Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

كتاب حروب امريكا اسرائيل وبريطانيا على العراق /المؤلف صالح مختاري/خلفيات الثورة الإسلامية في إيران عام 1979

 

 

 

خلفيات الثورة الإسلامية في إيران عام 1979

كانت الاستراتيجية الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، وفي إطار الشعار الكبير المرفوع مقاومة الشيوعية. ترتكز على ركائز رئيسية ثلاث. هي اسرائيل، وتركيا، وإيران. كجزء عالمي. وحدث له تسميات كثيرة. في المنطقة مشروع النقطة الرابعة –مشروع إيزنهاور- حلف بغداد، وانضمام تركيا رسميا إلى حلف شمال الأطلسي.

وكانت مقاومة الشيوعية تعني بالنسبة للاستراتيجية الأمريكية الحفاظ على مصالحها البترولية في الوطن العربي، وضرب قوى حركة التحرر العربية. التي تشكل بنظرها خطرا على تلك المصالح ولذلك أوكلت العديد من المهام هذه الركائز الثلاث. فكانت إيران الشاه الركيزية الثانية بعد اسرائيل، تختص بالعراق أساسا، وبدول الخليج العربي، كدركي لصالح الغربية، وقامت إيران بهذا الدور طوال عقود من عمر حكم الشاه. مما رشحها لتكون فعلا، قاعدة متقدمة في الاستراتيجية الأمريكية. ولعبت بقوة بالورقة الكردية في دعم حركة التمرد في شمال العراق. لاستنزاف قواه وموارده.

فجاءت اتفاقية الجزائر عام 1975 بين العراق وإيران لتوقف دعم إيران لتلك الحركة، مقابل تنازلات اضطر العراق إليها في شط العرب، ومناطق الحدود.

وعندما اشتد وقع الثورة الإيرانية. طلب الشاه من السلطات العراقية ترحيل الإمام الخميني، الذي كان يقيم في العراق منذ عام 1964. فاضطرت السلطات العراقية إلى إخراجه منها في أكتوبر 1978، بناء على نصوص معاهدة الجزائر. وقد أضيف هذا العامل. إلى عوامل أخرى في الصراع بين إيران والعراق.

وكما هو معروف. انتصرت الثورة الإيرانية في 01/04/1979 برحيل الشاه وعودة الخميني.

لقد شكل انتصار هذه الثورة نقلة توعية في المنطقة. فأحدثت هوة كبيرة فيها، بالنظر إلى موقع إيران، وإلى أسلوبها الشعبي، ونتائجها الأولية. حيث حولت إيران من قلعة في الاستراتيجية الأمريكية. إلى الخندق الآخر، وكان جزاءها بإغلاق سفارة اسرائيل، وتحويلها إلى سفارة لفلسطين يلخص هذا التحول. لأمر الذي يعني الكثير في هذه المنطقة الحيوية.

وبالمقابل. فإن الزخم الشعبي الذي أوصل رجال الدين في السلطة وإقامتهم الجمهورية الإسلامية، والاستناد إلى إيديولوجيا دينية –شيعية بالحماس والتفاؤل، وبتراث نضالي طويل ضد الشاه ومقاومة الطغيان. ومجمل الاختلاطات والشوائب التي تركب على هذه الايديولوجيا وتلك الحركة الصاعدة. وضعتها منذ الأيام الأولى في مواجهات مع العراق. لم تتوقف حتى إشعال فتيل الحرب المدمرة.

لقد اختلطت شعارات تصدير الثورة بالطابع الشيعي الخصوصي من جهة، وبنزاعات فارسية في مركز القرار والقوى النافذة من جهة أخرى. لتحمل الخوف إلى الجيران وتوتير الأجواء. واللعب بالأوضاع الداخلية لدول الخليج العربي.

لقد تهيأ لتلك الاندفاعة العاطفية. التي لها ظروفها ومناخاتها، أنه بالإمكان انتقالها بنفس الكيفية إلى دول الجوار، وأن هذا الانتقال هو واجب مقدس فيما عرف بـتصدير الثورة. 

لكن الثورة لا تصدر، فهي ليست سلعة، أو وصفة جاهزة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الخصوصية الشعبية –الإيرانية لتلك الثورة تصعب من عملية هضمها بالمحيط المجاور. فكيف الحال بتصديرها.

صحيح أن معظم دول الخليج يسكنها رعب شيعة. تختلف في كل دولة، وأنهم في بعضها يشكلون الأغلبية، كما هو الحال في العراق والبحرين. لكن هؤلاء الشيعة هو عرب وليسوا فرسا، وبينهم وبين دولة الفرس، وامتداداتها تاريخ طويل في الصراعات والآثار. التي ظل دفينا في النفوس.

ومن جهة ثالثة. فإن اللعب بالأوضاع الداخلية ليس بالأمر الميسر لأي جهة، خاصة في نظم قوية، لها قواعدها الشعبية وامتداداتها الحزبية –كالعراق، ولها سلطاتها الأمنية، وأجهزتها الكبيرة في معظم دول الخليج.

لقد أحدثت الثورة الإيرانية هزة حقيقية في المنطقة. وكان خطابها الثوري –الناري لغة جديدة تحمل الخوف لمجمل حكام الخليج. الذين تربطهم علاقات وتحالفات قوية بأمريكا.

ولأسباب كثيرة في حسابات رجال الدين، والقوى النافذة. اعتبر العراق العقبة الأولى التي يجب اجتيازها للوصول إلى بقية دول المنطقة كونه الدولة الأقوى. فجرى التركيز عليه منذ الأشهر الأولى ولم تكن النزاعات الفارسية خلفية أو مخفية وهي النزاعات التي تحاول العودة إلى أمجاد الامبراطورية الفارسية القديمة. التي كانت ثاني قوة عظمى في العالم القديم، والتي دمرها العرب المسلمون. حين تحولت بلاد فارس بكاملها وبسهولة إلى الدين  الجديد.

ويمكننا أن نوجز القول. بأن هذه الايديولوجيا المندفعة. لم تستطع، أولا، أن تكون بديلا للايديولوجيا السنية الأرسخ والأوسع. ولأنها واسعة وفضفاضة ووليدة الخبرة والتجربة. فإن الشطط فيها طبيعي، وكذلك تحملها لوجود تيارات وقوى عريضة. مختلطة. فارسية، وتأرية، وحتى أمريكية، واسرائيلية بمعنى الانتماء والارتباط.

ولذلك تجمعت عدة عوامل للدفع باتجاه المصادمة بينها وبين العراق. وكانت دول الخليج تدفع بكل قوة بهذا المنحى، ومن خلفها أمريكا، واسرائيل. وبدت المواجهة العسكرية أمرا لا مفر منه. فكانت الحرب الطويلة.

وصار واضحا منذ بدايات الحرب. أن الأطراف التي ساهمت في دفع النزاع إلى الهاوية، وحقنت الأجواء بالشائعات والأخبار المضخمة، وعمقت الخلافات إلى الهاوية بين العراق وإيران. هي نفسها التي تعمل على إطالة هذه الطاحونة الرهيبة إلى أطول مدة ممكنة. لأن كل يوم، وكل عام في عمرها. ويعني إغراق البلدين، واستنزاف مواردها، وانهاكهما تماما.

ويكفي للتدليل على ذلك نهر الدماء الذي سال من الطرفين، والذي يقدم بمئات الألوف، كما أن الأرقام المعلنة عن الخسائر المادية وهي أرقام ليست شاملة مذهلة، حيث تجاوزت خسائر البلدين الـ300 مليار دولار، وكانت ديون العراق –وحده- نحو 80 مليار دولار عند نهايتها.

وبغض النظر عن المسؤولية في هذه الحرب. فإن المستفيد الأكبر منها كانت أمريكا وإسرائيل والدول الخليجية. فقد استنزف البلدان لأزيد من ثماني سنوات، وشلت امكاناتها في الساحات الأخرى طوال مدة الحرب، وأنهك اقتصادها. وإلى جانب ذلك. كانت فائدة الغرب كبيرة في صفقات السلاح الهائلة التي عقدها مع الطرفين، حققت له مليارات الدولارات، وسمحت للأساطيل الغربية بالتواجد في المنطقة تحت حجة حماية دول الخليج والمصالح الغربية.

أما بالنسبة لدول الخليج. فإن الحرب الطاحنة بين الجارين الكبيرين هي غاية المنى لها. إذ لا تريد عراقا قويا، قادرا على حماية قراراته، ومجابهة النفوذ الامبريالي المباشر، والشركات الاحتكارية النفطية العملاقة، كما لا تريد إيرانا معافى، ومسلحا بايديولوجيا اسلامية مقاتلة، تسحب البساط من تحتها، وتنهي الزعامة الدينية التقليدية للسعوديين، وتفضح الزيف القائم، وطبيعة التحالفات والارتباطات بالغرب، كما أن مثل هذا الوضع يهددها بإمكانية انتقاله إلى بلدانها وتهديد عروشها واستقرارها.        

 

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :