Overblog
Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

كتاب حروب امريكا اسرائيل وبريطانيا على العراق /المؤلف صالح مختاري/الحصار الثلاثي الأمريكي البريطاني الإسرائ

 

الحصار الثلاثي الأمريكي البريطاني الإسرائيلي على العراق

في السابع من جانفي 1993 أكد الناطق الرسمي للأمم المتحدة بأن فرض منطقة حظر الطيران فوق العراق لا يستند إلى أي قرار من مجلس الأمن كما اعتبرت كل من فرنسا وروسيا وللصين الخطر المفروض على العراق وجنوبه باطل لا يستند على أية أسس قانونية دولية كما أكد الموقف ذاته بطرس غالي الأمين العام الأممي السابق في كتابه خمس سنوات في بيت من زجاج إذ كتب يقول أنه لم يسبق لمجلس الأمن أبدأ  من أن أيد إنشاء منطقة المحظورة فيها.

ومع هذا فقد أصرت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا على خرق القانون الدولي لتتخذا قرارا فرديا يهدف في واقع الأمر إلى تقسيم العراق إلى مناطق وخطوط طول وعرض للتجسس على قدراته وضربها وبالتالي القضاء على قوة هذه الدولة العربية التي كانت تثير الخوف في نفوس أعداء الأمة العربية وعلى رأسها إسرائيل.

إن فرض مناطق حظر الطيران يمثل خرقا فاضحا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ويشكل عدوانا صارخا على العراق للأسباب التالي:

1. إن فرض مناطق الخطر يعد إستخداما  للقوة المسلحة ضدا سيادة دولة مستقلة وسلامتها الإقليمية واستقلالها السياسي.

2. إن أي من الحكومتين الأمريكية والبريطانية لا تمتلك أي تخويل من مجلس الأمن وهو الجهة الوحيدة المعنية بحفظ السلم، والأمن الدوليين بهذا الشأن وفي الواقع فإن هاتين الحكومتين لا تمتلك أي مسوغ قانوني يبرر هذا الخطر ويبرر إستخدام القوة العسكرية ضد العراق وسلامة ووحدة أراضيه وبما يبددا من شعبه.

3. تزعم الأوساط الأمريكية والبريطانية أن فرض الخطر الجوي على شمال وجنوب العراق هو إجراء منسجم مع قرار مجلس الأمن 688 1991 وهذا تفسير لا تحتمله نصوص القرار المذكور. كما أن هذا القرار لم يعتمد إستنادا إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وهو الفصل الوحيد الذي يجوز بموجبه إستخدام القوة من قبل الأمم المتحدة.

4. إن أحكام وقف إطلاق النار الواردة في القرار 687 لعام 1991 تفرض على هذه الدول إحترامها وتطبيقها بشكل كامل إذ أن أحكام هذا القرار تعني إنهاء كليا للأعمال العدائية العسكرية وإن أي تجديد لها يجب أن يكون من خلال العودة إلى مجلس الأمن والحصول على تخويل منه وبذلك تطبيقا للحكم الوارد في الفترة 24 من القرار المذكور الذي قرر فيها مجلس الأمن إبقاء المسألة قيد النظر.

5. إن إستناد الحكومتين الأمريكيتين والبرطانية في فرضها لمنطقتي حظر الطيران ودرت فيه فقد أشار القرار في الفقرة التمهيدية الثانية إلى الفقرة السابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة التي تحظر على الأمم المتحدة التدخل في الشؤون التي هي من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، كما أشار القرار 688 في الفقرة التمهيدية السابعة بوضوح إلى إعادة تأكيده لالتزام الدول الأعضاء جميعا اتجاه سيادة العراق وسلامة وحدة أراضيه واستقلاله السياسي.

6. أن الواقع يكشف بوضوح بأن فضر منطقتي حظر الطيران هو قرار إنفرادي ولا علاقة له بالأمم المتحدة وقارراتها وقد أكد ذلك الناطق الرسمي للأمم المتحدة جوسيلز في جانفي 1993 حيث قال، أن فرض منطقة حظر الطيران فوق العراق لا يستند إلى أي من مجلس الأمن.

7. وإستنادا لما تقدم لقد انسحبت فرنسا بعد فترة من المشاركة مع أمريكا وبريطانيا في العمليات الخاصة بفرض منطقتي حظر الطيران وتتغير موقفها من هذه المسألة إذ صرح السيد جاك روميلار الناطق ارسمي باسم وزارة الخارجية الفرنسية في 02/09/1996 بما يلي: أنه لا يوجد هناك أي نص للأمم المتحدة أو مجلس الأمن يحدد قواعد منطقة الخطر الجوي شمال خط العرض 36 وجنوب خط العرض 32.

كما صرح وزير خارجية فرنسا السيد هوبير فيديرين خلال زيارته للرياض المملكة العربية السعودية في 28/02/2000 مؤكدا أن مناطق خطر الطيران لا تستند إلى أي قرار دولي.

8. عبرت روسيا الإتحادية والصين الشعبية على الدوام عن موقفهما باعتبار الحظر المفروض على شمال العراق وجنوبه باطل لا يستند ومنذ بدايته إلى أي أسس قانونية دولية. في ميثاق الأمم المتحدة أو قرارات مجلس الأمن فقد أشار الأمين العام السابق للأمم المتحدة السيد بطرس غالي في كتابه خمس سنوات في بيت من زجاج الصادر عام 1999 وفي فقرة مطولة منه قائلا: وقد زعمت الولايات المتحدة أن القرار 688 الذي وافق عليه مجلس الأمن من قبل قد رخص بالقيام بهذه الهجمات غير أن إعتماد الولايات المتحدة على القرار 688 لم يكن له أساس. إذ أنه على خلاف القرار 688 بموجب الفصل السابع من الميثاق المتعلق بالأنفاذ في ميثاق الأمم المتحدة، كما لم يكن توغل القوات البرية العراقية يشكل إنتهاكا للمنطقة المحظروة فيها الطيران، وكان من الممكن أن تواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها من جانب واحد فيما وصفوه بأنه محاولة لإنقاذ القرار 688 ولم يسبق لمجلس الأمن أن أيد إنشاء المنطقة المحظورة فيها الطيران وكان من الممكن أن تواجه الولايات المتحدة، عقبات يستعصى التغلب عليها لو أنها كانت قد حاولت الحصول على تأييد مجلس الأمن لإستخدام القوة ضد العراق ولكن كان التحرك العسكري للعراق إلى الشمال أمر يبعث على الأسى فإنها كانت في نهاية المطاف عملية للحكومة العراقية داخل الأراضي الخاضعة لسيادتها الصفحتان 336، 337 من الكتاب أعلاه.

في الخامس من نسيان 1991 أعلنت الإدارة الأمريكية وبعد صدور قرار مجلس الأمن 688 أن طائرات النقل العسكرية الأمريكية ستبدأ إعتبارا من 27/04/1991 بالطيران فوق شمال العراق تحت ذريعة إستعمارية وهي رمي الإمتدادات الغذائية ومواد الإغاثة الأخرى إلى السكان الذين يعانون نتيجة الحالة هناك. متناسين إنهام السبب الرئيسي في المعانات.

و أوضحت وزارة الخارجية الأمريكية أن إقامة المناطق الآمنة لا تمثل أولوية في نظر الولايات المتحدة ولكن إذا تصدى العراق لمجهود الإغاثة فإن الولايات المتحدة مستعدة لبحث إمكانية التدخل.

وقال المحدث باسم وزارة الخارجية ريتشارد بارتشر نعتقد أن الأمم المتحدة يمكنها على أساس القرار 688 الذي أصدره مجلس الأمن أن نقدم الإغاثة إلى اللاجئين وتحقق من أن العراقييت يستجبيون لجهود الإغاثة الدولية كما يلزمهم بذلك القرار، وواضح أنه إذا رفض العراق الإستجابة لهذه الجهود الدولية فسنكون على إستعداد لبحث خيارات أخرى بما في ذلك تحرك جديد للأمم المتحدة. ولكننا نعتقد أن القرار 688 يسمح باتخاذ خطوات علمية وهذا ما نركز عليه.

وقالت صحيفة مللبيت التركية أن الولايات المتحدة الأمريكية تقدمت بطلب إلى الحكومة التركية للسماح للقوات الأمريكية باستخدام قاعدة إنجريك التركية للقيام بنشاطات عسكرية في المنطقة الحدودية العراقية. التركية وقد وافقت الحكومة التركية على الطلب الأمريكي بعض رفض مجلس الأمن الدولي اتخاذ قرار للقيام بمثل هذا العملية… وقد وافق البرلمان التركي على وجود قوات أمريكية…بريطانية باسم قوات المطرقة التي تغير إسمها لاحقا إلى قوات الكشف الجوي.

وقالت شبكة CNN الإخبارية الأمريكية نقلا عن صحيفة لونس أنجلس تايمز بتاريخ 14/08/1992 أن الولايات المتحدة وبريطانيا تدرسان إمكانية إستخدام عمل عسكري لحماية من أسمتهم السكان الشيعة ومنطقة الأهواز في جنوب العراق وتحديد منطقة يمنع فيها الطيران العراقي ومشاهدة ما يجري على الأرض من خلال الرقابة الجوية لطائرات الحلفاء وفي السابع والعشرين من أوت 1992 بدأ التطبيق الفعلي لحظة منع الطيران العراقي جنوب خط العرض 32 بعيدا عن الأمم المتحدة ولا بقرارتها وهذا ما أكده المتحدث الرسمي باسم الجمعية العامة جوسلس في السابع من جانفي 1993 عندما قال: بأن فرض مناطق حظر الطيران في جنوب وشمال العراق لم يستند إلى أي قرار من مجلس الأمن. لكن حكومات الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإسرائيل تؤكد على أن هذه المناطق تتماشى مع قرار مجلس الأمن 688-1991.

إن إستناد حكومة الولايات المتحدة على هذا القرار كمبرر للعدوان العسكري ليس له أي أساس وأن الفقرة السابعة في مقدمة القرار 688 تؤكد بوضوح احترام جميع الدول الأعضاء باحترام سيادته ووحدته الإقليمية واستقلال السياسي.

لا يمكن لنص هذا القرار أن يدعم التفسير لأنه لم يصدر استنادا إلى الفصل السابق من ميثاق الأمم المتحدة وهو الفصل الوحيد الذي يمكن بموجبه استخدام القوة العسكرية من قبل الأمم المتحدة أو أي جهة تخول بشكل خاص بالتصرف بالنيابة عنها كما أن هذا الفصل لا يتضمن من أية أحكام لفرض مناطق الطيران في المجال الجوي العراقي.

بات واضحا أن أهداف الإدارة الأمريكية وبريطانيا هو تقسيم العراق إلى مناطق وخطوط طول وعرض للتجسس على قدراته وتحديث معلومات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية للاستفادة منها في العدوان على العراق.

عملت الولايات المتحدة الأمريكية في جو حملة ضخمة لتضليل الرأي العام العالمي لتبرير العدوان العسكري الجديد على العراق بحجة وجود قوات عسكرية عراقية قرب السليمانية بعد أن استجابة العراق الالتماس مسعود البرزاني بمساعدته لمواجهة المؤامرة التي يتعرض لها الأكراد في شمال العراق وتم ذلك في ضوء ممارسة الحق الطبيعي والشرعي لتحرك القوات العراقية داخل الأراضي العراقية.

قال الرئيس الأمريكي أن بلاده ستوسع نطاق منطقة حظر الطيران في جنوب العراق حتى ضواحي بغداد الجنوبية للحد من قدرة العراق على القيام بعمليان هجومية. وأن منطقة الحظر وسعت من خط العرض 32 إلى خط العرض 33 وبدأ تطبيق القرار في 04/09/1996.

زاد عدد الطلعات الجوية للفترة من 17/02/1998 لحد جويلية 2001 عن 33000 طلعة جوية مسلحة وأن ما عرفت أن كلفة ساعة الطيران الواحدة تبلغ نحو 100.000 مائلة ألف دولار قيمته تصور المبالغ التي يتحملها شعب الكويت والسعودية واللذين يدفعان من ثرواتهما المبددة ضد العراق وإذا ما عرفنا أن عدد الطائرات القادمة من أجوائهم تزيد في كل مرة عن 12-16 طائرة  وأن عدد ساعات كحد أدنى فيمكن لنا تصور الميزانية المخصصة للعدوان على العراق والتي تفوق المليارات والمليارات من الدولارات.

من الذي يهدد من؟ هل أن العراق كما يزعمون يهدد هذه الطائرات أم أن الإدارة الأمريكية والحكومة البريطانية والإسرائيلية وبمساعدة بعض الحكام العرب بالمنطقة الذين يعتدون يوميا على شعب العراق…. ولماذا تقوم الدنيا عندما يقوم العراق بالدفاع عن سيادته وأجوائه عندما يتصدى لهذه الطائرات.

Voir les commentaires

كتاب حروب امريكا اسرائيل وبريطانيا على العراق /المؤلف صالح مختاري/إرهاب الدولة الإسرائيلية

 

 

إرهاب الدولة الإسرائيلية

تعد ظاهرة الإرهاب واحدة من أكثر ظواهر عالمنا ذيوعا وغموضا في الوقت نفسه، أما إنها ظاهرة ذائعة فلأن هناك مجموعة من العوامل يسرت إتيان الأعمال الإرهابية من قبل الأفراد والجماعات، وغلت في المقابل يدي الدولة في مواجهتهم، فإذا كانت الثورة الإتصالية والتكنولوجية ساعدت على التواصل بين الجماعات الإرهابية عبر الحدود، وسمحت بتسليط الضوء على أنشطتها وأهدافها، ومكنتها من الإنتفاع بثمار التطور العالمي في تنفيذ عملياتها، فإنها وبفعل تلك الآثار نفسها قد وضعت سيادة الدولة على المحط وأعادت تعريف أدوار الدولة ووظائفها في ما يتعلق بالحفاظ على الأمن القومي والقدرة على التغلغل وتحقيقي الاستقرار السياسي، وأما أنها ظاهرة غامضة فلأن هناك خلطا أكثره معتمد بين مفهوم الإرهاب ومفهوم المقاومة الوطنية المشروعة للاحتلال، ثم أن هناك عدد لا بأس به من المفاهيم التي تستخدم بالتبادل وبدون ضابط مع مفهوم الإرهاب: منها العنف ومنها التطرف ومنها العدوان، ولا يقتصر الغموض على تعريف مصطلح للإرهاب، لكنه يلحق بأطرافه وآلياته وردود الفعل التي يثيرها، فإذا كان الأصل في الدولة أن تقاوم الإرهاب، فلماذا عندما تصبح الدولة نفسها طرفا مخططا للإرهاب ومنظما وممارسا له؟

لقد نشرت مجلة السياسة الدولية في عددها الصادر أول يناير 1997 دراسى أعدها د. بطرس غالي الأمين العام السابق لمنظمة الأمم المتحدة، ضف فيها معوقات مكافحة الإرهاب إلى: تردد الحكومات في مواجهة الإرهاب لأسباب تتعلق بأمنها القومي، أو مواجهتها له بحسم مع تورطها أحيانا في انتهاك بعض حقوق الإنسان الأساسية، أو التزامها بتلك المواجهة لكن مع السماح بإيواء بعض الإرهابيين على أراضيها كلاجئين سياسين، وسكتت الدراسة عن ذكر إرهاب الدولة رغم كونه أهم تلك المعوقات كافة، طالما أن الدولة لا زالت تسيطر على الكثير من مصادر القوة المادية، بقول أخر، لقد تطرق د. غالي في دراسته إلى وضع تلتزم فيه الدولة بالرفض للظاهرة الإرهابية أو في القليل بالحياد تجاهها، لكنه لم يتناول وضعا تغدو فيه الدولة هي صانعة تلك الظاهرة ومنفذتها وعلى صعيد ثاني، إذا كان التعدي على أرواح المدنيين سواء كان مضمونا لظاهرة إرهابية أو لظواهر عنف وتطرف وعدوان، هو عمل يجرمه القانون الدولي، بين عمل وأخر؟ كيف نفهم موجات الإدانة الدولية العارمة لقنبلة تنفجر في أحد أسواق مدينة القدس، وعدم الاكتراث الدولي المريب للتعدي على حياة مدري المكتب السياسي لحركة حماس من عمان، ولا تفصل بين الواقعتين إلا أيام معدودات؟، وعلى صعيد ثالث، كيف تعمل أجهزة الإرهاب، وكيف تأتلف جهودها وتختلف؟ ولعل هذا السؤال الأخير هو الأصعب خاصة إذا ما كان يتعلق بإرهاب الدولة، تلك القضية قضية إرهاب الدولة عموما في تجلياتها الإسرائلية، خصوصا مثلت هاجسا شغلت به منظور حقوق الإنسان، وجاءت ندوة المنظمة العربية لحقوق الإنسان عن إرهاب الدولة في إسرائيل نموذجا لهذا الاهتمام، بلورت المنظمة تساؤلات المثارة حول الموضوع في عدة محاور رئيسية هي: مفهوم إرهاب الدولة، وجذور الإرهاب في الفكر الصهيوني، والأجهزة المنقذة للإرهاب الصهيوني، ومظاهر هذا الإرهاب طرحت المنظمة هذه المحاور للنقاش بين مجموعة من المفكرين يمثلون جيل الآباء، المعلمين وجيل الوسط ولكل منهما إسهامه المعتبر في مجال الصرع العربي الإسرائيلي، إلى الجيل الأول ينتمي د.صدقي الدجاني و د. هيثم الكيلاني ود. عبد الوهاب المسيري، و د. محجوب عمر والسفير طاهر شاش وإلى الجيل الثاني ينتمي د. وحيد عبد المجيد وعلى الرغم من صعوبة الإحاطة بكل إنتاج هذه الكوكبة في ماله صلة ببعض جوانب موضوع الندوة، إلا أنه يمكن الإشارة على سبيل المثال إلى كتب ولا للحل العنصر، والانتفاضة و مستقبل الصراع العربي- الصهيوني وبداية الصحوة العربية في مواجهة الغزو الصهيوني للدكتور  صدقي الدجاني.

وكتب المذهب العسكري- الإسرائيلي والجديد في المذهب العسكري الإسرائيلي والإستراتيجيات العسكرية للحروب العربية الإسرائيلي والإرهاب يؤسس جولة: نموذج إسرائيل للدكتور هيثم الكيلاني والكتاب الأخير هو أحدث أعماله وصدر في 1997 وكتب الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ. ومن هو اليهودي وإشكالية التحيز وموسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، والصهيونية من هرتزل إلى نتانياهو للدكتور المسيري وعملاه الأخيران تحت الطبع، كما أن موسوعة الجامعة وهي عمل ضخم لكل المقاييس تقع في ثمانية أجزاء كاملة وكتاب التطرف الإسرائيلي: جذوره وحصاده للسفير طاهر شاشن وقد صدر الكتاب بدوره قبل بضعة أشهر، وكتابي اعترافات القتلة بين مذابح الأسرى المصريين في سيناء وحوار في ظل البنادق: الصراع الطبقي في التجمع الصهيوني، للدكتور محجوب عمر، وإرهاب القضية الفلسطينية من الكفاح المسلح إلى غزة وأريحا للدكتور وحيد عبد المجيد.

استهلت الندوة بكلمة الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، ركزت كلمة الأستاذ محمد فائق على مجموعة أساسية من النقاط، إحداها أن قضية إرهاب الدولة في إسرائيل تنطوي على محاولة لتزييف الوعي في إرجاء الخلط بين معنى الإرهاب والمقاومة الفلسطينية للاحتلال، بحيث يغدو الإرهاب المنظم من قتل وقمع وترويع واستيطان عملا من إعمال القانون، فيما تعدو المقاومة الوطنية للاحتلال والمقرة دوليا هي الإرهاب بعينه، ولا تقتصر خطورة هذا الخلط على أنه يتم بمباركة من القطب الأعظم ومناصرته وهو الحامي لحمى حقوق الإنسان على مستوى العالم، لكنها ترتبط وبالأساس بالتشكيك في قناعنا الراسخة، بحيث تستدرج نحن العرب إلى الاعتذار عن كفاحنا الوطني من أجل مقاومة المحتل الغاصب لأراضينا، بل ونصف هذا الكفاح بالإرهاب، بل ونتعهد بنبذه، بل ونعمل على ضرب بنيته التحتية وتفكيكها، ننساق تحت العرب وراء محاولة تزييف وعينا فنسمي الإرهاب قانونا، وما أكثر من توظف إسرائيل القانون لتبرر تعدياتها المتكررة على حقوق الإنسان، فكل شيء في إسرائيل بالقانون: التعذيب بالقانون، وهدم المنازل بالقانون، وترحيل المواطنين بالقانون، ومحكمة العدل العليا الإسرائيلية جاهزة دوما للتصديق على قرارات الحكومة الإسرائيلية، وتأكيد صفتها القانونية، وترسيخ قناعتنا بصفتها تلك.

والنقطة الثانية أن الذين يرفضون إرهاب الدولة في إسرائيل ويتصدون لمحاولة تزييف وعيهم وتلبيس الحث بالباطل، عليهم أن يدفعوا ثمنا باهظا لموقفهم وفي تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي نماذج لكل تلك الأساليب، ومن اغتيال الوسيط الدولي لا كونت برنادوت إلى الإطاحة بالأمين العام الأسبق د. بطري غالي، إلى عزل الفيلسوف الفرنسي النابة روجيه جارودي، والقائمة تطول، فنحن أمام آلة نشطة للإرهاب لا تتورع عن ارتكاب أي شيء في سبيل تحقيق أهدافها يدعمها جهاز إعلامي قوي وعمق جولي فعال وتآكل في الإدارة العربية.

والنقطة الثالثة، أن أذرع إرهاب الدولة في إسرائيل ليست بالصورة التي يبثها الإعلام العالمي، إذ يحفل تاريخ هذا الإرهاب بأخطاء جسيمة بحجم جسامة الجرائم التي ترتكب من فضيحة لافون في مصر، إلى فضيحة ليهامر التي استهدفت قتل القائد الفلسطيني على حسن سلامة في النرويج، إلى فضيحة خالد مشعل في عمان، ومؤدي هذا أننا قادرون على مكافحة الإرهاب الصهيوني، لكن قدرتنا مرهونة بما نمتلك من إرادة.

النقطة الأخيرة أننا كعرب وإن كنا دعاة سلام وتملأنا الرغبة في حل المشكلات بالوسائل السلمية، لكن السلام يرتبط في أذهاننا بمنظومة حقوقية متكاملة تبدأ من حق تقرير المصير، وحق عودة الشعب الفلسطيني إلى وطنه، وحقه في السيادة على أرضه وثروته، والحب في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكل الأراضي العربية المحتلة وفيما يلي بعضا من محاور الندوة.

Voir les commentaires

كتاب حروب امريكا اسرائيل وبريطانيا على العراق /المؤلف صالح مختاري/ سي اي ي وراء اقدام الكويت في زيادة انتاجها

 

CIA ورأء إقدام الكويت في زيادة
إنتاجها النفطي لزعزعة العراق

 

إن حقيقة المؤامرة على العراق، وحقيقة العدوان الوحشي الذي قادته أمريكا، وجيشت له معظم دول العالم، وانتزعت له غطاء عربيا. والمخطط الأنكلوسكسرني –الصهيوني، في إطار استراتيجية الخاصة بالوطن العربي.

فالمسألة المحورية، التي كانت تهدف لتحرير الكويت هي مجرد حجة، فيها ظهرت الحقيقة مباشرة بعد توقف العدوان العسكري، مثلما ظهرت حقائق الادعاءات والأكاذيب والقصص المحبوكة.

المعروف والمؤكد أن احتلال الوطن العربي واستعماره، وتجزئته، لك يكن يهدف السيطرة الاقتصادية عليه وحسب أو كما يحكي عن لغة المصالح –كأساس. وإنما هناك أهداف أخرى، نلمسها بوضوح، كإرث صراع حضاري طويل، ونوع من تصفية الحسابات، وكأنها إعداد للحروب الصليبية، باعتبار أن الوطن العربي ليس مجرد منطقة استراتيجية هي الأهم في الكرة الأرضية وحسب، أو لكونه يقوم على بحر من النفط، يقدر المكتشف منها بنو 62% من الاحتياطي العالمي فقط. ويمتد على رقعة جغرافية واسعة تتجاوز مساحتها 14 مليون كم2 . تشكل سوقا كبيرا لتصريف المنتجات الغربية. بل، وأساسا، لأنه موطن أمة حضارية، مساحة بتاريخ مقاوم، وايديولوجيا انسانية –كونية، تمكنه من لعب دور هام في أي ظرف مناسب، وتقديم بديل حضاري زاوج ماضي بتراثه وحذوره، مع الانفتاح على العصر ومنجزاته العلمية. وبتأثيرات كبيرة تمتد إلى العالم الإسلامي.

هذه العوامل الموضوعية تساعدنا في فهم المخططات المبينة التي فرضت على الأمة العربية، والتي استلزمت من القوى والنظم التي تصدت لها جهود مضاعفة. فناخ بعضها، واستسلم آخرون وبقيت قلة تحاول الصمود بالاستناد إلى عوامل الصمود الفعلية الأمر الذي دفع الصراع إلى مستويات عالية من الاحتدام.

وبشكل عام، وبتراكم العوامل الذاتية والموضوعية، الداخلية والخارجية، وعلى قاعدة استنزاف النظم الوطنية في مصر وسورية، وإلحاق الهزيمة الساحقة بهما في حرب جوان 1967. وما نجم عنها من آثار لازلنا تحصد نتائجها حتى الآن، ثم الوفاة الفجائية للزعيم جمال عبد الناصر وهو يحاول إيقاف مجازر أليول في الأردن ضد الثورة الفلسطينية، ووصول عدد من القوى الحاكمة إلى مأزقها الشمولي. فتح الباب واسعا أمام مرحلة جديدة، اتسمت بالتراجع والارتداد عن النهج الوطني –القومي السابق خصوص في المشرق العربي، وعن مشروعات التنمية والتحرر والتحولات الاقتصادية –الاجتماعية.

وبالتالي فإن القلاع والمناطق التي لم يغمرها فيضان التسوية، ولم تبتلعها تلك الأمواج الصاخبة، كالجزائر والعراق وليبيا واليمن الجنوبي آنذاك، كان عليها أن تواجه أعباء إضافية، للحفاظ على خطها ونهجها. فجاءت الحرب العراقية –الإيرانية لإغراق البلدين بها، وارتحل الزعيم هواري بومدين في ظروف مرضية تطرح العديد من الأسئلة، وتفاقم الصراع داخل الحزب الاشتراكي الحاكم في اليمن الذي وصل حد الاقتتال الدامي، بينما لم يكن بمقدور ليبيا لأسباب كثيرة أن تقوم بدوره.

لكن العراق، أحدث المفاجأة بتلك الحصيلة التي جئنا على ذكرها. فهل يترك العراق حرا لممارسة دوره المتناسب مع موقعه وخطه وتطوره النوعي؟ وهو المسلح بإيديولوجيا قومية تعتبر فلسطين محور ومركز النضال العربي وترفض التنازل على أي شبر فيها، أو الاعتراف باغتصاب العدو الصهيوني لها؟

وما أن حطت الحرب العراقية –الإيرانية أوزارها أوت 1988. واكتشف الغرب التطور العراقي الذي حدث. حتى بدأت الآلة الاعلامية الغربية بضخ فيض من المعلومات المتلاحقة عن هذا الخطر القادم. وطعمت تلك المعلومات بقصص مضخمة عن الانتاج الحربي العراقي، خاصة في الأسلحة الاستراتيجية. علما أن الدول الغربية كانت تعرف الكثير عن السلاح العراقي باعتبارها موردا رئيسيا له، خاصة في التكنولوجيا المتطورة.

وتصاعدت هذه الحملة مع مطلع عام 1990. عبر تركيز على التهديد الذي يشكله العراق على المصالح الغربية، وبدأ سيل المعلومات عن مخزون العراق من الأسلحة الكمياوية، وعن تطويره لتلك الأسلحة التي يمكن استخدامها بواسطة المدفعية والصواريخ والطائرات، وطرحت أرقام عن وجود 46000 رأس كيمياوي يملكها العراق، وعن مخزون كبير منها، إضافة إلى التركيز على مشروع العراق في مجال الطاقة النووية، والبحوث البيولوجية.

ثم تصاعدت وتيرة الحملات الاعلامية بإقدام كل من بريطانيا وأمريكا وإسرائيل على اتخاذ حملة من الإجراءات المعادية للعراق ورد العراق في سلسلة من خطابات وأحاديث الرئيس صدام حسين، والتي جمعت بكتاب من الحجم المتوسط يحمل عنوانا ملفتا هو التصدي، ويتضمن عددا من تلك الخطابات والتدخلات، تمركزت معظمها حول المحاور التالية:

1-التركيز الواضح على القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المحورية للنضال العربي والتي لا يمكن للعراق وللعرب التنازل عنها، أو التفريط بشبر منها، والدعوة إلى إعداد العدة لمواجهة العدو.

2-اعتبار قوة العراق قوة للعرب. مع إعلان الاستعداد للدفاع عن أي قطر عربي إذا ما تعرض لأي عدوان وتهديد اسرائيل بحرق نصفها إذا ما فكرت بالاعتداء على العراق أو على أي قطر عربي.

3-تجديد العدو الرئيسي في المرحلة، والمتمثل بالسياسة الأمريكية، وانحيازها المطلق لإسرائيل. ورفض العراق الخضوع لأية قوة خارجية. كبيرة أم صغيرة، وانذاره تلك القوى بأنه سيعدم أي جاسوس لها في العراق، ومطالبتها بإخراج عملائها من العراق، واحترام سيادته واختياراته.

4-التأكيد على ثروات الوطن العربي ملك للأمة العربية، وليس لمجموعة أفراد أو حكام وأن من حق الشعب العربي، أيا كان القطر الذي يعيش فيه، لاستفادة من ثروة الأمة التي يجب أن توجه لخدمتها وتنميتها، وليس لتجميعها في الأرصدة الخارجية من قبل عدد من الأفراد.

5-على الهجومات الإعلامية الغربية على العراق. وتوضيح أهدافها. واستهدافها للعراق كونه جزء من أمة تطالب بأن يكون لها موقعها، وأن توضع كافة حقوقها على الطاولة.

ومع تصاعد حدة الحملات الغربية على العراق. ثم اتخاذ عدد من الاجراءات ضده، كانت القناعة لديه، ولدى معظم المحللين. أن هناك شيئا ما يحاك ضد العراق في الدوائر الأمريكية –الصهيونية –البريطانية، وأن ما يحاك لن يتوقف على حملات التشويه والتضخيم والاستفزاز والتحريض، ولن يقتصر على عدد من اجراءات الحصار والمقاطعة الاقتصادية، بل لابد من أن يتطور إلى فعل ملموس داخل المنطقة. الأمر الذي دفع العراق إلى إطلاق مجموعة من التحذيرات المتلاحقة، استهدفت اسرائيل بالدرجة الأساس، وأمريكا ثانيا، وبأن العراق لن يسكت على أي محاولة عدوانية ضدها، وسيرد عليها بكل ما يملك من أسلحة.

وأعلن الرئيس العراقي. أنه أعطى الأوامر لجميع قيادات الجيش بأن ترد مباشرة، ودونما حاجة إلى قرار مركزي عند تعرض العراق لأي عدوان. حتى وأن كان عدوانا نوويا، وأن توجه القوات العراقية ضرباتها باتجاه فلسطين المحتلة، بما يملكه العراق من سلاح، بما في ذلك الكيمياوي المزدوج.

كان ذلك في لغة السياسة، تحذيرا، ودرء لعوان متوقع، ولم يكن يعني وجود نية لدى القيادة العراقية بشن حرب ما ضد أي جهة.

ولم يكن النزاع مع الكويت حول مجموعة من القضايا قد ظهر إلى السطح. وإن كانت بوادره قد لاحت عبر تضايق العراق من انخفاض أسعار النفط، والخسائر التي لحقت به جراء ذلك، وقناعته أن هذا الانخفاض لا يعود إلى عوامل طبيعية العرض والطلب بقدر ما يربط بخطوات متعمدة، قصد إضعاف العراق، وتصعيد أوضاعه.

ثم ظهر انزعاج العراق علنيا. حينما أنذر الرئيس العراقي من يتلاعب بمصير العراق، وبشن الحرب الاقتصادية عليه. فقد كانت محاولات السعودية لتسوية النزاع والوصول إلى اتفاق الطرفين، بعد أن تعهدت هي بدفع 1 مليار دولار التي كانت موضوع خلاف كما بدا وفوجئ الطرفان: العراقي والسعودي باشتراط كويتي لم يكن مطروحا على جدول الأعمال، وهو ترسيم الحدود. الأمر الذي أثار حفيظة رئيس الوفد العراقي /عزت إبراهيم/ نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، واعتبر هذا الشرط الذي جاء في آخر بمثابة أثناء تفويض للاتفاق، ويخفي أمرا ميتا، كانت القيادة العراقية قد أشارت إليه عدة مرات، وهو ضلوع حكام الكويت في المؤامرة على العراق، وقيامهم بتنفيذ مهام أو كبت اليهم من الإدارة الأمريكية.

وفي فترة لاحقة، وبعد دخول العراق إلى الكويت، واستيلائه على الوثائق. نشرت المصادر العراقية وثيقتين هامتين حول هذا الأمر نوجزهما فيما يلي:

الوثيقة الأولى: نشرها العراق بتاريخ 30/10/1990 وهي محررة بتاريخ 22/10/1989 أي قبل نحو عشرة أشهر من دخول العراق إلى الكويت موقعة من قبل العميد فهد –مدير المخابرات الكوتية، وموجهة إلى وزير الداخلية يقول فيها، أنه زار وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، والتقى مع مديرها وليم وسبتر يوم 14 نوفمبر 1989، واتفق معه على تبادل المعلومات حول إيران والعراق في مجال التسليح والبنية الاجتماعية والسياسية، والاستعانة بخبراء من السي-آي-آي لوضع استراتيجية للعمل.

وكانت الفقرة الخامسة –أخطر ما في هذه الوثيقة، حيث نصت بالحرف:اتفقنا مع الجانب الأمريكي على أهمية الاستفادة من الوضع الاقتصادي المتدهور في العراق، للضغط على حكومة للعمل على ترسيم الحدود معها، وقد زودتنا وكالة المخابرات المركزية بتصورها حول طرق الضغط المناسبة. بحيث يبدأ التعاون الواسع بيننا وبينهم، على شرط أن يكون تنسيق هذه الفعاليات على مستوى عال.

والوثيقة الثانية: نشرها العراق في جانفي 1991، وهي محررة بخط يد السفير أحمد ابراهيم، سفير الكويت لدى المجموعة الأوروبية في بروكسل، موقعة منه، ومختومة بخاتم السفارة، وموجهة إلى وكيل وزارة الخارجية الكويتي، ومؤرخه بتاريخ 31 جويلية 1990 تقول ما يلي:

التقيت في نفس اليوم بعد خروجي من مكتب السيد ماتوتس، بالسيد ماكوين الذي يقوم بجولة أوروبية للبحث في وضع ترتيبات، لمقترحات سمو أمير البلاد المفدى المرسلة إلى الإدارة الأمريكية بتاريخ 26 جويلية 1990، وأثناء تباحثي مع السيد ماكوين تلمست الأمور التالية:

1-أن أساليب الضغط التي اقترحها سمر الأمير المفدى بما فيها السعي الأمريكي والغربي لتدمير الأسلحة العراقية المتطورة وجد حماسا لدى الولايات المتحدة لأنه أول طلب عربي بهذا الخصوص.

2-تختلف الإدارة الأمريكية في النقطة الثانية مما ورد في رسالة أمير البلاد المفدى، التي يعتقد فيها بأن الضغوط الاقتصادية لا تكفي لوحدها في توقيف الصناعة العسكرية المتطورة، حيث تعتقد الولايات المتحدة بإمكان هذه الضغوط أن تؤثر في نمو الصناعات العسكرية العراقية، إذا لعب كل من مصر والسعودية الدور المتفق عليه.

3-أن الكويت مطالبة بأن تلعب دورا أكبر في مضايقة إيران، وأن هناك ايضاحات محددة في هذا الشأن ستصل إلينا عبر قوات خاصة من الولايات المتحدة بهذا الخصوص.

4-أن الولايات المتحدة اتفقت على ما يبدو مع الرئيس المصري حسني مبارك على ممارسة ضغوط على العراق من خلال مجلس التعاون العربي، لايقاف أي تعاون أو تأييد لبغداد إذا ما فكرت في استخدام القوة ضد بلدنا العزيز. .     

وهنا نرجع إلى عام 1922 عندما عقد مؤتمر العقير بالسعودية لتجديد الحدود بين العراق والسعودية والكويت باشراف بريطانيا التي كانت تسيطر على الكويت والعراق وتملك نفوذا قويا على آل سعود في السعودية، ولم يتم الاتفاق على تعيين الحدود. وفي عام 1938. حددت وزارة الخارجية العراقية مطالبها باستعادة الكويت. غير أن بريطانيا لم تسمح للملك غازي باستعادة الكويت إلى العراق.

ومع اكتشاف النفط ازدادت أهمية المنطقة بالنسبة لبريطانيا فقامت على الفور بوضع مجموعة هذه المناطق تحت اشرافها، فاعتبرت إمارات الخليج العربي محميات خاضعة مباشرة لبريطانيا، بينما فرضت على حاكم الكويت اتفاقية شاملة، تضع الكويت تحت النفوذ البريطاني بشكل كامل، وتمنع عليها الاتصال بأي دولة أخرى، أو إقامة علاقات مع أي جهة إلا عبر بريطانيا، وذلك كتوصل الاتفاقية عام 1999. حتى إذا ما جاء عام 1911. قامت بريطانيا بإعلان الكويت محمية من محمياتها.

هذه الكومة التاريخية المركبة أدت إلى اعتماد هذه الدولة على الغير الأجنبي في تأسيسها واستمرارها وحمايتها خاصة في المنعطفات الهامة حين كان يواجهها أي خطر. فكانت تسرع إلى طلب تدخل القوى الأجنبية. كما حصل عندما حاول الملك غازي إعادتها إلى العراق، وعندما جدد المحاولة عبد الكريم بلقاسم عام 1961. فدخلت بريطانيا بقواتها العسكرية واحتلت الكويت. مما دفع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر للتحرك بقوة لاخراج الانكليز، وإرسال قوات عربية معظمها مصرية إلى الكويت وقبول الكويت كدولة مستقلة في جامعة الدول العربية، ومنع قاسم من إعادتها إلى العراق، في إطار تدخل الجامعة العربية.

ومقابل هذه الحماية. كان حكام الكويت ينفذون ما يطلب منهم من قبل بريطانيا حيث لا شيء بدون ثمن. وهكذا مثلا وقع صباح جابر الصباح –كحاكم الكويت- على اتفاقية سرية مع بريطانيا وعندما توفي عام 1915 وحل محله ابنه جابر المبارك أرسل للسيد بركس المندوب البريطاني برقية يقول له فيها: "إن شاء الله تشاهدون الطاعة والإخلاص. وأننا بسلامتكم مستعدين إلى جميع خدمتكم نلتمس وقوع أنظاركم". 

وفي عام 1921 أرسل أحمد الجابر الصباح إلى المورد ريدن –نائب الملك في الهند رسالة جاء فيها: إني انشاء الله مخلصا قولا وفعلا نحو الحكومة البريطانية، وباذل جهدي واجتهادي لمحافظة حقوق الصداقة القديمة التي هي أساس كل خير لنا ومتمسكا بقرار تلك الصداقة ما دمت على قيد الحياة. ونهاية آمالي أن تكون خدماتي فائقة على أسلافي.                                                                                                                                                                                                                                            

وعندما زحفت بريطانيا عام 1917 لاحتلالها. هنأها سالم المبارك الصباح في برقية جاء فيها: سعادة الحاكم السياسي بالعراق السيد بيرسي كوكس المفخم بشرتنا الأخبار بتقدم الجيوش البريطانية بالعراق فصرنا جدا مسرورين ومستبشرين بهذه الموفقية السارة فإني من صميم القلب أقدم لسعادتكم فائق التهاني والتبريك داعيا لكم بدوام العز والتوفيق. إنه التاريخ يعيد نفسه. وما أشبه اليوم بالبارحة.

2-وعند اكتشاف النفط. تبين أن الكويت تقوم على بحيرة منه. الأمر الذي كان يدفع حكامها للاستنثار بهذه الثورة وجدهم دون أشقائهم في العراق أو في الوطن العربي. ولذلك وحفاظا على ثورتهم كانوا مستعدين عند أول هبة ريح لاستنجاد بحماتهم.

ونعرف أن العراق نشر وثائق –لم يستطع حكام الكويت تكذيبها- عن الأرصدة العامة والخاصة. حيث بلغت استمارات الكويت كبلد في الخارج نحو 300 مليار دولار، موجودة كلها في البنوك الغربية.

بينما كان رصيد أمير الكويت عام 1990 60 مليار دولار كحساب خاص، وبلغ مجموع رصيد العائلة الحاكمة نحو 400 مليار دولار. ولنا أن تصور ماذا تفعل هذه المبالغ لو وضعت تحت تصرف الأمة العربية أو لو أنفق جزء منها لصالح الشعب العربي.

في حين أن تعداد سكان الكويت يصل الـ900 ألف نسمة. فكيف يمكن أن يتخيل المرء رصيد حاكم يبلغ المليارات بينما ملايين العرب والمسلمين يتذمرون جوعا، وحرمانا.

3-جميع العراقيين شعبا وحكام يؤمنون بأن الكويت هي جزء من العراق، سببت منه بقوة بريطانيا آنذاك وأنها يجب أن تعود إلى الأم. في الوقت المناسب.

ورغم اختلاف النظم في العراق، فقد ظلت هذه القضية حية فيها، وفي أعماق الشعب العراقي، وكما ذكرنا فقد حاولت جميع العهود: الممكنة والجمهورية المطالبة بها، والعمل على إرجاعها، من محاولة الملك غازي، إلى محاولة عبد الكريم قاسم إلى محاولة الحكم الحالي عام 1973. وأخيرا ما جرى عام 1990.

ولمواجهة المطالب العراقية –التي لم تنقطع- كان حكام الكويت أكثر الجهات مصلحة وفائدة في وجود عراق ضعيف، عاجز عن النهوض. خوفا من أن يؤدي هذا النهوض إلى إعادة الكويت. ولذلك لم يتوانوا –حيثما استصاغوا- المشاركة في إضعاف العراق والتآمر عليه.

ولأن قواهم لا تسمح لهم بقيادة عمل مباشر ضد العراق. فقد لجأ إلى الغير الأجنبي، وإلى السعودية ومصر أحيانا، مكثفين بالدور الذي يرسم لهم. وهو دور تخريبي تآمري.

هكذا نرى أهمية إدانة الحرب العراقية- الإيرانية إلى أطول مدة ممكنة، وصب الزيت على نارها، حيث أن استمرارها يصب في خدمة بقاء حكام الكويت. بعد أن ينهك العراق، ولهذا فإن ما يقال عن دعم الكويت للعراق في حرية ضد إيران يجب أن نراه من هذا المنظور.

ويمكننا أن نقرأ دور حكام الكويت في التآمر على العراق –بعد انتهاء الحرب العراقية –الإيرانية- ليس من خلال الوثائق المنشورة، وتلك التي لم نطلع عليها وحسب، بل في كل الذي جرى للعراق منذ سنوات، والذي لا يمكن تفسيره بـانتقام حكام الكويت من العراق احتل بلدهم، بل لما يمثله العراق من خطر عليهم.                                               

 

Voir les commentaires

كتاب حروب امريكا اسرائيل وبريطانيا على العراق /المؤلف صالح مختاري/الأحداث الداخلية في العراق أثناء حرب الخلي

الأحداث الداخلية في العراق أثناء حرب الخليج

بينما كانت الحرب البرية في بدايتها، وهي الحرب التي انتظرها العراق، والشعب العربي. لأنها المواجهة المباشرة. وليست تلك الحرب الجبانة عن بعد. وفيها تثبت معادن الرجال. ويظهر تفوق الإنسان بأقوى صورة. حين يقف الطيران عن القصف. وحين يثبت الجيش العراقي كفاءته، ويبرهن عن قدراته، وخبراته القتالية الطويلة.

وإذا –بالمفاجأة الأخرى- الأكثر خطورة. باعتبارها حدثا داخليا تسلل في جنح الظلام، وفي غمار انشغال القيادة العراقية بأحداث. فنفذت المؤامرة المعدة من فجوات، وسلبيات متعددة. ويظل وضع حرج جدا. انفجرت حالة تمردية قوي بدأت في الشمال، وسرعان ما امتدت –بتوقيت متفق عليه في الجنوب. ثم في مدن ومحافظات متتالية. حتى شملت 14 محافظة من بين محافظات العراق الثنانية عشر. فكانت خنجرا قويا غرس في ظهر القيادة العراقية. ودفعها إلى الموافقة على وقف إطلاق النار.

القيادة العراقية تسميها "صفحة الغدر والخيانة" كتوصيف لعملية خارجية مدبرة وممولة، ومنظمة من جهات خارجية متعددة وتطبق صفة الغدر عليها لأنها تمت في جنح الظلام. من قبل إيران. التي تمكنت، وباسم مساعدة العراق من إدخال عدة آلاف يقال نحو خمسة آلاف من الحرس الثوري المدرب، ومن أعضاء حرب الدعوة المدربين جيدا، والمقيمين بإيران. باسم قيادة ومرفقة قوافل التمويل التي أرسلتها للعراق. وعندما وصلوا للجنوب وأشعلوا نار الفتنة، وبدؤوا عمليات تخريب لمخازن الأغذية، ولعدد من المنشآت. ولكل ما طالته أيديهم. وإعدام وتصفية وأسر عدد كبير من قيادات الحرب، ومن الحزبين أو المتعاطفين مع القيادة. وأقاموا محاكمتهم ومشاتقهم. وأنهم بنوا جوا من الرعب والفوضى.  ثم انتقلت الأحداث إلى مدن أخرى. لكن ليس بهذا المستوى والحجم.

أما الشمال. فكانت خطة أطراف التحالف وإسرائيل جاهزة لتحريك الأكراد، وادخال أعداد كبيرة من الهاربين. من سورية وتركيا. وتزويدهم بالسلاح والمال والدعم. لإعلان حركة تمرد. تحميها قوات التحالف. وتوجهها نحو الهدف المعد.

المعارضة العراقية فقد اعتبرت ما جرى انتفاضة شعبية عارمة [عفوية]. تمت بقيادتها وتوجيهها. بهدف التخلص من النظام الديكتاتوري –الفاشي-القمعي. وإقامة النظام الديمقراطي البديل. وأنها أي الانتفاضة، كانت ردا على سنوات القمع والتنكيل بالمعارضة والجماهير وعلى مغامرات النظام التي جرت على العراق الدمار والويلات. في سلسلة طويلة من الأوصاف والاتهامات. التي تطفح بها بياناتها.

كما أنها، وهذا غريب، تحمل أمريكا مسؤولية قمع الانتفاضة، ومسؤولية عدم الإطاحة بالنظام من خلال تواطؤها معه حيث سمحت له باستخدام الطائرات المروحية للقضاء عليها.

ومن الواضح، وقد مضت سنوات على تلك الأحداث، أن السياق واحد وأن نهج جل أطراف المعارضة العراقية لم يتغير بل ازداد سوءا وتبعية، وهو نهج مشبوه، رهن تلك المعارضة، مثلما يراهن على مصير العراق لصالح القوى المعادية للعراق والأمة العربية، والإسلامية.

ولنقترب من الحقيقة. يجب استيعاب الظروف التي كان يعيشها العراق آنذاك، وهي أقسى ظروف يمكن أن يعرفها بلد في العالم. فالحرب التدميرية الشاملة كان قد مضى عليها قرابة الأربعين يوما، لم تتوقف فيها عمليات القصف الوحشي ليلا أو نهارا. وتناولت جميع مظاهر الحياة والخدمات. فشلت أو توقفت كافة وسائل الاتصال، كالهاتف والبريد والبرق واللاسلكي وضربت، وتوقفت التلفزة. بينما تقطعت الإذاعة، وقطعت الكهرباء  والمياه، وانفجرت تمديدات الصرف الصحي. ولم تبق من وسيلة للاتصال بين المواطنين سوى الوسائل الشخصية، والبدائية. وكان المواطن مضطرا لسماع أجهزة الإعلام المعادية التي كانت تضخ السموم والأكاذيب من كل نوع وتضخم الأخبار، وتختلق الجديد يوميا، وتملأ الدنيا بشائعات مفبركة. وتنسج القصص عن الانهيار وهروب القيادة. والمعلومات عن هروب صدام حسين وعائلته وكافة أفراد أسرته تارة إلى الجزائر، وأخرى إلى موريتانيا، وثالثة عن طلبه اللجوء السياسي إلى هذا البلد أو ذاك، وعن شهود عيان. رأوه وهو يركب طائرته هاربا. وتركيز الأخبار على انهيار الجيش العراقي ووصول قوات التحالف إلى مشارف بغداد. إلى آخر منظومة الأكاذيب والشائعات الرهيبة التي انتشرت بقوة أجهزة إعلامهم وتعددها، وبواقع غياب، أو شبه غياب الإعلام العراقي. الذي بات عاجزا عن مواجهة هذه الحرب الاعلامية القذرة.

وبالتوافق مع هذه الأجواء الرهيبة. كانت طائرات المعتدين تلقي يوميا بمئات الآلاف من البيانات والمنشورات التحريضية، والكاذبة، والتي تدعو إلى التمرد على قيادته، كما تدعو القوات المسلحة إلى الاستسلام، وتسليم أسلحتها للمعتدي. أو القاء السلاح. وأن النظام قد انتهى، ويكاد أن يسقط والقيادة هربت. إلى آخر تلك البيانات البيانات التي ثبت اليأس والفوضى والهلع والبلبلة في نفوس المواطنين وقد اعترفوا بأنهم ألقوا نحو 10 مليون نسخة من مناشيرهم.

وتزامن كل هذا، وبتوقيت مرتب، مع ادخال العديد من العناصر المناوئة للنظام في الشمال والجنوب، للقيام بعمليات تخريبية وتدميرية، وعمليات قتل وتصفية لإطارات الحرب والنظام ومؤيديه. ودعوة المواطنين إلى الثورة. عبر احتلالهم لبعض المراكز والمواقع. مما دفع بعض أبناء الشعب في الجنوب للاشتراك في حركة التمرد. ولأسباب مختلفة.

أما الشمال فوضعه مختلف، نتيجة لعوامل تاريخية، وخصوصية المسألة الكردية، ووجود قوى كردية مسلحة، وتلقى الدعم والتدريب من عدة جهات عربية واقليمية وعالمية، كما أن لها تأثيرها في الوسط الكردي، مثلما لها برنامجها. ومشروعها الذي حاولت أن تذهب به إلى حدود إعلان استقلال كردستان، العراق. كمقدمة لإقامة دولة موحدة للأكراد الموزعين في تركيا وإيران والعراق، وجزء من سوريا.

وكانت تلك الأحزاب قد أقامت اتصالات متعددة منذ وقت طويل، وعبر كافة مراحل الصراع، مع مجموعة واسعة من الدول المعادية للعراق، بدءا من العلاقات القوية للحزب الوطني الكردستاني، بقيادة جلال الطلباني، مع النظام السوري، والإيراني، ووصولا إلى أمريكا وبريطانيا وعدد من الدول الغربية، وتركيا مرورا بالعلاقات المتميزة بـإسرائيل، والتي قامت منذ الستينات مع معظم القيادات الكردية. لأهداف معروفة. وبالتالي. دفعت هذه القوى لإعلان التمرد بالشمال. بتوقيت مع الوسط والجنوب. واضطرارا لقيادة العراقية لتوجيه جزء هام من قواتها نحو المناطق لعرض سيادة الدول عليها.

ومما لا شك فيه، أن فئات عرقية متعددة كانت تنتظر فرصة ضعف أو انشغال النظام للتعبير عما في داخلها من تراكمات، وردود فعل، ومخزون على ممارسات السلطة السياسية وأجهزتها، وغياب الحياة الديموقراطية، وسيطرة الحزب الواحد، والأجهزة على جميع مجالات الحياة. وحتى تفاصيلها.

وقد جاءت الفرصة سانحة. لكن القرار، ومهما كانت دوافع البعض كان مشبوه الخلفية والمقصد، ويصب مباشرة في طاحونة الأعداء الذين يشنون الحرب العدوانية على البلد برمته. في وقت يفترض فيه من الجميع. ومن كافة دعاة الوطنية والديمقراطية والسلام. أن يدافعوا عن بلدهم وحرمته وسيادته وترابه. وهو يواجه عدوا يرفض أن يكون عدو الجميع، بما فيهم المعارضة يستهدف العراق كعراق، والأمة والمصير العربي.

Voir les commentaires

كتاب حروب امريكا اسرائيل وبريطانيا على العراق /المؤلف صالح مختاري/علاقة لجان التفتيش الأممية ورئيسها بيدلز

 

 

علاقة لجان التفتيش الأممية ورئيسها بيدلز
بالموساد الإسرائيلي M16 وCIA

 

اتضح منذ البداية مهام لجان التفتيش لا تقتصر على ماهو محدد في القرار الجائر 687 وحسب، بل تتعداه إلى أمور أخرى، ترتبط باستفزاز العراق وإثارته عبر الشروط التعجيزية المتلاحقة، ومن خلال أسلوب التعامل مع الوثائق التي تحصلت عليها، وطلب الجديد، كما ترتبط بخلفية حاقدة، صهيونية –غربية، كانت سمة بارزة للعديد من هؤلاء المفتشين، وتتضح في شروطهم، واستهتارهم، وسخريتهم، وعبر التلاعب بمقدرات شعب ودولة.

لكن المهمة الأكبر والأخطر. هي المهمة التجسسية لصالح دول أجنبية عديدة، بما فيها الكيان الصهيوني. وهي مهمة انكشفت للجميع بعد أن فضح /سكوت ريتر/ العديد من المعلومات التي نشرها في الصحافة الأمريكية. وبدا ما كان يتهم به العراق أنه تهويل وافتراء وتلفيق لمنع عمل المفتشين كما كانت يطرح العديد من النظام العربية وخدامهم من المثقفين والإعلاميين هو عين الحقيقة، وأن العراق رصد منذ البداية، وبعين فاحصة، الأعمال المشبوهة لعدد من المفتشين، وحدد أسماءهم، والمواقع التي تسربوا إليها، وعددا من الممارسات المثيرة للشبهة. وأبلغ مجلس الأمن بعدد من الحالات الموثقة.

إن تركيبة اللجنة بحد ذاتها تثير الشك والانتباه. فثقلها الأكبر أكثر من النصف هم من الأمريكيين، وبين هؤلاء عدد من الأسماء اليهودية، وعدد إضافي آخر من بريطانيا، وبالتالي هذه التركيبة تجعل لجان التفتيش خاضعة كليا لأمريكا وبريطانيا. المعروفتان سلفا بمواقفهما وأحقادهما اتجاه العراق. وبالتالي لا يمكن لهذه اللجنة أن تكون حيادية، أو مستقلة، وفوق ذلك، فرئيسها أسترالي أنكلوسكسوني حاقد ولئيم. وأثبتت الأحداث أنه مجرد عميل للاستخبارات الأمريكية، وأنه مكلف بمهام قذرة لا يحلّها أية شرعية أو قوانين أو أخلاق دولية. والأحداث اللاحقة أظهرت. كم كان دوره خطيرا، ومرتبطا بخطة أمريكية يعرفها. لضرب العراق في توقيت معين، وتحت حجة عدم التعاون مع لجان التفتيش. أو رفض العراق دخول موقع ثانوي في يوم الجمعة. وهو يوم عطلة رسمية.

وفي سلسلة المقالات التي نشرتها جريدة الجمهورية العراقية، والمطبوعة بكراس خاص، طباعة دار الجماهير للصحافة والنشر. مطلع عام 1999 بها معلومات كثيرة عن طبيعة التجسسية لتلك اللجان، مثلما نشرت وسائل الإعلام العالمية جزءا من تصريحات /سكوت ريتر/ واعترافاته بالمهام التجسسية للجان التفتيش.

في 26 أوت 1998 أعلن عن استقالة كبير المفتشين، الأمريكي سكوت ريتر، رئيس قسم ما يسمى بالإخفاء في اللجنة الخاصة وبطل كذبه المواقع الرئاسية. معللا استقالته بـعدم رضاه على سلوك الأمانة العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن. وعمليات إضعاف اللجنة الخاصة ومنعها من القيام بدورها بعد كل ما قامت به!!. وتسربت أنباء عن احتمال خضوع ريتر لاستجواب مكتب التحقيق الفدرالي. بسبب تسريبه المعلومات التي حصل عليها من العراق للكيان الصهيوني. [طبعا لم يتعرض لهذا الاستجواب. لأن الحال واحد بين أمريكا وإسرائيل].                                               

على العكس من ذلك استقبل بعد ذلك في مجلس الشيوخ كبطل قومي. وانهالت عليه الألقاب والثناءات، كيف لا، وقد قام بدوره المناط به على أفضل وجه. ليعلن في أوج هذا الترحيب أنه استقال احتجاجا على عدم شن الحرب ضد العراق عندما لا يمتثل لأوامر وطلبات لجان التفتيش.   

ثم أخذ يتحدث وينشر المعلومات الموثقة عما قام به، وغيره، من عمليات تجسسية ضد العراق، وعن صلة الارتباط والعمل المباشر بين إدارة اللجنة الخاصة وعناصرها المنفذة، وبين الحكومتين الأمريكية والبريطانية وأجهزتهما السياسية والاستخبارية، وجهاز المخابرات الصهيوني الموساد.

وتكشفت جوانب أكثر خطورة من تلقي رئيس اللجنة الخاصة ريتشارد بتلر التعليمات مباشرة من وزارتي الخارجية الأمريكية والبريطانية، حول جدول أعمال اللجنة الخاصة وفرقها التفتيشية. كما كشفت المصادر الأمريكية والصهيونية عن قيام إدارة اللجنة الخاصة بتزويد ضباط المخابرات المركزية السي-أي-إي العاملين في البعثة الأمريكية في الأمم المتحدة، بالمعلومات الخاصة عن العراق، وبقيام هذه الإدارة بتزويد الموساد بمعلومات مماثلة، وكشفت عن زيارة قام بها سكوت رتر إلى الكيان الصهيوني لبحث التعاون بين اللجنة الخاصة ومخابرات إسرائيل وتزويدها بما تحصل عليه اللجنة من معلومات عن العراق.

وكشف /ريتر/ أن معظم المعلومات التي تحصلت عليها اللجنة كانت تذهب إلى أجهزة المخابرات في أكثر من خمس دول، وأن رئيس اللجنة /باتلر/ كان على علم بذلك، ويقوم هو شخصيا باتصال بعض المعلومات إلى الجهات الأمنية الأمريكية.

طبعا احتج العراق بشدة على هذه الانتهاكات الصارخة والخطيرة للجنة الخاصة. والتي تخالف وظيفتها ومهامها المحدودة بأن لا يقوم موظفوها بالخضوع لأي ظرف آخر غير الأمم المتحدة.

هذه الفضيحة التي منيت بها أروقة الأمم المتحدة والعالم. كشفت للجميع حقيقة الدور الذي تقوم به اللجنة الخاصة، حيث وضعت جميع المعلومات أمام الأعضاء الدائمين، والأمين العام لهيئة الأمم المتحدة. الذي لم يستطع أن يحرك ساكنا.

كما أن هذه الفضيحة ليست الأولى أو الأخيرة، فقد سبق للعراق أنه نبه مرارا، منذ بدايات عمل لجان التفتيش عن النهج المشبوه للجنة الخاصة. فقد ثبت للسلطات العراقية قيام مفتش أمريكي، وآخر فني من التشيلي بالتجسس على بعض الجوانب العسكرية، وقد أثار مندوب العراق في الأمم المتحدة هذا الخرق مما اضطر اللجنة إلى سحبهما بتاريخ 08/10/1998 بالنسبة للأمريكي، و22/10/1998 بالنسبة للتشيلي.

وأعلن وزير خارجية العراق محمد سعيد الصحاف، في لجنة المجلس الوطني المنعقدة ببغداد بتاريخ 02/11/1998 عن أن إدارة اللجنة الخاصة سهلت دخول 04 ضباط من المخابرات الإسرائيلية بجوازات سفر مزورة وأسماء وهمية وبقبعات الأمم المتحدة وهم العقيد روبير حنحام خدوري من شعبة العراق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، والمقدم بسرائيل نسيم شحاي من شعبة الشؤون العربية في جهاز الموساد، والمقدم جدعون بينائيل شمشوني من جناح الصواريخ في الاستخبارات الإسرائيلية، والمقدم فريدمان يعقوب ريكس الخبير الذري في الاستخبارات الإسرائيلية، كما كشف وزير الخارجية عن قيام اللجنة الخاصة بادخال عناصر من جنسيات مختلفة إلى العراق تحت غطاء العمل في اللجنة الخاصة.

وفي هذا الإطار أيضا كشف السيد طارق عزيز نائب رئيس الوزراء العراقي –في رسالة بعث بها إلى السيد كوفي عنان- الأمين العام للأمم المتحدة في 16/10/1998 عن بعض الممارسات التجسسية التي تقوم بها فرق اللجنة الخاصة لحساب الجهات المعادية للعراق. فأشار إلى طلب رئيس المجموعة الكيمياوية في 30/08/1998 تقديم معلومات عن العاملين في هيئة وقاية المزروعات من حملة الدرجات العلمية، تتضمن مناصبهم واختصاصاتهم والبلدان والجامعات التي أكملوا فيها دراساتهم وتاريخ نيلهم هذه الدرجات، كما طلب معلومات مماثلة عن حملة الدرجات العلمية في مركز بحوث البناء في وزارة الصناعة، وأشارت الرسالة إلى ضبط العراق للمفتش الأمريكي /جيسن جيلبرت/ بتاريخ 28/07/1998 من فريق التفتيش 242، وهو يقوم بتصوير قاطرة محملة بمعدات عسكرية بجهاز تصوير خاص، وضبط المفتش الأمريكي /فلوغر كارل/ عندما كان يصور بجهاز تصويره الخاص موقعا للصواريخ العراقية غير المشمولة بالخطر، وكذلك قيام إحدى مجاميع الرقابة في جوان وسبتمبر 1998. بطلب معلومات تفصيلية عن الموارد المائية الاستراتيجية. بما ليس له أي علاقة بمهام الفحص الدوري على عينات من مياه الأنهار.

بعد كل هذا. بعد أكثر ثماني سنوات دامية. قدم فيها العراق شلالات من الدم، وفيض يغطي وجه العالم من حياة أطفاله الذين أزهق أرواحهم حصار مجرم، وأوقع الويلات بالمواطنين.

وبعد أن دمروا له، وللأمة، جهود سنين من العمل المضني. بكل المعاناة والعطاء والاتفاق. وعاشت لجان التفتيش في طول العراق وعرضه. وبعد أن قدم لهم ما أرادوا، واكتشف، والعالم معه، الطبيعة التجسسية –التخريبية لتلك اللجان، هل يبقى العراق صامتا والسكين في الحلق. وإذا ما رفع صوته محتجا. تحركت الآلة الجهنمية الامبريالية، ومعها الصهيونية، وذيلها بريطانيا، وبيادقها الحكام والموظفين العرب.

Voir les commentaires

كتاب حروب امريكا اسرائيل وبريطانيا على العراق /المؤلف صالح مختاري/خلفيات الثورة الإسلامية في إيران عام 1979

 

 

 

خلفيات الثورة الإسلامية في إيران عام 1979

كانت الاستراتيجية الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، وفي إطار الشعار الكبير المرفوع مقاومة الشيوعية. ترتكز على ركائز رئيسية ثلاث. هي اسرائيل، وتركيا، وإيران. كجزء عالمي. وحدث له تسميات كثيرة. في المنطقة مشروع النقطة الرابعة –مشروع إيزنهاور- حلف بغداد، وانضمام تركيا رسميا إلى حلف شمال الأطلسي.

وكانت مقاومة الشيوعية تعني بالنسبة للاستراتيجية الأمريكية الحفاظ على مصالحها البترولية في الوطن العربي، وضرب قوى حركة التحرر العربية. التي تشكل بنظرها خطرا على تلك المصالح ولذلك أوكلت العديد من المهام هذه الركائز الثلاث. فكانت إيران الشاه الركيزية الثانية بعد اسرائيل، تختص بالعراق أساسا، وبدول الخليج العربي، كدركي لصالح الغربية، وقامت إيران بهذا الدور طوال عقود من عمر حكم الشاه. مما رشحها لتكون فعلا، قاعدة متقدمة في الاستراتيجية الأمريكية. ولعبت بقوة بالورقة الكردية في دعم حركة التمرد في شمال العراق. لاستنزاف قواه وموارده.

فجاءت اتفاقية الجزائر عام 1975 بين العراق وإيران لتوقف دعم إيران لتلك الحركة، مقابل تنازلات اضطر العراق إليها في شط العرب، ومناطق الحدود.

وعندما اشتد وقع الثورة الإيرانية. طلب الشاه من السلطات العراقية ترحيل الإمام الخميني، الذي كان يقيم في العراق منذ عام 1964. فاضطرت السلطات العراقية إلى إخراجه منها في أكتوبر 1978، بناء على نصوص معاهدة الجزائر. وقد أضيف هذا العامل. إلى عوامل أخرى في الصراع بين إيران والعراق.

وكما هو معروف. انتصرت الثورة الإيرانية في 01/04/1979 برحيل الشاه وعودة الخميني.

لقد شكل انتصار هذه الثورة نقلة توعية في المنطقة. فأحدثت هوة كبيرة فيها، بالنظر إلى موقع إيران، وإلى أسلوبها الشعبي، ونتائجها الأولية. حيث حولت إيران من قلعة في الاستراتيجية الأمريكية. إلى الخندق الآخر، وكان جزاءها بإغلاق سفارة اسرائيل، وتحويلها إلى سفارة لفلسطين يلخص هذا التحول. لأمر الذي يعني الكثير في هذه المنطقة الحيوية.

وبالمقابل. فإن الزخم الشعبي الذي أوصل رجال الدين في السلطة وإقامتهم الجمهورية الإسلامية، والاستناد إلى إيديولوجيا دينية –شيعية بالحماس والتفاؤل، وبتراث نضالي طويل ضد الشاه ومقاومة الطغيان. ومجمل الاختلاطات والشوائب التي تركب على هذه الايديولوجيا وتلك الحركة الصاعدة. وضعتها منذ الأيام الأولى في مواجهات مع العراق. لم تتوقف حتى إشعال فتيل الحرب المدمرة.

لقد اختلطت شعارات تصدير الثورة بالطابع الشيعي الخصوصي من جهة، وبنزاعات فارسية في مركز القرار والقوى النافذة من جهة أخرى. لتحمل الخوف إلى الجيران وتوتير الأجواء. واللعب بالأوضاع الداخلية لدول الخليج العربي.

لقد تهيأ لتلك الاندفاعة العاطفية. التي لها ظروفها ومناخاتها، أنه بالإمكان انتقالها بنفس الكيفية إلى دول الجوار، وأن هذا الانتقال هو واجب مقدس فيما عرف بـتصدير الثورة. 

لكن الثورة لا تصدر، فهي ليست سلعة، أو وصفة جاهزة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الخصوصية الشعبية –الإيرانية لتلك الثورة تصعب من عملية هضمها بالمحيط المجاور. فكيف الحال بتصديرها.

صحيح أن معظم دول الخليج يسكنها رعب شيعة. تختلف في كل دولة، وأنهم في بعضها يشكلون الأغلبية، كما هو الحال في العراق والبحرين. لكن هؤلاء الشيعة هو عرب وليسوا فرسا، وبينهم وبين دولة الفرس، وامتداداتها تاريخ طويل في الصراعات والآثار. التي ظل دفينا في النفوس.

ومن جهة ثالثة. فإن اللعب بالأوضاع الداخلية ليس بالأمر الميسر لأي جهة، خاصة في نظم قوية، لها قواعدها الشعبية وامتداداتها الحزبية –كالعراق، ولها سلطاتها الأمنية، وأجهزتها الكبيرة في معظم دول الخليج.

لقد أحدثت الثورة الإيرانية هزة حقيقية في المنطقة. وكان خطابها الثوري –الناري لغة جديدة تحمل الخوف لمجمل حكام الخليج. الذين تربطهم علاقات وتحالفات قوية بأمريكا.

ولأسباب كثيرة في حسابات رجال الدين، والقوى النافذة. اعتبر العراق العقبة الأولى التي يجب اجتيازها للوصول إلى بقية دول المنطقة كونه الدولة الأقوى. فجرى التركيز عليه منذ الأشهر الأولى ولم تكن النزاعات الفارسية خلفية أو مخفية وهي النزاعات التي تحاول العودة إلى أمجاد الامبراطورية الفارسية القديمة. التي كانت ثاني قوة عظمى في العالم القديم، والتي دمرها العرب المسلمون. حين تحولت بلاد فارس بكاملها وبسهولة إلى الدين  الجديد.

ويمكننا أن نوجز القول. بأن هذه الايديولوجيا المندفعة. لم تستطع، أولا، أن تكون بديلا للايديولوجيا السنية الأرسخ والأوسع. ولأنها واسعة وفضفاضة ووليدة الخبرة والتجربة. فإن الشطط فيها طبيعي، وكذلك تحملها لوجود تيارات وقوى عريضة. مختلطة. فارسية، وتأرية، وحتى أمريكية، واسرائيلية بمعنى الانتماء والارتباط.

ولذلك تجمعت عدة عوامل للدفع باتجاه المصادمة بينها وبين العراق. وكانت دول الخليج تدفع بكل قوة بهذا المنحى، ومن خلفها أمريكا، واسرائيل. وبدت المواجهة العسكرية أمرا لا مفر منه. فكانت الحرب الطويلة.

وصار واضحا منذ بدايات الحرب. أن الأطراف التي ساهمت في دفع النزاع إلى الهاوية، وحقنت الأجواء بالشائعات والأخبار المضخمة، وعمقت الخلافات إلى الهاوية بين العراق وإيران. هي نفسها التي تعمل على إطالة هذه الطاحونة الرهيبة إلى أطول مدة ممكنة. لأن كل يوم، وكل عام في عمرها. ويعني إغراق البلدين، واستنزاف مواردها، وانهاكهما تماما.

ويكفي للتدليل على ذلك نهر الدماء الذي سال من الطرفين، والذي يقدم بمئات الألوف، كما أن الأرقام المعلنة عن الخسائر المادية وهي أرقام ليست شاملة مذهلة، حيث تجاوزت خسائر البلدين الـ300 مليار دولار، وكانت ديون العراق –وحده- نحو 80 مليار دولار عند نهايتها.

وبغض النظر عن المسؤولية في هذه الحرب. فإن المستفيد الأكبر منها كانت أمريكا وإسرائيل والدول الخليجية. فقد استنزف البلدان لأزيد من ثماني سنوات، وشلت امكاناتها في الساحات الأخرى طوال مدة الحرب، وأنهك اقتصادها. وإلى جانب ذلك. كانت فائدة الغرب كبيرة في صفقات السلاح الهائلة التي عقدها مع الطرفين، حققت له مليارات الدولارات، وسمحت للأساطيل الغربية بالتواجد في المنطقة تحت حجة حماية دول الخليج والمصالح الغربية.

أما بالنسبة لدول الخليج. فإن الحرب الطاحنة بين الجارين الكبيرين هي غاية المنى لها. إذ لا تريد عراقا قويا، قادرا على حماية قراراته، ومجابهة النفوذ الامبريالي المباشر، والشركات الاحتكارية النفطية العملاقة، كما لا تريد إيرانا معافى، ومسلحا بايديولوجيا اسلامية مقاتلة، تسحب البساط من تحتها، وتنهي الزعامة الدينية التقليدية للسعوديين، وتفضح الزيف القائم، وطبيعة التحالفات والارتباطات بالغرب، كما أن مثل هذا الوضع يهددها بإمكانية انتقاله إلى بلدانها وتهديد عروشها واستقرارها.        

 

Voir les commentaires

كتاب حروب امريكا اسرائيل وبريطانيا على العراق /المؤلف صالح مختاري/تواطؤ الدول العربية والإسلامية في الحصار ا

 

 

 

 

تواطؤ الدول العربية والإسلامية في الحصار الثلاثي

عندما قررت الأمم المتحدة فرض حصار على العراق بايعاز من أمريكا وبريطانيا ثم طورته في عدة قرارات لاحقة ليشمل البحر والجو، وكل المجالات، تصور الجميع أن بزوال الأسباب يزول الحصار…بمعنى قانوني واضح فقد فرض الحصار بداية كوسيلة ضغط لإخراج العراق من الكويت ثم تم استخدام القوة في هذه العملية تبين العكس. وإذا بالحصار يتحول إلى حالة دائمة مرتبطة بأهداف أخرى لا علاقة لها بالكويت، وبمواثيق الأمم المتحدة، وبتلك القرارات الجائرة التي فرضوها بالقوة على العراق.

فخرجوا بقصة تدمير الأسلحة الاستراتيجية العراقية. وهم الذين احتفلوا في يومهم الأول للعدوان بسحق العراق وتدمير قواه الحيوية، فأقاموا أعراس النصر وأقواسها، ووزعوا النياشين والأوسمة. في حفل بهيج بواشطن. دعوا إليه كافة الحلفاء الذين شاركوا في ضرب العراق. وأعلنوا أنهم دمروا أسلحة العراق، وقضوا على جيشه، وحرسه الجمهوري، وصواريخه، وقواعد الانطلاق، وجميع الرادارات ووسائل الاتصال، وكافة الصواريخ بعيدة المدى، وجزء هام من الأسلحة الكيميائية ومخازنها وأماكن إنتاجها. الخ.

ثم أعلنوا بعد احتفالات النصر. بأنهم لم يتمكنوا من تدمير سوى 40% من الأسلحة الاستراتيجية، والصواريخ والعتاد. بما فيه التقليدي. وراحوا إلى الأمم المتحدة لاستصدار قرار. لم تعرفه من قبل في أية حالة سابقة. تحت عنوان: تدمير الأسلحة العراقية ووضعوا مدة 40 يوما لإنجاز عمليات التدمير، ثم مراجعة بعد 120 يوما. وإذا بالباب يفتح على مؤامرة شاملة. صار فيها عنوان تدمير أسلحة العراق. فشلت لجان التفتيش. ثم نصبوا أجهزة المراقبة المتقدمة. ثم تعددت الشروط والطلبات في عملية لانهائية. ولا أفق لها.

وفي كل مرة. كانوا يربطون فك الحصار. جزئيا بمدى تقدم العراق في التعاون مع لجان التفتيش. وأن انهاء الحصار لن يتم إلا عندما تنتهي لجان التفتيش من عملها. وهي حكاية طويلة. ظهر بعها أن أمريكا، وبكل وقاحة، لن ترفع الحصار حتى وإن التزم العراق بكل التعهدات التي تطلبها لجان التفتيش. جاء ذلك أكثر من مرة على لسان الرئيس الأمريكي، ووزير الخارجية، ووزير الدفاع. ومعظم المسؤولين الأمريكيين.

إن الحصار كان في البداية حصارا عربيا وإسلاميا قبل أن يكون حصار أمريكا وبريطانيا وصهيونيا. وكسره، أو تهشيمه وتلاشيه. كان يمكن أن يتم منذ سنوات لو تجرأت دول الجوار خاصة على مديد العون للعراق، وتجاوز تلك الشرعية المفضوحة التي لم يبق منها حتى ورقة توتها.

ولكن هل قصة النظام العربي في التطبيق الحرفي للحصار لسنوات متواصلة هي قصة جرأة وخوف. أم خلفيات أخرى؟؟.

إن الدول الضالعة في مؤامرة الحصار، وتعتبر نفسها معنية بادامته، وتحريض الآخرين على استمراره. بل ومارست دورا تآمريا على العراق، والدفع باتجاه تأزيم الأمور كلما لاحت بارقة انفراج. ويأتي حكام الكويت في رأس هذه الجهات التي مازالت تطالب باستمرار الحصار، والتشديد فيه، وتراهن، مع المراهنين على دوره في تهيئة الأجواء لإسقاط النظام العراقي. يساندها بذلك الحكم السعودي الذي كان لسنوات طويلة في نفس الموقف. ثم حدثت بعض المتغيرات المتقلبة تارة باتجاه مساعدة الشعب العراقي، وأخرى بالانصياع للشروط والطلبات الأمريكية.

ومنذ بدء الحصار الذي ما زال متواصلا كانت النظم المشاركة  في التحالف العدواني تطبيق الحصار، وتغلق حدودها على العراق، وتشمل هذه النظم، مصر وسورية ودول الخليج. باستثناءات معتبرة لدولة الإمارات العربية المتحدة والمواقف المتميزة لرئيسها: الشيخ زايد بن سلطان. وبعدها حدثت تطورات إيجابية في الموقف القطري، والسوري، والمصري نسبيا. وتحقيق نوع من الانفتاح مع سورية.

أما الدول المتخاذلة. المرعوبة من مخالفة الإدارة الأمريكية، فتحتج بالشريعة الدولية. لتكون مليكة أكثر من الملك. والحقيقة أن جل هذه النظم تخاف على عروشها. لأنها تعاني إشكالات داخلية حادة. تخشى معها أن تغضب أمريكا. فتسحب البساط من تحتها.

ولذلك فهي نائمة على الجرائم المقترفة بحق العراق. ولسان حالها يعبر عن تخاذل أن ما باليد حيلة. وأن الهيمنة والعربدة الأمريكية لا تسمح بتجاوزها.                      

 

 

 

Voir les commentaires

كتاب حروب امريكا اسرائيل وبريطانيا على العراق /المؤلف صالح مختاري/تجنيد المعارضة من طرف

 

 

تجنيد المعارضة   من طرف
مصالح مخابرات العدوان الثلاثي

 

وقصة المعارضة العراقية والنظام قصة طويلة. تحكي في جانب منها أحقية ومشروعية وجود معارضة لنظام الحكم، شأنها في ذلك شأن أي مجتمع، ونظام..وتحكى في جانبها الآخر المعطيات التي انزلقت فيها المعارضة إلى مواقع أخرى. حين صار الحكم هو الغاية، وحين فلسف البعض التعاون مع الأجنبي عملا بالمقولة الشهيرة "الغاية تبرر الوسيلة"، وحين انطوت معظمها بشكل مباشر وواع، أو من حيث النتيجة في الاستراتيجية الأمريكية –البريطانية –الصهيونية.

المعارضة، أو الاختلاف في أي مجتمع..تعبير عن كل ما فيه من طبقات وفئات اجتماعية ومهنية ودينية، أو دينية، وهو تجسيد لثقافة المجتمع ووعيه، ولمجمل التناقضات فيه هو نتاج المرحلة التي يمر بها والمهام المطروحة عليه.                              

والمعارضة في جانب منها تعبير عن حيوية المجتمع، ومستوى تطور البنى الفوقية فيه، وعلاقتها بالبنى التحتية. ولأن المجتمع منقسم إلى طبقات وفئات عديدة. فمن الطبيعي أن يفرز قوى سياسية تعبر إلى هذا الحد  عن هذه الطبقة والفئة أو تلك بل من الطبيعي أن نجد أكثر من تعبير للطبقة أو للفئة الواحدة، وفقا لعوامل كثيرة..يحكم فيها قانون الحياة والممارسة الميدانية..

واقعيا وبالملموس، فإنه يستحيل على أي قوة بمفردها، أو حزب، أو جماعة، ومهما بلغ مستوى تمثيله للشعب، وصدق وصوابية ممارسته وبرامجه..أن يدعى تمثيل الشعب بكل طبقاته وفئاته، وأن يتحمل وحده مهام، مرحلة التحرر والاستقلال الوطني والقومي، ويمضي فيها بنجاح..وقد تكرست هذه الحقيقة في جميع المراحل، والتجارب، وأسقطت معها ذلك العقل الشمولي –الأحادي الذي ينفي الآخر، والذي يحاول بناء مجتمع على قد قياسه وتصوراته..الأمر الذي أدى إلى انتكاسات وانفجارات متتالية..كان أبرزها وأشملها السقوط المريع للاتحاد السوفياتي..الذي تبعه سقوط لتلك البنايات الكروتونية في أوروبا الشرقية.

لقد ولى زمن مقولات الحزب الواحد –القائد. والديموقراطيات الشعبية الملحة به. وفتحت تجارب البشرية الأبواب على مصاريعها لنمو الحوار والتعايش والتصارع بين التشكيلات السياسية التي يفرزها المجتمع. على قاعدة الحكم والبقاء للأفضل الذي يختاره الشعب في انتخابات حرة، وفق نظام يقر ويكرس التعددية السياسية، وحق الجميع بالتحزب والتعبير والاختلاف والاعتقاد.

ودون الدخول في تاريخ الصراع البعثي–الشيوعي في العراق، وآثار ومخلفات ذلك الصراع، وعدد من الأحزاب الكردية والقومية، وتحديد المسؤولية في النهاية المؤلمة لتلك الجبهة.

وكذلك الأمر في الإشكالية الكردية وتاريخيتها، ومدها وجزرها، وفي الأحزاب العراقية الكردية وعلاقتها مع النظام، وكذا في أوضاع ومواقف الأحزاب الشيعية، وخاصة حزب الدعوة، وبعض التواجدات القومية والسياسية الأخرى التي تشكل إفراز قوى المعارضة العراقية..

عندما اشتعلت الحرب بين العراق وإيران، والتي اعتبرها العراق حزب مصير ووجود، وحزب دفاع عن البوابة الشرقية للأمة العربية، ثم حزب تحرير أرض العراق بعد أن احتلت إيران أجزاء منه في المحمرة ومشارق البصرة..أقدمت المعارضة العراقية بارتكاب خطأ تاريخي..بوقوفها إلى جانب إيران، ومساندة الطرف الإيراني بفتح جبهات داخلية إلى النظام في الشمال، والقيام بعمليات تخريب وتفجير واغتيالات في الداخل..وكان هذا الموقف غير محتمل على كل صعيد رسمي، وشعبي وعربي على العموم..

لقد كان موقف الحزب الشيوعي العراقي غريبا، إذ من غير المعقول أن يلتقي حزب علماني، مؤمن بالمادية الجدلية والمادية التاريخية، وبالتفسير المادي للحياة والصراع..الخ مع نظام يحمل إيديولوجيا إسلامية مناقضة وفوق ذلك يرفع شعارات "تصدير الثورة" وتعميمها في منطقة الخليج العربي، وهي شعارات مطعمة بألوان فارسية لم تخف على أحد.

وبدلا من أن يدين الحزب الشيوعي العراقي الاحتلال الإيراني للأراضي العراقية، ودعوات "تصدير الثورة" ولإقامة نظام موال..دخل في مراهنة خطيرة في ممارسة القتال ضد النظامين بالتحالف مع الأحزاب الكردية، موهما نفسه أن عمليات البشمركة والأنصار طريقه إلى بغداد..فوقع في مأزق تاريخي..كان سببا هاما في انشقاقه، وفي انفضاض أعداد كبيرة عنه..عادت إلى بلدها الذي يتعرض لمخاطر الاحتلال.

أما الأحزاب الكردية. فإنه ومما يؤسف له. لعبت دور البيدق، معرضة قضية الشعب الكردي لمخاطر ساحقة. هذا الدور العجيب لم يكن قصرا على الأحزاب الكردية العراقية، بل هو ظاهرة عامة لمعظم الأحزاب الكردية في العراق وتركيا وإيران.

فإيران تستخدم الحركة الكردية لصالحها/ و"إسرائيل" عدوة العرب والمسلمين تستغل الأكراد فتلتقي منذ الستينات مع زعمائها، وتجند أعداد كبيرة منهم للتحسس لحسابها، وتمول وتسلح للقيام بعمليات مضادة للعراق.

كذلك تفعل تركيا باستخدام كل من الاتحاد الوطني الكردستاني، والحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة كل من جلال الطالباني ومسعود البرزاني. على التوالي لضرب حزب العمال الكردستاني –التركي. بل وتجنيد الأكراد العراقيين في ملاحقة قواعد وعناصر هذا الحزب..

هذا الدور المشين للزعامات الكردية تجلى بصورة بشعة طوال سنوات الحرب العراقية –الإيرانية..حين وضعت الأحزاب الكردية العراقية نفسها تحت تصرف إيران، وقامت بتجنيد أعداد كبيرة من الأكراد للعمل خلف صفوف القوات العراقية، وأحيانا كأدلاء ومخبرين للإيرانيين..في وقت كان فيه العراق البلد الوحيد الذي منح الأكراد حقوقا شاملة في "الحكم الذاتي"..لم تعترف بأقل منه بكثير كل من إيران وتركيا..الأمر الذي أزعج السلطات العراقية، ودفعها في مرحلة الحرب. الأكراد ومحاولة الانفصال عن العراق

المسألة الكردية خصوصياتها، وتاريخها، وتشابكها مع الجوار من جهة، ومع القرار الدولي من جهة أخرى، فخصوصيتها كمسألة وجود قومي لشعب له مقوماته القومية، وموطنه التاريخي الذي تعرض للتقسيم بغير إرادته، وبقرار دولي مفروض، كما له لغته وثقافته وعاداته الخاصة، وإرثه التاريخي..وطموحه في انتزاع حقوقه الشرعية..التي تتراوح بين الحكم الذاتي والاعتراف بحقوق الشعب الكردي في اللغة والثقافة والمشاركة بالحكم، وبين حق تقرير المصير، وإقامة الدولة الكردية المستقلة في كردستان المقسمة بين تركيا وإيران والعراق، ومناطق في سورية.

إن مقارنة وضع الأكراد في العراق مع أشقائهم في تركيا، وإيران..تبين الفوارق النوعية التي لا يمكن المقارنة فيها..فأكراد تركيا حتى الآن، ليس هناك أي اعتراف بهم كشعب خاص، له مميزاته، وأرضه، وتاريخه، ولغته..وحقه المشروع في الحكم الذاتي على الأقل، حيث ترفض تركيا الاعتراف بأي قومية أخرى عدا الطورانية، وتسمى الأكراد فيها بـأكراد الجبال كتسمية تعكس مضمونها السياسي..ولزمن طويل، وحتى قبيل عامين، ترفض تركيا الاعتراف بوجود لغة كردية..ناهيك عن تدريسها والتعامل بها، وتطويرها..

وتشن تركيا حربا ضروسة ضد حزب العمال الكردستاني. حربا تدميرية.  أحرقت فيها أكثر من 4000 قرية كردية، وهجرت مئات الآلاف من الأكراد..في سياسة الأرض المحروقة، ومحاولة تغيير الديموغرافيا، كما فعلت بلواء الإسكندرونة السوري، وتخترق حدود العراق بقوات عسكرية تحت شعار ضرب قواعد حزب العمال الكردستاني..وآخر الاختراقات.  اختطاف الزعيم الكردي البارز عبد الله أوجلان رئيس حزب العمال الكردستاني.  من كينيا بتواطؤ، وتآمر عدة أطراف: أمريكا وإسرائيل واليونان..وكينيا..لاختطافه بطريقة مهينة..ومحاكمته في تركيا.

ومع ذلك، ومع كل هذه الانتهاكات الصريحة لحقوق الإنسان. وحياته، وممتلكاته وحرياته. لم تحرك أمريكا ساكنا، ولم تظهر هي والصهيونية العالمية، أو أي من الدول الغربية عشقها للأكراد، وجها لحقوقهم وحرصها على حمايتهم، أو إقامة محمية لهم. كما فعلت بالعراق. على العكس، فأمريكا، والصهيونية، والدول الغربية تدعم السياسة، وتعد تركيا لممارسة دور هام في استراتيجيتها، ومخططاتها التي تعمل على تنفيذها في وطننا.

وإذا كان هذا هو شأن السياسة التركية مع الأكراد الذين يشكلون النسبة الأكبر يتراوح عددهم، حسب اختلاف المصادر بين 15-20/ مليون نسمة. فإن الأكراد في إيران يواجهون نفس المصير لكن دون حرب معلنة حيث ترفض إيران الاعتراف لهم بأي حقوق خاصة، وتطرح بديلها في الحل الاسلامي. الذي لا مكان فيه للهويات والانتماءات القومية، أو الحكم الذاتي، أو الحقوق الخاصة.

العراق هو البلد الوحيد الذي حقق للأكراد إنجازات نوعية، حين أقر صيغة الحكم الذاتي منذ العام 1971، وطبقها علميا، وبرغم كل سلبيات ونواقص التطبيق. وما شاب الممارسة من تباينات ومشاحنات. فإن العراق هو الذي منح الأكراد، وبمرسوم يكرسه الدستور وقوانين البلاد، وحقوقهم الكاملة في اللغة والثقافة، والتعليم، والفنون، وفي الحكم والتنمية الاقتصادية وغيرها في جميع المجالات.

ومع ذلك، وبالرغم من ذلك. فالعراق هو البلد الوحيد الذي تشهر فيه راية الأكراد لمؤامرة عليه، ولإقامة محمية في الشمال. تحت شعار حماية الأكراد. كنوع من عملية تقسيم العراق. وعلى الأقل. إيجاد قاعدة للتآمر عليه وعلى نظامه. ووضعها كجزء هام في السناريوهات التي تعد للعراق. تحت يافطة تحرير العراق من العراق. وإسقاط نظامه الوطني.

فلماذا العراق. وحده. وهل هي الصهيونية العالمية التي تحرك الأمور وتدفع بعض القيادات الكردية إلى حافة الهاوية –تحقيقا لمشروع معروف في تقسيم وتفتيت العراق؟ ومن له مصلحة غير إسرائيل باللعب بالورقة الكردية، واستخدام البعض من الأكراد حصان طروادة؟!.                                                                                               

لقد عاش العرب والأكراد قرونا طويلة أخوة متلاحمين. في ظل الإسلام وكانت الأخوة العربية –الكردية نتاج تلاحم وتفاهم وتلاقح الثقافتين واللغتين ووحدو الأهداف والمصير، ووحدة العقيدة.

بل أن وحدة الوطن العربي، وحتى القومية العربية بمفهومها العلمي، لم تكن تنفي الخصائص الذاتية لهذا الشعب أو ذاك، وهي بالأساس ليست قائمة على الدم والعرق.زبل مفتوحة لجميع سكان هذا الوطن الكبير، الذين يتكلمون لغة واحدة، ويؤمنون بعقيدة الإيمان (الإسلام والمسيحية)، ويجمعهم تاريخ مشترك طويل، وثقافة موحدة على تنوعها وتلونها وعادات وأهداف ومصالح وطموحات ممنوحة.

ولسنا هنا بحاجة للعودة إلى التاريخ للتذكر ببعض الرموز والمحطات والشواهد لأن الشعب الكردي العراقي، بكتلته الرئيسية، وجل تنظيماته، يعتبر نفسه جزءا من عراق موحد، ويرفض التقسيم ومخططات العدو المشترك.

وفي آخر تصريح للزعيم الكردي البارز /مسعود البارزاني/، رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، في تصريح له لصحيفة الحياة الذي نشرته صحيفة الأحرار الجزائري بتاريخ 14/03/1999. يعلن فيه بأن أي حل للقضية الكردية يمر حتما عبر بغداد، وأن الحوار مع بغداد مستمر ولم ينقطع ما دام هناك تفاهم بين الطرفين من أجل التوصل إلى حل عادل، وسلام مستقر. وأبدي شكوكه حول قدرة المعارضة العراقية على الإطاحة بالنظام العراقي، لأن المعارضة عاجزة في الوقت الراهن عن لعب دور كبير لأحداث تغيرات في العراق بسبب انقساماتها واختلافاتها، حول برنامج محدد لذلك. وأعرب عن اعتقاده بأن المعارضة ستتوحد في حالة واحدة، وهي التخلص من الضغوطات الإقليمية والدولية الممارسة عليها، والمعروفة لدى الجميع، وبرر رفض حزبه للمساعدات الأمريكية للإطاحة بالنظام بأن الحزب الديمقراطي الكردستاني كان مسؤولا عن مصير شعبه ولا يمكنه باي حال من الأحوال أن يتحرك كما تتحرك المعارضة وأنه شرح، وقيادة حزبه، هذا الموقف لأمريكا سواء في الحكومة أو الكونغرس.

وهذا الموقف. الذي يؤكده زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني جد هام، وفي هذه الظروف بالذات. التي تتكاثف فيها المؤامرة، وتتركز جهود الإدارة الأمريكية بكل ثقلها، وجولاتها الأسبوعية على المنطقة. لحشد التأييد لمؤامؤتها، تحت العنوات الجديد تحرير العراق.زوسيكون له شأن تكسير هذه المؤامرة، وتأكيد حقيقة الموقف الكردي. الذي يمثل فيه البرزاني ثقلا هاما.

وعندما نعود إلى تاريخ الحركات الكردية. ونتيجة تعقد المشكلة الكردية وتوزع هذا الشعب في عدد من البلدان، ودور، وتأثير العوامل الخارجية والمحلية في حركته، ونضاله، ومسيرته لتحقيق أمنياته. ولهشاشة وانتهازية العدد الأكبر من القيادات الكردية فقد تم استغلال هذه القضية من قبل مجموع الأطرف المحلية والدولية، وقبلت، وعلى امتداد فترات زمنية متعاقبة، تلك القيادات الكردية أن تكون ذراع هذا النظام أو ذاك، يستخدمها في تكتيكاته، ومصالحه، واستراتيجيته ضد النظام الآخر، بل ضد الأكراد نفسهم. كما تستخدم إيران بعض أكرد العراق لضرب العراق، وأكراده، وكما تستخدم تركيا عددا من تنظيمات الأكراد في تتبع وملاحقة حزب العمال الكردستاني، وكما استخدم النظام السوري الأكراد. ولمدة طويلة، وخصوصا الحزب الوطني الكردستاني بقيادة /جلال الطالباني في صراعه مع النظام العراقي.

وفي هذه الاستخدامات المشبوهة. تبرز إسرائيل كأهم المستفيدين منها، وكزاحدة من الجهات التي عملت، منذ أواخر الخمسينات، وبداية الستينات على استغلال المشكلة الكردية، وبالتنسيق الكامل مع شاه إيران، واستغلال عدد من تلك القيادات في مخططاتها التقسيمية المشبوهة. عبر دعمهم بالسلاح والمال والخبراء والمدربين، ودفعهم للصدام مع العراق، وتقديم المعلومات التجسسية عن الجيش العراقي، ومراكزه الصناعية، والانتاجية وغيرها، والقبول بتجزرة أمريكية، في لعبة كبيرة ليست لصالح الأكراد والعرب.

وبالعودة إلى مسرح العمليات الحربية، فقد كان مؤلما ومؤذيا للعرب وللعراقيين. أن تستغل بعض الحركات الكردية ظروف المعركة للقيام بأنشطة معادية للعراق، بالتنسيق والتعاون والتوجيه من القوى العدوانية التي تدمر العراق، وتحاول قتله، وذهاب بعضها إلى مدى بعيد بركوب الدبابة الأمريكية –البريطانية- الغربية. لتكون البيدق في مؤامرة شاملة لا تخفى على أحد.  اتخذت في هذا المقطع شعار حماية الأكراد.

فأقام التحالف المعادي محمية في الشمال بتاريخ 07/04/1991. ثم تم تكريسها بقرارات دولية انتزعتها أمريكيا بتاريخ 17/04/1991. وهي محمية تفصل شمال العراق عن الحكومة المركزية، وتجعل من منطقة الحظر الجوي المفروضة بقرار أمريكي، بريطاني، عند خط العرض 36، ميدانا لتجاربها التآمرية، وتحويل هذه المحمية إلى قاعدة للمعارضة، ووكر للتحسس العالمي. وهو ما تأكد بالملموس. وحين دخلت القوات العراقية مناطق الشمال عام 1996، بدعوة من الحزب الديمقراطي الكردستاني، واكتشفت وجود أعداد عائلة من الجواسيس والعملاء التابعين للسي-آي-إي، والموساد، ولجميع الدول الغربية المتآمرة على العراق، وتركيا وإيران وغيرها. والذين كانوا يخططون لشن عمليات تخريبية ضد العراق.

ومستقبل هذه المحمية المصطنعة. والصراعات الدموية بين الفصائل الكردية التي تعكس في جانبها الرئيسي، تعدد، وتداخل، وتناقض المصالح الإقليمية والدولية. التي تدفع الأكراد للاقتتال، وتجعل من بعضهم ورقة مساومة وضغط، ورأس حربة لمخطط إجرامي بعيد المدى. والمحاولات الأمريكية لفرض المصالحة على الفصيلين الرئيسيين الديمقراطي، والوطني في الأكراد، وقضيتهم، بل محاولة فرض صلح فوقي عليهم. لاستخدامهم جميعا في مخطط معلن، وهذا صرح به السيد مسعود البرزاني، وما رفضه باستمرار.

وبالتالي فإن مصير ومستقبل أكراد العراق لن يكون بمعزل عن العراق الموحد –المعافى. القادر على منح الأكراد حقوقهم الطبيعية في الحكم الذاتي، كصبغة يجب تطويرها وتكييفها وفقا للمنظمات الواقعية.

فلا نستبعد إقدام الأمريكان والبريطانيين والصهاينة على إقامة دولة ما، وبشكل ما للأكراد في شمال العراق، يستخدمونها كقاعدة لهم، أو ككيان استنزاف للعراق وللأمة العربية.

وإذا كان من المعروف عدم وجود إرادة دولية، أو قرار دولي بإقامة دولة كردية موحدة في تركيا والعراق وإيران، وأجزاء من سورية، وأن القوى الدولية التي تآمرت على القضية الكردية، وفرضت قرارات مؤتمر لوزان عام 1923. لإرضاء تركيا، وتقديم أوطان الآخرين، أو أجزاء منها، هدية ورشوة للغير في لعبة الأمم الكونية التي يخططون لها، ويقودونها. فإن هذه الأطرف الدولية. ما زالت تضع في المقام الأول علاقتها بتركيا كجزء من الحلف الأطلسي وكركن أساس من الاستراتيجية المعدة للمنطقة. وبالتالي فهي مازالت لا تسمح بإقامة أي كيان موحد للأكراد، وأقصى ما تفكر فيه هو استخدامهم في رقعة الشطرنج الدولية.

ومع ذلك فإنه من غير المستبعد أن تتجه هذه الإدارة الدولية التي يسيطر عليها اليوم وحيد القرن الأمريكي، المندمج مع الصهيونية العالمية. نحو إقامة دولة مستقلة لأكراد العراق في شماله. تحقق مجموعة أغراض لتلك الإدارة.

فهي تنسف وحدة العراق، وتقسمه. وبالتالي تنهي دور العراق التاريخي كنقل نوعي في الأمة العربية، وتحقق مشروعات إسرائيل المعلنة مند عقود في تقسيم البلاد العربية، ومنها العراق أساسا.

ويمكن لهذه الدولة أن تمدد على حساب سورية، خصوصا وأن غلاة الأكراد، وهم يحددون خريطة كردستان. قد وسعوها لتشمل جزءا كبيرا من الأراضي السورية. يمتد من الموصل في العراق إلى حلب والاسكندروتة، وضمنه الجزيرة السورية برمتها. فيما يعرف بـكردستان الكبرى، وهي خريطة تعتمدها عدة فصال كردية.

وهنا ستكون إسرائيل حاضرة للمساعدة، ويمكن لحليفتها تركيا أن تقوم بالدور المطلوب منها.

هذا التصور لم يعد تخيلا. ذلك أن الدرك الذي وصلته الأمة العربية على يد حكامها، وحالة التشرذم والخلافات والصراعات التي يعيشها النظام العربي الرسمي. والذي أفقدته أية قدرة على المبادرة والتأثير. صار يسمح لأي تخيل أو مخطط أن يحد طريقة إلى التحقيق. وعلى الأقل استخدامه كورقة ضغط وتخويف. واستخدام في مواقع أخرى.

هذا المخطط يدركه العراق، ويدرك معه المخاطر التي تحدق بوحدة ترابه، وبالوطن العربي، ولذلك يتصدى لمخططات الأعداء ويضحي يوميا لإثبات رفضه لمناطق الخطر الوهمية. وما تحمله من مخاطر قادمة. كما أن النظام السوري المتخوف جدا من الحلف التركي –الإسرائيلي. يدرك اليوم أية مخاطر محتملة يحملها معه هذا العراق ومن هم وراءه، كما يعي جيدا الشرور التي ستنجم عن محاولات تقسيم العراق، لذلك يرفضها، ويحاول –على طريقته- التقرب البطيء من العراق.

إن القضية الكردية برمتها. هي قضية شعب مضطهد الانقسام، والظلم، والتهميش. ومن حق هذا الشعب في تركيا والعراق وإيران، وحيثما تواجد، أن تؤمن حقوقه المشروعية في لغته وثقافته وعادته. وفي حكم ذاتي حقيقيله. وكذلك حقه في تقرير مصيره. وما ينجم عن هذا الحق من إقامة دولة مستقلة، أو أيه أشكال يقررها. ضمن حياة ديمقراطية. تحرر إرادة شعوب المنطقة، وتطلق طاقاتها ومباداراتها لتقرير مصيرها، واختيار صيغ الحكم المناسبة لها.

هذا الحق الطبيعي للأكراد. يختلف عما يجري حاليا. باستغلال ظروف العراق وحده لتمرير مخططات لا ناقة للأكراد ولا جمل. وإنما هو نتاج جهد مشترك، جهد نضالي: عربي-إيراني-تركي يتجه، بإرادة حرة، إلى وضع الحلول العملية لمعظم المشكلات التي تواجهها المنطقة، وينزع فتيل الدمار والاقتتال، ويقطع دابر الدول الخارجية المعادية ومخططاتها.

فالموقف الذي يعبر عنه السيد مسعود برزاني في أن أي حل للقضية الكردية يمر حتما ببغداد هو موقف عالبية الشعب الكردي. وقواه الحية، والذي يدرك أخطار التقسيم عليه أولا، وعلى علاقاته التاريخية بالعراق.
 حزب الدعوة وحركات الشيعة

تاريخيا لم تعترف الأحزاب الشيوعية والقومية بالأحزاب الدينية، من منطق أن الدين، أو المذهب هو لكل الشعب، وهو حالة إيمانية بين المخلوق والخالق لا تحتاج إلى وسيط، وأن الدين وتقوى وعبادة، وليس ممارسة سياسة. باعتبار أن الأحزاب السياسية أرقى تعبير عن الطبقات في المجتمع، فالأحزاب الشيوعية يفترض أنها –بالأصل- أحزاب عمالية، تحمل برنامج الطبقة العاملة لتحقيقه عبر صيغة ديكتاتورية البرولبتاريا.                                                                                                        

حسب هذا التعريف فلا مكان لحزب ديني. لأن الأديان ليست وفقا على طبقة بعينها، بل تشمل مجموع طبقات ولغات الشعب.

الأحزاب القومية تعتبر أن القومية هي الإطار الأشمل لاستيعاب طبقات وقوى الشعب بشتى انتماءاتهم الطبقية والدينية، والمذهبية دون أن يعني ذلك في الاتجاهين، ويتفاوت، رفض العناصر المؤمنة داخل الحزب.

البعث في هذا المجال وهو يصوغ شعاره الشهير أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة استند إلى الاسلام كعمق للعرب وجارية لحضارتهم، والرسالة الخالدة هي تلك التي حملها العرب ليسلمون، ولمؤسسه المرحوم الأستاذ ميشيل عفلق كتابات كثيرة عن الدين الاسلامي وموقعه من الأمة، والرسالة، والحزب. وقد اعتنق الاسلام قبل وفاته بسنوات.

ومن هذه الخلفية تعامل البعث، والحكم مع الحركات الدينية الموجودة في العراق، وبنوع من الحذر والشدة مع حركات الشيعة. انطلاقا من العلاقة التاريخية التي تربط الشيعة فيما بينهم من خلال المجلس الشعبي الأعلى, ووجود العتبات المقدسة، والحوزة الدينية في العراق من جهة، وإيران الجارة الشيعية بأغلبيتها الساحقة من جهة أخرى.

لقد تمكنت الحركات والأحزاب الدينية، في اتجاه الوطن العربي، والعالم الاسلامي، من البقاء رغم ما وجه لها من ضربات، وما عرفته من حملات اعتقال وتهجير. بل أنها، وعلى قاعدة فشل معظم الأحزاب السياسية العربية في تحقيق برنامجها وشعاراتها. وأهدافها. عرفت نموا ملحوظا وتشبيها، بعد أن كان يغلب عليها الكهولة. فطرحت نفسها بقوة كبديل. الأمر الذي كان يعني التصادم العنيف مع النظم القائمة، الشمولية، والاستبدادية، واللاديمقراطية، وبدا أن التعايش مستحيل. فلجأت تلك الحركات إلى التفجيرات والاغتيالات وأعمال التدمير. وقابلتها السلطات بعنف أكبر.

وعند انتصار الثورة الإيرانية، كان العراق يتحسس المخاطر القادمة، ويتحسب لها كثيرا، خصوصا وأنه كان في نشوة الانتصار الذي تحقق عبر تحرك شعبي. طرح شعار تصدير الثورة الذي كان يعني العراق أولا، وكمدخل لنقل الثورة إلى بلدان الخليج وعموم المنطقة. ذلك ما صرح به الكثير من زعماء الشيعة العراقيين والإيرانيين، وما راهنوا عليه، وتوهموه سنوات. الأمر الذي دفع بالعراق إلا اتخاذ خطوات رادعة وقاسية، عبر ترحيل عشرات آلاف الإيرانيين الشيعة المقيمين في العراق، أو الذين من أصول شيعية.

وعندما اندلعت الحرب العراقية –الإيرانية. وقفت الحركات الشيعية اتوماتيكيا في الصف الإيراني، بل صارت جزءا من الخطط العسكرية، حيث تجندت للقيام بعمليات التفجير والاغتيال والتخريب، ولتأجيج مشاعر الشيعة في العراق، وتحريضهم للتمرد ضد النظام. وهو فيها كل جهده وصقله. وكان يعني ذلك وصول العلاقة بينهما إلى درجة لا مكان فيها للتسامح والحوار.

كان السؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه على الأحزاب الدينية هو: أين الحدود الوطنية والقومية في الموقف المساند –على طول الخط- لإيران، وهل هناك هامش استقلالي لهذه الحركات. يسمح لها بأن تكون متميزة عن النظام الإيراني، أم هي ورقة بيده يفعل بها كما هو شأن معظم الأنظمة التي تحاول تحيير المعارضة المتواجدة على أراضيها لصالحها، في علاقاتها بالنظم الأخرى.

وهكذا نرى أن أهم القوى السياسية العراقية لم نتطرق لبعض الأحزاب والتيارات الأصغر اختارت الخصم بدل النظام، والوطن، ولم تكتفي بالتأييد السياسي والإعلامي. بل مارست جميعها العمل المسلح، والتخريبي ضد النظام والعراق. الأمر الذي أوصل العلاقات إلى القطيعة النهائية للأحزاب الكردية وضع مختلف بالنظر لخصوصية الحالة الكردية من جهة، والمسار الذي ميز العلاقات الكردية بالنظام. من جهة ثانية، وللمرونة التي تصف الأكراد وقابلية الانتقال من خندق لآخر، ويزمن قصير من جهة ثانية.
 تواطؤ المعارضة مع العدوان الثلاثي

إذا كانت بعض القوة العربية. تبرر مواقف الأحزاب العراقية بأن سنوات الحرب العراقية-الإيرانية. وهي مواقف غير مبررة مقبولة، وتظهر كنوع من الخلاف بين تلك الأحزاب والنظام. فإن مواقف تلك الأحزاب، والعراق يتعرض لأكبر مؤامرة في التاريخ. لا تقع في أي خانة من التوصيف. إلا خانة التبعة للعدو. التي تصل إلى حد الخيانة الوطنية، والقومية، والإسلامية، والأممية.

فقد كان شيئا مفجعا، وعجيبا. أن تلتقي المعارضة العراقية وقوى العدوان في خندق واحد، وأن تتطوع أطراف ومجموعات وعناصر منها للتجنيد مع العدو. وركوب دباباته. أملا بأن توصلها إلى بغداد. وأن تمارس فعلا إجراميا، هو وصمة عار لكل من ساهم فيها. حيث لا تنفع التبريرات والتحليلات والمراهنات. استنادا إلى فهمها لجوهر المعارضة، ومبررات وجودها. وللخطوط الحمراء التي لابد وأن تحكم مسارها ومواقفها.

1- هدف كل حزب سياسي هو الوصول إلى الحكم لتطبيق برنامجه، وأن الأحزاب تكيف وسائلها، وبرامجها أحيانا وفقا للمرحلة التي تعيشها، ولجملة التغيرات، والاحتمالات المتوقعة، وغيرها.

لكن السلطة ليست هدفا، هي وسيلة لتحقيق البرنامج هذا إذا افترضنا صدق الحركة مع نفسها ومع من تمثلها. وبالتالي فالوصول إلى السلطة لا يمكن أن يكون إلا بالوسائل المتناسبة مع ذلك البرنامج، ومع الشعارات المرفوعة.

ومبرر الوصول إلى السلطة هو. افتراض وجود نظام معارض، أو نظام نقيض. ونظام لا يلي مصالح وطموحات وأهداف الشعب. التي تدعي هي أنها الممثل الأصدق له، ولذلك فهي تفعل أولا وأخيرا من أجل الشعب والوطن. أو الأمة، والدين، والطبقة العاملة. وغير ذلك.

ولكن هل غاية الوصول إلى السلطة تبرر التعاون مع كل خصم داخلي، ومحيطي، وعائلي. يناصب النظام المعني الأداء؟.

أليست هناك ثوابت للعلاقات والتحالفات والتعاون.                                                                                     

ألا توجد خطوط حمراء في العمل السياسي لا يمكن الاقتراب منها. فكيف إذا تم تخطيطها.

هل يمكن للأحقاد والنزاعات الثأرية، وحب السلطة، أن تكون فوق الوطن والمبادئ والعقائد؟.

2- قد يجد البعض تبريرا لهذا أو ذاك. بتعاونه، وتحالفه، أو تجنده مع نظام في المحيط العربي، أو إيران. علما أنه عندما يهدد التراب الوطني من الغير. يصبح التعاون جريمة بمرتبة الخيانة. فذلك شائع ومألوف، وقد يضطر حزب ما يحكم تواجد قيادته، أو إعداد كبيرة منه في بلد آخر إلى السكوت عن طبيعة هذا النظام وممارساته أو إلى الانصياع لبعض تكتيكاته.

ولكن كل هذا يمكن أن يصنف في خانة. والتعاون مع العدو الاستراتيجي، والتاريخي للوطن، والأمة، والدين، والانسانية. شيء آخر. يخترق كل الثوابت، والخطوط الحمراء، والمبادئ. ويلقي أرضا بكل الشعارات والنوايا. التي تصبح أوراق توت لا تستر الفعل الأعظم، فعل الخيانة بكل المعاني والتوصيات.

3-عندما يتعرض الوطن لعدوان خارجي بغض النظر هنا عن طبيعة النظام، وعن العلاقة معه.  أيا كانت الجهة الأجنبية. يصبح الوطن هو الثابت الوحيد، وما دونه تفاصيل وجزئيات، فتجمد الخلافات والعلاقات والصراعات. وحتى المعارك إن كانت موجودة بين النظام ومعارضة لتتجه كل الجهود نحو حماية الوطن، والحفاظ على ترابه ووحدته. وبعد ذلك لكل حادث حديث.

فكيف إذا كان هذا العدوان الخارجي أمريكا وبريطانيا، وبدعم صهيوني ويفترض أنهم أعداء جميع الأحزاب السياسية الوطنية. عدوان لم يخف أهدافه في تدمير العراق، والسيطرة على المنطقة مع العدو الذي يقوم بأكبر وأشرس حرب شاملة ضد الوطن.

والمأساة نفسها تتكرر طوال سنوات الحصار الجائر على العراق. حين وقفت جل أطراف المعارضة العراقية معه، وحين كان بعضها يتباهى مع الأمريكان والإنجليز، وحين كانت مظاهر الفرح بادية على بعض الوجوه والعراق بكله يتعرض لأعنف هجوم عدواني في التاريخ، والغريب، أن البعض راهن مع المراهنين. في أن الحصار سيوصلهم إلى بغداد. مثلما راهنوا على الأمريكان والإنجليز والصهاينة والدول الغربية الضالعة بالعدوان. في أن يقدموا لهم العراق على طبق من ذهب.

ولنعد إلى البداية، حين توضحت الأهداف الأمريكية –الصهيونية المبيتة بضرب العراق، واستخدام الكويت كذريعة، تحركت الأجهزة الاستخبارية الصهيونية الإنجليزية للتنسيق أولا مع عدد من النظم العربية. لبحث شأن ومستقبل العراق، ويهدف تجميع قوى المعارضة العراقية المنقسمة والمتبعة، والموزعة في بلدان كثيرة، وفي اتجاهات أكثر. لاستخدامها كورقة. في عمل لاحق. -وفي شهر سبتمبر 1990- اتخذت إدارة بوش قرارا بـإسقاط النظام العراقي. وكان هذا يستلزم البحث عن واجهات عراقية لعرضها. فعرفت العواصم الغربية، وبعض العواصم العربية، وتل أبيب نشاطا محموما لتقييم أوضاع المعارضة أولا، وتجميعها ثانيا، وإيجاد أطر وتسميات لبعضها ثالثا.

فعقدت عشرات اللقاءات والاجتماعات بين الأجهزة الأمنية لتلك الدول، وبين معظم الأطراف المعارضة القديمة المعروفة. ومن أوجدوه للتنسيق، والعمل المشترك. في الوقت المناسب.

Voir les commentaires

كتاب حروب امريكا اسرائيل وبريطانيا على العراق /المؤلف صالح مختاري/وضع نظام سياسي موالي لأمريكا

 

وضع نظام سياسي موالي لأمريكا

أمريكا أعلنت مرارا على لسان رئيسها ووزيرة خارجيتها، ووزير دفاعها. وغيرهم من كبار المسؤولين أنها لن توافق على رفع الحصار حتى وإن نفذ العقا كل التزاماته مع لجان التفتيش، وأن الهدف هو "إسقاط النظام العراقي" الرئيس صدام حسين.

وإذا لم تستطع كل وسائل أمريكا وعملاؤها إسقاط النظام العراقي. بعد مرور أكثر من ثمانية سنوات ،فسيكون الحصار إلى ما لا نهاية حتى يتحقق الغرض، ولأجل ذلك جاءت بعملائها، وقسمت العراق إلى دول ثلاث. ولم تتوقف أهدافها العدوانية تجاه العراق. منذ البداية تحدد على طول خط المؤامرة وأهدافها.

إن الوقائع المأساوية من الحصار الجائر يؤكد وجود أهداف مسبقة، أفصحت عن نفسها، ووجدت تعابيرها على الأرض، وأبرزها:

1-تدمير الأسلحة الاستراتيجية العراقية، وإضعاف قدراته العسكرية إلى الدرجة القصوى..عبر صيغة لجان التفتيش.

2-تلقين العرب والمسلمين، درسا بليغا في الإجرام الأمريكي –الصهيوني، وتخويف الحكام العرب وغيرهم من الأقدام على أي خطوات استقلالية، أو محاولات التمرد على أمريكا والعولمة التي تريد فرضها..

لقد تحدى العراق البلد العربي الصغير، الإدارة الأمريكية في احتلال وطننا والسيطرة على ثرواته الهامة خاصة النفط، وفي عدم الانصياع لشروطها في فرض الاستسلام والاعتراف بـإسرائيل. ورفع ذلك التحدي باقتدار يستند إلى مقومات داخلية مترابطة، وإلى تأثير شعبي عربي لم يعرفه وطننا منذ الخمسينات، وامتلك أسلحة محرمة على العرب، ودخل عصر الإنتاج المتطور..وهدد بـتدمير نصف إسرائيل إذا ما حاولت الاعتداء على العراق أو أي قطر عربي آخر..وكل ذلك ممنوع، وغير مسموح به. فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، انتهزت أمريكا فرصة الفراغ لتنتزع كل القرارات التي تريد من مجلس الأمن، واستغلال نفوذها في تحقيق أهدافها الخبيثة..ليكون العراق المخبر والتجربة. لفن جديد من فنون الإجرام، وعنوانه عالم أمريكا الذي لا مكان فيه لغير المؤيدين والمنبطحين والتابعين.  وبالوقت نفسه إدخال الذعر في نفوس الحاكم المرتعدين أصلا لكي لا يفكروا بأية محاولة للتمرد ومعارضة الإدارة الأمريكية.

والنتيجة احتلال وطننا بالكامل، خاصة في مواقعه الأكثر استراتيجية، والقضاء على اية محاولات لرفض الأمر الواقع، أو لنجده أخ، وجار..بكل ما يشوه صورة العرب وحكامهم، وبما ينتج عنه من آثار بعيدة المدى بين الشعب العربي في كل قطر وآخر، وبينه وبين حكامه، وبينه وبين العالم..

فمنذ أن وصلت صواريخ الحسين إلى قلب تل أبيب وأحدثت فيها، وفي مجمل الكيان الصهيوني، ذلك الذعر..وما نجم عنها من خسائر. كان متوقعا أن الصهيونية العالمية، المسيطرة على المفاصل الأمريكية، وعلى مواقع حساسة في العالم، لن تسامح العراق وقيادته عندما أقدمت، وللمرة الأولى في تاريخ الصراع العربي–الصهيوني على توجيه صواريخها إلى عمق الكيان الصهيوني، وتهديده جديا. وأنها ستضع كل ثقلها للثأر من العراق وقيادته على الطريقة الصهيونية المعروفة.

لقد أراد الإعلام الغربي، ومعه عدد من الحكام العرب، التقليل من عملية توجيه 40 صاروخ عراقي الصنع إلى عمق الكيان الصهيوني..لكن الحقيقة كانت غير ما طفى على السطح..والآثار أكبر..ويمكننا تعدادها:

أ-رغم كل ما قيل عن حجم الرؤوس التي تجملها تلك الصواريخ، ومحدودية أثرها..فإنها، وكما تؤكد مصادر فلسطينية موثوقة، أصابت أهدافها بدقة كبيرة، وأحدثت أضرارا معتبرة وكانت جميع الأهداف عسكرية.                                  

ب-كانت صواريخ الحسين رسالة بليغة لمستوى التقدم العلمي الذي وصله العراق، والذي يعني إمكانية دولة عربية، أو أكثر من أحداث التوازن الاستراتيجي في ميزان القوى، بل وإمكانية الإخلال به لصالح العرب بما يعنيه ذلك مباشرة من تهديد ما لأسس الكيان الصهيوني، واستمراره.

ج-فشل مضادات الصواريخ "الباتريوت" التي تسلمت "إسرائيل" ثلاثة منه، في التصدي لصاروخ الحسين.

د-والأهم من ذلك..جرأة القيادة في اتخاذ قرار ضرب العمق الإسرائيلي،، وتجسيد هذه الجرأة –للمرة الأولى- في تاريخ الصراع..وإمكانية توسيع، أو تبديل حمولة تلك الصواريخ.

وإذا ما استقرأنا الوثائق الرسمية الصهيونية منذ قيامها نعرف كم كانت تكشف من أحقاد على العراق الذي تعتبره من أخطر أعدائها..بالنظر إلى طبيعة الشعب العراقي..كشعب قومي صلب ومقاوم، وكذلك موقع فلسطين في قلب كل عراقي..وما أنجزه العراق منذ عقود في تطوير قدراته الانمائية والعسكرية وصولا إلى تشكيل جيش نوعي في تاريخ العرب الحديث.

إن مخططات صهيونية قديمة لتفتيت العراق وتقسيمه إلى ثلاث دول، وقيام "إسرائيل" عام 1981 بالاعتداء على مفاعل تموز، ودعمها الواسع النطاق للحركات الكردية الانفصالية، ومحاولات التحسس الدائمة على العراق وهناك وثائق كثيرة تكشف جوانبا من هذا الاسناد، بما في ذلك مشاركة عدد من الطيارين الإسرائيليين في قصف العراق.

وسنكشف من أول قراءة للقرار 687..الذي يطالب بتدمير الأسلحة الاستراتيجية للعراق، ومنها الصواريخ..إن المقصود بذلك منع العراق من الوصول مرة ثانية إلى العمق الإسرائيلي، إذا وجب وجوب تدمير الصواريخ التي يصل مداها أكثر من 150 كم ومنع العراق من امتلاك مدافع بهذا المدى، وكذلك صواريخ من مدى 240 كم. وأقل من ذلك بإمكانها الوصول إلى الكويت والسعودية، وكافة جيران العراق. وإذا كانوا هم فعلا القصد بالقرار، فهذا كذب مفضوح وإسرائيل هي المقصودة. ولذلك كان البحث حثيثا عن تلك الصواريخ لتدميرها، ومنع العراق من امتلاك أسلحة وصواريخ بمدى مناسب.. يصل إلى عمق الكيان الصهيوني.

إن الحقد الصهيوني، المجبول بتاريخه طويلة من التآمر والتضليل، يدفع العالم إلى الانتقام من العراق وقيادته الوطنية..انتقاما لم تعرفه البشرية من قبل، لأنه يحمل النكهة الصهيونية، وبصماتها.

 

Voir les commentaires

كتاب حروب امريكا اسرائيل وبريطانيا على العراق /المؤلف صالح مختاري/الوضع الاجتماعي والاقتصادي في ظل الحصار

 

الوضع الاجتماعي والاقتصادي في ظل الحصار

لقد استهدف العدوان الثلاثيني جل البنية التحتية للاقتصاد العراقي، فقام بتدمير العديد من المنشآت الصناعية، ومصانع حليب الأطفال، وجميع محطات الكهرباء، والهاتف، والبريد، ومحطات توزيع المياه الصالحة للشرب، ومجاري ومحطات تصريف المياه وأحدث دمار واسع. كان إعادة إعمار تشكل الأولوية للحكومة، لتأمين الحد الأدنى من الخدمات والمنتجات..بواقع احتباس الصادرات والواردات.

ولسنوات طويلة كان الاقتصاد العراقي منتعشا، ويحقق فائضا كبيرا. فقد كانت صادرات النفط تشكل 1.3% من الناتج المحلي الاجمالي، بينما كانت الزراعة تشكل 5%، والبقية، أي نحو 33.7% كانت صادرات متنوعة لمنتجات مصفعة وثروات معدنية مختلفة.

وكان معدل النمو 4.4% في الفترة الممتدة من 1965-1973. ثم ارتفع إلى 10.5% حتى عام 1980، ثم انخفض قليلا في العامين التاليين..لدخول العراق في الحرب مع إيران. ليستقر معدل النمو دون هبوط.

ومع سنوات الحصار توقفت بشكل شبه شامل معدلات النمو في الصادرات، وانعكس ذلك بصورة دامية على سعر صرف الدينار، مقارنة بالدولار..حيث كان السعر الرسمي للدولار قبل العقوبات يساوي 3.11 للدينار أي نحو ثلث دينار وتدهور السعر الموازي بسرعة جنونية بعد العقوبات. حتى وصل إلى نحو 3000 دينار للدولار الواحد، أي بزيادة تصل نحو تسعة آلاف ضعف..وتذبذبت أسعار صرف الدينار مقابل الدولار في السوق الموازي ما بين 500-600 عام 1994، ثم ارتفع عام 1995 ليصل إلى أكثر من 3000 في نهاية هذا العام..وتراجع عام 1996. حيث استقر لأشهر بحدود 1640..واستقر بحدود 1700 ثم تراوح عام 1997. ما بين 1100-1700. وحتى حدود 2000 دينار للدولار الواحد.

فعلى صعيد الأفراد، وبحكم التقشف القسري..اضمحلت، وتلاشت مظاهر البذخ والتبذير في المأكل واللباس، واستغنى المواطنون عن مواد كثيرة كمالية وضرورية. ونظموا حياتهم وتغذيتهم وفقا للامكانيات المتواضعة. وبالوقت نفسه اتجه العديد منهم إلى ابتداع وسائل جديدة في استغلال حدائق البيوت معظم بيوت العراقيين تتوفر فيها حدائق تحيط بالبيت، أو داخله وتحويلها إلى مزارع صغيرة تنتج ما هو ضروري من خضروات، وإلى تربية الدواجن لتوفير البيض واللحم والبعض طور ذلك إلى إدخال زراعات مناسبة تسد بعض الحاجات، وعادت النخلة لتحتل مكانتها بالاعتماد على التمر كمادة غذائية رئيسية حيث توقفت معظم صناعات الحلوى، والتفتن في استخداماته المنزلية..

وقد أوجدت هذه الوضعية الاقتصادية إرادة جديدة، وعقلية أكثر همة واقبالا على العمل، والتركيز على الزراعة..بعد أن أهملت لسنوات، وبعد أن كان جل العراقيين يعتمدون على الأيدي العاملة الخارجية، والوافدة من مصر بشكل رئيسي، ومن عدد من الأقطار العربية، والهند، وبعض دول شرق آسيا..

ونجد هذا الاعتماد على الأنفس يتجاوز الجانب الغذائي، والزراعي. ليشمل جميع الميادين، والخدمات وغيرها.

وبدورها توجهت الدولة نحو قطاع الزراعة، فأولته أهمية أكبر. فنهضت مشروعات زراعية شاسعة في مختلف أنحاء العراق، فتمت زراعة حوالي 3588000 هكتار بالحبوب عام 1995، وانخفضت هذه المساحة بنحو 13% عام 1996 وقدرت كميات الحبوب المنتجة عام 1997بـ2200000طن، وهو أدنى إنتاج منذ عام 1991..بسبب ضعف إعداد الأرض نتيجة عدم توفر الجرارات والأسمدة، ومبيدات الحشرات، وتسهيلات الري..ونقص الحصادات وآلات الجني..

أما الخضر والفواكه..فقد احتلت مكانة هامة في النظام الغذائي، بسبب النقص في الحبوب واللحوم والمنتجات الحيوانية وقدرت المساحة الزراعية عام 1997 نحو 500 ألف هيكتار، وهي نسبة تساوي 10% من جملة الأراضي الزراعية لكن العراق، وحسب تقرير "منظمة الغذاء والزراعة"..يعاني من مشكلات كبيرة في الميدان الزراعي، كزيادة المعالجة، والأسمدة المناسبة..وغيرها من مستلزمات إنجاز المشروعات الزراعية، وتحسين مردودية الأرض.

لقد نزل الحصار بكل ثقله وويلاته على المجتمع..فأحدث هزات ومتغيرات وآثارا كبرى، بعضها يمكن تلمسه ومشاهدته وبعضها سيتفاعل لسنوات قادمة..وربما لعدة أجيال..

فقد انهارت طبقات اجتماعية بأكملها..لتلتحق بالفئات الفقيرة، خاصة تلك الطبقة الوسطى التي كانت تعيش حياة مقبولة. وازدادت أوضاع الفئات الشعبية تدهورا..وحلت المصاعب بأصحاب الدخل المحدود، خصوصا الموظفين..فراح قسم كبير منهم يبحث عن عمل إضافي في شتى المجالات، خارج أوقات العمل الوظيفي، مما يؤثر على عملهم، وصحتهم، بينما دخل العديد من الأطفال ميادين العمل المتوفرة، واضطر الكثير لبيع أثاثهم وحاجياتهم، ومكتباتهم..

كما أدى الحصار إلى هجرة أعداد كبيرة من العراقيين..بحثا عن باب للرزق، في الدول العربية التي تقبل استقبالهم، خاصة في الأردن، أو في مشارق الأرض ومغاربها..حيث تتحدث المصادر عن وجود نحو /3/ مليون خارج العراق..

وبالمقابل فإن هذه الأوضاع الاستثنائية..تفتح شهية تجار الحروب للقيام بشتى أنواع المضاربات والاحتكار، والتهريب، والسوق السوداء..إذ برزت طبقة جديدة، تمتص دماء الشعب، وتحاول التحكم بأسعار المواد، وطرق توزيعها..الأمر الذي أدى بالحكومة العراقية إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد المحتكرين والمضاربين، وصلت إلى إعدام عدد من هؤلاء. كما انتشرت عمليات التهريب من وإلى العراق، خصوصا تهريب المواشي إلى السعودية، والعديد من السلع والمواد الرئيسية بتشجيع وتخطيط من الأنظمة المعادية، التي كانت تدفع مبالغ ضخمة ثمنا لرأس غنم مهرب، وعندما شدد العراق إجراءاته على الحدود..صارت الطبقات تتجه إلى تسليم ضرع النعجة مقابل مبلغ مالي معتبر، كجزء من عملية تخريبية كبيرة..

هذا الواقع القاسي..لابد أن يفرز عددا من الأمراض والآفات الاجتماعية، إلى جانب الأمراض الصحية الناجمة عن سوء التغذية.

والحقيقة، فالشعب العراقي العربي –المسلم، والمؤمن بأمته حتى النخاع، والقومي النزعة والتشكل، والذي كان سباقا للعطاء والفداء في جميع معارك الأمة ومنحها..يجد نفسه وحيدا دون عون من أحد..وأكثر من ذلك فإن أخوته العرب والمسلمين يغلقون حدودهم، وينفذون –حرفيا- قرارات أمريكا، وبغضهم يتآس على العراق ويحرض الأعداء عليه..والغالبية تتفرج على شعب يعاني ويلات الموت والجوع والحاجة والمرارة..دون أن يتقدم أحد بمد يد المساعدة..اللهم إلا من بعض القوى الشعبية ضمن امكاناتها المحدودة، وبعض الدول التي قدمت بتقطع الاعانات القليلة..

هذه الوضعية الخطيرة لابد أن تترك آثارها في أعماق المواطن العراقي. ما فائدة الأخوة والصداقة والروابط القومية والدينية ما لم تعبر عن نفسها وقت الشدة عملا، ومشاركة ومواقف.

مع ذلك، فشعب العراق ما زال إيمانه عاليا بعروبته وأمته ومعتقداته، ويتفهم الكثير منه أوضاع الشعب العربي في عموم أقطاره، بحكومات عملية أو متخاذلة أو خيانة أو مشغولة بـ"بغدادها" ومشاكلها الداخلية كما يعرف هذا الشعب..أن العرب والمسلمين، وكافة أحرار العالم..معه في الخندق الواحد، يتألمون لمصابه وواقعه..وقد عبروا عن مساندته له ضمن كل الوسائل التي أتيحت.

لقد أحدث الحصار المجرم ويلات، وهزات، وكوارث طالت كل بني العراق، وحصد أكثر من مليون مواطن، غالبيتهم من الأطفال..وأوقع المرض بالملايين..وخلق اضطرابات وهزات وحفر داخل النفس..وفي مجمل البنى.

إلا أنه في وجهه الآخر..ساهم في رفع عزيمة الشعب، واستنفارها حتى الدرجة القصوى، وكرس إدارة التحدي لدى العرقي..ليس في مواجهة الأعداء الخارجيين وحروبهم ومؤامراتهم وحسب، وإنما بنية الفرد، فازدادت صلاحية العراقي، كما ازداد تمسكه بترابه الموحد ومعتقداته وقيمه الأصلية، وشمر عن ساعديه..يعتمد عليها في حياته وتأمين لقمة عيشه وعيش أطفاله وعائلته..وفي قهر من يريدون قهره وإذلاله..

ودخلت المرأة ميادين العمل بكثافة وقوة وإرادة..تساعد في حمل العبء الثقسل وتحمل السلاح جنبا إلى جنب الرجل دفاعا عن وطن عزيز مهدد..

ويمكننا القول –بكل موضوعية- أن الأزمات..هي الامتحان الأكبر للانسان، وأنه كلما كبر التحدي، واشتد الخطب، وتكاثفت الأخطار على الوطن والمواطن..كلما ارتقى الشعب إلى مستوى أعلى من الجاهزية والاستعداد للقضية والتحمل والفداء هذا هو منطق التاريخ، وهذا هو حال الشعب العراقي..الذي يقد الآن من فولاذ التصميم والإيمان والعزم ليخرج من قلب المعاناة والمأساة عملاقا أقوى مما كان.

هذه التركيبة المتفلذة. يصعب لأحد أن يقهرها أو يكسرها..ناهيك عن نوايا اختراقها، وهي تقف صامدة كل هذه السنوات العجاف، تعلن بالصوت القوي، وبالفعل الملموس..أنها باقية رغم مؤامرات الأعداء والتابعين..وأنها أكثر التحاما مع قدرها الذي نذرت له، ومع إيمانها بوحدة الوطن وتحرره وتقدمه.

ولئن أذهل هذا الشعب العالم وهو يواجه أعنف قصف همجي بشجاعة ورجولة وإيمان..وهدوء..ويواصل حياته العادية وأفراحه..في أوج القصف الذي تهاطل على بغداد والمدن العراقية..فإنه يبلغ الجميع رسالة واضحة. ويرد على الأمريكان والصهاينة. الذين يرهنون "انتفاضة" هذا الشعب ضد نظامه الوطني. من خلال إدامة الحصار ومحاولة قتل إرادة الشعب. كما يبلغ أبواق المعارضة ومن يحميهم ويمولهم. أن شعب العراق واقف وصامد..وثابت على المبدأ. حتى تزاح الغمة. وتحقق أهدافها.

Voir les commentaires

<< < 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 > >>