Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

معجزة قطر في الخليج عام 2030 /طــفــــرة مــالــيـــة وعــمـــرانــيــــة تــســــابـــق الــنــفـــط والــز

 

 

يومبة النهار اللبنانية  

معجزة قطر في الخليج

قطر 2030 

  ووقائع عن حياة المواطنين والوافدين في قطر

طــفــــرة مــالــيـــة وعــمـــرانــيــــة تــســــابـــق الــنــفـــط والــزمـــن

 

فيديل سبيتي

 

تحيق في 25 ديسمبر 2009

هذه المشاهد والوقائع حصيلة رحلة استغرقت أسبوعين في قطر. وهي تنقل صورة عن الحياة والعمل والترفيه والعمران في امارة خليجية تضاهي دبي وتنافسها.

 

"لن ترى شرطيا باللباس النظامي"، جزم الصديق اللبناني الذي يعيش في قطر منذ خمس سنوات. فرجال الشرطة هنا لا يرتدون الملابس العسكرية الا على أبواب المؤسسات التي تحتاج الى الحماية. أما في الاماكن التي تكثر فيها التجمعات المدنية فيتسترون باللباس المدني. "لذا ستجد ان كل سائقي السيارات يلتزمون التزاما دقيقيا قوانين السير". فحين يقع أي حادث سير سيصل رجال الشرطة باللباس المدني والنظامي خلال لحظات وسيؤدي هذا الحادث الى ترحيل مسببه والواقع عليه، اذا كانا من غير المواطنين المحليين. هنا عليك ان تقود وانت في حال خوف من ترحيلك، قال الصديق اللبناني. حتى العامل في الورش  سيتم ترحيله اذا أصيب بأي وعكة او ضرر من حوادث الورش. يطبّب في المستشفيات المجانية ويرحّل الى بلاده. إنه سيف الترحيل المسلط على كل المقيمين في دولة قطر من غير القطريين. ولا فارق بين المولود في قطر والقادم إليها حديثا، اذ لا يكتسب الأجنبي أي حق من حقوق تتعلق بتقادم الزمن.

الجميع مصنفون تحت عبارة "وافدين". وهؤلاء من جنسيات عربية وأسيوية وأفريقية، أما الاوروبيون، وجلهم من البريطانيين، فيديرون أعمال البلاد ويصنعون نهضتها العمرانية والاقتصادية ليحولوها  دبي ثانية، ولا تنطبق عليهم قواعد الترحيل المذكورة. يقومون بأعمالهم ويحصلون على المال الذي جاؤوا من اجله ثم يعودون الى بلادهم. ونظام الترحيل يؤتي نتائجه في تحقيق النظام بين جماعات مختلفة من البشر ومن طبقات وثقافات وأديان مختلفة.

 

 

المعادلة القطرية

 

كان الحديث مع الصديق اللبناني يدور في حانة الفندق التي تقع في الطبقة الاخيرة منه. من زجاج الحانة تبدو مدينة الدوحة ممتدة أفقيا ودائريا، حتى تنتهي بكتل من الضوء على ضفاف رمل الصحراء المتداخل بالبحر. هناك المرافىء التي تحوط شبه الجزيرة القطرية والتي تدخل منها كل المواد التي تحوّل الصحراء عالماً جديداً صالحاً للعيش، من الماء المكرر والاشجار، الى الفولاذ الذي يرفع البنايات العالية. ومن الصحراء يتدفق النفط والغاز الى العالم. هذه هي المعادلة القطرية: إستخراج النفط من قاع الارض، ليتحول مدينة لا تتوقف عن التضخم وعن إستقدام اليد العاملة من سائر أنحاء المعمورة ليتحولوا مع مرور الوقت "سكاناً"، مقيمين لكن من دون أن يحملوا جنسية البلد المضيف. إنها علاقة العامل بالعمل. هو يقدم قوة عمله، والبلاد تقدم له المال وحاجاته الاساسية للاقامة كالتعليم والصحة والمواد الغذائية المنخفضة الاسعار.

على الداخل الى الحانة ان يبرز بطاقة اقامته في الفندق او بطاقة إقامته في قطر. القطري ممنوع من الدخول اليها، لكن يمكنه ان يتحايل على الحارس بالرشوة او بالسطوة، على ان لا يكون مرتديا زيه القطري في كل الاحوال. أما السهرة فتنتهي عند الثانية عشرة ليلا. إنها حانات التنفيس الليلي عن العمل النهاري، والمهيئة لعمل اليوم التالي. هنا كل ما تقوم به يدور حول لولب العمل، يقول الصديق اللبناني. انت تعمل أولا وثانيا وثالثا ثم تأتي رغباتك في الدرجة الأخيرة. هنا عليك الانهماك في العمل، والامور الاخرى هي تلبية لحاجاته، من مولات التسوق الضخمة الى المطاعم الى الحانات في الفنادق. أنها ثلاثة مطارح تقع على هامش العمل اليومي وفي خدمته، وهي تقدم إستراحة عابرة منه. لا يمكن تسمية أي نوع من أنواع التسلية الآنفة وسيلة ترفيه. انها، فقط، وسائل لتمزيق شبكة الوقت، وقد لا تحتاج اليها في دوامة حياتك اليومية.

قلة هم الساهرون الذين يحاولون التعرف بآخرين. خوف الانزلاق الى معمعة السكر مع جماعة غريبة، يحد من التعارف ومن تناول كمية كبيرة من الكحول.  لذا يبدو ان كل المقيمين في قطر مصابون بالهدوء في معاملاتهم وفي تمرير وقتهم. ولكن هذا ليس هدوء المتنعم بالحياة الجديدة والخائف من خسارتها فقط، بل هو أيضا هدوء المجبر على ترك بلده للعمل هنا. هدوء تصنعه الهجرة والبلاد الجديدة والثقافات المختلطة والعادات اليومية، والتفكير في البلاد التي تخلّفها وراءك وحياتك فيها.

زوار الحانة مقطع مشهدي عن سكان قطر. إنهم لبنانيون وفيليبينيون وباكستانيون وهنود وبنغلادشيون وبعض الخليجيين وعرب من جنسيات مختلفة. وهؤلاء جميعا يتكلمون الانكليزية في ما بينهم وبين العاملين في الحانة. اللغة الانكليزية هي اللغة المشتركة بين هذه الطبقة من سكان قطر، ونادرا ما يضطر المرء الى الكلام بالعربية او سماعها. والرواد، من طبقة العاملين المتوسطة، كالتجار الصغار والمهندسين المعماريين ومهندسي الاتصالات والكمبيوتر والعاملين في المؤسسات الاعلامية على إختلافها، وأغلب هؤلاء الاخيرين من اللبنانيين والمصريين.

 

 

الوجوه الغامضة

 

لا يمكن للناظر اليهم والى الشاب الواقف خلف البار والى الفتيات اللواتي يخدمن الزبائن والى عازفة البيانو الوافدة من أوروبا الشرقية التي تبدأ الجولة الموسيقية قبل أن تحل محلها المغنية الفيليبينية يرافقها أربع عازفين من جنسيتها لتحيي السهرة - لا يمكن للناظر في وجوههم جميعا استكشاف كنه ما يشعرون به. هل هم فرحون ام لا، هل يطمحون الى البقاء في هذه البلاد أم سيعودون الى بلادهم؟ هل هم مرتاحون بعملهم وبوجودهم هنا أم لا؟ لا يمكن أن نتكهن ونقدر، قسمات وجوههم جميعا محايدة لا أثر لتعبير فيها، فقط ابتسامات صغيرة توزعها النادلات للزبائن منتظرات انتهاء السهرة لعدّ ما تركوا من بقشيش قبل العودة الى المنازل المبرّدة والموحشة. لكن رغم ذلك هناك ما يشبه الاستسلام للحياة الجديدة لدى هؤلاء جميعا. يبدون وكأن حياتهم في هذه البلاد المتضخمة عمرانا وإقتصادا أفضل بكثير من حياتهم في بلادهم التي أتوا منها.

محمد مهندس الاتصالات المصري ضحك حين سألناه عن عودته الى مصر: "هل سأعود لادخن الشيشة في أحد زواريب القاهرة؟، قال. الاكثر طموحا بينهم يرجو جمع مبلغ من المال في بضع سنوات كي يعود الى بلاده ليفتتح مصلحة هناك، على ما قالت  روز ماري النادلة الفليبينية.

هنا في حانة الفندق العالية يمكن اللقاء بعينات من اولئك الذين يدورون بسياراتهم في الخارج فوق شبكة الطرق الحديثة. إنهم من الساكنين في الامتداد العمراني الشاسع لمدينة الدوحة: لبنانيون عاملون في وسائل الاعلام المختلفة وأصحاب مهن حرة.  ومن الفيلبينيين الموظفين في المكاتب والمستشفيات وصالونات التجميل. ومن الهنود العاملين في الورش الجديدة على إختلافها.  أما عينات عمال الورش الذين يقدمون قوتهم البدنية للدولة الناشئة، فلا يمكن رؤيتها الا في الورش وفي أحيائهم الداخلية التي يعيشون فيها جماعات جماعات وفق الجنسيات والاعراق، فيشكلون أحياءهم المختلفة التي تضم مقاهيهم ومطاعمهم ومحال الملابس التقليدية لكل بلد من بلدانهم.  وهؤلاء العمال يخرجون من مدينتهم الصناعية في عطلة نهاية الاسبوع، اي الجمعة والسبت، ليتجمعوا في حدائق العشب الاخضر حيث يتظللون الاشجار ويسترخون في إنتظار يوم العمل الآتي.

يعمل لبنانيون وقطريون وعرب من جنسيات أخرى في مكاتب استقدام العمال من دول أسيا الفقيرة. هي مكاتب أشبه بتلك الذائعة الصيت في لبنان لاستقدام "الخادمات" والعاملات في المنازل. توضع كل جماعة من العمال في منزل مؤلف من غرف عدة وتؤمن لهم المواصلات مجانا من المنازل الى الورش وبالعكس، ويحصل كل منهم على راتب شهري لا يتعدى مئة دولار، ومن أجل إدخار ما أمكن من هذا الراتب يداوم العمال على أكل الارز والمعلبات التي تباع في محال خاصة تبيع الطعام الهندي والباكستاني والبنغلادشي والفلبيني بأسعار زهيدة.

القطريون في قطر يمكن ترتيبهم في أجيال ثلاثة. الجيل الاول يشكله كبار السن، وهم رؤساء العشائر والقبائل والعائلات المقيمون في قطر منذ إستقلالها في العام 1971، إذ ان قطر قبل ذلك العام لم تكن دولة ذات حدود، بل كانت شبه مقاطعة سعودية يدين أميرها أو رئيس أقوى عشائرها بالولاء السياسي والاداري للملك السعودي. هذا رغم الانتداب الانكليزي عليها وقبله السيطرة العثمانية.

 

 

فئات القطريين وأجيالهم

 

الجيل الثاني من القطريين هم أبناء الجيل الاول والمتحدرون منهم مباشرة. وهؤلاء من مواليد  الخمسينات والستينات. متعلمون في أغلبهم في الجامعات الاميركية والانكليزية وفي بعض الدول العربية. يحتلون اليوم المناصب الادارية في الدولة من أعلاها الى متوسطها، أي الى حدود رتبة مدير عام. المراتب الادنى تمنح لاختصاصيين وموظفين من جنسيات أخرى. أغلب القطريين المنضوين في الاطار المؤسساتي هم من المختصين بأعمالهم. أبناء هذا الجيل يبدون غير منخرطين تماما في عالم المال والاعمال، ولا تبدو عليهم سمات الاثرياء الجدد التي غالبا ما تفترض العجرفة والتشاوف بسبب العلاقة المفاجئة بالمال وبما يؤمنه من سلطة وسطوة. فالطفرة المالية في قطر حديثة نسبيا ولا تعود الى ما قبل عقد ونصف العقد. فأمير قطر الجديد حمد آل ثاني دفع القطريين الى الاكتتاب في أسهم شركات نفطية كبيرة قام بتأسيسها، وبعد سنة او سنتين إرتفع سعر السهم في الشركة ارتفاعاً خيالياً فأثرى معظم القطريين المكتتبين. وكانت هذه الطريقة أشبه بتوزيع المال النقدي على المواطنين ولكن على نحو عصري، مما ادى الى دخول القطريين عالم الاعمال وتعلّم التصرف بالاموال ومراكمتها وتحويلها رؤوس أموال تستخدم في أعمال جديدة ومنتجة. وقد كانت خطة الامير صائبة وناجحة، إذ يقول من زار الدوحة قبل 15 عاما انها لم تكن أكبر من بلدة، بينما هي الآن مدينة متسعة عموديا وأفقيا وتطمح الى منافسة دبي الاماراتية في كونها مركزاً تجارياً وعقارياً خليجياً. فالأمير الجديد المتمرس في عالم الاعمال كان يعرف أن ثراءه من دون شعبه، سيجعل أمواله بلا أي قيمة داخل بلاده. وكما يقول شاب قطري التقيناه في أحد مقاهي المدينة: "كي تكون ثريا يجب أن تملك أموالا أكثر من آخرين. بلا آخرين تنافسهم بالثراء سيكون مالك من خشب".

هذه الطريقة في توزيع الاسهم حسنت نمط عيش القطريين من الجيل الثاني في مسكنهم ومأكلهم ومقتنياتهم، من سيارات ومنازل ومزارع في أراض بعيدة تمنحها الحكومة للمواطنين بقروض صغيرة وطويلة الامد. لكن هذه الطفرة المالية المستجدة لم تحوّل القطريين بعد الى ما يشبه الاماراتيين. فهؤلاء الاخيرين لا تمكن رؤيتهم في المدينة الامارتية، سواء في دبي او أبو ظبي، ولا في مقاهيها او مولاتها ومطاعمها ومحالها. الاماراتيون يمضون معظم أوقاتهم خارج البلاد في الدراسة او العمل او السياحة، وهم لا يختلطون بغير الاماراتيين في الامارات.

القطريون قبل الطفرة المالية درسوا وتعلموا ليعملوا في وظائف الدولة، ومثلهم كمثل الوافدين الى بلادهم، يقومون بالتسوق والتنزه في مدينة الدوحة. وحدهم الذين إستقالوا من وظائفهم لينتقلوا الى عالم الاعمال والتجارة والبورصة شكلوا طبقة الاثرياء القطريين الجدد، وبدأوا يصنعون عوالمهم الخاصة على غرار الاماراتيين وأثرياء السعودية.

المستفيد الاول والاساسي من الطفرة المالية القطرية هو الجيل الثالث من القطريين. هؤلاء من ابناء الجيل الثاني المباشرين والمولودين في السبعينات والثمانينات من القرن المنصرم. وهم جميعا من المتعلمين في أفضل الجامعات العالمية، وقد تم تحضيرهم لمعرفة استخدام الاموال وتنظيم استثمارها وادارة البلاد في ما بعد. وحديثا تم في قطر إفتتاح مدرسة القادة التي يتعلم فيها أبناء القطريين منذ صغرهم كل ما يمكن أن يساعدهم في إدارة البلاد وشؤونها السياسية والإقتصادية في السنوات المقبلة. أبناء هذا الجيل من الشبان يظهرون ثراءهم عبر سياراتهم الفخمة وامتناعهم عن ارتياد الأماكن التي يكثر فيها المقيمون. وهم يخططون لاستخدام  الاموال بما يجعل بلادهم محل التجريب العمراني في دول الخليج. فهُم أصحاب فكرة  "الفورمولا وان" أكبر سباق للسيارات في الشرق الاوسط. وقد أنشئت لذلك حلبة مكلفة ويبلغ ثمن السيارة الواحدة من السيارات المتسابقة ما لا يقل عن 7 ملايين دولار. وهم أصحاب فكرة إجراء دورة سنوية في لعبة التنس تسمى دورة الدوحة والتي يشارك فيها عدد كبير من اللاعبين العالميين وتبلغ قيمة جوائزها ما يزيد على المليوني دولار. وهذا المبلغ يضاهي قيمة الجوائز في أرفع وأعرق الدورات العالمية في التنس. وتجرى في الدوحة مسابقات لسباقات اليخوت ومعارض لبيع الاسلحة الحديثة والطائرات. وهذا النوع من وسائل الترفيه المرتفع الثمن والموجه الى القطريين الاثرياء والمقيمين الاثرياء من بريطانيين وهنود وإيرانيين، هو ترفيه شبيه بالمحال التجارية القائمة داخل المولات الكبيرة والضخمة وبالهندسة العمرانية الجديدة التي تستخدم في بناء المدينة الجديدة القريبة من البحر.

ففي المول الواحد يمكن إيجاد مئات المحال التجارية التي يبيع كل واحد منها نوعاً معيناً من ماركات الثياب والعطور والاحذية والساعات. وقد تكون الماركة الاخفض سعرا من بينها هي التي نجدها الاغلى سعرا في بيروت. وبالطبع يتعلق الامر بالقدرة الشرائية للشعب القطري ولعدد كبير من المقيمين أصحاب التجارات الحرة. أما خيارات الاسعار الادنى فهي الموجودة في أسواق أحياء العمال والمتاجر المخصصة لهم.

 

 

غرائب هندسية

 

في ما يخص الهندسة المعمارية، يمكن القول ان العاصمة القطرية، وفي منطقة منها تسمى "الدفنة"- حيث "دفن" البحر بكم هائل من الردميات- مختبر لتجريب مختلف انواع الافكار الهندسية والانشائية الغريبة. فهناك مبنيان على شاكلة "زيك زاك"، ومبنى على شكل كأس شراب منفوخ من الاعلى والاسفل ومضغوط في الوسط. ويجري اليوم تشييد المبنى الاعلى في العالم قرب مباني الفنادق العالمية التي بني كل منها وفق هندسة حديثة. يبدو أن المهندسين العاملين في أبنية منطقة الدفنة في الدوحة، هم الاكثر راحة من بين مهندسي العالم في انتقاء تصاميم العمارات. انها فرصة تاريخية للتجريب الهندسي.في دولة لا تهزها الازمة المالية العالمية، وتنفق من اجل بناء البنايات: "تعالوا نجرب أكثر غرابة"، يقول المهندسون.

هذا كله من صناعة الجيل الثالث من القطريين بمساعدة المهندسين البريطانيين والاميركيين. وهذا الجيل يبدو في سبيله الى تحقيق صورة دولة حديثة وعصرية في السنوات المقبلة. لكن الصديق اللبناني الذي يقيم في قطر قال: "لا أعرف الى ماذا قد تتحول تلك المدن حين ينضب النفط. ويبدو ان نضوبه بات قريبا". وهو يقصد ان على الدول النفطية البدء بإيجاد موارد لتأمين الطاقة البديلة عن النفط حتى تتمكن من البقاء. وهذا ما لجأت اليه إمارة أبو ظبي التي أنشأت حقلا ضخما لانتاج الطاقة من الشمس.

 

 

صورة للمدينة الجديدة

 

في مدينة الخور الشمالية تم إفتتاح مستشفى نموذجي من ضمن الخطة الوطنية لقطر 2030 التي تهدف الى تطوير قطاعي الصحة والتعليم لجعل قطر في مصاف الدول المتقدمة. أصبحت الخور مدينة منذ افتتح فيها المرفأ الضخم لنقل الغاز والنفط الى سائر دول العالم. تم إستقدام عشرات الآف العمال للعمل لبناء المرفأ وتشغيله. وكما كل مدينة تبنى دفعة واحدة، فإن أعمال البناء لا تنتهي. كل مرفق يولد مرفقاً آخر. المرفأ يحتاج الى شبكة طرق حديثة، والى مرافق صناعية تعنى بالنفط والسفن. وهذا كله يؤدي الى بناء المساكن والمطاعم والفنادق والمولات التجارية والاسواق والمستشفيات والمدارس والحدائق العامة ومرافق التسلية التي غالبا ما تكون في داخل المولات. وهذه كلها تستدعي إنشاء شبكات الاتصالات، من انترنت وهاتف خليوي وهاتف ثابت، والى تطوير شبكة الكهرباء والى افتتاح شركات بيع السيارات ومحطات الوقود والى تحسين البنى التحتية، والى نشر رجال الشرطة والامن وعمال التنظيفات بدراجاتهم وشاحناتهم الكبيرة. لذا لا ينقطع ورود العمال الى مدينة الخور، على اختلاف فئاتهم، من الاجير المياوم الى مديري المؤسسات وما بينهم من طبقات العمال.

في المستشفى استقبلنا بالترحاب كما هي الحال في كل استقبال في قطر. المستشفى نموذجي فعلا. فهو اشبه بفندق منه بمستشفى. الحديقة الامامية مزينة فنيا، وتكلف العناية بها مبلغا كبيرا من موازنة المستشفى. في الداخل أعمال فنية ولوحات ومنحوتات موزعة بين الغرف والممرات. وهي لفنانين قطريين وسوريين ومصريين وبريطانيين. أعمال فنية من تلك التي ينجزها صاحبها ليحصل على ثمنها. الغرف مثالية والطعام الذي يقدم للمرضى اشبه بطعام الفنادق. لكن هذا المنظر الممتع يحيل الى عالم آخر، هو عالم المستشفى الحقيقي، اي عالم المرضى وغرف العمليات وغرف الطوارىء.

يجلس العمال في غرف الانتظار ريثما تحين أدوارهم للدخول الى عيادة الطبيب المداوم. بعضهم يئن من الألم لكسر في يده او لضربة على ظهره او لمرض أصابه في حرارة الشمس القائظة في الخارج. في أثناء الانتظار لا بد من ان يدخل عامل محمول على وجه السرعة الى غرفة الطوارىء. ربما وقع عن سقالة في ورشة ما، او سقط عليه عمود او شيء من مواد البناء. استقبال مصاب او اكثر يوميا من هذا النوع بات أمرا إعتياديا. فمن ينظر الى ضخامة الورش التي تبنيها آلات عملاقة وآلاف العمال المنتشرين كالنمل فوق السقالات، يؤكد أن حادثة او حادثتين من هذا النوع يوميا أمر طبيعي. لكن القلق والالم الباديين على وجوه العمال في قاعات الانتظار ليس مردهما الى الوعكة او الاصابة او المرض، بل الى الخوف على المصير. ما يخافه العامل عند إصابته هو إعادته الى بلاده بعد تطبيبه. سواء امضى أشهرا أم سنوات في قطر، يخاف العامل من أن يتحطم حلمه بجمع مبلغ من المال قبل عودته الى بلاده. لذا يكون الخوف من نتيجة الاصابة أكثر من الاصابة نفسها.

أسرّت لنا إحدى الممرضات أن عددا كبيرا من العمال يتغاضى عن مرض أصابه ويتحامل على كسر في يده او رجله كي لا ينقل الى المستشفى. وطالما وُجد عامل ميت الى جانب الطريق بعدما سقط عن دراجته لشدة الاعياء والتعب والمرض. هذه حال المدن التي تبنى دفعة واحدة، ليتكاثر ضحايا عمرانها المتعجل!

 

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :