثناة منها وهو الأمر الذي أثار حفيظة الرئيس صدام حسين.

وأمام تزايد وطأة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن السنوات الطويلة للحرب اتجه العراق إلى المطالبة بمساهمة الإمارات  النفطية في حل مشاكله، غير أن هذه الإمارات كانت شحيحة ومتباطئة وهو ما جعل العراق يشعر بالغبن وتخلي الأشقاء عنه. وهو شعور تولد لدى الرأي العام العراقي كله، ولهذا قوبل قرار الرئيس صدام حسين في اجتياحه للكويت بالتأييد الشعبي الواسع. على اعتبار أنه قام بعمل وطني وقومي عظيم لحماية المصالح العراقية والقومية، وهو ما ضاعف من عزيمة الرئيس العراقي الذي لم يكتسب فقط تأييد شعبه. وإنما تأييد معظم الشعوب العربية التي كانت تشعر دوما بتخاذل أنظمتها السياسية وتبعيتها لأمريكا والغرب.

انهم العراق الكويت بإغراق السوق البترولية بمزيد من الإنتاج خارج حصته فقي منطقة الأوبيك، حيث يرى العراق أن سياسة إغراق السوق تسببت في تدهور أسعار النفط إلى ما بين 11 إلى 13 دولار، وقد أورد صدام حسين انخفاض سعر البترول بمقدار دولار يعني أن العراق تخسر 1 مليار دولار سنويا. كما اتهم العراق الكويت بسرقة بتروله –العراق- من حقل الرميلة الموجود على الحدود بينهما. وهو ما دعا العرق إلى طلب تعويضات مالية من الكويت قدرت بـ 2.4 مليار دولار، وطلب أيضا التخلي عن الديون المستحقة عليه للكويت والقدرة بـ 15 مليار دولار.

والعراق لم يطالب بإلغاء الديون فقط وإنما بتنظيم خطة عربية على غرار مشروع مارشال لتعويض العراق بعض ما خسره في الحرب، خاصة وأن للكويت إمكانيات مادية ضخمة يمكنها أن تكون ذات شأن في إنجاز هذه الخطة. وتحمل أعباء الدفاع عن مصالح الدول المصنعة في العالم الثالث خاصة وأن هؤلاء الشركاء قد باتوا منافسين أقوياء للآلة الاقتصادية الأمريكية، وأن كل المؤشرات  تدل على أنه بعد انتهاء الحرب الباردة فإن الحرب القادمة ستكون حرب اقتصادية بين القوى الاقتصادية الكبرى بعدما ظهر من الدلائل ما يرشح انزواء الاقتصاد الأمريكي أمام الزحف الياباني والأوروبي.

وعلى صعيد آخر فإن اشتراك الحلفاء في عملية التصدي لنظام صدام حسين يعني أو الولايات المتحدة، لم يعد بمقدورها تحمل أعباء حرب خارج حدودها لآن تكاليفها باهضة جدا، كما يعني أيضا تخوف الولايات المتحدة من تحمل انتكاسة عسكرية تذهب برهبتها العسكرية، فعقدة الفيتنام لا تزال ماثلة في أذهان الأمريكيين والخوف من تكرار الهزيمة أمام قوة معتبرة مثل العراق أمر وارد في التفكير الأمريكي. لذا عمدت واشنطن إلى إشراك حلفائها الأوروبيين وبعض أتباعها المناهضين لصدام حسين لارهاب العراق في مرحلة أولى ولضربه في مرحلة ثانية، ولتغطية بقائها في المنطقة كمرحلة ثالثة تحت غطاء الشرعية الدولية.

ولكي تضمن واشنطن انصياع حلفائها وأبتاعها، عمدت إلى شن حملة نفسية مركزة للتهويل من الخطر العراقي على كل الدنيا. ودعت المجموعة الدولية لمساندتها في درء هذا الخطر، وهي الطريقة التي يدير بها بوش سياسته في الخليج والتي تتماشى والسياسية الدولية للولايات المتحدة في ظل اختفاء صراع شرق-غرب وغياب منافس لها في مقام الاتحاد السوفييتي، وحتى لا يتقهقر وضعها فهي بحاجة دائما إلى عمل صاخب بعيد لها فرض سيطرتها على القوى الاقتصادية الأوروبية واليابانية وهو ما لا يتأتى لها إلا إذا خلفت جوا دوليا متوترا بلغي كل الحسابات الأوروبية واليابانية ويعيدها تحت المظلة الأمريكية مثلما كانت في سنوات الحرب الباردة.

 

Voir les commentaires

كتاب حروب امريكا اسرائيل وبريطانيا على العراق /خطة جر العراق للهجوم على العراق وخبايا الاجتماع مع السفيرة الا

خطة جر العراق للهجوم على الكويت

وضعت الحرب الإيرانية-العراقية أوزارها في الثامن من آب عام 1988، دون أن يكون بإمكان أحد أن يتنبأ بأن هذا التاريخ سوف يشكل بداية لأزمة ثانية في الخليج. وفي التاسعة من آب عام 1988 غداة وقف إطلاق النار بين العراق وإيران، أخذت الكويت قرارا بزيادة إنتاجها النفطية مخالفة بذلك الاتفاقات المعقودة في إطار منظمة الأوبيك. وقد تم التركيز الكويتي في تحقيق هذه الزيادة الإنتاجية على آبار الرميلة الواقعة في المنطقة الحدودية المتنازعة عليها مع العراق والتي كانت موضوعا في السابق لمناقشات دبلوماسية حادة. لقد اعتبر صدام حسين قيام الكويت بزيادة إنتاجها النفطي أعمالا استفزازية وخيانية أدت إلى  خفض أسعار النفط العالمي وإلى خسارة العراق لحوالي 7 مليارات من الدولار سنويا، أي ما يوازي فوائد الديون السنوية التي ينبغي عليه دفعها. وفي 24 من شباط عام 1990، أثناء اجتماع  زعماء مجلس التعاون العربي في عمان، أعلن صدام حسين عن مطالب محددة وتكلم بلهجة شديدة وأشار إلى 30 مليار دولار من الديون التي كانت العربية السعودية  والكويت قد منحتها للعراق خلال الحرب مع إيران، وقال بالحرف الواحد: "في حال لم يلغو تلك الديون وفي حال لم يعطوني 30مليار دولار إضافية سوف أتخذ تدابير الرادعة". فتصدى له الرئيس حسني بمارك قائلا: "إن  مطالبك ليست مبررة ولا معقولة وسوف تؤدي إلى كارثة". ومع عودة الرئيس حسني مبارك السريعة إلى القاهرة اضطر الملك حسين إلى إلغاء اجتماعات اليوم الثاني لمجلس التعاون.

بعد فشل لقاء عمان، يوم 24 شباط 1990، اقترح الملك الأردني على الرئيس العراقي أن يقوم بنفسه بجولة تشمل دول الخليج  في محاولة  للبحث عن الاتفاق  بين الكويت والعربية السعودية والعراق.  وفي 26 من شباط 1990 قام الملك حسين بجولة خليجية امتدت ثلاث أيام ثم عاد إلى عمان في أول من آذار عام 1990. وفي 3 آذار 1990 اجتمع الملك حسين بالرئيس صدام حسين في بغداد وقدم خلال اجتماع تقريرا مفصلا عن جولته، وأبلغه   أن لم يتلق أي إشارة إيجابية من زعماء المنطقة فيما يتعلق بأهداف صدام حسين الثلاث:

1- تسوية الخلافات الحدودية مع الكويت وبالأخص حقول الرميلة الغنية بابترول والتي تقع في المنطقة المتنازع عليها.

2- الموافقة على تأجيره جزيرتي وربة ووبوبيان اللتين تأمنان له منفذا على الخليج.

3-  تسوية مشكلة الديون المتراكمة على العراق خلال الحرب مع إيران.

ولم يتطلب الأمر، بعد عودة الملك  حسين من جولته أكثر من ثلاث أيام كي يتخذ الرئيس العراقي صدام قرارا بدعة قيادته العسكرية  إلى اجتماع سري طلب خلاله من المسؤولين العسكريين السرعة القصوى في إعداد خطة لحشد قوات على الحدود مع الكويت. وبعد أسبوعين من إعطاء أوامر بتجميع قوات في المنطقة الحدودية، وصل مسؤول كويتي رفيع المستوى إلى عمان  وبالرغم من أن أية  فرقة عسكرية لم تكن قد تحركت بعد، إلا أن المسؤول صارح الأردنيين  بالتالي: "لا يريد صدام حسين الجزيرتين اللتين يطالب بهما فقط واللتين تأمنان له منفذا على الخليج، إنه يريد الكويت بكاملها". التقى 21 رئيس دولة عربية صبيحة 28 من أيار في بغداد وهو يجهلون كل ما رسم من قبل. لقد أتوا لإدانة تدفق اليهود السوفييت ولتقديم الدعم لصدام حسين الذي كان قد هدد بتدمير نصف إسرائيل، وعند اختتام جلسة الافتتاح، فاجأ صدام الجميع عندما اقترح تحويل اللقاء إلى جلسة سرية.

وكان أول المتكلمين صدام حسين الذي لم يبدأ باتهام إسرائيل وأمريكا كما كان الجميع يتوقع، إنما أخذ يهاجم دول الخليج بعنف ويضرب الطاولة بقبضته: "إنهم يستخرجون البترول بأكثر من اللازم لتخفيض أسعاره. وكل انخفاض يوازي دولارا واحدا من سعر البترول يجعل العراق يخسر مليار دولار في سنة، إنكم تخوضون حربا اقتصادية حقيقية ضد العراق". ثم توجه بالحدث إلى أمير  دولة الكويت جابر الصباح قائلا: "حسب اتفاقات الأوبيك، ينبغي أن لا تتعدى حصة الكويت 1.5 مليون برميل يوميا. ولكنها تستخرج 2.1 مليون برميل، وهذا يحصل ضد مصلحتنا. إن العراق يريد العودة إلى وضعه الاقتصادي لعام 1980 قبل الحرب مع إيران. وفي الوقت الراهن نحن بحاجة إلى إلغاء ثلاثون مليار  دولار من الديون التي منحتها إياها الكويت والإمارات العربية المتحدة والسعودية أثناء الحرب، في الحقيقة أيها الاخوة العرب، أقول لكم هذه الوقائع بوضوح وصراحة. إن العراق يعيش في الوقت الحاضر صراعا يتسم بالضغوط الاقتصادية...".

في نهاية شهر حزيران 1990، قام رئيس  الوزراء العراقي سعدون حمادي جولة في بلدان الخليج. حاول خلالها إقناع مستقبليه بخفض حصصهم الإنتاجية واحترام هذا الخفص كي تزول العقبات في وجه ارتفاع أسعار النفط. وعند وصوله الرياض في 25 من حزيران التمس من الملك فهد دعم المبادرة العراقية وتأييدها. استقبل الملك فهد المبعوث العراقي وأصغى إلى مطالبه  بعناية وانتباه، وقد وافق الملك على المطلب، لكنه لم ير ضرورة الدعوة إلى اجتماع سريع  للأوبيك  وأشار إلى أن الاستعجال لا يفيد ويمكن لوزراء البترول طرح هذه القضية أثناء اجتماعهم الدوري المقرر بـعد شهر، وحتى ذلك الحين، من  الأفضل ترك الأمور على حالتها.

وفي من 12 من تمور 1990، وصل الوزير الخارجية العراقي طارق عزيز إلى تونس للمشاركة في اجتماع  وزراء الخارجية العرب، وأثناء مداخلته في النقاشات الجارية في الاجتماع قال: "نحن مقتنعون بمشاركة بعض الدول في المؤامرة ضدنا، وأنتم تعرفون بالتأكيد أن بلدنا لن يركع وأن نساءها لم يصبحن عاهرات وأن أولادنا لن يحرموا من الغذاء. وبعد أن انتهى من كلامه قدم إلى الأمين العام للجامعة العربية الشاذلي القليبي إنذارا مكتوبا، وأبلغه شفويا بأن الرئيس صدام سوف يضع النقاط على الحروف في اليوم التالي الموافق 17 من تموز في بغداد. لقد أدرك القليبي بعد أن قرأ الإنذار العراقي أن الأمر يتعلق بإعلان حرب حقيقية على الكويت. إن بغداد تتهم الكويت بإقامة مراكز عسكرية داخل الأراضي العراقية ووضع يدها على 2.3 مليار دولار من البترول المستخرج من حقل الرميلة، كما تتهم الكويت والإمارات العربية بالمشاركة في مؤامرة صهيونية إمبريالية ضد الأمة العربية. سلم الشاذلي  القليبي نسخة عن هذا الإنذار إلى كل وزير خارجية من الحاضرين. وعندما تفحص وزير الخارجية الكويتي الشيخ الصباح الجابر محتويات الإنذار وتفاصيل الاتهامات امتقع لونه وأصباه، حسب الشهود، الجمود الشديد لأن الإنذار يذكره بالاسم على أنه عميل أمريكي فألغى جميع مواعيده وقفل عائدا إلى بلاده.

في 17 تموز ذكرى الثورة العراقية. ظهر صدام على المنصة محاطا بأعضاء مجلس قيادة الثورة. وقال في خطابه على مجموعة الإذاعة: "بفضل أسلحتها الجديدة لن يستطيع إمبرياليون بعد الآن خوض معركة عسكرية معنا، وبديل ذلك أنهم يخوضون حرب استنزاف اقتصادي..." ولأول مرة أشار صدام إلى احتمال التدخل العسكري: "إذا لم تنفع الكلمات في حمايتنا فلن يكون أمامنا سوى العمل على إعادة الأمور إلى نصابها، واستعادة حقوقنا". في اليوم نفسه بدأت الفرقة العسكرية العراقية بالتحرك باتجاه الحدود الكويتية. وفي يوم 18 من تموز، اجتمعت الحكومة الكويتية، حيث أن التهديد العراقي أصبح واقعا ملموسا يتخذ شكل قوافل دبابات تتحرك باتجاه الكويت.

وصل الرئيس حسني مبارك يوم 24 من تموز 1990 إلى بغداد في مهمة وساطة من  قبل المجلس الجامعة العربية. وقد قال صدام الحسين لنظيره المصري: " لن أستخدم القوة العسكرية مادامت المفاوضات بين العراق والكويت قائمة. وإنما,  يا أخ مبارك, أرجو عدم الكشف عن ذلك للكويتيين لئلا يزدادوا غطرسة وادعاء. بعد هذا اللقاء انتقل الرئيس مبارك على الفور إلى الكويت وأبلغ الأمير بتفاصيل للقائه مع صدام.

وفي يوم 26 من تموز أنهى 30 ألف عراقي تمركزهم على الحدود الكويتية.

يوم 28 من تموز قابل ياسر عرفات صدام حسين الذي طلب منه الذهاب إلى الكويت وقال له: تحدث مع الأمير وأبلغه أنه إذا دفع عشرة مليارات دولار التي أطالب بها الكويت, لأنها استثمرت حقل الرميلة النفطي على الحدود, سوف أجمد حركة الفرق العسكرية وأقلل من وجودها.

في 29 من تموز وصل ياسر عرفات إلى الكويت وقابل الأمير. وعندما بدأ بعرض الاقتراح العراقي قاطعه الأمير جابر قائلا: "لا أريد النقاش في هذا الموضوع . خلال ثمان وأربعين ساعة سوف أذهب إلى جدة لعقد قمة مع العراق. لنغتنم فرصة اللقاء ونتكلم عن الهجرة اليهودية السوفيتية إلى إسرائيل".

بعد لقاء الأمير, قابل عرفات ولي العهد الشيخ سعدا وقال له: عليكم دفع المبلغ . فالعراقيون يشكلون خطرا. حاولوا حل المشكلة بالحسنى. أجاب الشيخ سعد: سوف أنتقل إلى جدة من أجل المفاوضات. في اليوم نفسه, غادر ثلاثة من الرسميين العراقيين بغداد إلى جدة للقاء الوفد الكويت ي فيها ومتابعة المفاوضات. وقد اعتبر هذا الاجتماع الخيط الأخير الذي يربط العالم بمنطق السلام. وقبل ساعات من بدئ القمة أعلن أمير الكويت أنه لن يذهب إلى السعودية وسوف يوفد ولي العهد مكانه.

وقع هذا النبأ على صدام حسين وقع الإهانة القاتلة فقرر بدوره عدم الذهاب, وإيفاد عزت إبراهيم الرقم2 في حزب البعث. شكل مؤتمر جدة لحظة ارتباك مأساوية, نجم عنها حرب لم يحسن أحد تجنبها أو لم يبذل الجهد الكافي لذلك.

بقي الوفدان في جدة حتى الواحد من آب, ولكن المفاوضات الحقيقية لم تدم أكثر من ساعة ونصف من الزمن وبالتحديد بين السادسة والسابعة والنصف مساء اليوم الأول. ثم رفعت الجلسة وذهب كل الحاضرين للمشاركة في الصلاة. رحب ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بالوغدين واستقبلهما ثم ما لبث أن غادر القاعة على الفور عند بداية الاجتماع. بدأ العراقيون بالكلام فتلا عزت إبراهيم بيانا استعرض فيه الاتهامات العراقية للكويت واحدا تلو الآخر, وقد خلا بيانه من تهديدات محددة. ارتبك الكويتيون في البداية, ولكن الشيخ سعدا, ولي عهد الإمارة, ما لبث أن فند الحجج العراقية واحدة واحدة  وصفحة صفحة, ولكن الانطباع بدأ يتكون عند الفريقين بأن المؤتمر سوف يفشل بالتأكيد.

في إحدى مراحل اللقاء, انتقل المفاوضان الرئيسيان إلى غرفة جانبية لمدة 10 دقائق. ثم قال عزت إبراهيم, رئيس الوفد العراقي, للشيخ سعد: " ما رأيكم بدعوة أعضاء الوفدين كي يسمعوا ما تقترحونه علينا؟ " فوافق رئيس الوفد الكويتي. وقد بدا الجو غير العدائي السائد متناقضا مع خطورة المواضيع المطروحة. بدأت المحادثات بالتوتر عند طرح الأمور المالية, وبالرغم من نفي الفريقين, فإن الموضوع المالي أخذ حيزا طويلا وصعبا من المناقشات. طلب عزت إبراهيم مبلغ 10 مليارات دولار, وبشكل قرض أن استحال العطاء. وبعد أخذ ورد وافق ولي العهد على مبلغ 9 مليارات دولار من القرض. وقد أحس العراقيون بأن المقصود من إنقاص المبلغ مليارا واحدا هو الحط من كرامتهم وإهانتهم, فعلق إبراهيم على الأمر قائلا:لست مخولا من قبل الرئيس صدام حسين القبول بأقل من 10 مليارات دولار. بعد رفع الجلسة وتأدية الصلاة, عاد الوفد الكويتي إلى الفندق بانتظار حفل العشاء الذي يقيمه الملك فهد. يقول عبد الله بشارة, أمين سر مجلس التعاون الخليجي, الذي حضر المناقشات: لقد أوحينا لولي العهد السعودي بتقديم اقتراح يتفق عليه الطرفان ويشتمل على النقاط التالية: وقف حملات وسائل الإعلام الدعائية العراقية خاصة, ووضع حد لتهجماتها, انسحاب القوات المرابطة على الحدود بين البلدين, ثم, وهذا هو الأهم سياسيا, اعتماد إجراءات كفيلة بزرع الثقة المتبادلة بين البلدين بواسطة الحوار والزيارات..إلخ, وأخيرا التوصل إلى اتفاق على تحديد للقاء مقبل". وهكذا تم الاتفاق على إجراء المحادثات المقبلة في بغداد مما جعل الكويتيون يشعرون بالراحة لإزالة خطر العدوان الذي كان جاثما على الصدور لو بشكل مؤقت.

بدأ تقديم العشاء في التاسعة والنصف, وأتى الملك فهد, الذي أحيط علما بمجرى المفاوضات وبمبلغ تسعة المليارت  دولار التي يرفض الكويتيون تجاوزها, يرافقه الملك حسين الواصل منذ ساعات فقط. جلس الملك فهد متوسطا ولي العهد الكويتي وعزت إبراهيم وكان الجو ثقيلا فالعراقيون صامتون والكويتيون محبطون ومصدومون. في نهاية الحفل, توجه الملك فهد نحو ضيوفه وابتسامة عريضة ترتسم على وجهه, مبديا استعداد المملكة العربية السعودية بدفع مبلغ مليار دولار المتنازع عليه" هبة من بلدي إلى العراق دون شروط". شكر العراقيون الملك بحرارة. وبعد قليل ترك فهد المائدة وتوجه إلى مقصورته. وكانت الساعة تقارب الحادية عشر والنصف. وفد أراد الملك فهد بهذه المبادرة, تنفيس الاحتقان بين الوفدين.

توجه الشيخ سعد نحو عزت إبراهيم قائلا:

قبل الغوص في التفاصيل المتعلقة بمبلغ تسعة المليارات دولار علينا رسم حدودنا المشتركة. نستطيع إنجاز هذا الأمر الآن. وبعد ذلك تصبح الأموال في حوزتكم على الفور. تملك عزت إبراهيم الغيض واتهم الكويتيين  بسوء النية قائلا:

- لماذا لم تطرحوا قضية الحدود في بداية اللقاء؟. نحن لا نملك تعليمات ببدء مناقشاتنا انطلاقا من هذا الموضوع.

عند هذا الحد, بدأ الحوار يتخذ طابع الحدة... كانت التهديدات هي كلمات اللقاء الأخيرة التي نطق بها الوفدان, فقد اتجها إلى الفندق دون أن يتصافحا. كانت الساعة تشير إلى الواحدة بعد منتصف الليل.

غادر العراقيون السعودية دون لقاء وداعي مع مضيفهم. تركوا جدة عند الظهر وحطوا لوقت قصير في المدينة المنورة. وصلت بهم الطائرة إلى بغداد الساعة الرابعة وتوجه إبراهيم, رئيس الوفد, على الفور للقاء صدام حسين الذي كلن ينتظره بفارغ الصبر, فعرض له مبررات فشل المحادثات بالتفصيل. استدعى صدام حسين أعضاء مجلس قيادة الثورة, وكان قد اتخذ القرار قبل مضي ساعة على بدء الاجتماع وأعلن: سيتم اجتياح الكويت ليلا. في اليوم ذاته ارتفع سعر البترول 60 سنتا. وعند العبدلي, نقطة الحدود الوحيدة بين البلدين, كانت السيارات مازالت تمر بشكل عادي.

 

خبايا اجتماع الرئيس العراقي صدام
بالسفيرة الأمريكية " ابريل غلاسبي"

 

في 20 من تموز, استدعى صدام السفيرة الأمريكية "ابريل غلاسبي" وبعد أن استقبلها بمودة وأشار إليها بالجلوس بادرها قائلا: طلبت مجيئك حتى نتحاور في العمق وهذا الحوارأعتبره رسالة موجهة للرئيس "بوش". وتحدث الرئيس صدام حسين مع السفيرة مطولا حول العلاقات بين العراق والولايات المتحدة . ويبدو أن صدام حسين, وفقا لمحضر هذا اللقاء الذي نشر من قبل في كل من بغداد وواشنطن, قد اعتقد بأن الولايات المتحدة توافق على مطلب العراق برفع سعر البترول عندما قال للسفيرة: إن 25 دولارا للبرميل الواحد ليس سعرا مرتفعا وعندما أجابته بان العديد من الأمريكيين في مناطقنا النفطية يرغبون بأكثر من هذا الرقم؛ وأن الولايات المتحدة توافق على التحركات العسكرية العراقية على حدود الكويت عندما قالت السفيرة: نحن نلاحظ أنكم حركتم قوات ضخمة في الجنوب. ومن الطبيعي ألا يعنينا الأمر بحد ذاته واستمر الحديث بين صدام حسين وغلاسبي إلى أن قالت لصدام: من المغني والمفيد أن تعطونا رأيكم فيما يتعلق بالجهود التي يبذلها إخوانكم العرب. هل وصلت إلى نتيجة محددة ؟. فأجابها صدام: نحن نتفق مع الرئيس مبارك على ترتيب للقاء في السعودية بين رئيس الوزراء الكويتي ورئيس مجلسنا الأعلى للثورة. إن مبارك اتصل بي وأخبرني أن الكويتيين قبلوا الاقتراح. ثم تابع قائلا: سوف يعقد اجتماع بروتوكولي في العربية السعودية. ثم ينتقل الجميع إلى بغداد لإجراء مباحثات معمقة بين الكويت والعراق. ونأمل أن يؤدي الاجتماع إلى نتيجة. كما نأمل أن ينتصر بعد النضر والمصالح الراسخة على البخل الكويتي الشديد.

وهنا سألت السفيرة غلاسبي:  هل أستطيع الاستعلام عن موعد وصول الشيخ سعد إلى بغداد. فأجابها صدام: أضن أنه سوف يصل السبت 28 من تموز أو الاثنين30من تموز لقد قلت لأخي مبارك بوجوب حصول الاتفاق يوم السبت أو الأحد. لم يعد صدام حسين بحاجة إلى إخفاء نواياه إذ قالت السفيرة: أبلغني أخي مبارك أنهم في حالة من الخوف الشديد يقصد الكويتيين. لقد قالوا: إن الفرق العسكرية العراقية على مسافة 20 كم فقط من خط الحدود الكويتية. بدوري, أكدت للرئيس المصري أنه مهما كانت طبيعة القوى العسكرية الموجودة ومهما كان عددها ومهامها, فبإمكانه التأكيد للكويتيين بأنها لن تقوم بأي عمل

ولن تتحرك حتى نقابلهم ونجتمع معهم. وعندما يحصل هذا الاجتماع سوف نرى, فإذا لاحظنا وجود الأمل لن يحصل شيء. أما إذا لم نستطع إيجاد حل فمن الطبيعي ألا يقبل العراق بالموت, حتى ولو كانت ا لحكمة هي التي ينبغي أن تسود على أي اعتبار آخر.....

Voir les commentaires

كتاب حروب امريكا اسرائيل وبريطانيا على العراق/قناة البحرين الميت والمتوسط خطر اسرائيلي يهدد العرب/المؤلف صال

قناة البحرين الميت والمتوسط خطر إسرائيلي يهدد العرب

منذ أوساط القرن التاسع عشر, راودت الاستعمار الغربي  فكرة ربط البحرين المتوسط بالميت, ثم بالبحر الأحمر, حتى المحيط الهندي والهند, وذلك من أجل تأمين أقصر الطرق الاستعمارية إلى الهند وشرق آسيا, وكانت بريطانيا أول من فكر بذلك, فأرسلت موفدا إلى فلسطين عام 1850 لدراسة هذه الفكرة, وقد نشر هذا الموفد كتابا ضمنه تقريره الذي رفعه إلى حكومته وحمل الكتاب عنوانه "البحر الميت طريق جديد إلى الهند". غير أن المشروع لم يتحقق بسبب تحول أنظار بريطانيا إلى مشروع قناة السويس, لكن ذلك لم يمنعها من العودة للتفكير في الموضوع, من منطلق أنها قد تخرج من مصر في أي وقت, فأوفدت بعثة من الخبراء إلى فلسطين خلال عامي1873-1875 وقامت البعثة بمهمتها.

وفي أواخر القرن التاسع عشر, رأى مهندس سويسري, إمكان الاستفادة من تفاوت الارتفاع بين سطحي البحرين والميت والمتوسط, وعندما اطلع مؤسس الصهيونية "تيودور هرتزل" على هذه الفكرة تبناها, لأنها تتلاءم ومطامع الصهيونية العالمية في الشرق, وتحدث في كتابه " اولد تيولاند" عام 1902 عن قناة عرضها عشر أمتار تربط البحرين المتوسط والميت, وعن عنفات- مائية توضع قرب البحر الميت تعمل على المياه الساقطة, وهذا يزيد من كمية الكهرباء المتولدة لتغذية المنطقة الصناعية الجديدة, التي ستقام على شاطئ البحر الميت.

ويمكن اعتبار 1937 بداية التخطيط الصهيوني الفعلي لمشروع القناة, عندما قام بعض الزعماء الصهاينة, ومنهم" بن غوريون" بجولة ميدانية في مناطق الأغوار الجنوبية, لكن التطورات السياسية في فلسطين وغيرها حال دون ذلك.

وفي عام 1944 أصدر البروفسور الأمريكي " والتر كالاس لاودرملك" خبير الأراضي والري كتابا بعنوان "فلسطين..أرض الميعاد " تحدث فيه عن إمكان شق قناة بين البحرين المتوسط والميت، ورأى أن للمشروع فوائد اقتصادية، زراعية وصناعية، وسيوغر إمكانية العيش لأربعة ملايين يهودي من لاجئي أوروبا.وبعبارة موجزة، لقد ظل هذا المشروع هاجس الصهاينة منذ أن فكر فيه زعيمهم " هرتزل" في مطلع هذا القرن، لكنه تأخر تنفيذه، لعدة أسباب منها:

أ – الحروب التي كانت قائمة بين العرب والكيان الصهيوني.

ب - وجود قطاع غزة و الضفة الغربية خارج إطار الاحتلال الصهيوني حتى عام 1967.

ج - عوائق فنية تتعلق بكلفة المشروع المالية، وطريقة تمويله.

د - التأثيرات المتوقعة للمياه المالحة في المياه الجوفية العذبة, وعلى نسبة الأملاح في البحر الميت.

لكن بعد عدوان جويلية 1967 قامت مجموعة من الخبراء الإسرائيليين ورجال الحكم،  بجولة ميدانية في منطقة الأغوار، وبدأت بالدراسات الجادة لإقرار المشروع وتنفيذه. وفي عام 1974 تشكلت لجنة برلمانية لدراسة المشروع وجدواه. وفي عام 1978 تشكلت لجنة أجرى علمية برئاسة أحد مؤسسي حزب ط "هتحيا" أي "النهضة" المتطرف، وهو البروفسور "يوفال نثمان" العالم الفيزيائي والنووي، واحد من صقور إسرائيل السياسيين، واستعرضت اللجنة تسعة ممرات للقناة وقامت بتحليل ثلاثة ممرات رئيسية منها، وهي:

الخط الجنوبي: ويبدأ على شاطئ المتوسط قرب تل القطيفة في قطاع غزة، ثم يمتد جنوبا نحو بئر سبع، فعين بقيق على البحر الميت.

الخط الأوسط: ويمتد من إسدود مرورا بجنوب القدس، منتهيا قرب مغارة قمران، على شكل نفق يحفر على عمق 200 متر.

الخط الشمالي: ويمتد من حيفا إلى واد الأردن عبر سهل مرج ابن عامر، ثم واد بيسان..

وبعد دراسة استمرت سنة ونصف، قدمت اللجنة ما توصلت إليه لحكومة الليكود، مع توصية باعتماد الخط الجنوبي، لما يتمتع به من مزايا سياسية وجيولوجية، وقد أقرت تلك الحكومة برئاسة مناحيم بيغن الخط الجنوبي بجلستها المنعقدة بتاريخ 24 أوت 1980.

يبدأ هذا الخط على شاطئ البحر المتوسط، قرب تل القطيفة في قطاع غزة" بين خان يونس ودير البلح" وينتهي في عين البقيق على البحر الميت بقرب من مسادا على طريق عين جدى، مرورا ببئر السبع، ارتفاعه حوالي 400متر، تعمل فيه مولدات محطة للطاقة الكهربائية التي ستقام هناك، وطول القناة 110 كيلومترات، منها 80 كيلومترا داخل نفق في الهضاب المشرفة على البحر الميت، وفرق الارتفاع بين موقعي طرفي القناة يبلغ 400 متر بسبب انخفاض مستوى سطح البحر الميت، عن مستوى سطح البحر المتوسط.

وتقول الحكومة الإسرائيلية أن مياه المشروع ستستغل في إنشاء بحيرات للسباحة وتربية الأسماك البحرية، ومن أجل إقامة منشآت تبريد في قلب النقب لمحطات الطاقة الكهربائية و النووية. بالإضافة إلى إقامة مشروعات صناعية وإنمائية وكهربائية. إن هذا المشروع  حسب المصادر الصهيونية سيؤدي إلى نهضة صناعية حقيقية في إسرائيل وسيكون مرتكزا لسلسلة المشاريع التي ستجذب الطاقة البشرية رفيعة المستوى وتساهم في حل مشكلة المنطقة وفي تغيير وجه صحراء نقب  لكن للمشروع بالإضافة إلى دلك أهداف سياسية وعسكرية واجتماعية ستتعرض لها لاحقا.ومن المقرر أن يستغرق تنفيذ المشروع عشرة أعوام بتكلفة والبحث وغيرها.

 

النتائج الاقتصادية- الاجتماعية للمشروع الإسرائيلي

* على الجانب العربي الأردني:

1- تقليل مردود البوتاس بنسبة 15، مشكلا خسارة إجمالية مقدارها بالأسعار الحالية حوالي 100 مليون دولار سنويا..

والبوتاس كما هو معروف يأتي من حيث الأهمية الاقتصادية بالمرتبة الثانية للقطر الأردني بعد الفوسفات، وسيضطر الأردن لإنفاق حوالي ثلاثة ملايين دولارا لزيادة ارتفاع مواقع استخراج البوتاس حتى 393 مترا.

2- سيدمر منشآت البوتاس العربية ومرافقها، وسيغمد مواقع الضخ.

3-إغراق أجزاء كبيرة من واد الأردن، وعدد من القرى والمزارع و السدود الأردنية، وعدد من الأماكن الأثرية والتاريخية.

4- تدمير المنتجعات السياحية والمشروعات الصناعية التي تشارف على الاكتمال.

5- سيهدد تربة وادي الأردن بزيادة ملوحتها، مع ما يسببه ذلك من انعكاسات سلبية على الحياة النباتية والحيوانية، وهنا تكمن خطورة المشروع على القطر الأردني بالقضاء على الأراضي الزراعية فيه.

6- سيؤثر على خزانات المياه الجوفية وبالتالي على مياه الشرب ومجمل الحياة الإنسانية في الأردن.

* على الجانب الإسرائيلي:

1- سيكون المشروع مفتاحا للطاقة على مدى الخمسين سنة القادمة، فهو سيحسن من محطات الكهرباء في النقب، وسيسمح بإنتاج 1500 ميغا واط من الكهرباء سنويا بعد تحويل البحر الميت إلى حوض شمسي مساحته حوالي 100كيلومتر مربع، كما أن الفارق بين مستوى المياه في البحرين المتوسط والميت، سيعمل على تشكيل شلالات صناعية تسمح بتوليد طاقة كهربائية مقدارها200 ميغا واط  سنويا، وهذا بدوره سيوفر على إسرائيل حوالي مليار دولار سنويا نتيجة استغنائه عن شراء كميات من النفط، وثلاثمائة مليون دولار بالاستغناء عن إقامة محطة كهربائية تعمل بالوقود، ثمانمائة مليون دولار، هي قيمة الوقود المستخدم في هذه المحطة، ذلك أن المحطة الهيدروليكية التي ستقام على القناة لن تكون بحاجة إلى وقود.

2- المشروع سيساعد على إنشاء قناة فرعية لجر المياه إلى القناة الجبلية المطلة على البحر الميت، حيث توجد كميات كبيرة من الصخور الصخرية التي يمكن استخدامها كبديل للنفط.

3- يمكن إقامة محطة نووية في النقب, إلى جانب مفاعل "ديمونا" النووي الحالي, وكذلك إقامة محطات كهربائية تستخدم في حالة الطوارئ.

4- ستدر المحطة الكهربائية أرباحا مالية تصل إلى مليار دولار سنويا على الأقل.

5- سيؤدي المشروع إلى تطور زراعي كبير نتيجة استصلاح أراض واسعة في النقب وتوفير المياه اللازمة لها.

يمكن إقامة منشآت سياحية تساهم في زيادة الدخل العام للكيان الصهيوني.

سيساعد في توفير الكهرباء الرخيصة.

سيؤثر كل هذا على زيادة المستوطنات اليهودية لاحتواء الشباب اليهودي المهاجر إلى فلسطين المحتلة ويزيد عددها.

 

النتائج العسكرية والسياسية للمشروع

الخبراء الإسرائيليون يرون أن تنفيذ هذا المشروع يحقق لإسرائيل أهدافا عسكرية كبيرة تشير إلى مطامعهم التوسعية, أهمها:

إقامة مواقع طبيعية يصعب عبورها من الناحية العسكرية " لأن منسوب المياه في نهر الأردن سيرتفع".. كما ستشكل بحيرات تزيد العبور صعوبة.

حتى في حال نجاح العبور ستكون القوات المقتحمة مضطرة إلى أن تسلك الطرق التي يريدها العدو لها.

أيضا وفي حال حصول ذلك فإن عمليات العبور ستحتاج إلى إمكانيات "تجسير" عبور,ومعدات, وآليات ثقيلة, وهذه بدورها تحتاج لكي تنجح إلى سيطرة جوية متفوقة بنسبة كبيرة.

سيتحول المشروع إلى سلاح خطير في حالة الحرب باغراق الأردن بالمزيد من مياه البحر المتوسط التي يسهل تدفقها حيث ما تشاء أجهزة الكيان الصهيوني.

المحطات النووية التي سيتيحها المشروع ستكون مصدر قوة جديدة لإسرائيل.

ليس مستحيلا كما تؤكد الدراسات و التحليلات العسكرية والسياسية إن تعمد إسرائيل مستقبلا إلى تطوير هذه القناة إلى ممر مائي دولي يضاهي في أهميته قناة السويس, ويكون في الوقت نفسه مانعا مائيا جيدا في مستوى مناعة قناة السويس, وفي هذه الحالة فإن قناة السويس ستفقد أهميتها الدولية سياسيا واقتصاديا وعسكريا وجغرافيا " علما أن هذا الممر كما أشرنا كان مشروعا استعماريا بريطانيا عام 1850 ليكون طريقا إلى الهند" ..وستصبح إسرائيل على المدى البعيد محاطة بالمياه من الغرب والشرق والجنوب, ومن الشمال حيث تمتد أطماعها للوصول إلى نهر الليطاني في الجنوب اللبناني.

لاشك أن مجمل النتائج التي سبق وأشرنا إليها ذات أثر سياسي بالإضافة إلى آثارها الأخرى, لكن هناك نتائج سياسية مباشرة ستأثر بشكل سلبي على وطننا العربي, مستهدفة وجودنا كأمة, وأهم هذه النتائج:

يعتبر المشروع تحديا جديدا للعرب, وسيضيف المشروع أسبابا أخرى لتدعيم الوجود الإسرائيلي,إلى الحد الذي يصبح معه الاعتراف بهذا الوجود امرا ضروريا لامناص منه.

المشروع يرتبط بسياسة الاستيطان, و سيساعد على زيادة المستعمرات في الجزأين الأوسط و الجنوبي من فلسطين المحتلة, وبالتالي فإن معدلات الهجرة اليهودية ستزيد,وسيكون المجال رحبا لاستقبال المهاجرين اليهود الجدد.

بالإضافة إلى أن المشروع يعتبر خرقا فاضحا للقانون الدولي, نتيجة المساس بالبحار الدولية, وبعمل وحيد الجانب, وضمن أراضي الغير, فإن هذا المشروع يهدف إلى تثبيت الوجود الإسرائيلي في فلسطين المحتلة, عن طريق الوجود العسكري الأمني, والصناعي, في قطاع غزة, يهدف ضم هذا القطاع نهائيا إلى الكيان الصهيوني.

للمشروع آثار مدمرة للمناطق المحتلة "الضفة الغربية وقطاع غزة" ويتضح ذلك من محاولة إسرائيل التغلغل في المنطقة, والهيمنة عليها اقتصاديا من خلال ما يسمى بالتعامل الإقليمي الذي تسعى إسرائيل لإقامته على شكل خطوة أولى في منطقة البحر الميت وواد عربة, وخليج العقبة.

المشروع سيوفر لإسرائيل ذرائع جديدة للاحتفاظ بقطاع غزة, والضفة الغربية. من خلال خلق واقع جديد فالقناة ستمر في قطاع غزة, ومحطة الضخ الرئيسية ستكون في القطاع ذاته. وسيحقق التطور الصناعي الكيان الصهيوني, وبالتالي ستصبح لإسرائيل دولة "الإمبريالية" الجديدة مستقلة نسبيا ضمن دول المعسكر الإمبريالي.

ذلك كله يشكل جزءا يسيرا من النتائج المتوقعة لدلك المشروع ذي المرامي الاقتصادية,والاستيطانية, والعسكرية, والأمنية, والمرامي السياسية الصهيونية. إن هذا المشروع هو مشروع عدواني آخر على الأمة العربية ويستهدف ضربها باغتصاب الأرض, وتشريد الشعب, والسيطرة على مصادر المياه العربية المحيطة بفلسطين المحتلة.

ومن المؤلم  حقا ألا يتحسس بعض المسؤولين العرب, أو بالأحرى أغلبيتهم أخطار على هذا المشروع وأبعاده, ولم يترفعوا فوق التناقضات الثانوية لدرأ الخطر الأكبر الذي يشكله الوجود الاستيطاني الصهيوني الذي يهدد في الصميم المستقبل العربي من المحيط إلى الخليج, إن لم يكن بالاحتلال المباشر وتشريد الشعب, فباستلاب الإرادة العربية, وتحقير الكرامة العربية, والسيطرة الاقتصادية وغيرها.

إن أمل إسرائيل  في استثمار مياه نهر النيل لا حدود له. وهاهم  وصلوا إلى نهر الأردن ويعملون لوصول البحر المتوسط بالميت, ولا تخفي أطماعهم في الوصول إلى"الليطلني" في جنوب لبنان, كل ذلك لتحقيق المشروع الصهيوني المتعلق"بتوفير المياه" الذي عملت الحكومات الصهيونية المتعاقبة على تنفيذه, من أجل تثبيت دعائم الهيمنة الإسرائيلية, الصهيونية, بتوفير مقومات الحياة والقوة لها, وهذه السياسة الاقتصادية المائية لا تقل خطرا عدوانيا مباشرا في حال تنفيذها عن السياسة العسكرية العدوانية التوسعية نفسها. وآخرها التعدي على العراق التي رأت الدولة العبرية أنه يهدد وجودها وأنها مخطط لتدميره تحت مظلة أمريكا والغرب بحجة حماية الكويت.

 

Voir les commentaires

/ /المؤلف صالح مختاري كتاب حروب امريكا اسرائيل وبريطانيا على العراق /لماذا تحالفت 31 دولة ضد العراق مع أمريكا؟

 

لماذا تحالفت 31 دولة ضد العراق مع أمريكا؟

إن اندلاع أزمة الخليج في أوت 1991 بقيادة أمريكا المتسترة تحت فناع تقديم الدعم والحماية لأراضي المملكة السعودية تخفي أشياء مبيتة لكل المنطقة. هذا ما يؤكده تصريح كيسنجر للصحافة حين قال :"الكويت لا تقدم لنا سوى استراحة قصيرة مع العراق".

فالتطورات التي تسارعت حثيثا وأدت إلى حرب مدمرة، لم تجند لها الولايات المتحدة الأمريكية كل ترسانته الحربية فحسب. ولكن جندت لها أيضا ترسانات 31 دولة بمباركة من الهيئة الأممية لتكسير شوكة نظام شق عصا الطاعة على السياسة الأمريكية.

في مواجهة ساخنة ومعقدة كالمواجهة التي وقعت في الخليج، لم تتوان إدارة الولايات المتحدة الأمريكية من أن تشهر إلى جانب ب52 وكل وسائلها الجهنمية الأخرى سلاح الترغيب والترهيب في وجه أعضاء المجموعة الدولية لكسب التأييد العالمي فيما أزمعت القيام به من تقليم لأظافر النظام العراقي العنيد، وقد استعملت لتحقيق هذه الغاية كل ما حيثما به الطبيعة من القوة التأثير وجاذبية القوة وسحر الذهب… وكانت النتيجة ولأول مرة في تاريخ الأمم المتحدة. أن ركب العالم بمشرقه ومغربه ووسطه مركبة الولايات المتحدة ذاتها في تهافت محموم، لم يعد معه كبح جماع النظام العراقي الطموح هو الهدف. وإنما تعداه إلى إزاحة هذا النظام الذي قد يجثم على منطقة تأبى مشيئة الإدارة الأمريكية إلا أن تخضعها لقوالب ونواميس لا يحق لأي كان تجاوزها.

لقد سجلت بداية الأزمة في الخليج في شهر أوت من عام 1991، تململا لدى الرأي العالم العالمي والأوربي منه على الخصوص، غير أن هذا التململ لم يلبث أن تحول بقدرة القادر بوش إلى انسجام تام. على المستوى الرسمي على الأقل لوضع حد لهذا النظام العراقي الذي يحاول أن يقلب أسس المعادلة الموضوعة سلفا لمنطقة الشرق الأوسط أو التي يراد وضعها لها في إطار النظام الدولي الجديد. ولعل أول ما سعت إليه الإدارة الأمريكية في هذا الصدد هو محاولتها الناجحة لاحتواء أو تحييد مواقف بعض أطراف مجلس الأمن الدولي ممن عرف عنها طوال مرحلة صراع شرق-غرب الثبات في مساندة لقضايا العادلة والوقوف في وجه الأطماع الإمبريالية. وقد تعددت سبل هذا السعي وتشعبت مسالكه، حتى أن بعض المراقبين يقولون بأن إدارة بوش ومن يدور في فلكها من إدارات بلدان المنطقة  لم تتورع في انتهاج أساليب السمسرة والبزنسة لضمان كسب تأييد أو تحييد هذه الأطراف وكانت النتيجة-كما هو معروف- إجماعا دوليا حول فيض القرارات الأممية الصادرة ضد العراق وبشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ الأمم المتحدة.

إن الإدارة الأمريكية وهي تسعى هذا المسعى لاحتواء موقف الصين والاتحاد السوفييتي، لم تنس أن تسلك المسلك ذاته بالنسبة لبلدان أوربا وآسيا التي كانت قد أبدت بعض الفتور من الطرح الأمريكي لمعالجة أزمة الخليج على اعتبار أن القضية لا تهمها أو أن مواثيقها الأساسية تمنعها عن القيام بأي عمل عسكري خارج نطاق حدودها القطرية، ففي فرنسا مثلا كان الحديث يدور عن الحل السلمي للأزمة، وعن مساعي فرنسية لتجاوز محنة الخليج، وفي السبابان وألمانيا، كان هناك عدم اكتراث بهذه الحرب التي لا ناقة لهما فيها ولا جمل وكان موقف إيران الرسمي رغم ما يخفيه من غموض، أقرب ما يكون منه إلى مساندة النظام العراقي في عزمه على أن لا علاج لأزمة الخليج بمنأى عن التصفية الشاملة لمشاكل الشرق الأوسط بما فيها جوهر الصراع العربي-الإسرائيلي. القضية الفلسطينية. وكان موقف البلدان العربية والإسلامية التي انضوت تحت لواء التحالف الغربي الأمريكي لا يناهض فكرة التسوية الشاملة لمشاكل المنطقة، ويقوم على أساس الدفاع عن أراضي المملكة السعودية من الخطر العراقي الموهوم.

وباختصار شديد فإن العالم كله –باستثناء الولايات للمتحدة الأمريكية –لم يكن في بدايات الأزمة مهيئا لا نفسيا ولا ماديا للإقدام على ما أقدم عليه يوم 16 جانفي 1991 من جريمة في حق الشعب العربي في العراق. بل وربما لم تراوده هذه الفكرة البتة. خاصة وأن القيادة العراقية أبدت منذ البداية استعدادها للتحاور وتبادل وجهات النظر ولم تتمسك إلا بما يحفظ. لا الكرامة الوطنية للشعب العراقي فحسب، ولكن كرامة كل العرب والمسلمين وأبناء العالم النامي المستضعف. غير أن إرادة بوش غيرت هذا المنحى، وأرادتها حربا ضروسا على العراق لا تتحمل الولايات المتحدة تبعاتها لوحدها. ولكنها تشرك العالم فيها وتقوم في الوقت نفسه بقيادة الحرب والتخطيط لها بما يخدم هدفها الذي أضحى مكشوفا.

استطاعت إرادة بوش أن تحول عدم الاكتراث العالمي بمسألة الأزمة التي نشأت في الخليج. إلى اهتمام خاص لا يضاهيه سوى الاهتمام الذي ينشأ في حالة واحدة. تتمثل ي تعرض السيادة القطرية لخطر خارجي.. وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية، هي السباقة في إرسال قواتها إلى أراضي المملكة العربية السعودية، فإن ذلك كان تحت غطاء حماية أراضي المملكة، وقد تبعها بلدان أخرى في هذا الشأن، ولكن لذات الغرض وبدوافع حماية مصالحها الحيوية بالمنطقة، ولم يكن الكلام في بداية الأزمة يدور حول حمل العراق على الانسحاب من الكويت بالقوة العسكرية، وإنما كان المفهوم من موقف هذه البلدان ومن تصريحات مسؤوليها، هو أن الوجود الغربي الأمريكي لا يقف حجر عثرة في طريق معالجة الأزمة في إطارها الطبيعي العربي، غير أن الذي حدث من خلال التطورات المتسارعة هو أن الولايات المتحدة الأمريكية، وبدافع تنفيذ نواياها المبيتة للنظام العراقي وبددت هذا الاقتناع، واستغلت هيمنتها على العالم لتمهيد الطريق أمام حرب أحد أطرافها العراق والآخر كل العالم الحر، وذلك كما يبدو من ظاهر الصراع، لأن جوهره الذي تحرس الولايات المتحدة على إخفائه، هو أنه صراع بين الشمال الغني والجنوب الفقير، وأيضا صراع بين الحضارة الغربية المهيمنة وبين الحضارة العربية الإسلامية التي قد تعاود الظهور على المسرح الدولي.

لقد أرادت مشيئة الإدارة الأمريكية أن تنصهر كل الإرادات الوطنية في الغرب ضمن السيناريو الجهنمي الذي أعدته لشعب العراق ومن خلاله لكل شعوب المنطقة الإسلامية والعالمثالثية، بل وأكثر من ذلك فقد استطاعت أن تجر بعض البلدان العربية والإسلامية والنامية إلى الخندق المعادي للعراق، وأن تضمن تحييد البلدان الأخرى الباقية، عن هذه الحرب لانفرد بالعراق وحده في معترك لا يملك إزاءه سوى الاستسلام للأمر الواقع.

وهكذا، فبعد المرونة والتردد وقلة الاكتراث التي اتسمت بها مواقف المجموعة الدولية عند بدء الأزمة، نجد أن هذه المواقف تحولت فجأة إلى صورة فوتوغرافية للموقف الأمريكي، أو بالأحرى فإن هذه الأطراف قد تحولت إلى أذيال للأمريكان في حربهم الجائرة ضد الشعب العراقي..

فموقف بريطانيا من أزمة الخليج معروف، لأن بريطانيا كما هي في العادة كانت ولا تزال، ظل الولايات المتحدة الأمريكية في تعاملها مه مختلف القضايا العالمية، ونشير إلى الموقف الفرنسي الإيطالي وإلى موقف كل من ألمانيا واليابان، ففرنسا –كما هو الشأن بالنسبة لإيطاليا- لم تكن فكرة دخولها الحرب ضد العراق وتحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية، واردة ولا مستصاغة لدى الرأيين العام والرسمي، غير أنه ما أن دقت ساعة الصفر حتى تلاشت كل الاعتبارات الأخرى، ولم تبد باريس ولا روما سوى الانسجام التام مع الطرح الأمريكي ومع موقفه من حل الأزمة، ولم تتورع حتى من تبني المشروع القتالي لأمريكا الذي يقضي بتهديم  البنيات الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية للمجتمع العراقي لحمله على الاستسلام وعلى الانضواء تحت ما تريده له الولايات المتحدة الأمريكية.

أما ألمانيا واليابان، فقد كانتا -إلى غاية اعتماد الخيار العسكري- غير آبهتين كثيرا بهذه الحرب، التي لا ناقة لهما فيها ولا جمل، سيما وأن دساتيرها تخضع النشاط العسكري الوطني لشروط محددة لا مجال لها هنا في حرب الخليج، غير أن هذا الموقف سرعان ما تحول بعد ابتداء الحرب ليغدو سندا قويا لبلدان التحالف وتحمل قسطه كاملا في المهود الحرب لهذه البلدان في تكالبها ضد الشعب العراقي. وقد تجلى ذلك في الدعم الديبلوماسي والمالي، وكذا العسكري لهذين البلدين اللذين يفترض فيهما بحكم ظروفهما التاريخية ومعاناتهما من الحرب الكونية الثانية، أن يكونا أكثر البلدان جنوحا إلى حل الأزمات الدولية بالطرق السلمية.

إن الإدارة الأمريكية استطاعت إلى جانب تحييد القوتين المنتقضتين لها تاريخيا-الصين، الاتحاد السوفييتي- أن تكسب إلى صفها كل الأطراف الغربية الأخرى، وأن تجعل من أزمة الخليج قضية الجميع، ومن المجهود الحربي أيضا قضية الجميع وأن تتولى هي قيادة هذا التحالف لإزاحة عقبة النظام العراقي من على طريقها، لإنجاز مشروعها الأمني والتنظيمي في هذه المنطقة الحيوية من العالم، ومما لا ريب فيه أن المشروع قد جرت دراسته مع هذه الأطراف، وتم تحديد الغنيمة بشكل يرضي الجميع، وكانت النتيجة حربا هوجاء على شعب صغير أبت عليه أخلاقه القومية وفضائله الوطنية إلا أن يقول لا للهيمنة الإمبريالية، تبا لخائني الأمانة، فلسطين بلاد عربية.

وإن المتتبع للأحداث المتسارعة في هذه الحرب المجحفة ضد الشعب العراقي المسلم، لا تنتابه خيبة الأمل في الأنظمة الغربية، التي تكاثفت وآلت على نفسها درء ما تراه بالخطر العراقي المحدق لها في هذا الجزء من العالم. فهذا ليس بسابقة في التاريخ العربي-الإسلامي، ففي كل مرة يستشعر فيها الغرب خطرا على نفسه بهذه الديار، إلا وتهافت بكل ما أوتي من قوى لاستئصال الداء وإعادة الأمور إلى نصابها بما يضمن وجوده ويعزز مصالحه. ففي زمن محمد علي بمصر، وقفت الأنظمة الغربية الوقفة نفسها، وقد سلكت ذات السلوك في أزمة السويس، كما انتهجت هذا النهج في الحروب الصليبية، وفي الحروب العربية الإسرائيلية على الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية قد أنابت عنها في هذه الأخيرة عناء إرسال القوات وخوض الحرب إلى جانب إسرائيل بصفة مباشرة.

عندما نستقصي أحداث التاريخ ونعيد أشرطته البعيدة والقريبة، تصيبنا الدهشة البتة، فالحشود المهولة المتعددة الجنسيات والموحدة الهدف، قد تجمعت وباشرت حربها ضد العراق، وهي عازمة على تهديم كل بنياته الأساسية حتى تتلاقى خطره في مقبل الأيام، فذلك من طبيعة هذه الأنظمة، وكانت تحدث المفارقة الغربية لو أنها لم تنضو تحت لواء فكرة ضرب العراق وإجهاض مشروعه. لأن الحرب في جوهرها هي غير ما تقوله هذه البلدان من أنها حرب من أجل الشرعية الدولية، أو بسبب البلد الصغير والوديع الكويت، حيث أن التاريخ الإنساني المعاصر على ما يعج به من الشواهد لشتى مظاهر الاعتداء والاغتصاب، لم يسجل هذه الوقفة المروعة على الإطلاق، وقد سجل فقط أن المجتمع الغربي لا يقبل من بلدان العالم الإسلامي والعربي سوى ما يتلاءم مع النظام الذي يريده لها هو، لأن خلاف ذلك يعني إتاحة الفرصة لهذه البلدان لأن يكون لها شأن في المجتمع الدولي… وهو ما يسلمنا إلى القول بأن الحرب الجائرة في الخليج هي حرب حضارية، ومن فصيلة الحروب الحضارية الأخرى الني خاضتها  الأمة العربية والإسلامية ضد هيمنة الغرب وأطماعه. حيث لا تختلف في أبعادها الفكرية والمادية عن تلك الحروب التي خاضها صلاح الدين الأيوبي وجمال عبد الناصر وما إليهما وكان من الطبيعي جدا أن تتداعى لها سائر أطراف الحضارة الغربية بالسهر والدعم والتجنيد وأن تعمل كل جهدها وقوتها لأن تكسب هذه الجولة…

ولكن غير الطبيعي في هذه الحرب، هو أن تنجذب إليها أنظمة عربية وإسلامية ظلت/ولا تزال تدعى صدارتها لنضالات الأمة من أجل الانعتاق، وأن تختار خندقها هذه المرة بجانب أطراف الحضارة الأخرى لكسر نظام عربي مسلم ذنبه أنه عقد العزم على أن يفسد خطط أعداء الأمة، وأن يشغل لوطنه ولأمته مكانة في الخريطة الجيوسياسية للمنظومة الدولية.

أنها سابقة في التاريخ العربي الإسلامي لم يسبق لها مثيل في سياق صراع الحضارة العربية الإسلامية مع غيرها من الحضارات… ورغم أن الحديث عن الأبعاد الخطيرة لهذا التوجه يبدو سابقا لأوانه، لأن تفاعلات الحرب لم تنته بعد إلا أنه من خلال ما يطفو على السطح من إفرازات الحرب. يمكن استنباط هذه الحقيقة المرة وهي المجتمع العربي الإسلامي –إن لم يتدارك الأمر- مقبل على انتكاسة حضارية بعد أن عاش الانتكاسة العسكرية في 1967. وما يشفع لنا هذا القول هو أن الفعل العسكري والسياسي للأمة، وإن لم يحل في بعض محطات صراعه الحضاري من تقاعس الأنظمة وتخاذل الحكام. إلا أنه كان دائما ضمن الحدود الدنيا للالتزام القومي ولم يشذ عن القاعدة سوى في هذه الحرب التي بدأ فيها هذا الفعل ممزقا في ثلاث أنماط لا يجمع بينهما سوى عامل الضحالة. وهذه الأنماط هي:

- بلدان وحدت فعلها السياسي والعسكري مع الطرف الغربي، الأمريكي والصهيوني وأصبحت تقف الموقف نفسه، مع هذه البلدان في تعاملها مع الأزمة، ومع النظام العراقي بل وتتخذ الخندق نفسه لكسر شوكة هذا النظام المتحدي، وتبذل قصارى جهدها في آن تضع حدا لطموح الشعب العراقي الذي آثر حياة الكد والجد والعن. أو بالأحرى بالغ في ذلك وبشكل مقلق ولم يقبل لنسفه الانخراط في حياة البذخ والرخاء رغم أن الله حياه بكل مقومات ذلك ودوافع هذا النمط من الفعل العربي الإسلامي ليست ذاتها الدوافع التي تحرك فعل الحلفاء الغربيين فبينما تكتسي هذه الدوافع ألوانا شتى في الجانب العربي الإسلامي. تتراوح بين الطمع والغيرة والخوف من ضياع السلطة. والسذاجة والتعلق لـ الأقوياء نجدها في الطرف الغربي أكثر تماثلا واندماجا وهي في ظاهرها استعادة الشرعية لدولة الكويت. ولكن في جوهرها قطع الطريق أمام شعب يأبى الذوبان في الحضارة الغربية ولا ينصاع لرغبات أرباب وأذيال هذه الحضارة، وبل ويحمل فيروسا قد يميتها في المستقبل.

- بلدان وحدت فعلها السياسي مع الغرب في أزمة الخليج، ولكنها لم تفعل ذلك على الصعيد العسكري، وذلك من منطلق ضرورة معالجة الأزمة في إطارها العربي. دون الحاجة لتدخل قوى أجنبية تزيد  الطين بلة وتفقد بلدان المنطقة حرية القرار والاختيار. وهذا الفعل على ما في ظاهره من مرونة إلا أنه يصب أولا وأخيرا في فلسفة دول التحالف، ويخدم أغراضها. كما يعد سندا لها في حرب الإبادة، التي تشنها ضد شعب العراق. خاصة وأنه لا يعير علاقة أزمة الخليج بمشاكل المنطقة الأخرى. الاهتمام الذي لها في الواقع ويقول بأن المشاكل ليست من طبيعة واحدة أن العلاج لا ينبغي أن يكون واحدا وأن العراق ينبغي أن ينسحب من الكويت دون قيد أو شرط أو حتى تعهد بإعطاء معضلة الشرق الأوسط حقها في وقت لاحق.

- بلدان وحدتن فعلها السياسي مع الطرح العراقي لحل أزمة الخليج، ولكن ضمنيا فقط ولم تستطع أن تجاهر بهذا الموقف الذي يعني من بين ما يعنيه وإدراجها في قائمة العصاة بجانب العراق، وويل للذي تضعه الإدارة الأمريكية في هذا الحالة. فقد تؤد به كما أدبت كثيرين غيره وقد تغلق أبواب الرزق دونه، أو تخلع رئيسه أو تثير الفتنة بين أهله أو بينه وبين جيرانه، أو تفعل ما دون ذلك، وهي قادرة على كل شيء في ظل التشتت العربي والتمزق الإسلامي وانحلال التكتل الإسرائيلي.

وما يلاحظ على هذا النمط من الفعل السياسي العربي الإسلامي. أنه يدرك أبعاد الصراع الدائر في الخليج ويعي كنهه، ولكنه لم يستطع أن يعمل شيـئا لصالح التصدي العراقي. أو لأسباب أخرى لم تتضح بعد.

 ومهما يكن فإنه من خلال ما سبق يتضح بأن العراق الذي تكالبت عليه قوى الطغيان وألبت عليه حتى أشقاءه  فتصدى بمفرده لآلة الدمار الجهنمية. وقد أعطى أورع صور البطولة والفداء، ولم ينل من عزمه تلك القنبلة العشوائية التي استهدفت معالم الحضارة ومرافق المدنية وحتى ملاجئ الأطفال والنساء ولكن السؤال الذي يبقى مطروحا: هو كيف اكتسى الفعل السياسي العسكري العربي الآنف الذكر هذا الطابع؟ وأي خريطة جيوسياسية تتمخض عن الحرب؟ وهل يبقى الموقف العربي على ما كان عليه أثناء الحرب؟ وما مصير القضية المركزية في الصراع الحضاري بين العرب والأمة العربية والإسلامية.

 

Voir les commentaires

كتاب حروب امريكا اسرائيل وبريطانيا على العراق /الدور الامريكي في تحريض الاكراد على الانفصال/المؤلف صالح مختا

الدور الأمريكي في تحريض الأكراد على الانفصال

يعتبر مشكل الأقليات العرقية في العالم من المسائل الشائكة التي تطفو من حين إلى آخر على ساحة الأحداث الدولية لما لها من أثر ودور كبير في إشعال نار الفتن والحروب في مختلف بقاع العالم.

فتستغل بعض القوى العظمى هذا المشكل للتدخل في شؤون الدول التي تعرف مثل هذه الأحداث ومن غريب الصدف أن مشكل الأقليات العراقية يثار  أو لا يعرف وجوده إلا في دول العالم الثالث التي تعيش مشاكل أعوص من الصراع العرقي، كالمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولعل الوضعية التي تعيشها لحد الآن هذه الدول أي حالة الفقر والتخلف يعود لهذا السبب، فيه لا تنفك أن تتخلص من الاستعمار الذي استبد واستغل أرضها واستعبد عبادها، وقضى على كل مقوماتها الاقتصادية حتى تبقى في تبعية أبدية لها، فتحاول هذه البلدان الفتية أن تنهض بنفسها وأن تقف على أرجلها حتى تجد نفسها أمام مشاكل أخرى لا تحسب لها أي حساب، حيث يعمل الاستعمار أن يفرق ليسود.. وإلا كيف يتمكن من البلاد والعباد، وأي محاولة للتنمية واللحاق بركب الدول المتقدمة ينغص عليها عيشتها فتبدأ الدول الاستعمارية بوضع الحجارة أمام عجلات العربة التنمية، إما بالمساومة على الديون أن القروض التي تكون في أمس الحاجة إليها وأن لم نتمكن من وجود الثغرة من خلال هذه النقطة تلجؤ إلى إثارة مسألة الأقليات العرقية الموجودة داخل هذه البلدان فتبدأ في تحويضها وتشجيعها على المطالبة باستقلالها وإنشاء دويلات خاصة بها والتمرد على السلطة المركزية.

ولقد عشنا مؤخرا مثالا حيا حول التكالب الأمبريالي على دولة عربية حاولت بكل قوتها أو تصعد أمام المساومات والاستقرارات وتحالف الدول الكبرى ضدها في حرب غير متعادلة، إلا أنها رغم ذلل عرفت كيف تصدها وأن تهزمها، وبعد الهزيمة لم تر هذه القوى الإمبريالية مخرجا لتبيض وجهها ولإعادة الاعتبار لسمعتها سوى اللجوء إلى مشكل أقلية تعيش في العراق والمتمثلة في الأكراد، لأن تشجعهم ماديا ومعنويا وتقف موقف المحامي الذي ينادي ويطالب بحقوقها باسم حامي حقوق الإنسان، طيلة شهور وشهور تعالت أصوات تطالب من فوق المنصات والمنابر العالمية، مجلس الأمن هيئة الأمم المتحدة وهي تنادي بضرورة قيام الحرب، وتخطيطات كبيرة أسندت الجنرالات المتعطشين للدم أحكمت الخطة التي كانت قد أعدت منذ شهور من قبل. كان الرأي العالمي في الأول يؤمن بهدف تلك الحرب أي إعادة الحقوق إلى أصحابها ويعني بذلك حقوق الكويتيين، إلا أنه سرعان ما ظهرات  النوايا الحقيقية، وأسابيع قليلة بعد نهاية انسحاب القوات العراقية من الكويت وقبل أن تكون للعراق فرصة لاسترجاع بعض النفس وتضمد جراحه، فالعراق كان عليه أن يعرف ساعتها أنه لم ينتبه بعد من دفع ثمن هجومه على الكويت، حيث استغل مجلس الأمن كوسيلة للعقاب أي عقاب…"

حيث يدخل في حرب أخرى أثارها هؤلاء الذين كانوا بالأمس ينادون حماية حقوق الإنسان وأنهم ضد كل تقتيل وتنكيل بالأرواح ترى هل مساندتهم ومساعدتهم الأكراد هو من باب الشفقة أو من باب الإنسانية أم ما هو إلا تكريس لتطبيق النظام الدولي الجديد ولكن كل شيء ممكن مع الذين يبحثون دور السمسرة أن الولايات المتحدة وربيبتها إسرائيل، فرنسا وبريطانيا ما تريد من خلال وقوفها إلى جانب الأكراد ومن خلال تسخير وسائل أعلامها الضخمة للبكاء على مصير الأكراد ما هي إلا محاولة لإعطاء وجه جديد لسمعتها، وهذا طبعا على ظهر الأكراد حتى يتمكنوا من العراق الذي وقف لهم كالعظم في الحلق.

إن سيادة العراف تعرضت للاحتراق، إلا أن فطنة نظام بغداد فقات كل التوقعات فبدل أن يعود الخلاف الكردي مع النظام إلى حرب أهلية فقد استطاع الفريقين من التوصل إلى التفاهم وذلك من خلال التشاور والمناقشات التي جرت بين الرئيس العراقي صدام حسين وزعيم المفاوضة الكردية مسعود البرزاني.

ومن الأدلة البارزة على مسؤولية الولايات المتحدة الأمريكية هو أنه بعد أن رأت أن الأكراد توصلوا إلى وفاق مه النظام وتلجأ اليوم إلى المطالبة بتدمير المنشآت النووية العراقية وإلا ستلجأ إلى التدخل من جديد مرة أخرى لتعود الولايات المتحدة إلى التهديد ومعاملة العراق من منطق القوة. لكتم أنفاسه ترى هل ستدمرها إن كان ما تزعم صحيحا أو أنها ستحاول إثارة الأكراد ثانية خاصة وأن منطقة زاخو تستغلها القوات الأمريكية.

 

جدول تقديري لإحصاء الأكراد عام 1990

الدول

النسبة

تركيا

10 ملايين

إيران

7.5 ملايين

الاتحاد السوفييت

400 ألف

العراق

4 ملايين

سوريا

1.1 مليون

المجموع

23.400.000 نسمة

 

يبلغ عدد الأكراد حوالي 26 مليون نسمة يعيشون موزعين على خمسة بلدان، تركيا 12 مليون، إيران 6 ملايين، العراق 4 ملايين، سوريا 4 ملايين والاتحاد السوفييتي 400.000، لغتهم خليط من اللهجات الهندية الأوروبية، وأغلبية الأكراد مسلمين سنيين.

النشاط الاقتصادي الذي يمارسونه الأكراد هو الزراعة وتربية المواشي مع الصناعة التقليدية في المناطق الكردية المتواجدة في العراق وإيران التي توجد فيها منشآت بترولية مع مصفاة في منطقة كرمنشاه في إيران، غير أن الأكراد ليسوا مندمجين كثيرا مع هذه الصناعة البترولية، فالظروف التاريخية جعلت من الأكراد شعب قليل التطور، متخلف نسبيا من باقي شعوب المنطقة، غير أن منطقة الكردستان الإيرانية تمثل الجز الأكثر تطورا من باقي المناطق الأخرى.

إننا اليوم نعيش بمرارة الأوضاع السيئة التي آن إليها الأكراد وزخف المئات منهم إلى الحدود القريبة هروبا من الموت، إنه لعار كبير على الولايات المتحدة الأمريكية التي منذ عشرات السنين ساندت العراق في حربه ضد إيران. كما أن هذه التراجيديا تأتي كنتيجة لحرب الخليج والطريقة التي استعملها الحلفاء وهذا تحت السيطرة الأمريكية لتقديم المساعدات الإنسانية الموجهة اللاجئين الأكراد.

وليس من الغريب أبدا أن يستغل الأكراد ظروف ما بعد الحرب لتكثيف التمرد ضد النظام العراقي، كما أن الإدارة الأمريكية لعبت دورا شيطانيا تحت زعامة جروح بوش لتشجيع الأكراد على ذلك وفي نفس الوقت إعطاء الضوء الأخضر للجيش العراقي للقضاء على المتمردين، فالشعب الكردي كان ضحية للحسابات والتخطيطات الإمبريالية.

فالجنوب العراقي تسيطر عليه القوات الأمريكية باسم المساعدات الإنسانية والقوات البريطانية الفرنسية والأمريكية تستغل الشمال والذي من غريب الصدف أنه منطقة بترولية غير أن الرهان البترولي ما هو إلا واجهة من اللعبة التي تحضر وحضرت من قبل هنري كيسنجر يقولها صراحة: إن المسألة الأساسية هي أن نعرف إذا كنا سنشجع على بروز نظام في بغداد يعامل الأكراد بطريقة مختلفة أو أنه علينا أن نؤمن حماية دراية ونحن نعلم أن قلب كيسنجر لا يخفق من أجل المصالح الحقيقية للأكراد، إنه يتعلق فعلا بوضع نظام يعاون ويشجع السيطرة الأمريكية في إطار النظام الدولي الجديد لجروج بوش.

 

 

Voir les commentaires

كتاب حروب امريكا اسرائيل وبريطانيا على العراق /انعكاسات حرب الخليج على المنطقة /المؤلف صالح مختاري

انعكاسات حرب الخليج على المنطقة

انتهت الحرب التدميرية الظالمة بعد 43 يوما من القصف الوحشي على أرض العراق الشقيق، ألقيت خلالها آلاف القنابل على المنشآت القاعدية والمعالم الحضارية، وعلى السكان المدنيين الأبرياء، عندما تيقن الحلفاء بعدم كفاية الحصار الاقتصادي والتجاري، وعدم نجاعة الحملة الإعلامية الكلامية المكلفة، لتفكك الصمود والتماسك الاجتماعي الموجود بين القيادة العراقية وشعبها، بهدف الإطاحة بنظام صدام حسين الذي انسحب من الكويت بطريقة فاجأت الرأي العام العربي المساند للعراق. ووافق فيما بعد على جميع لوائح مجلس الأمن الإثنى عشر للحفاظ على ما تبقى من القوة العراقية الضاربة وليفوت الفرصة على الأمريكان والغرب، للحيلولة دون تحقيق جميع الأهداف التي سطرها الحلفاء منذ سنوات خلت بغية تركيع الشعوب العربية والسيطرة على هذه المنطقة الحيوية والاستراتيجية من وطننا العربي، ومهما يكن من أمر فإن الحرب قد وضعت أوزارها، وقررت نتائج وأبعاد ستتضح معالمها أكثر فأكثر في المستقبل القريب والسؤال المطروح هو: ما هي النتائج والأبعاد التي تمخضت عن هذه الحرب؟

إن القوى الاستعمارية الغربية التي جزأت الوطن العربي بناء على اتفاقية سايكس يبكوا في بداية هذا القرن، أرادت أن تعيد الكرة من خلال سايكس بيكو جديد، لكن بأدوات أكثر تطورا من السابق. فلقد انتقل الاستعمار الجديد من عملية التجزئة إلى عملية أكثر خطورة، وهي استراتيجية التفتيت، قصد حل وشل كل حركة تجميع للقوى العربية… والحفاظ دوام إسرائيل كقوة وحيدة في المنطقة. وهو ما نستشفه من المخطط المحبوك الذي أعدته الدوائر الأمريكية والغربية منذ نهاية السبعينات، بمشاركة كبار الاستراتيجيين الأمريكيين اليهود… من أمثال هنري كيسنجر وزبيقينيو بريرنسكي وغيرهم قصد توريط القوتان الإقليميتان اللتان كانتا تزاحمان إسرائيل وهما العراق وإيران في حرب مدحورة مدمرة دامت 8 سنوات. استفاد منها الغرب بعقد العديد من الصفقات وفاجئ فيها العراق الغرب بخروجه بقوة عسكرية تكنولوجية وهو ما جعل الغرب يسارع خاصة بعد انهيار الكتلة الشرقية وزوال الحرب الباردة إلى الحضور بقوته العسكرية لحسم الموقف وتطبيق ما أسماه بوش بالنظام الأمني الجديد للمنطقة، الذي أعدت نقاطه قبل الاجتياح العراقي للكويت، ومن أهمها ما يلي:

1- قيام حكومة معتدلة في العراق.

2- تواجد عسكري أمريكي-أوربي غير مكشوف.

3- إشراك إيران وتركيا وباكستان وإسرائيل في دور مشترك.

4- دعم ملموس للدول العربية "المعتدلة" التي ساهمت في التحالف لإخراجها من الضائقة الاقتصادية عن طريق صندوق تموله دول الخليج.

إن هذا النظام الأمني الإقليمي الجديد الأمريكي، لا يمكن فصله عن النظام الدولي أو العالمي الجديد الذي أراده بوش، بعد أن بدأت تبرز ملامح انهيار النظام الدولي القديم. فقد أصبح الاتحاد السوفييتي قوة إقليمية بعد أن كان قوة دولية لا يستهان بها والدليل على ذلك دورها الضعيف، من حيث المشاركة في إدارة الصراع في الأزمة الخليجية، رغم المجهودات الدبلوماسية التي قامت بها في آخر المطاف، فالولايات المتحدة الأمريكية التي وحدت نفسها الوحيدة في الساحة الدولية، لم تأبه بالسوفيات الذين قدموا مبادرات سلام لحل أزمة الخليج، فحضروها العسكري إلى جانب باقي قوات الحلف الأطلسي على بعد بضعة آلاف من الكيلومترات من العاصمة موسكو يعتبر تهديدا حقيقيا للمجال الاستراتيجي السوفييتي وعلى هذا الأساس لن تكون العلاقات الأمريكية السوفييتية في المستقبل مبنية على مبدأ توازن القوى والمصلحة كما في السابق، ذلك أن النفوذ السوفييتي في أوربا الشرقية قد تراجع، فاسحا المجال لتعميم النموذج الرأسمالي على العالم/ في الوقت الذي أصبحت فيه الجولة السوفييتية منشغلة بمشاكلها الداخلية السياسية والاقتصادية الحادة، الشيء الذي أثر على الدور السوفييتي المعهود في السياسة الخارجية لدرجة أن هذا الأخير، صادق على قرارات مجلس الأمن الدولي لتحرير الكويت بالقوة ولم يساعد العراق عسكريا في حربه كما فعل في السابق مع دول عربية إبان الحروب مع إسرائيل، رغم أن العراق مرتبط مع السوفييت بمعاهدة صداقة وتعاون، أبرمت في 1972، أما الولايات المتحدة التي جندت معها 30 دولة تحت غطاء الشرعية الدولية لتنفيذ العدوان على العراق فإنها لم تحقق كل ما كانت ترجوه فالتدمير العراقي تجلي أساسا  في الجانب الاقتصادي بنسبة 70% أما القوات العراقية فقد خرجت من هذه الحرب سالمة رغم بعض الأضرار التي لحقت بها. ولذلك ما زالت الولايات المتحدة تدبر المؤامرات ضد العراق للإطاحة بالنظام البعثي من خلال تحريض المعارضة الشيعية لخلق الفوضى في البلاد شمالا وجنوبا ويتم بذلك محاصرة بغداد العاصمة السياسية العراقية وفي مقابل هذا، أحرزت أمريكا على نسبة 90% من صفقات إعادة بناء ما دمرته الحرب في الخليج التي مولها البترودولار الخليجي بنسبة كبيرة، ذلك أن السعودية والكويت دفعتا مبدئيا مبلغ 70 مليار دولار من أصل 111 مليار دولار تكلفة هذه الحرب، إضافة إلى صفقات الأسلحة المبرمة مؤخرا والتي بلغت لحد الآن 18 مليار دولار ومن المنتظر أن تصل حسب المراقبين إلى حوالي 30 مليار دولار بهدف تحقيق الأمن لدول الخليج كما تزعم الولايات المتحدة التي تدرك جيدا أن دول الخليج لا تتحكم في هذه التكنولوجية العسكرية المتطورة جدا. والحرب الخليجية أثبتت ذلك عندما عجزت السعودية والكويت عن التصدي للعراق القوة الصامدة في المنطقة، وخير مثال على  هو معركة الخفجي، التي احتلتها القوات العراقية في ساعات معدودة بالرغم من الدفاعات والحصون السعودية بالإضافة إلى هذا فإن الولايات المتحدة تعمل قدر الإمكان على تكسير طموحات منظمة الأوبيك المتمثلة في استقرار أسعار السوق والنفطية والحفاظ على سقف الإنتاج خاصة بعج تصريح وزير النفط الكويتي السيد رشيد العماري لوكالة روتر يوم 11 مارس 1991 القائل بأهلية الولايات المتحدة وانجلترا وفرنسا للتدخل في تحديد الأسعار ضمن الأوبيك لكونهم انتصرا في حرب الخليج، ولذا يتعين أن الإدلاء برأيهم لحماية مصالحهم وهو ما زاد من قلق دول الأوبيك الحارسة على استقلالها واستقلال قراراتها وفيما يلي جدول إنتاج البترول عام 1990 لدول الخليج.

السعودية: 640.000 مليون برميل يوميا حخاليا 8 ملايين ونصف مليون برميل يوميا.

أما الجامعة العربية، فقد أكد بعض الخبراء العرب، نهايتها عمليا عندما انتقلت إلى مصر المرتبطة مع إسرائيل باتفاقية كامب ديفيد، وتحالفت مع أمريكا ضد العراق وهكذا فلم تعد مصر الإطار الأمثل لحل المشاكل العربية.

أما دول أوربا المتحالفة مع أمريكا، فقد تمكنت من تجريب أسلحتها المتنوعة في حرب حقيقية، وأحرزت على صفقات إعادة بناء الكويت، وإن كانت نسبتها ضعيفة مقارنة بأمريكا، رغم أنها شعرت بالامتعاض  من جراء تورطها في حرب لا إنسانية قذرة خسرت فيها المصداقية التي كانت تتمتع بها لدى الدول والشعوب العربية على الخصوص التي وقفت ضد العدوان كالجزائر واليمن والترويكا الأوربية تتحرك دبلوماسي باتجاه الشرق الأوسط والمغرب العربي فقضية العرب الأساسية، قضية فلسطين ما دام أن العراق قد استطاع أن يقنع الرأي العام الدولي إلى حد ما، بأن طبيعة الصراع في المنطقة جوهره القضية الفلسطينية ولذلك لن يكون هناك استقرار إلا إذا حلت أسباب النزاع الحقيقية بين إسرائيل والعرب.

إن حرب الخليج كانت تجربة قاسية  للشعب العراقي، ولكن تضحياته الجسيمة لم تذهب هباء، فقد أثمرت على أربعة مستويات:

1- إبراز قدرة الصمود أمام العدوان الاستعماري الأمريكي والغربي، الذي جرب باسم الدفاع عن حقوق الإنسان أرقى أسلحة الدمار وهي في حقيقة الأمر تعد مفخرة لعوب العالم الثالث.

2- تعرية النوايا الأمريكية بخصوص تصورها للنظام الدولي الجديد.

3- كسر أسطورة إسرائيل التي يستحيل ضربها في العمق الترابي، وبالتالي القضاء على مصداقية نظرية الأمن القومي الإسرائيلي التي دامت أكثر من 40 سنة.

4- تحقيق إجماع دولي بصورة حل القضية الفلسطينية -ما قلنا في السابق- وضرورة التعامل بالمثل بخصوص تطبيق قرارات الأمم المتحدة الأخرى، وهكذا فإن العراق يكون قد حقق للبلدان العربية والإسلامية والعالم الثالث مكاسب سيسجلها له التاريخ وهذه البلدان مطالبة اليوم، قيادة وشعبا وأحزابا المحافظة على هذه المكاسب التي ستساعدها لا محالة على الانتصار في المعركة السياسية والدبلوماسية القادمة، لأن إسرائيل لا يمكن أن تتناول بسهولة شبر من الأراضي العربية التي تحتلها بدون مقابل باهظ ولا ننسى أن نشير إلى أن إسرائيل حققت مكاسب هامة في هذه الحرب، فالصواريخ العراقية التي سقطت على أراضيها كانت مطية للحصول على دعم مالي وعسكري غربي وخليجي… فالسوق الأوربية مولت إسرائيل بمساعدات قدرها 210 مليون دولار، وألمانيا قدمت لها مئات الملايين من الماركات إلى جانب صواريخ الباتريوت، أما السعودية والكويت فقد تبرعا بالملايين من الدولارات على إسرائيل بوساطة أمريكية، لإرضاء بوش، الذي حقق الأمن الأمريكي لأمراء الخليج وأدخل مصر وسوريا وتركيا تحت المظلة الأمريكية وأبقى الدعوة مفتوحة لباقي الدول العربية والإسلامية، وهوا ما أطلق عليه بعض المحللين السياسيين تسمية مشروع مارشال الجديد المتكون من شقين:

* شق اقتصادي: يمثل مختلف المشاريع الاقتصادية الخاصة بإعادة البناء.

* شق عسكري، ويتمثل في حلف يضم بلدان الخليج العربي ووريا ومصر وإسرائيل تحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية.

ويبدو حصب بعض المحللين، أن إيران تكون قد دخلت في اللعبة الأمريكية الجديدة، ذلك أن الولايات المتحدة دفعتها إلى إثارة الحرب الأهلية بالعراق وتحريك الشيعة في جنوب العراق بقيادة زعيمها الروحي آية الله محمد باقر حكيم اللاجئ بإيران، وتحريك الأكراد في الشمال تحت زعامة السيد عمر البرزاني المتواجد في كردستان الإيرانية بهدف الإطاحة بنظام صدام حسين بحجة أنه نظام غير ديمقراطي، كما رود الغرب لذلك.

لكن إيران  نسيت أو ربما تناست أن أمريكا  تعتبرها العدو الاستراتيجي الثاني بعد العراق في المنطقة وأنها بعملها هذا تساعد الولايات المتحدة على التخلص من قضية العرب والمسلمين، قضية فلسطين. من خلال تفجير ممل الشعب الفلسطيني الشرعي منظمة التحرير الفلسطينية وإيهام الرأي العام الدولي بأنها مجرد منظمة متطرفة إرهابية لا تبالي إلا بالمصالح الذاتية والخلافات الهامشية، وهناك نقطة جد هامة لا يمكن إهمالها وهو أنه بواسطة حرب الخليج نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في إعطاء درس للابن الأوروبي العاق، فأمريكا أدركت أن أوربا وبقيادة فرنسا تريد أن تستقل عنها وتشكل قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية لا علاقة لها بأمريكا، وما انعقاد مؤتمر حول الأمن الأوربي في أواخر سنة 1990 بباريس إلا دليلا على ذلك.

لذا فاحتلال أمريكا لأبار النفط والسعودية وبعدها الكويت، ركع أوروبا وأجبرها على إرسال قواتها العسكرية لضرب العراق. لأن أمريكا اتهمت الجميع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بأن الذي يشارك في الحرب لا يستفيد بالغنيمة وأن الذي يعصي أمريكا ويريد أن يستقل عنها، فإن البترول لن يصله.

وخلاصة القول فإن حرب الخليج أعطت درسا للدول والشعوب العربية والإسلامية، فقد بينت العدو من الصديق وكشفت الهوة الساحقة الموجودة بين بعض الأنظمة العربية. التي لم تكن في مستوى شعوبها المتعطشة إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإلى تجسيد الشعور الوحدوي العربي في الواقع المعاشي، وقد آن هذه الحرب ما هي إلا جزء من استراتيجية المواجهة العربية ضد الإمبريالية والصهيونية وأن تعمل على بناء جبهتها الداخلية  أن أرادتا  رفع المستقبل تمام كما فعل العراق الشقيق

Voir les commentaires

<< < 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 > >>