Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

كتاب المعارك السرية بين مخابرات الثورة الجزائرية ومخابرات الاستعمار الفرنسي /المؤلف صالح مختاري

الهجومات. فلم تكن الجزائر هي التي سعت من اجل عقد صلح جديد مع فرنسا بعد قيام هاته الأخيرة بخرق معاهدة السلم المئوية الاولى سنة 1684، وإنما كانت هاته هي التي بدلت المساعي المتتالية وبكيفية ملحة لابرام صلح جديد بين الطرفين.

كما تبنت الدبلوماسية الجزائرية خلال هذا الصراع مع لويس الرابع عشر مبدا أخر والمتمثل في نبد استعمال القوة في العلاقات الدولية وعدم الرضوخ للقوة مهما كلف ذلك من التضحيات. ففي المراسلات الكثيرة التي تبادلها المسؤولون الجزائريون مع الحكام الفرنسيين خلال هذه الفترة اكدوا فيها ولمرات عديدة ان "رسالة مهذبة من الملك أو وزير البحرية يكون مفعولها أقوى مما يحدثه جيش جرار أو أسطول كبير".

لقد جابهة الدبلوماسية الجزائرية خلال الأزمة مع فرنسا قضية كان عليها أن توضحها وتزيل عنها كل الثبات والمتمثلة في كونها تعاقدت وتتعاقد دائما لمصلحة الرعايا الجزائرين دون سواهم. لقد ظهرت هذه المسالة عندما تعمدت فرنسا تظليل المسؤولين بخصوص قضية  اطلاق سراح الأسرى. فبمقتضى معاهدة سنة 1684 تعاهدت فرنسا بإطلاق سراح عساكر الأوجاق و جنود البحرية الذين سيتم تبادلهم مع الأسرى الفرنسيين بالجزائر. وبدل اطلاق سراح هؤلاء قامت فرنسا باطلاق سراح الاسرى المسلمين من البلدان الأخرى والذين اختارتهم من بين المسنين والمعطوبين.

لقد وجد المسؤولون الجزائريون أنفسهم امام وضعية جد حرجة عندما ارسى هؤلاء بمرسى العاصمة. هل يقبلون هذه الصفقة المغشوشة ام يرفضونها ؟ ولقد قرروا في النهاية استقبال هؤلاء الأسرى في الوقت الذي صمموا فيه على فك الأغلال الأسرى الجزائريين بالاستمرار بالمطالبة بهم وبالفعل لم تهدء العلاقات بين البلدين وتستقر إلا بعد ان سوية هذه المسألة نهائيا سنة 1692.

لقد أظهرت الدبلوماسية الجزائرية من جهة اخرى، حرصا دائما على نبد التكتلات والتمسك بمبدا الحياد في الصراعات الاوروبية ولقد حاولت فرنسا مرارا عديدة وسعت بكل ما اوتيت من  اساليب الاقناع والتاثير بجر الجزائر ورائها في الصراعات الأوروبية ولكن بدون جدوى. وآخر مسعى بدلته في هذا الاتجاه على عهد لويس الرابع عشر وايفادها لبعثة كبيرة في عام 1702، لغرض اقناع المسؤولين الجزائريين بالوقوف إلى جانبها في الحرب المرتقبة التي ستشتهر في تاريخ أوروبا باسم حرب الوراثة الاسبانية.

وعند نهاية القرن السابع عشر سجلت الدبلوماسية الجزائرية موقفا على درجة كبيرة من الأهمية وبعد النظر والذي يتمثل في اعتبار منطقة المغرب منطقة متكاملة سياسيا و وامنيا لا يحق لطرف أوروبي أي كان أن يتدخل في شؤونها ويقحم نفسه في امورها، لقد عبرت عن هذا الموقف على اثر اندلاع حرب اهلية في تونس والتي استغلها قنصل فرنسا في هاته البلاد ليتدخل لصالح طرف ضد الطرف الأخر بمده بالاسلحة وبعدد من المرتزقة من الفرنسيين المختصين في المدفعية. لقد نند الداي شعبان، في رسالة شديدة اللهجة بعث بها إلى لويس الرابع عشر، بهذا الموقف الفرنسي الذي اعتبره بمثابة اعلان حرب ضد الجزائر، وطالب بأن يكشف عن موقفه بكل صراحة فيما إذا كان يعتبر نفسه في حالة سلم ام في حالة حرب ضد الجزائر، وهو ما اضطر فرنسا إلى شجب موقف قنصلها واعتبار سلوكه عبارة عن مبادرة شخصية وليس موقف الحكومة.

خلال القرن الثامن عشر سعت الدبلوماسية الجزائرية إلى توسيع علاقاتها السلمية مع الدول الأوروبية خاصة تلك التي لها مصالح في المتوسط. لقد أبرمت معاهدة صلح مع السويد سنة 1729 ومع الدانمارك سنة 1746 ومع النمسا سنة 1748، ومع هاسبورق سنة 1751 والبندقية سنة 1763، لتتوجها بمعاهدة صلح مع اسبانيا والتي ابرمت في شهر جوان من سنة 1785. وهذه المعاهدة لها اهمية كبرى في كونها ستساهم بقسط كبير في اعادة الهدوء والاستقرار على ضفاف المتوسط بعد صراع استمر قرابة ثلاثة قرون والذي تسبب فيه ظهور الصليبية الاسبانية التي شكلت تهديدا خطيرا على بلدان المغرب منذ أواخر القرن الخامس عشر.

ففي اطار هذه التعاقدات المختلفة بلورت الدبلوماسية الجزائرية عددا من المبادئ التي عمدت إلى ترسيخها وتكريسها في علاقاتها المختلفة والتي منها : الوفاء بالعهد والتقيد بالالتزامات التي تعهدت بها، مهما كانت الظروف والتغيرات التي قد تطرأ على الحياة الدولية. فابلرغم مما كتبته الادبيات الصليبية وما سجلته حول عدم وفاء الجزائريين بتعهداتهم، فإن التقارير الدبلوماسية الموضوعية تؤكد دائما هذا الجانب الايجابي في سلوك دول المغرب البحرية ولدى الكيانات السلامية الأخرى والذي تعتبره من الثوابت التي ترتكز عليه دبلوماسيات هذه الدول في كل الظروف وفي جميع الفترات.

كما أبرزت هذه التعاقدات مبدءا اخر والذي يتمثل في كون الدول الاسلامية بوجه عام ودول المغرب البحرية بصفة خاصة تعتبر ان حالة السلم في منطقة المتوسط هي الحالة التي يجب أن تسود وأن تكون دائمة وليس العكس فالتعايش السلمي هي الوضعية العادية أما حالة الحرب فهي استثناء وحالة مؤقت يجب أن لا تستمر. ولقد تجسد هذا المبدا في كون المعاهدات التي ابرمتها الجزائر خلال هذا القرن    (18) وفي القرن الماضي ليست محددة بأجل بل هي معاهدات تكرس صلحا دائما وابديا، وعندها تحدد هناك أجالاً فهي اجال طويلة الأمد، كما هو الشأن بالنسبة للصلح المئوي مع فرنسا.

كما ابرزت هذه التعاقدات مبدء أخر والمتمثل في التعاون مع جميع الدول على قدم المساواة فليس هناك في منظور الدبلوماسية الجزائرية دولا كبرى ودولا متوسطة ودولا صغرى بل جميع الدول تتساوى عندها في المرتبة. وقد تعاملت مع كل الدول على هذا الاساس ويكفي من للتأكد من ذلك تصفح المعاهدات التي أبرمتها الجزائر مع فرنسا او هولندا ومع هامبورق مثلا، فالكل لها نفس الامتيازات والالتزامات سواء بالنسبة لوضعية قناصلها بالبلاد او بالنسبة للتعريفة الجمركية التي يدفعها رعايا هاته الدول من التجار أو بالنسبة للقضاء القنصلي وصلاحياته وغيرها من المسائل. وما يقال عن "الجزية" التي تدفعها الدول الصغيرة للجزائر، في هذه الفترة هو موضوع يحتاج في نظرنا إلى اعادة النظر وإلى دراسة جادة ومعمقة. فالمعاهدات التي ابرمتها الجزائر مع دول شمال اوروبا ومع هولندا أو البندقية لا تنص ولا تشير إلى هذه "الجزية" لا من قريب ولا من بعيد.

والهدايا القنصلية التي تدفعها جميع الدول التي لها علاقات مع الجزائر، في الأجال التي حددتها الاعراف والتقاليد منذ امل بعيد كانت الدولة الجزائرية تقدم في مقابل هذه الهدايا، هدايا من طرفها لهؤلاء القناصل ولاساطيل بلدانهم عندما ترسوا هاته في مناء الجزائر فهي ليست هدايا من طرف واحد. كما ابرزت الادبيات الصليبية ذلك وعمدت على ترسيخها في الأذهان وعلى مر الاجيال. فنحن لا زلنا نسمع ونقرأ حول هذا الموضوع اشياء لا تزال تحمل في طياتها تاثيرات هذه الأدبيات حول هذا الموضوع.

ويبدوا ان السبب الكامن وراء هذا التهجم هو كون دول شمال أوروبا وحتى بعض الدول المتوسطية مثل البندقية كانت قد تجاوزت في تعاقدها مع الجزائر الحضر البابوي المفروض على الدول الاسلامية عندما قبلت وتعهدت  بتصدير مواد وسلع مصدرة إلى الجزائر، وخاصة الأسلحة والاخشاب الصالحة لبناء السفن وغيرها من السلع ذات الطابع الاستراتيجي مقابل اعفاء هذه المواد من جميع الرسوم والتعريفة الجمركية. فهذا الالتزام هو الذي تسميه هذه الأدبيات "بالجزية" والموضوع كما قلنا يحتاج إلى اعادة النظر ومعالجة جديدة بمعزل عن هذه التأثيرات المتحيزة.

في هذه التعاقدات المختلفة التي ابرمتها الجزائر مع الدول الأوروبية خلال هذا القرن كرست فيها واتبثت بكل صراحة ووضوح مبدا التسامح الديني والاعتراف في ضرورة مراعاة الشرائع الاعراف وتقاليد الرعايا الاجانب المقيمين في البلاد. وهي بهذا المسلك تطبق مبدأ اسلاميا عريقا وراسخا في التقاليد الاسلامية مع أقلمته وتطويره حسب مقتضيات كل عصر فالقضاء القنصلي استمد اسسه من هذا المبدء الاسلامي الاصيل ولقد بالغت الجزائر في التصور الميثالي للعلاقات بين الأمم إلى درجة انها كرست مبدء حماية وتامين مصالح الرعايا الاجانب حتى في حالة نشوب حرب بينها وبين بلدانهم.

لقد سجل هذا المبدء في المعاهدات التي أبرمتها مع فرنسا في القرن الماضي وفي المعاهدة التي أبرمتها مع هامبورق (1751) وهناك مبدأ أثبتته وصارت عليه الدبلوماسية.

الجزائر في هذا القرن، والمتمثل في تعهدها بعدم مساعدتها لطرف يكون في حالة حرب مع الدولة التي تم التعاقد معها حتى هذا الطرف قريب جدا منها ومجاور لها. هذا المبدأ بين مستوى النضج الذي وصلته العلاقات الدولية في منظور الدبلوماسيات الجزائر والدبلوماسيات الاسلامية كلها بوجه عام والذي جسدته في علاقتها المختلفة بحيث تخرج هذه من اطارها التقليدي المحدود إلى مستوى أوسع يفتح الباب للتعايش السلمي بين مختلف الشعوب بقطع النظر عن معتقداتها ودياناتها، وهو تطور نوعي على جانب كبير من الأهمية سجلته الدول الاسلامية قبل ان تنضج الدول الاوروبية لتصل إلى هذا المستوى من التعامل في علاقاتها مع الكيانات الاسلامية، والوئام الأوروبي الذي تجسد على الساحة الحياة الدولية، بعد مؤتمر فينيا هو بمثابة ردة وتراجع نحو هذا المبدأ الكبير الذي اقرته الدول الاسلامية وتعاقدت على أساسه مع الاطراف الاوروبية خلال القرن الثامن عشر.

ويعتبر هذا المبدأ مع مبدأ الحياد في في الصراعات الاوروبية، الذي تبنته الجزائر منذ القرن السابع عشر، إحدى الدعائم الهامة التي سيسند عليها قانون دولي عادل في تطوره لصالح المجموعة الدولية في جميع مناطق العالم، لو لم تعمد الدول الاوروبية إلى هدم هذه الاسس واستبدالها بالقانون العام الاوروبي الذي فرضته على المجموعة الدولية خلال القرن التاسع عشر تحت اسم "القانون الدولي" لخدمة أهدافها التوسعية والتسليط مستوحية مبدأها الاساسي من قانون الغاب: "الحق للأقوى".

تميز الوضع الدولي للجزائر غداة مؤتمر فيينا (1815) بالتأزم الشديد بسبب الموقف العدائي لانجلترا ضدها، ويعود اصول هذا الموقف إلى فترة الثورة الفرنسية، عندما بذلت انجلترا كل ما في وسعها لجر الجزائر وروائها في حربها ضد فرنسا وهي الجهود التي باءت بالفشل الذريع فلا الاغراء ولا التهديد باستخدام القوة قد أفلحا في تحويل الجزائر عن موقف الحياد الذي تبنته في هذا الصراع الاوروبي، ووصل التوتر بين الطرفين إلى حافة الحرب عندما استقبل الداي مصطفى مبعوث نابوليون ديبوا تانفيل الذي ابرم معه هدنة ثم صلحا نهائيا عام 1801. لقد هدد الانجليز بقصف العاصمة، ولما لم يفلحوا في ذلك عمدوا إلى ضغط على الجزائر بواسطة الدولة العثمانية التي اتخذت اجراءات انتقامية ضد مصالح الرعايا الجزئريين في الاراضي العثمانية بالمشرق، كما قامت بحجز بعثة جزائرية كانت بالقسطنطينية في تلك الفترة ومع ذلك فلم تؤدي هذه الضغوط إلى النتائج التي توخاها الانجليز.

وخلال مؤتمر فيينا طرحت انجلترا "مسألة" دول المغرب البحرية وعلى راسها الجزائر، كما لوحت بمشروع تكوين رابطة بحرية مشكلة من دول أوروبية المشاركة في المؤتمر لمهاجمة دول المغرب البحرية (الجزائر، تونس، ليبيا) وإذا كانت روسيا والنمسا قد اتفقتا مع اجلترا على ضرورة وضع حد لاستقلال دول المغرب البحرية، تحت شعار "محاربة القرصنة" ولكنهما أبديتا تحفظات بخصوص تفاصيل تحقيق هذا المشروع. اما بالنسبة لفرنسا فلم يكن لها دورا يذكر في هذه المداولات على اعتبار كونها دولة منهزمة، ومع ذلك فقد سعت بطرق ملتوية من اجل عدم تجسيد هذه الفكرة لما تمثله في طياتها من مخاطر على مصالح فرنسا المتوسطية في المستقبل وأمام هذه العراقيل والمثبطات، قررت انجلترا معالجة الموقف بصفة منفردة والذي نجم عنه قصف مدينة الجزائر وحرق الاسطول في الميناء عند أواخر شهر أغسطس من سنة 1816.

يلاحظ على الجزائر أنها لم تتاثر من هاته الضربة المباغثة، حين استطاعت أن تعيد بناء وحدات الاسطول والوصول بها إلى المستوى الذي كانت عليه تقريبا، بعد فترة قصيرة جدا. ومن ناحية اخرى فدبلوماسية البلاد لم يعثرها أي انخذال أو ضعف.

لقد رفضت اعتبار الارادة الاوروبية ملزمة لها وترى ان (قانون البشر) يجب أن يصاغ وفق ارادة الدولة في أية قارة توجد وليس وفق ارادة الدول الاوروبية وحدها. ولقد تجسد هذا الموقف في الرد الشفاهي الذي اعطاه الداي حسين للمبعوثين الانجليزي والفرنسي الموفدين من طرف دول مؤتمر إيكس لاشابيل لتليغ الداي بالقرارات التي اتخذتها بشأن (قرصنة دول المغرب البحرية)، وخلال المقابلتين اللتين أجراهما الدي مع هذين المبعوثين تبين له أن الدول الاوروبية، بالرغم من تصريحها المعلن كانت تتآمر على استقلال الجزائر، خاصة وان كل من روسيا والنمسا لم تعد تعترفان بهذا الاستقلال وتصران على هذا اعتبار الجزائر جزء من الامبراطورية العثمانية. نظرا لما تجريه من لفوائد العملية من وارء هذا الموقف واستخدامه للضغط على الدولة العثمانية لافتزازها.

لقد اوضح الداي للمبعوثين أن ما تشكوا منه الدول الاوروبية ليس له وجود حيث أن الجزائر هي في حالة سلم مع جميع الدول الاوروبية البحرية مؤكدا من جهة ا خرى انه لن تعتبر الجزائر نفسها في حالة سلم إلا معالدول التي ترتبط معها بمعاهدة صلح ولها قنصل معتمد بها. اما بالنسبة لقضية استرقاء الاسري فقد تبين للمسؤولين أن الخلاف يكمن فقط في التسمية. فوضعية الأسى الأوروبيين في الجزائر لا تتميز عن وضعية اسرى الحرب في أي بلد اوروبي، ولذلك لم تجد غضاضة في شطب هذه التسمية. ولقد كرس هذا التغيير في الحرب القصيرة التي خاذتها ضد اسبانيا حيث عاملت اسرى الحرب الاسبان على غرار معاملة الدول الأوروبية لهم.

إن نشاط الدبلوماسية الجزائرية في العصر الحديث ليس كله مضيئا، فهناك ضلال وعناصر سلبية في هذا النشاط نجملها في النقاط التالية:

انعدام المبادرة والحرككية في نشاط الديبلوماسية الجزائرية حيث يلاحظ عليها أنها التزمت موقف دفاعيا ساكنا. فهي لا تطالب بشيئ ولا تسعى بالتحقيق أي شيئ أو أية أهداف سواء كانت هاته ظرفية أم مرحلية او اهداف بعيدة المدى كما أن انعدام توفر جهاز مختص بمتابعة هذا النشاط وتطويره يشكل حجر تقل في عملية هذه البلوماسية وتخفيظ مردوديته، إلى جانب طغيان النظرة المثالية للعلاقات الدولية التي كانت تسترشد وتستوحي مسكلها من مبدأ (الحق والعدل) الذي نجده على شفاه كل المسؤولين الذين تعاقب على السلطة اثناء هذه الحقبة الطويلة.                 

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :