قانون 1840 يرهن الجزائريين باسم التجنيد الإجباري
في شهر نوفمبر 1840 أراد "فالي" أن يسد الفراغ الذي تركته الحرب الفتاكة، ويسيطر سيطرة تامة على الشعب الجزائري، فعمد إلى التجنيد الإجباري للأهالي، وشكل من هؤلاء فرقا شبيهة بما يسمى "الحركية" واتخذهم رهائن. وكانت هذه الفكرة معمولا بها قبيل التوقيع على معاهدة تفنة، ولكن الأهالي لم يكونوا يعملون في الجيش الفرنسي الا كأعوان. ثم عندما استأنفت الحرب برزت فكرة اتخاذهم رهائن بكيفية معممة. فمبادرة المارشال كلوزيل "لم تستهدف زيادة القوات الفرنسية عددا عن طريق التجنيد، بقدر ما استهدفت فتح المجال أمام قسم من السكان للانضمام إلى صفوفنا لكي يتميزوا على غيرهم من السكان، كمثال تقتديه فئة من المسلمين موالية لفرنسا.
" أما فالي الذي جعلته التجربة يعارض فكرة تجنيد فرق نظامية من الأهالي، يسبب فرار أفرادها على نطاق واسع، وكذلك بسبب ما يقدمونه من خبرة وتقنية المقاومة الجزائرية، فانه كان يرى بأن يعمد في المناطق المحتلة، إلى تجنيد فرق غير نظامية، لأن "كل أعمال القمع، وكل الإجراءات اللازمة لجباية الضرائب ينبغي أن يتولاها جنود من الأهالي، ومن أجل هذا الغرض سخرناهم.
فالعملية التي كانت في البداية عملية إدارية استفزازية، تحولت إلى عملية سياسية صرفة بهدف قهر السكان وتحميلهم مسؤولية جماعية.
ان صاحب فكرة اتخاذ الجزائريين رهائن من بين الرؤساء والأعيان، ومن ذوي الجاه، ومن بين العائلات الكبرى والطوائف المختلفة.
هو المارشال سولتن وزير الحرب، الذي تولى نقلها مرتين مع فاصل زمني بين المرة الأولى والثانية دام بضعة أشهر- إلى الوالي العام فالي على شكل تعليمات، فما كان من فالي تلقى هذه التعليمات، فما كان من فالي الا أن استجاب في الأخير للفكرة. والحقيقة أن فالي تلقى هذه التعليمات مكرها، وعلى الأخص فيما يتعلق بتعميمها، الا أن هذا لم يمنعه من أن يطبقها على أوسع نطاق. فهو يقول في رسالة وجهها بتاريخ 30 نوفمبر 1840 إلى الوزير "إن تشكيل فرق من الصبايحية spahis غير النظاميين وفّر لنا من هؤلاء عددا كبيرا من الرهائن. وعما قريب سوف نسخر لخدمة فرنسا في مقاطعة قسنطينة 1.500 فارسا، وسوف نتخذهم ضمانة لولاء الأهالي الآخرين، كما أن كتيبة التيرايور في قسنطينة وفرت لنا عددا كبيرا من الرهائن. وأصدرت أمرا إلى بعض القبائل التي فرضنا عليها مدنا بالفرسان، بأن تنتقل إلى برج سطيف لكي تكون في حمايته. فهذه العائلات هي في الواقع رهائن بين أيدينا، وبهذه الكيفية تصبح العلاقات بين الشعبين أوثق وأمتن واتبعنا نفس الأسلوب في مقاطعة الجزائر، ومن الرهائن أيضا رجال الدرك الأهليون الذين تقيم عائلتهم في الجزائر والبليدة والقليعة... وسوف تلاحظون يا سيادة المارشال أنني فضلا عن الاجراءات التي أشرت اليها، خولت نفسي حق أخذ الرهائن من جميع القبائل خاضعة لنا. وسوف أعمل على تطبيق هذا الأمر بشكل خاص عندما تعلن قبائل التيطري و وهران انفصالها عن عبد القادر.
.وبما أن جل العمل قد أنجز باتقان، من غير أن يستلزم الأمر إصدار "بيان عام الأهالي" أو "أمر إلى الجمهور" ، وفق ما نصح به المارشال سولت من ضرورة ملازمة الحذر، فلم يبق بعد هذا الا أن تستغل الفرصة في جميع المجالات، وحتى على المستوى الرسمي. وهذا ما حصل بالفعل: ففي تقرير نهاية سنة 31 ديسمبر 1840، الذي وضعه فالي حول الوضعية العامة في الجزائر نجد هذا الأخير ينساق مع التيار، على غرار ما فعله من بعده لاكوست الذي كان دائما يضخم عدد الحركية في كل خطاب من خطبه، أو على غرار ما صرح به رئيس فرنسا. وهكذا راح فالي يؤكد بأن "القضية الفرنسية تلاقي اليوم عددا متزايدا من الأنصار. فالفرق الأهلية المسخرة لخدمتنا متزايدة بشكل ملحوظ، وعدد أفرادها يكاد يبلغ في هذه السنة ضعف ما كان عليه، وولاؤها لنا يتأكد يوما بعد يوم.
فإن الجنود الجزائريين المدعوين لأداء خدمة العلم الفرنسي كأعوان، يعتبرون – هم وذووهم - من الرهائن في يد فرنسا.
إن الحرب في عهد فالي، وان كان قد أعد لها كامل العتاد العسكري، الا أنها لم تبلغ ما بلغته من الضراوة ابتداء من فبراير 1841 تحت قيادة بيجو. على أن المؤلفين العسكريين مثل شارلمان يعتبرون عام 1840 من الأعوان الحالكة في الحرب، علما بأن الخسائر الفرنسية التي ذكرها لا تشمل الا الضباط: ففي تلك السنة قتل منهم أربعة وأربعون.
إن معدل القتلى بلغ 17 في السنة 304 ضابطا ممن لقي مصرعه في الحرب بين 1830 و 1847.
كانت نسبة الخسائر بين الجنود مرتفعة جدا إلى درجة أنه عيب على بعض القادة العسكريين كونهم"جاءوا إلى الجزائر ليتعلموا المهنة على حساب الجنود. وقيل عن الجنرال باراغي ديليي بأن "المشي المنهك الذي فرضه على جنوده جعل عددهم يتناقص من 5.000 إلى 3.000 رجل.
إن الخسائر والاحتياجات العسكرية المتزايدة أرغمت المسؤولين الفرنسيين على تجنيد فرق غير نظامية من الرهائن، وجعلتهم يفكرون- وهي فكرة أخرى من أفكار المارشال سولت في استخدام العبيد من السودان الشرقي، بعد شرائهم من أحد الزعماء الليبيين المنشقين، كما جعلتهم يفكرون في استخدام اللاجئين الإسبان. ففي رسالة رسمية بتاريخ 2 نوفمبر 1840 يقول فالي بأنه أعطى الأوامر لكي تنقل الكتيبة الاسبانية إلى الجزائر. وقد أضاف الأستاد غ. ايفر الذي تولى نشر هذه المراسلات، أضاف الملاحظة التالية في حاشية الصحيفة: "كتيبة تدربت في فرنسا، وهي تتشكل من الإسبان اللاجئين إلى فرنسا بعد هزيمة الكاريين carlistes، ولكن الأمر لا يقف عند هذا الحد، إذ ما كادت هذه الكتيبة التي ألحقت باللفيف الأجنبي تحط الرحال حتى فر 44 من أفرادها وانضموا إلى الصف الجزائر.
" والحقيقة أن الفرار من الجندية كان يقع من قبل، وهذا ما يستفاد من تقارير أحد الضباط، وهو الكولونيل ديلينس d’Illens الذي أشار إلى حالات مماثلة سببها فيما يبدو، الدعاية المكتوبة "بعدة لغات التي قامت بها المصالح المختصة التابعة لجيش عبد القادر، وكان من نتائجها أن فر 25 من اللفيف الأجنبي خلال ثلاثة أشهر.