الحلف الأطلسي دعم فرنسا الاستعمارية لسحق الثوار الجزائريين
أوروبا وأمريكا وقفتا ضد إرادة الشعب الجزائري
إن الدعم الغربي الأطلسي الذي تلقاه الجيش الفرنسي للقضاء على الثورة الجزائرية ، كان مرتبطا بإحدى ركائز الإستراتجية الفرنسية , التي كانت تعتبر الجزائر أرضا فرنسية، اذا أن أطراف الحلف الأطلسي يتشاورون كلما رأى أحدهم ان الوحدة الترابية أو الاستقلال السياسي أو الأمن القومي أصبح مهددا ، و بناء على هذه المادة طالب بعض النواب الفرنسيين دول الحلف الأطلسي بدعم عسكري خصوصا وان المادة السادسة من المعاهدة المذكورة تنص على أن كل هجوم مسلح ضد المحافظات الفرنسية بالجزائر يعتبر عدوانا مساحا .
فالدعم العسكري الأطلسي لفرنسا , يظهر في قرارات لم تلبث أن ترجمت الى واقع ، فقد قرر الحلف الأطلسي منذ مارس 1957 الترخيص للحكومة الفرنسية تحويل جزء من العتاد و الجيش الفرنسي المخصص أساسا "للدفاع عن العالم الحر" لاستعماله في الجزائر ، و قد ظهرت نتائج هذا القرار في ميدان العمليات ، فقد كان معدل تدخل الطيران في المعارك ستة آلاف مرة خلال الأشهر الأولى من عام 1956 , بينما بلغ خلال نفس الفترة من عام 1957 ما لا يقل عن سبع و عشرين ألف مرة. و قد سجل المعلق الفرنسي جان بلانشي , في صحيفة لوموند ان معدل طلعات الطيران في عام 1957 أصبح عشرة آلاف مرة في الشهر يبلغ مجموعها عشرين ألف ساعة طيران .
و يظهر الدعم الأطلسي على الخصوص في نوعية الطائرات ذات الصنع الأمريكي , مثل حاملات القنابل ب 26 , و الطائرات العمودية التي يتطلبها الميدان الجزائري و التي لم تكن تصنع في فرنسا , فقد سبق لسوستيل الذي تحمل مسؤولية الولاية العامة للجزائر في 1955 الى مطلع فبراير 1956 ، أن اشتكى من كون الجيش الفرنسي بالجزائر لم يكن يملك من الطائرات في أوت 1956 الا 150 وحدة , انظافت إليها بعد أشهر قلائل 200 وحدة من تلك التي لم تكن تصنع في فرنسا.
و هذا ما جعل الغرب - كأنظمة و ككتلة - يخشى ان تضار مصالحه بسبب حرب الجزائر. يضاف الى ذلك ان الرأي العام في الدول الغربية بدأ يتابع بإهتمام تطور الحرب , و ارتفعت بالفعل اصوات في الغرب تعارض المنحى الذي بدأت تأخذه المساعدة الغربية لفرنسا في الحرب , تحت ضغط رأي عام أصبح يتعاطف مع القضية الجزائرية , كما كان الشأن في بريطانيا و ألمانيا الغربية و إيطاليا , او نتيجة لحساب دقيق للمصالح الغربية على المدى البعيد كما هم الشأن في الولايات المتحدة الأمريكية.
و قد بلورت الصحافة الغربية اهتمامات و توجيهات الرأي العام و الأوساط السياسية، بخصوص دعم الحلف الأطلسي والدول الغربية لفرنسا في هدا الشأن نشر السناتور "كندي" تقريره الذي أحدث ضجة كبيرة في الغرب ، نشرته آنذاك صحيفة "المقاومة الجزائرية" التي كانت تصدر قبل توحيد صحف جبهة التحرير ، كما كتبت صحيفة "دي والت" الألمانية الغربية في 2 نوفمبر 1957 مقالا تطالب فيه الحلف الأطلسي بأن "يجبر الفرنسيين و الجزائريين على الجلوس معا حول مائدة التفاوض".
و بعد أن تساءلت " هل يعد هذا تدخلا في الشؤون الفرنسية " اجابت "ان حرب الجزائر كلفت أوربا ثمنا غاليا" ثم انتقدت انفراد باريس باتخاذ مبادرات لم تكن في صالح الغرب.
و كتبت صحيفة "نيوزويك" الأمريكية في ديسمبر عام 1957 تقول "ان هناك خطرا يهدد الغرب مثل خطر السبوتنيك و الصواريخ السوفيتية , انه حرب الجزائر"
في عام 1956 قامت فرنسا الاستعمارية بسلسلة من الاعتداءات على تونس و المغرب, و النتهاك سيادتهما ،حيث بلغ معد طلعات الطيران الفرنسي المتمركز في تونس و المغرب و مساهمته في العملية العسكرية بالجزائر ما لا يقل عن مائة مرة في الأسبوع , حسب مصادر مجلة الدفاع الفرنسي ، و كان الاعتداء على ساقية سيدي يوسف بالأراضي التونسية في 8 فبراير 1958 هو ابرز تلك الاعتداءات وأشدها وأشنعها . هذا العدوان , بدل ان يحقق الهدف منه, اعطى بعدا جديدا لتدويل القضية الجزائرية, فقد رفعت تونس شكوى الى مجلس الأمن في 14 فبراير 1958, و منعت القوات الفرنسية المتمركزة في تونس من التحرك, و في 14 فبراير اتصل فينوغرادوف السفير السوفياتي في باريس بوزير الخارجية الفرنسي ، و ابلغه انشغال الإتحاد السوفياتي بالأزمة التونسية الفرنسية, فحاولت باريس ان ترد الفعل فرفعت في 15 فبراير شكوى الى المجلس الأمن ضد تونس بسبب " مساعدتها للمتمردين الجزائريين".
وقد سعت أمريكا لتمنع خروج معالجة الأزمة الذي طرأت على العلاقات بين تونس و فرنسا من الإطار الغربي، و لهذا بادرت أمريكا و معها بريطانيا الى عرض مساعي حميدة على فرنسا و تونس في 16 فبراير 1958 ؟، فسارعت تونس الى إعلان قبولها , و تقدمت بمذكرة في الوقت نفسه إلى مجلس الأمن جاء فيها ان "أمن تونس متوقف على جلاء القوات الفرنسية" و ان " ضمان السلم في المنطقة يتوقف على إنهاء الحرب الجزائرية". أما فرنسا فقد قبلت في مبدأ الأمر , ثم تنكرت رافضة أي نقاش حول الوجود العسكري الفرنسي بتونس.
كان هدف هذه المساعي هو محاولة وضع حد للتأزم الذي طرأ على العلاقة بين تونس و فرنسا و إيجاد مخرج من المأزق العام في الشمال الإفريقي المرتبط بحرب التحرير في الجزائر ، لكن تعنت الطرف الفرنسي في تونس و إيجاد صبغة يقبلها الطرفان , أي تونس و فرنسا , على ان يترك موضوع الحرب الجزائرية الى مرحلة لاحقة ،و على الرغم من هذا التراجع الأمريكي استمر الطرف الفرنسي يرفض المساعي الأمريكية .
عند ذلك اضطر الرئيس الأمريكي إيزنهاور الى التدخل في الموضوع , فوجه بتاريخ 11 افريل 1958 رسالة الى فيليس غايار رئيس الحكومة الفرنسية تضمنت النقاط التالية :
ــ أمريكا تؤيد الدول العربية المناهضة للشيوعية و في مقدمتها تونس و المغرب , و دلك لقطع الطريق امام التقدم السريع الذي تحرزه حركة القومية العربية .
ــ من خلال هذا المنظور تنظر أمريكا لمشكلة الشمال الإفريقي و ترغب في حل القضية الجزائرية على هذا الأساس.
ــ لا تريد امريكا أن تتدخل في الخلاف الحاصل بين فرنسا و دول الشمال الافريقي , لكنها تريد أن تتوصل فرنسا الى تفاهم مع عرب هذه المنطقة , و تحرص على الخصوص ان يوضع حد لدفع الجزائريين في اتجاه التحذير.
ــ ان التجاء فرنسا الى مجلس الأمن لن يكون له من نتيجة الا فتح المجال واسعا أمام الإعلام السوفياتي الذي سوف يظهر مدى تحمس موسكو للقضايا العربية , في الوقت الذي تكون فيه أمريكا محرجة نظرا لحيرتها بين موقف التأييد لفرنسا و موقف منافسة موسكو على تأييد العرب , علما بأن السياسة الامريكية لها مبدأ ثابث هو علاقاتها مع حلفائها الأوروبيين و العرب على السواء .
و قد حاولت صحيفة نيوزاندبيورت الأمريكية ان ترد على الفرنسيين الذين كانوا يرون في هذه الرسالة تدخلا غير مقبول فكتبت تقول " ان السبب في ذلك (أي التدخل الامريكي) هو ان حرب الجزائر أصبحت تثير شمال افريقيا كله ضد الغرب , و اننا نخشى ان يؤدي استمرار الحرب ان يخسر الغرب أصدقاءه في إفريقيا، ان حصول هدنة في الجزائر ليس بالامر السهل , من المتوقع أن تثور موجة عداء لامريكا
فالجيش الفرنسي سيغضب لا محالة من التدخل لامريكي , اما الثوار الذين يحاربون من أجل استقلال بلادهم فانهم سوف يستاؤون حتما من الجهود الأمريكية التي تحاول دفعهم الى تقديم تنازلات .
لكن عدم التدخل الأمريكي ستكون له نتيجة واحدة هو ضياع الشمال الإفريقي لصالح الاتحاد السوفياتي . لهذا قررت أمريكا ان تعدل عن سياسة عدم التدخل و ان تبدل جهدها للحصول على هدنة و لو رفضت فرنسا واستاؤت " و الواقع ان هذا المنحنى الجديد الذي اتخذه بعض المراكز المؤثرة في القرار الامريكي كان نتيجة الخوف من تدويل يفتح الباب للاتحاد السوفياتي.
Voir les commentaires