البتر والعقاب الرادع أهم وسائل العلاج
المواطن عنصر أساسي لعلاج سرطان الفساد
معادلة مكافحة الفساد أعدت من اجلها ترسانة من القوانين للحد من تفاقمها الا ان استمرار انتشارها
ضمن الجريمة المنظمة يدل على انه يجب استعمال وسائل أخرى أكثر نجاعة بإدخال المواطن ضمن منظومة
معاجلة افة تهدد كيان الأمة ومسببات وجودها فعندما نتجاهل معاناة الرعية التى تعاني من ممارسة الفساد
تعم الفوضى ويتمكن مهندسو الفساد من تقوية أنفسهم بتثبيت أعوان لهم داخل الإدارات الحساسة لتوفير الحصانة
وبدلك يصبح الأمن القومي معرض لاختراق...
إن واحداً من أهم طرق مكافحة الفساد هو متابعة رؤوس الفساد والمفسدين وكشف جرائمهم واسترداد المال العام والخاص الذي نهبوه بغير حق مع تقديمهم للعدالة و إنزال العقاب الرادع بهم، بقطع شأفة جرائمهم ليكونوا عبرة لغيرهم. هؤلاء المفسدين وآكلي الرشوة هم أعضاء مريضة متعفنة اذا لم تعالج سرى سمها في جسد الأمة كلها ولا علاج لها الا البتر ، لأنهم أصحاب نفوس شرهة، تشبع النار ولا يشبعون، فلا تنفع معهم المسكنات والمهدئات ولا حتى الكي، وإنما علاجهم الناجع ودواؤهم النافع هو البتر، ومن لا يَرحم لا يُرحم .
الفساد اذا استشرى أصبح آفة تهدد الاقتصاد والتنمية، وتضر بالبلاد والعباد، وتجعل الطريق ميسوراً لتسيطر فئة قليلة على أموال الدول والشعوب بغير وجه حق، ويجب ان يكون عقاب المفسدين رادعاً بل قاسياً، .
ومع غزوة العولمة التي فتحت الحدود على مصراعيها لكل ما تنتجه الدول الصناعية شرقاً وغرباً، أصبحت شركات الدول الصناعية الكبرى التي يسيطر نحو 600 منها على النسبة الكبرى من حجم التجارة العالمية، وكثير من هذه الشركات تدير أعمالها في الدول المتخلفة ولا يضرها نشر ثقافة الفساد في هذه الدول لتفوز بعقود ضخمة تبلغ العشرات الملايير من الدولارات .
هذه العقود التي تمرر عن طريق الرشوة تضاعف أسعارها، على اثرها تم تحويل الملايير الدولارات الى خزائن تلك الشركات وجيوب الوسطاء ومتلقي الرشوة على حساب الدول والشعوب .
لقد انتشر الفساد والرشوة بكل أشكالهما بين الكبار والصغار ، حتى أصبح الأمر شائعاً يسري في المجتمع كما تسري النار في الهشيم، في ظل ضعف بل وعجز أجهزة الرقابة عن ملاحظة وملاحقة رواد الفساد .
ان المبالغ الفلكية التي تصرف على المشاريع والمنشاءات مُبالغ في تقديرها الى حد كبير، ويفترض ان ترسو على من يستحق من الشركات بشفافية وعدالة تراعي مصلحة البلاد والعباد، ولكن الفساد والرشوة جعلتاها تقتصر على عدد قليل من المتنافسين وتذهب مباشرة الى شركات وأشخاص محددين معروفين سلفاً فصّلت شروطها لتنطبق عليهم وحدهم
في ظل هذه الظروف التي يعيشها العالم العربي من فساد اداري ومالي يندى له الجبين، أصبح ضرورة وليس ترفاً التصدي الحازم لهذا الداء قبل ان يتحول الى كارثة، مستفيدين من تجارب الدول الأخرى في وأد الفساد او الحد منه على الأقل
ومن هذه التجارب مشروع مطار «سار» في هونغ كونغ الذي بلغت كلفته حوالي 21 بليون دولار، وعلى رغم ذلك خلا تنفيذه من الفساد الى حد كبير لأسباب، منها ان السلطة التي قامت على تنفيذه شكلت لجنة من 1350 عضواً من المتخصصين، يدعمها قانون واضح يضرب بيد من حديد على يد من يحاول الرشوة .
في بعض الدول العربية من المحيط الى الخليج قُدِّم الى العدالة أشخاص تقلدوا مناصب عليا وغيرها لارتكابهم جرائم فساد، لكن عدد قضايا الرشوة التي أعلن عن ارتكابها على استحياء قد لا يتعدى أصابع اليد الواحدة وما خفي كان أعظم، فالكارثة أكبر مما يتصور الآخرون، فالوطن العربي يئن تحت وطأة الفساد العارمة التي تهدد كيانه، يديرها أناس لا يعرفون معنى الأمانة والوطنية والولاء والأخلاق .
في أواخر 2007 أكدت بعض جهات الرقابة السعودية، مثل ديوان المراقبة العامة وهيئة الرقابة والتحقيق، استعادة بليون ريال مختلسة من المال العام خلال ثلاثة أعوام في القطاع الحكومي، وهذا الرقم اكتشف فقط خلال تدقيق الحسابات المالية وأوجه إنفاقها في بعض الوزارات في ما يطلق عليه (الرقابة اللاحقة) فماذا عن الرقابات السابقة؟
وفي سياق متصل اوردت جريدة الحياة خبراً يحمل دلالات خطيرة على تغلغل الفساد حتى في إحدى جهات القضاء الذي يعتبر إحدى أهم السلطات بل هو أهم جهة لمحاربة الفساد، الخبر افاد بان التحقيق جار مع أربعة من كتاب العدل في وزارة العدل وجد في حساب احدهم لدى احد المصارف 250 مليون ريال، والمتهمون الأربعة متهمون بالتورط في قضية إصدار صكوك ساعدت متورطين آخرين في مطالبة الدولة بتعويضات تبلغ 4 بلايين ريال
إن المواطن أصبح يتلفت يميناً وشمالاً ويرى بأم عينيه الرشوة وقد غلبت لسوء الطالع في المجتمع ، في سلسلة طويلة لا تنتهي من فساد الأخلاق والضمائر والجشع، يرى أناساً كانوا يعيشون في فقر مدقع وما ان ارتقوا الى الكرسي بقدرة قادر حتى أصبحوا من أغنياء المجتمع ووجوهه، بل ان بعضهم ملك الطائرات واليخوت الفارهة والقصور العالية من أموال الدولة ، في الوقت الدي أصبح الفرد العادي المغلوب على أمره لا يستطيع ان يقضي حاجته إلا اذا دفع ، او تكون له واسطة من الحجم الكبير .
هؤلاء الفاسدون كلما ازدادت ثروتهم كلما ازدادوا عطشاً، فالحرام كماء البحر لا يروي مهما نهلت منه، لذلك هم يصرّون على المزيد وعلى كنز الثروات وكأنهم سيعيشون مخلدين في الأرض، وقد نسوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «أيما لحم نبت من حرام فالنار أولى به» وهم قد نبت لحمهم وشحمهم بل وعظامهم من الحرام .
قلوب هؤلاء غلظت وأصبحت قاسية وماتت ضمائرهم فما عادوا يرون الحقائق فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور .
ان المجتمع وكيان الأمة أصبحا مهدد بالانهيار ان لم يتدارك العقلاء والحكماء وأصحاب القرار هذا الوضع الخطير، فالفساد قد عم واغرق وأصبحت له سطوة وقوة، وفاحت رائحته حتى أزكمت الأنوف. .
فكيف نظل نحاكم الجائع الذي يسرق رغيف الخبز و نحني رؤوسنا عندما نرى من يسرق الجمل بما حمل.
المقال له مصادر