Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

كتاب جواسيس في مهام سرية /تاناما الجاسوس الياباني الذي

تاناما  الجاسوس الياباني الذي

قضى على القيصرية

الروسية

 

إن المعارك التي دارت بين اليابان و روسيا القيصرية ابتداء من عام 1904 حتى 1905 كانت بمثابة المنعطف التاريخي في حياة الشعب الروسي فلم تكن الثورة الروسية اليابانية لعام 1905 ثورة بين خصمين فقط بل إن انهزام الروس أمام اليابان كان له الأثر البليغ في قيام الثورة الأهلية، في روسيا و الإحاطة بالقيصرية هناك.

و مجيء طبقة البروليتاريا إلى الحكم، و نحن لسنا هنا في عرض تاريخي للثورات الشعبية و لا للأوضاع السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية، بل سنعطي لمحة وجيزة عن أهم الفترات الحربية و المعارك الطاحنة خلال أربع سنوات (سنة 1901 حتى 1905 ).

 

غرضنا في هذا المقال هو البحث عن السر الذي جعل اليابانيين يتفوقون على القوات الروسية في جميع المعارك التي دارت بينهما و بالضبط الدور الذي لعبه الجاسوس الياباني الذي ذاع صيته و بقي مثلا بطوليا في ذاكرة الأصدقاء و الأعداء على السواء إنه النقيب (تاناما) الذي استطاع تغيير مجرى الصراع و القضاء على القوات الروسية و بالتالي انتهاء النزاع بين اليابان و الروس. 

 

في 27 جانفي من عام 1904 هاجم الأسطول الياباني مرفقا بورت أرثر ARTHUR PORT)) دون إعلان الحرب. و دمر أسطولا روسيا ضخما في معركة غير متكافئة استمرت 45 دقيقة  و نزلت القوات اليابانية في كوريا ثم في منشوريا و في ماي من نفس السنة هاجمت القوات اليابانية الحامية الروسية قلعة بورث آرثر و دارت معارك طاحنة استمرت سبعة أشهر انتهت بسقوط القلعة في 20 ديسمبر من عام 1904 و قد فقد اليابانيون خلال هذه المعارك زهاء 110 آلاف بين قتيل و جريح، في حين بلغت خسائر الروس في الأرواح 35 ألف و بنهاية هذه المعارك أصبح اليابانيون يسيطرون على بحر البلطيق.

 

في شهر فيفري من عام 1905، حدثت معركة ضخمة بالقرب من (موكدن) هزمت فيها القوات الروسية هزيمة مريرة، إذ بلغت خسائرها 89 ألف جندي في حيه خسر اليابانيون 71 ألف جندي، و كانت خاتمة هذه المعارك معركة تشوشيما ((Tsushima البحرية و قد بلغت خسائر روسيا في معاركها مع اليابان نحو 270 ألف قتيل و جريح بالإضافة إلى تدمير جل أساطيلها البحرية الرئيسية. و مع حلول فصل الخريف لعام 1905 وقعت معاهدة صلح بين البلدين المتحاربين في قاعدة بورتسموت (Porth-Smouth) البحرية بالولايات المتحدة الأمريكية. و بفضل هذه المعاهدة انتهت الحرب الروسية اليابانية، حيث تعهدت فيها روسيا بالجلاء عن منشوريا، و التنازل عن القطاع الجنوبي لسكة حديد منشوريا و حصلت اليابان بموجب المعاهدة على النصف الجنوبي من جزيرة سخالين

((Sakhaline، و على ملكية الامتياز الروسي الخاص باستئجار جزيرة لياتونغ (Liao-Tung)

 

إن الإستراتيجيين العسكريين يرون أن انهزام القوات الروسية أمام اليابان في جميع معاركها يرجع إلى عنصر المفاجأة و المغالطة اللذان استطاع اليابانيون إتقانهما جيدا و هذا بفضل حنكة مخابراتها و تفاني المواطن الياباني من أجل بلده. و هي الصفة التي ينفرد بها الشعب الياباني عن باقي الشعوب أنه شعب يقدس بلاده إلى درجة الانتحار من أجل ذلك أصبح عادة حميدة لمن يتاح له ذلك. و قد انتشرت ظاهرة لدى اليابانيين و أصبحت لها أصولها و طريقتها الخاصة. التي تسمى (الهاراكيري) و هي عملية تتلخص في إدخال سكين في بطن المنتحر و تمزيق أحشائه بحركة زاوية قائمة، متحركا من مكان الطعن إلى اليسار ثم الرجوع إلى مكان الطعن ثم الصعود إلى أعلى البطن حتى الصدر. و من الأسباب التي تجعل الياباني يقدم على الانتحار هو المساس بقيمة الخلفية أو الوطنية، مثل الفضائح التي يتعرض لها الياباني و التي تمس سمعته و سمعة أهله و بلده.

 

و من بين القصص الواقعية التي تحمل أكثر من معنى بطولي هي قصة الجاسوس الياباني الذي رشف الموت و سقى الروس أشر الهزائم، و قضى على القيصرية الروسية، إن أمر هذا الجاسوس يحتاج إلى سرد كل خفاياه بالتفصيل، حتى يتبين لنا كيف أنه وصل إلى مقام الأبطال و كيف دمر القيصر الروسي الجاسوس هو النقيب (تاناما)، أرسل من طرف حكومته للعمل كملحق عسكري في السفارة اليابانية بسان بترسبورغ سنة 1901 بالاتحاد السوفياتي، و كان بالنسبة للروس أن كل ياباني يعتبر مشتبها. و عليه تكون المراقبة مستمرة له و هكذا كان (تاناما) مثيرا للريبة و الشك، و كان من مهمات المخابرات الروسية أن تراقبه مراقبة دقيقة. و كانت الحكومة الروسية على يقين أن بلادها على وشك الدخول في حرب مع اليابان و ستكون بالتأكيد حربا ضارية نظرا لتكافؤ القوتين، كما أن اليابانيين كانت لهم نفس الأحاسيس و عرف الروس من عيونهم في طوكيو ( المخابرات السوفياتية في طوكيو) أن وزارة الحربية اليابانية على إطلاع بالأسرار الروسية، مما يثبت أن هناك ثغرة في مكان ما في بترسبورغ، أما تاناما فله وسائله الخاصة لتوثيق صداقاته مع الناس و الضباط و الممثلات و الشخصيات الروسية، لكنه كان في الوقت ذاته مقامرا كبيرا إذ يقضي معظم أوقاته في القمار و المجون، و كان يخسر كل أمواله لكن تبقى الابتسامة عليه و كأن شيئا لم يحدث له، كان يبدو ثريا.

 

كانت المخابرات الروسية تراقبه في كل تحركاته و خلال السنة الأولى من إقامته في بترسبورغ لم يرتكب أي خطأ، يثير حوله الشبهة على الرغم من أنه كان يرافق ضباط روسيا و فتيات حسناوات في المدينة و ضواحيها، و ركزت المخابرات الروسية على علاقاته بالجنس اللطيف لأنه الخيط الوحيد الذي منه يمكن أن يقع في الفخ. و أثناء متابعة تاناما و مراقبته و في الوقت الذي لم تتمكن المخابرات الروسية من اكتشاف حقيقة أمره، توالت التقارير من السفارة الروسية بطوكيو تشير إلى أن الأسرار الروسية تتسرب و الحكومة اليابانية على علم بكل شيء. و بات من المؤكد أن هناك ثغرة في أجهزة الحكومة الروسية و أن الثغرة تتوسع و بشكل كبير، الشيء الذي أقلق كثيرا الحكومة الروسية، و دعاها لتجنيد مخابراتها لوضع حد لهذه الكارثة، و لم يكن أمام المخابرات الروسية إلا حلا واحدا هو البحث عن طريقة لطرد تاناما من البلاد لأن الروس اقتنعوا أن (تاناما) شخصية داهية و ماهرة لا يمكن كشف أسراره و لا يمكن أن يقع في الخطأ. و كانت المخابرات الروسية تتمنى أن لا يكون خليفته مثله. و عرفت المخابرات الروسية على أي وتر تلعب مع (تاناما) إذ أنها على يقين بأن عودته إلى بلاده لن تكون إلا بتلبيسه تهمة فضيحة لأنه لا يوجد شعب في العالم حساس و تحطمه الإساءة مثل اليابانيين.

 

كان" تاناما" صديقا حميما للممثلة "اليانيسكايا" و يبدو أن علاقتهما تطورت إلى درجة أنهما تحابا. و قد كانا لا يظهران إلا نادرا، لكن خلواتهما كانت مستمرة و اتصل أحد رجالات المخابرات الروسية بالممثلة اليانيسكايا و طلب منها مساعدتهم على طرد "تاناما" من البلاد و هددها بالموت في حالة رفض هذه المساعدة، و أبدت الممثلة حبها الكبير لـ "تاناما"  إلا أنها أمام التهديدات استسلمت للأمر الواقع و قبلت في النهاية مساعدته. و أعطى الروسي الممثلة الطريقة التي تنتهجها مع "تاناما" و في إحدى لقاءاتها معه التي كانت تتم ليلا، طلبت "اليانيسكايا" من حبيبها أن يتزوجها حالا طبعا كان رفضه تاما، و لكنه قدم لها الاعتذار على أساس أن الضباط اليابانيين لا يتزوجون بفتيات أجنبيات، و إذا تم ذلك سيطرد من خدمة بلاده، هذا في حد ذاته فضيحة لا تغتفر، ثم أضاف أنه متزوج في اليابان. و أمام إصرار"اليانيسكايا" قدم لها "تاناما" مالا مقابل أن تتراجع عن فكرة الزواج لكنها رفضته، و خيرته بين الزواج أو التشهير به. و هكذا وضع "تاناما" في وضعية حرجة للغاية و كانت المخابرات الروسية تظن أنه سيرحل مباشرة إلى اليابان و بالتالي يكونون قد ربحوا معركة معه. و كانت الممثلة على استعداد للتشهير به، إذ رتبت الأمور كما ينبغي، حيث تذهب "اليانيسكايا" إلى شقته و تمزق ثيابها و تصرخ بأعلى صوت. و يكون الصحافيون أول من يقتحم باب شقته و أمام هذه الحالة الصعبة لـ "تاناما" طلب من أحد رجالات من المسؤول عن الاستخبارات في عهد القيصر الكابتن "ياباوتسكي" أن يحضر حالا في شقة "تاناما" و ذهب "ياباوتسكي" و هو يعلم بالقصة من أولها ألم يكن أحد الرجالات الذين نسجوا القضية. كان "تاناما" صريحا للغاية مع "ياباوتسكي" و عند نهايته من اعترافه قال له "ياباوتسكي" أني على علم، فقال "تاناما" أتعلم ماذا سيحدث لو نفذت تهديداتها ؟ فأجاب "ياباوتسكي" : أنها فضيحة مخجلة حقا. و طلب "تاناما" مساعدة "ياباوتسكي"، ليعمل على تغيير أفكار" اليانيسكايا" و أجاب "ياباوتسكي" يبدو الأمر في غاية الصعوبة. سأحاول مساعدتك و لست أظن أني أقدر على ذلك، على كل حال، عليك أن تغادر البلاد.

 

و لم يتردد "تاناما" عن تأييده و استعداده للرحيل في أقرب الآجال. بل كان مستعدا أن يلبي كل طلبات المخابرات الروسية، الأمر الذي دعا هذه الأخيرة أن تطالبه بتزويدها بنسخ تبين موقف اليابانيين من الحرب كما طلب منه النقيب "ياباوتسكي" أن يعطيه نسخ تبين وضعية الجيوش اليابانية في بورث آرثر و في منشوريا الجنوبية و هكذا وجد "تاناما" نفسه رهن المخابرات الروسية فهو محكوم عليه بالرحيل من جهة و بالتعامل معها من جهة ثانية. لكن المخابرات الروسية كانت متخوفة جدا من أن تكون المعلومات التي يقدمها لهم "تاناما" كاذبة. و كان رد "تاناما" بالإيجاب حيث أبلغ  "ياباوتسكي" عن طريق " اليانيسكايا" أنه سيغادر البلاد خلال أسبوع و سيبعث له بنسخ من الخطط الرئيسية و أوامر التعبئة. و شكر كثيرا "ياباوتسكي" على مساعدته له.

و ترك "تاناما" بترسبورغ في صيف 1902 و كان النقيب "ياباوتسكي" في توديعه و كما كان متوقعا التحق بعد أسابيع قليلة ملحق عسكري جديد حل محل "تاناما" و كان هزيل الشخصية و محدود الذكاء.

و انهمك أعضاء المخابرات السوفياتية في الاستعداد لمواجهة حرب قد تقع في الشرق الأقصى و كانت الأحوال تتأزم بسرعة و هكذا كانت القطيعة بين "تاناما" و المخابرات الروسية لمدة ستة أشهر، و بالضبط إلى نهاية شهر ديسمبر من عام 1902 بعث "تاناما" طردا بالبريد الديبلوماسي عن طريق الملحق العسكري الروسي بطوكيو و كان رفقة الطرد رسالة من السفارة الروسية تقول أن صاحب الطرد أراد إرسال الرسالة إليكم مغلقة. كان الطرد يحتوي على خرائط و معلومات دقيقة و مفصلة، تبين العمليات اليابانية حول بورث آرثور كما تشير الوثائق إلى المواقع التي فيها الفرق العسكرية و كيفية توزيعها في المنطقة.

 

انعكف الخبراء الروس  على دراسة تلك الوثائق، و اكتشفوا التكتيك المذهل الذي تحتوي على تلك الوثائق و اختلف الخبراء في الرأي إذ قال بعضهم أن اليابانيين دقيقون حتى في خرائطهم المزيفة و قال فريق ثاني من يدري ربما تكون المعلومات التي وردت في الوثائق صحيحة. بعد ستة أشهر أخرى أي في صيف 1903 وصلت خرائط  بالطريقة نفسها، و فيها التفاصيل ذاتها و التكتيك الحربي نفسه، و لكنها هذه المرة كانت تتناول العمليات في جنوب منشوريا.

 

و تبين للإستراتيجيين العسكريين أنه في حالة صدق المعلومات التي وردت في الوثائق يتحتم تغيير جميع الخطط الروسية و قال آخرون أنه من العبث و الجنون أن نثق في "تاناما" و بعد ستة أشهر أخرى أي في شهر ديسمبر 1903 وصل طرد آخر يحتوي على وثيقة توضح العمليات اليابانية في نهر (يابو) و لم يعد بعد ذلك جدل و لا شك في صدق (تاناما) خاصة بعد وصول أخبار تشير أن "تاناما" قبض عليه متلبسا بسرقة الخرائط من وزارة الحربية اليابانية، و تسليمها للعدو. و أعدم رميا بالرصاص و أكد الملحق العسكري الروسي في طوكيو هذه المعلومات و صدقها. و على الرغم من ذلك بقي الشك يراود بعض أعضاء المخابرات الروسية لكن ذلك الشك ما فتئ أن زال بعد وصول أخبار تشير أن والد تاناما انتحر عندما سمع بالفضيحة التي ألحقها ابنه العاق بعائلته.

 

و لما أضحت الحرب على وشك الاندلاع بين روسيا و اليابان، لم يجد الخبراء و الاستراتيجيون الروس بدا من الانعكاف على دراسة الخرائط التي وصلتهم من الجاسوس الياباني "تاناما" و كان من بين المقتنعين بهذا الإحساس النقيب "ياباوتسكي" المسؤول عن علم المخابرات الروسي آنذاك.  أما الضباط الآخرون، فكانوا غير مقتنعين بمصداقية "تاناما" حتى اللحظات الأخيرة من قيام الحرب إذ بقي الشك يراودهم حتى آخر لحظة. و في فيفري من عام 1904 أعلنت الحرب بين البلدين، انتهت بانهزام الجيوش الروسية و سقوط مئات الآلاف من الجنود الروس، وكانت معركة (نهر بالو) هي الفاصلة في تاريخ العالم بالنسبة للروس، إذ بموجب ذلك أبرمت معاهدة لوقف القتال و نهاية الحرب كما ذكرنا ذلك في بداية المقال.

 

لكن الذي ترتب عن ذلك الانهزام لم يكن في الحسبان إطلاقا حيث قامت انتفاضة داخل روسيا القيصرية عصفت بالقيصر نفسه و لم تخمد الغليان و السخط الشعبي (طبقة البروليتاريا، و الفلاحين) إلا بسقوط حكومة القيصر نيقولا الثاني و حاشيته.

و على الرغم من أن الروس كانوا على إطلاع بخطط اليابانيين في حروبهم معهم و أن "تاناما" كان قد زودهم بها إلا أن الشيء الذي حدث هو أن اليابانيين كانوا يستعملون عنصر التفوق العددي في مواجهة القوات الروسية، فما أن تحاول مثلا الفرقة الروسية مهاجمة مركز ياباني معين غلا و تجد أمامها فرقتان يابانيتان و هكذا انتهت المعارك و خاصة معركة نهر بالو، بفرار الجيوش الروسية كما فقدوا 50 % من جنودهم في حين لم يسقط من الجيش الياباني سوى 2,5%  و أمام هذا الوضع الخطير لم يعد الوقت متاح لمراجعة الخطط الروسية و توالت الهزائم و خسر الروس معاركهم ضد اليابان.

 

أما حقيقة الضابط الياباني "تاناما" فكان بحق أعظم بطل وطني في اليابان و هذا بشهادة المواطنين الضباط الذين اعترفوا بأن نهاية قصته كانت من أروع البطولات التي عرفتها بلد الشمس المشرقة، و فعلا منحه الإمبراطور هو و عائلته رتبة الشمس المشرقة من الدرجة الثانية. و هذا مقابل أنه أعدم بتهمة جاسوس خائن، لكن رغبة منه للتشهير به و من ثمة ينخدع الروس. إنه حقا لشرف عظيم.

 

 

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :