Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

الشيخ بوعمامة المجاهد المتصوف/ابن زاوية اولاد سيدي الشيخ يتحدى الاستعمار الفرنسي

الشيخ بوعمامة المجاهد المتصوف

ابن زاوية اولاد سدي الشيخ واصل الجهاد  ورسم الطريق للمقاومة المستمرة

 

        الشيخ بوعمامة مجاهد عاش ظروف أمته بكل حواسه، فأيقضت فيه هذه الظروف روح التحرر من الظلم المسلط على الجزائر، كما عايش الظروف السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية، الإقليمية و الدولية التي ستجد صداها الواسع في تكوين شخصيته، كما تكون لديه الأبعاد السياسية و العسكرية خلال ثورته العارمة منذ 1881م  إلى غاية عام 1908 م.

        الشيخ بوعمامة المجاهد المتصوف، يطرح مجموعة من الأسئلة هي :

لماذا اختار الشيخ بوعمامة طريقا جديدا في حياته الفكرية و انتمائه الأصلي للطريقة الشيخية؟

كيف كانت ردود فعل و مواقف أصحاب الطريقة الأم، و الخصوم الساسيين؟

ما هو الجديد في طريقة بوعمامة أو البوعمامية كما يحلو لأتباعه تسميتها؟

هل الشيخ بوعمامة النموذج الفذ بعد الأمير عبد القادر الجزائري الذي تعامل مع الإسلام الطرقي بإيجابية، و لم يقف موقف المتفرج من الصدمة الاستعمارية أثناء التوسع الفرنسي بالجنوب الغربي الجزائري، أم أن الطريقة التي ينتمي إليها الشيخ بوعمامة تتوافق و مفاهيمها   مع مباديء الجامعة الإسلامية كما هو شأن الوهابية و المهدوية بالسودان، و الحركة السنوسية بطرابلس الغرب و الصحراء الكبرى؟

 

        إذا حاولنا الإلمام بشخصية الشيخ بوعمامةن فإن ترجمة حياته الوافية تقول: إن الرجل قد انخرط في سلك حلقات العلم منذنعومة أظافره، حيث تدرج من الكتاب لحفظ القرآن الكريم و مباديء الخط إلى أن تدرج في طلب العلوم الدينية من خلال مبادىء العقيدة الإسلامية مرورا بكل المدارس الكلامية، إلى الفقه و علومه، كما شهد مترجمو الشيخ بوعمامة، ثم انكب على دراية التصوف و الطرق الصوفية التي كانت لها التأثير العميق على حياته و عقيدته و تصوره.

        كما يشهد من أرخ للشيخ بوعمامة من جهة أخرى بقدرة فائقة في الحفظ و الفهم، و قد أصبح منذ فترة مبكرة على درجة كبيرة من العلاقات بكبار المشايخ و المقدمين بمنطقة الجنوب الغربي الجزائري،         التي يعرف قصورها و قبائلها معرفة ستجعل من رحلاته خلال مرحلة التحصيل العلمي مقدمة إيجابية، حينما كان يرسم الخطط الاستراتيجية  لمعاركه من خلال تصديه للضباط الفرنسيين الذين واجههم طيلة جهاده العسكرين الذي يعتبر من أطول محطات المواجهة الحربية في تاريخ المقاومة الشعبية في جزائر النصف الثاني من القرن التاسع عشر و مطلع القرن العشرين.

        لقد شكل الشيخ بوعمامة شبكة من العلاقات المتينة بين أتباع و محبين من أهل "توات" و "الشعبانية" و "قورارة" و "تيديكلت"، و بعد رحلات كثيرة في الجنوب الغربي، و جنوب المغرب الأقصى، استقر به المقام بقرية "مغرار" على بعد 45 كلم من عين الصفراء، و هناك أسس زاويته الخاصة عام 1875 م بعد أن تمكن من كسب علاقات كبيرة مع كثير من القبائل و الشخصيات المحلية من بين القبائل العربية المقيمة بالحدود الجزائرية المغربية "ذو منيع"، "بني قيل"، أولاد جرير الأنجاد،  و غيرهم.

        و المتتبع لنشاطه في مرحلة "التكوين" و تهيئة المنطقة لشيء يؤمن به الشيخ بوعمامة، استطاع أن يخترق النفوس الساكنة بلغة و أسلوب جديدين و دعوة جديدة من خلال التعاليم التي كان يدعو إليها.

        لقد استهل بوعمامة طريقه الجديد الذي بدأ يطرحه في هذا الفضاء، الذي له قابلية للاستماع إلى كل ما يثير فيه روح الأمل في الخلاص من الوضع الذي تعرفه المنطقة.

        في هذا المحيط، و بثقة كبيرة في تحصيله العلمي و اجتهاده، طرح الشيخ بوعمامة على أتباعه   و مستمعيه مجموعة من الأفكار التي لم يعهدوها من قبل، حيث طرح عليهم مسألة تكاد تكون حتمية دينية و روحية، بل و اعتقادية هي مسألة: "الولاية" و "البركة" إذ أن فهمه العميق قد أكسبه "روح النقد" فمنطقه الصوفي لا يخرج عموما عن الطريقة الشيخية، إلا أن خروجه عن المألوف كما كان يدعو أتباعه و مستمعيه و مريديه هو في صياغته لمسألة "الولاية و البركة" حيث يقول: "إن الولي أي كانت درجته في سلم الطريقة الصوفية، إذا ما حل به الموت، فإنه بإمكانه أن يترك سبيل هذه الولاية أو البركة لأتباعه توارثونها كابرا عن كابر" إلى ما لا نهاية، و هو بذلك يرفض كليا ما كان شائعا في الطرق الصوفية المعروفة في محيطه كالطيبية أيام عبد السلام الوزاني، أو الشاذلية، طريقته الأم الشيخية التي تعود في جذورها و تسلسل ولايتها إلى عهد الخليفة الراشدي أبي بكر الصديق رضي الله عنه و بهذا طرح نفسه بديلا للمريدين و المقدمين من كل الطرق الصوفية بالمنطقة، بمعنى أوثق إنه أول تجديد في لغة الحوار بين أتباعه، و كانت فكرة الولاية و البركة و أساسها فهم الشيخ بوعمامة أو حتى منبعه الإيمان العميق، و توحيد الله سبحانه و تعالى، و سنامها تقوى يجدها الولي في قلبه فيزكى بكرامات و ولاية، و هي مسألة شخصة لا دخل في انتماء صاحبها لعائلة أو طريقة صوفية معينة، و لذلك ففي سبيله الجديد و طريقة فهمه للتصوف و الطرق الصوفية : "أن أولاد سيدي الشيخ الذين يعتقدون أن الولي الصالح سيدي الشيخ الذي يشكل مخيلهم الفكري و ميراثهم الذين يتميزون به عن غيرهم هو من الناحية الإسلامية الخطأ الكبير"، و يستشهد الشيخ بوعمامة بقوله تعالى: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" [البقرة: 286]. فإذا اعتقد أي كان أن انتماءه لسيدي الشيخ قد ضمن له مكانا في الجنة فقد وقع في التناقض الصارخ أمام تعاليم القرآن الكريم، و أمام سماحة و دعوة سيدي الشيخ نفسه.

        هذا النقد المنطلق من إعادة تصحيح العقيدة الإسلامية و المنهج الذي بسطه الشيخ بوعمامة لأتباعه، سيجلب عليه لعنة خصومه من أتباع الطريقة الشيخية و الطيبية و السلطات الاستعمارية و شخصيات معاصرة لثورته الفكرية و العسكرية.

و هو ما يدعونا للإجابة عن ردود أفعال أصحاب الطريقة الأم و كذلك الخصوم و السياسيين. من نافلة القول التذكير أن بوعمامة بموازين عصرنا شخصية كبيرة لم تجد من ينفض عنها غبار الوهم و التشويه و السخرية و النسيان، وكيل التراب على ماضيه الجهادي و السياسي و العسكري.

أول الخصوم الذين وصلتنا أخبارهم هو ما كتبه الشيخ أحمد بن عبد الرحمن الشقراني الراشدي، صاحب الكتيب الصغير: "القول الأوسط في أخبار بعض من حل بالمغرب الأوسط".

و قد اتخذ الشقراني موقفا سلبيا من بوعمامة حيث يقول: "أعلم أنه في عام ثمانية و تسعين و مئتين و ألف ثار رجل من أولاد سيدي الشيخ بالقبلة يقال له بوعمامة على الفرنسيين يريد قصم دولتهم الراسخة، و ممتلكاتهم الراسية الرامخة، و يكون أحق بها و أهلها، هذا مراده . . . " وقد خصص الشقراني في كتيبه هذا مجموعة من الأفكار التي يتجاهل فيها ثورة بوعمامة، و لا يعترف له بالكفاح الذي خاضه ضد الغزاة الفرنسيين، و اعتبر ما قام به بوعمامة مجرد طلب للرياسة و السيادة، بل ذهب في تهجمه على الشيخ بوعمامة إلى أبعد من ذلك، إذ لم يتورع عن وصفه بالجهل و السفه، و يرى أن حرقه لأعدائه خروج عن تعاليم الإسلام، كما يذهب الشقراني إلى تحميل بوعمامة كل الكوارث التي عرفتها الجهة الغربية بسبب ثورته على الفرنسيين، وقد انبهر الشقراني بمنشآتهم العسكرية و بالسكك الحديدية التي أنشأتها فرنسا لخدمة مصالحها الاستعمارية.

        و الشيأ الذي يدعو إلى طرح السؤال المحرج، لصالح من كتب الشقراني رسالته بهذه اللغة و بهذا الأسلوب، الذي يحط من شأن أبناء جلدته و من أبطال الجهاد في القرن التسع عشر. ثم كيف انخرط في سلك الكتبة الذين عرفناهم من الذين مدحوا فرنسا الاستعمارية في تونس و الجزائر، بل وفيهم من اشتغل جاسوسا لصالح فرنسا و محرضيها على احتلال المنطقة كمحمد الحشايشي التونسي صاحب الرحلة الصحراوية الذي نعرف آثاره على الأقل، و أما صاحبنا الشقراني "النكرة" الذي لا مبرر لتعقله و جبنه من خلال مجانبته للحقيقة و تجنيه على مسيرة وطن و أرواح شهداء هم رموز المقاومة و الجهاد. و هو نفس الموقف الذي تبناه الآغا بن عودة المزاري صاحب طلوع سعد السعود. الذي وقف نفس الموقف الذي تبناه الشقراني سالف الذكر و الموقف الأخير للآغا المزاري لأنه من عائلة مصطفى بن اسماعيل أول المناوئين للمقاومة التي قام بها الأمير عبد القادر الجزائري، على الرغم من الموقف الإنساني المشرف للأمير الذي أصابه الجزع الكبير حينما بشر بمقتل مصطفى بن اسماعيل (ما بين 23 و 24 ماي 1843 م) قال الأمير: "فإنني لا أحب أن يكون مصطفى بهذه الحالة و إنما أحببته أن يأتيني على فرسه حيا مزيل عنا للنكالة" فقد تمنى أن يراه على جواده محاربا للكفار الفرنسيين لا عميلا لهم حتى أصابه العار الأبدي الذي لا يمحى من يوميات الشعب الجزائري.

أما موقف أصحاب الطريقة الشيخية كما تتحدث النصوص فتتمثل في تفرد الشيخ بوعمامة بالدعوة الجديدة دون أن يعود إلى كبار زوايا الشيخية بحكم الظروف العسكرية و الشتات الذي لحق عائلة أولاد سيدي الشيخ. و من النصوص النادرة في هذا الموضوع النص الذي يتحدث عن إعلان الشيخ بوعمامة الجهاد، و كيف استنكر زعماء الطريقة الأم عدم مشاورتهم و مشاركتهم في هذا الأمر الذي يعني المنطقة بأكملها.  

أما السلطات الاستعمارية و جرائد  مجلات المنطقة و مراسلات و تقارير بعض الطرق الصوفية المعادية كالطيبية التي عمل زعيمها للتوسط للشيخ بوعمامة من أجل الأمان لدى السلطات الفرنسية و هو دعوة لتثبيط الثوار و زعيم الثورة.

        و في خاتمة هذه الورقة سأكتفي بشهادة الأديب قاي دي مونباسانت (Guy de Maupassant) الذي جاء بعقلية عليه القوم بباريس للنظر و التحقيق و الفرجة. و مما تجدر الإشارة إليه أن شهادة (قاي دي مونباسانت Guy de Maupassant) شهادة ثمينة: "و شهد شاهد من أهلها" [يوسف : 26].        فرغم سوء فهمه لأسباب الثورة و حركة الجهاد التي قام بها الشيخ بوعمامة، فقد وصف بؤس المنطقة و ما انجر عن خرابها نتيجة الاحتلال و الغزو و الدمار الذي أحدثته العسكرية و القوانين الفرنسية الجائرة، هذا إذا تجاوزنا الشتائم المجانية التي أطلقها من خلال الأوصاف و النعوت التي خص بها الشيخ بوعمامة، فنزع عنه صفة الزعامة الروحية و البطولة و الفروسية من خلال قيادته للجيوش، و حنكته الديبلوماسية التي عالج بها علاقاته مع المغرب و السلطات الاستعمارية و أعوانها، فإن شهادة الأديب الفرنسي شهادة دامغة على بؤس المنطقة في ظل الغزو الشامل المبرمج للعسكرية الفرنسية.

 

 

        مما يعرف في أدبيات و نصوص الطرق الصوفية الأم أو الفروع في بلاد المغرب أو المشرق، ما يعرف بأوراد الطريقة التي تتلى في حلقات الذكر، و لكل طريقة صوفية مهما كان شأنها لها أسلوبها و حلقاتها التي تعبر بها عن تميزها، و قد خصص محمد بن عل السنوسي الكبير مؤسس الحركة السنوسية كتابا هاما في هذا المجال سماه: "السلسبيل المعين في الطرائق الأربعين" مما يدل على أن هذه الطرق الموغلة في التاريخ الثقافي و الاجتماعي للمنطقة، ليست اكتشافا جديدا أو غريبا عنا، و هو ما يميز زاوية الشيخ بوعمامة حيث إنه "أجاز لأصحابه أن يجمعوا بين طريقته و طريقة أخرى"

        و هو السبب الذي طرح علاقاته الوطيدة بالسيد الحاج المهدي باجودة أصيل مستغانم الذي أصبح شخصية مميزةن والممثل الحقيقي للحركة السنوسية بمنطقة "عين صالح" و الذي سيكون له شرف الجهاد و الاستشهاد في مطلع القر العشرين في قصره المعروف.

        كان الشيخ بوعمامة يدعو أحبابه و مريديه و أتباعه إلى الوحدة بين مختلف الطرق الصوفية، كما تجاوب مع مباديء و منهج الجامعة الإسلامية التي كان يدعو إليها جمال الدين الأفغاني بحرارة لأن الأصل في الوحدة و تجميع القوة لمواجهة العدو المشترك بينما ما عاشع الشيخ بوعمامة هو عكس ذلك، حيث أصبحت الطرق الصوفية مجالا للحزازات و الاختلاف بل المقاطعة التي تؤدي في أحيان كثيرة للحروب الدامية.

        فإذا كان رد الورد المشهور الذي تردده الألسن في فضاء الغرب الجزائري:                           "لا إله إلا الله بوعمامة ضيف الله"، فإن الرجل بالنسبة لأصحابه هو مولى الساعة أو صاحب الوقت أو كما يحلو للبعض، هو الرجل المقصود في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يبعث الله على رأس كل مئة سنة من يجدد لهذه الأمة دينها"

        هذا هو الشيخ بوعمامة، المجاهد المتصوف، الذي عرفنا بطولاته و معاركهن فرحمة الله على الرجل القائد و الزعيم الذي شرف دينه و وطنه، و وجد قبائل متنافرة متحاربة متنازعة في فضاء صحراوي شاسع، و ستبقى مقاومته ما رددت الألسن أشعار الشاعر الجزائري الكبير محمد بلخير.

        فإن لم يحقق إلى غاية وفاته بالمغرب الأقصى ما كان يصبو من انتصارات و تحرير للبلاد فقد كان بحق و حقيقة عبد القادر الجزائري الثاني أو عبد القادر الثاني، و رغم ما قيل عن الرجل فإنه قد حقق من خلال جهاده و كفاحه دوره الديني و الوطني، كأي رجل شريف أحب بلاده، و أخلص لدينه.

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :