مخدرات من نوع جديد تدخل المجتمع الجزائري
جزائريون يتعاطون ''الغاز··
مبيد الحشرات·· الديليون''·· !
--مبيدات اليأس والصحة معا!!
--الدكتور درقيني : عالجت فتاة كانت مدمنة على استنشاق مبيد الحشرات
-- شهادات حية لشباب تابوا عن الإدمان وكشفوا الأسباب
اليأس، البطالة، الفقر، والنزوح الريفي، مسببات جعلت الكثير من الشباب المراهق يغرق في مستنقع الإدمان، فإذا كانت المخدرات المعروفة بطرق استهلاكها وصرامة القوانين الردعية ضد القائمين على ترويجها قد استفحل انتشارها، فإنه قد تزامن مع هده الظاهرة تفاقم الإقدام على استهلاك مواد مخدرة أخرى تسمى ''المستنشقات'' المصنفة ضمن المخدرات المحلية و التي أصبح لها مكانة خاصة لدى الشباب المراهق نظرأ لسهولة الحصول عليها بأثمان بخسة وغياب القوانين التي تعاقب المدمنين عليها، حيث تحولت مواد كيماوية ''كالغراء'' (اللصقة)، البنزين، المازوت، الغاز، سائل الديليون وحتى مبيد الحشرات إلى وسيلة لتخدير العقل هروبا من الواقع المزري الذي وصل إليه هؤلاء معتقدين أن هذه المستنشقات ستبيد ما بداخلهم·
سفيان، حفيظ، كشفا لـ ''الجزائر نيوز'' كواليس الظاهرة التي وصفوها بالانتحار البطيء·
سفيان: تعاطيت ''اللصقة''، سائل الديليون، البنزين هروبا من قسوة العائلة
سفيان الذي يبلغ اليوم من العمر ثمانية عشرة سنة، كان قد دخل عالم المستنشقات، بعد مغادرته مقاعد الدراسة· عن أسباب التحاقه بشلة المدمنين يقول >كنت أعيش مرحلة عادية وسط عائلتي وأدرس بصفة منتظمة، من المدرسة إلى البيت· لم أكن أبدا أختلط بالشباب المنحرف بالحي الذي كنت أقيم فيه<·ويضيف أنه بدأ يدخل منعطف المشاكل ابتداء من السنة السادسة ابتدائي بحيث أصبح لا يذهب إلى المدرسة وبذلك أصبح المجال مفتوحا أمامه لمصاحبة المنحرفين الذين -حسبه- كان يعج بهم الحي· المتحدث يشير إلى أن والده كان يوميا يضربه بسبب أو بدونه، معترفا في ذات السياق أنه كان عاق وعلى هذا الأساس كانت تلصق به أي تهمة حتى ولو كان بريئا منها· سفيان أسرّ لنا أنه في آخر مرة غادر فيها الدراسة قام بضرب أحد أساتذته ليتحول بعدها إلى إنسان آخر، بحيث يقول >من هنا بدأت السرقة وعمري عشر سنوات وتجولت في أغلب شوارع العاصمة< ليكشف أنه دخل مركز إعادة التربية بشوفالي حيث بقي هناك أربع سنوات· وبعد خروجه لم يمكث طويلا في بيت عائلته ليتحول إلى ''سوفاج'' محترف وسنه لا يتعدى أربع عشرة سنة على حد قوله· في هذا الإطار يقول سفيان >كانت وجهتي ساحة الشهداء حيث كنت أبيت في العراء وأحيانا أنام في الأنفاق والمقاهي<· ويضيف >بدأت التدخين باستعمال أوراق الجرائد ما جرني بعدها تلقائيا الى دخول عالم الإدمان على الديليون الذي كنت أستنشقه بعد وضعه في كيس لتسويق الحليب فارغ· كما أنني كنت أتناول مادة ''اللصقة'' بنفس الطريقة<· معترفا أنه قام بتجريب استنشاق البنزين عن طريق وضعه في الجوارب كما يفعل الذين اختلط بهم·
وعن الحالة التي يصل إليها المدمن بعد استنشاقه لهذه المواد يقول المتحدث >عندما يكون الشخص في أول تجربة له يمكن أن يؤذي نفسه بسهولة، بحيث يصبح لا يشعر بأي فعل يصدر عنه وإذا أصيب بشيء لا يحس به أبدا<· وقد كشف أنه في عدة مرات قام بضرب نفسه واصفا نفسه بأنه كان حينها ''بهلولا'' أكثر من اللازم، في حالة يرثى لها حيث كان يتسول في الطرق والشوارع من أجل الحصول على المال لشراء المواد المستنشقة· وقد اعترف سفيان ''التائب'' بأنه كان برفقة زملائه يلحقون الأذى بالمارة عن طريق السرقة ، فإن شبابا آخر لهم من المستوى المعيشي ما يغنيهم عن تناول هذه المواد السامة لكنهم انساقوا إليها، في هذا الشأن يكشف الشاب سفيان أنه كان برفقته أشخاص أحسن منه اجتماعيا وماديا إلا أنهم كانوا مثله يستنشقون تلك السموم كحميد الذي يقول عنه >كان والده لا يبخل عنه بالمال إلا أنه لم يكن يتوانى في سرقة أخواته بغرض شراء ''الديليون<· كما أشار محدثنا الى أن بعض الشباب الذين كانوا معه قد تعرضوا إلى إعاقات مختلفة كإسماعيل الذي صدمه القطار بسبب مادة الديليون لتبتر إحدى رجليه وعمره 21 سنة والذي قضى نحو سبع سنوات في مجال تناول هذه المخدرات وآخر يقول عنه بأنه أصبح عفِنًا جراء التمادي في الاستنشاق·
سكان الفوج السابع أنقدوني من الدمار
الوضعية المأساوية التي كان عليها سفيان جعلته يتنقل من مكان إلى آخر ومن شارع إلى شارع بحثا عن المال وأشياء أخرى حتى وصل بيه المطاف إلى حي الفوج السابع ببلكور وهنا يقول >التقيت بأناس طيبين قاموا برعايتي من كل الجوانب: اللباس، المأكل، وحتى الإقامة حيث منحوني غرفة لأصبح بعد ذلك شخصا متدينا لا أفارق المسجد· هذه العناية التي كنت أفتقدها جعلتني أتخلى تلقائيا عن تناول المستنشقات التي أفقدتني القدرة على الكلام وكادت أن تعصف بصحتي إلى الأبد
حفيظ : جربت استنشاق ''اللصقة'' والديليون من باب الفضول
حالة حفيظ ينطبق عليه المثل الشعبي القائل ''المخالطة تفسد الطبع''· فبحكم أنه كان يصاحب بعض الأصدقاء الذين كانوا غارقين في استهلاك المواد المستنشقة بإفراط، أراد على سبيل التجربة الانخراط في هذا المسلك الذي يقول عنه >جربت الاستنشاق منذ حوالي أربع سنوات بعدما لاحظت أن الكثير ممن أعرفهم يقبلون عليها بكثرة فأردت معرفة مفعول هذه المادة<· ويضيف أنه اشترى علبة ''اللصقة'' بـ 30 دج حيث وضع كمية في كيس وبدأ في المغامرة، بعد شهرين من الإدمان اقتنع أن هذا الطريق غير آمن من المخاطر الصحية فانقطع نهائيا عن ذلك·
حفيظ قال أنه عرف أشخاصا كانوا يستهلكون الكحول المطهرة، الروائح والمواد المطهرة كتلك المستعملة في إزالة طلاء الأظافر·· حفيظ ختم حديثه لنا بقوله >أنصح الشباب بالابتعاد عن تناول هذه المواد التي تحول الإنسان إلى حيوان هائج<·
الدكتور حبي باش: سجلنا 155 حالة ''تخذير بالاستنشاق ''
خلال زيارتنا لمصلحة الوقاية والعلاج من الإدمان بمستشفى فرانس فانون بالبليدة، التقينا الدكتور حبي باش عبد الرحمان، مختص في علم النفس بذات المصلحة والذي صرح لـ >الجزائر نيوز< >أن المواد المستعملة كمخدر مثل المازوت والبنزين والغاز والكولة تحدث اضطرابات نفسية عندما يكون المدمن في حاجة ماسة إليها، حيث يصاب بأوجاع في الرأس المرافق بالدوران والشعور بالقلق مع الحرمان من النوم<، حيث أشار أن المصلحة استقبلت عدة حالات لأشخاص كانوا مدمنين على استنشاق المواد السامة ذات التركيب الكيماوي، ليتم التكفل بهم لمدة واحد وعشرين يوما، موضحا أن أغلبهم تماثل للشفاء فحسبه يمكن معالجة هؤلاء بشرط أن تتوفر الإرادة· وبخصوص عدد الحالات التي زارت المصلحة قال الدكتور حبي باش >في عام 2001 سجلنا 17 حالة، عام 2002 كان العدد 19 ليرتفع في عام 2003 الى .39 أما في عام 2004 فسجلنا 35 حالة وفي العام الموالي فقد زارنا 45 مدمنا< وحسبه فإن هذه الحالات جاءت من كل ولايات الوسط·
الدكتور درقيني مصطفى
عالجت شابة كانت مدمنة على استنشاق مبيد الحشرات!!
كشف الدكتور درقيتي لـ >الجزائر نيوز< >أنه في نهاية عام 2005 تفاجأ بحالة فتاة كانت تستنشق مادة مبيد الحشرات وعمرها لا يتجاوز ثماني عشرة سنة<، مشيرا الى أن أم هذه الفتاة كانت قد اكتشفت الأمر بالصدفة والتي صرحت له على حد قوله >كنت أشم رائحة المبيد رغم أن البيت لا توجد به حشرات وفي أحد الأيام بحثت عنها في المنزل فلم أعثر عليها وعندما توجهت إلى الحمام وجدت بابه مغلقا وعندما فاقتحمته وجدت ابنتي تستنشق المبيد باستعمال قطعة من القماش·
وعن أسباب إقدام هذه الشابة على هذا الفعل قال درقيتي >إن والدتها صرحت له بأن ابنتها أرادت تجربة ذلك وعندما اكتشفت أن المبيد ''حلو'' داومت على استنشاقه< وهي حجة لم تقنع الدكتور الذي أوضح بأن الفتاة التي عالجها لمدة 21 يوما تعيش وسط عائلة لا بأس بها· والدتها تمارس التجارة وهي البنت الوحيدة، بما يعني حسبه أن الجانب المالي غير مطروح في هده الحالة·
البروفسور ريدوح البشير لـ الجزائر نيوز
الظاهرة ستتفاقم ما دام الأطفال في الشارع
''الجزائر نيوز'' تنقلت الى مركز لمعالجة المدمنين على المخدرات لمعرفة رأي البروفسور ريدوح بشأن ظاهرة استفحال تناول المستنشقات من طرف الأطفال والشباب المراهق·
هل تم تسجيل حالات لأشخاص مدمنين على استنشاق هذه المواد على مستوى المركز الذي ترأسونه وفي نظركم هل يمكن لهؤلاء الخروج من هذه الدوامة الخطيرة؟
نعم استقبلنا حالات من بينهم أطفال ومراهقين، أما فيما يخص العلاج فهو ممكن بشرط أن تتوفر الإرادة· فعندما يأتينا هؤلاء نقوم بمعالجتهم عن طريق الأدوية ولكن أحسن وسيلة للوقاية من هذه ''الآفة'' هي العائلة، فالأطفال والمراهقين المنتشرين في الشوارع كانت الظروف الاجتماعية والاقتصادية السبب فيما وصلوا إليه اليوم من إدمان وانحراف أخلاقي، فالطفل بدون عائلة يعني الدخول في عالم مجهول غير مضمون العواقب· لذا يجب أن توفر للعائلة الشروط الضرورية لكي تنعم بالحياة الهادئة وبذلك تستطيع القيام بواجبها التربوي الذي هو شيء مهم لسد الطريق أمام انحراف الأبناء، كما يجب إنشاء مراكز خاصة تتكفل بأطفال الشوارع·
حسب تجربتكم على رأس مركز العلاج والوقاية من الإدمان هل يمكن القول بأن هذه الظاهرة ستستفحل إذا لم تتخذ التدابير اللازمة لمحاصرتها؟
الظاهرة ستتفاقم عندما يكثر انتشار الأطفال والمراهقون في الشارع، علينا البحث عن الأسباب التي تدفع العائلات إلى إهمال أبنائها·
كيف يمكننا التقليل من هذه الظاهرة
توجد لدينا سياسة لمكافحة الإدمان على جميع أنواع المخدرات أكثر صرامة من ذي قبل بعدما تطور الأمر إلى إقبال المدمنين على مزج عدة أنواع من المخدرات في آن واحد، وهو ما أحدث مشاكل كبيرة سواء على الصعيد الاجتماعي أو الاقتصادي،فوجود شخص مدمن في أي عائلة يتحول إلى عدم استقرار هذه الأخيرة·· نفس الأمر يحدث في الشارع حيث تجد أمثال هؤلاء يعتدون على المارة من أجل خمسين دينار فقط وهو ما أصبح يشكل جريمة قبيحة تهدد المجتمع بأكمله·
عيسى قاسمي (مدير التعاون الدولي بالديوان الوطني لمكافحة المخدرات والإدمان عليها)
تقارير الدرك والشرطة تشير إلى تزايد عدد المدمنين
في حديثه إلينا حول استفحال ظاهرة تعاطي المستنشقات، أكد عيسى قاسمي مدير التعاون الدولي بديوان مكافحة المخدرات >أن تقارير مصالح الدرك والشرطة تشير الى أن العديد من الشباب أصبحوا مدمنين على ما اصطلح على تسميتها بالمخدرات المحلية·
فحسبه خطورة هذا النوع من الإدمان لا يمكن تحديد آثارها السلبية على الصحة والعقل خصوصا عندما تكون المادة المستنشقة مزيجا من عدة مواد· وهنا يقول السيد قاسمي >من أجل معرفة هذه الآثار لابد من إجراء تحاليل على هذه المواد حتى نتمكّن من تحديد تلك المخاطر<، كاشفا أن العلاج في مثل هذه الحالات يصبح صعبا بسبب جهلنا للمادة التي أصبحت أكثر تأثيرا على المدمن·
وقد ذكر ذات المسؤول أن الديوان قد قام بإبرام اتفاقية مع المركز الوطني للتحليل السكاني والتنمية في جانفي الماضي يمتد على مدى سنة بهدف إعداد دراسة معمقة من أجل التعرف وإدراك ظاهرة انتشار المخدرات بشتى أنواعها ولتحديد من، كيف، لماذا، ماهو النوع، الفضاءات، أسباب الإدمان، ظروف الترويج والجهات الواقفة وراءها، مضيفا أنه لأول مرة في الجزائر تجرى دراسة وقائية علمية من هذا النوع، الغرض منها توفير معطيات دقيقة لسد الطريق أمام ''مهرجي'' الأرقام الذين ما فتئوا يعلنوها بدون سند ولا حتى دراسات وافية·
وفي محاضرة ألقاها عيسى قاسمي بجامعة سطيف بتاريخ 20 مارس 2005 جاء أن المخدرات المحلية المعروفة بالمستنشقات تتمثل في مجموعة من المواد ذات تركيب كيماوي متنوع كـ >البنزين وتوليان استات اتيل اغزان أستون< والتي توجد في مكونات بعض مواد الغسيل والنظافة