الجاسوس الإسرائيلي جاكوب كيلمير
جاكوب كيلمير مواطن إسرائيلي و العميل الأساسي في خطة حققت نجاحا باهرا و امتدت سنوات عدة كان اسمها "العلم المزيف".
حاز كيلمير على شهادة في هندسة الكهرباء من مؤسسة رينسلاير بولتكنيك (أمريكا)، ثم عاد إلى حيفا حيث أسس شركة "د.آي.ك الكترونيك" لتمثيل الشركات الأمريكية في إسرائيل و في 1971، حصل كيلمير على إذن من وزارة الخارجية الأمريكية بشراء مرسم أمريكي للذبذبات العالية يستخدم لاختبار الأسلحة النووية و أسلحة الليزر و التجهيزات العسكرية الأخرى. و اعتقدت الوزارة أنه تقدم بطلبه هذا لصالح زبائن إسرائيليين، لكن كيلمير رفض أن يشرح كيفية تصرفه بالبضاعة، فقد منعته الوزارة الأمريكية من القيام بأية أعمال أخرى في الولايات المتحدة.
بعد أشهر قليلة، كان أحد أقرباء شخص يدعى بيتر فيراغ يقوم بزيارته و بيتر فيراغ هذا يهودي مجري هاجر إلى كندا و عمل محاميا في مونتريال. قال له القريب بأن أحد أفراد عائلته يعمل في الجيش الإسرائيلي و أنه يود شراء تجهيزات إلكترونية بشكل سري، فهل فيراغ مستعد لتقديم يد العون ؟ وافق فيراغ على مقابلة عضو العائلة هذا الذي لم يكن سوى كيلمير نفسه. و عندما التقيا، وجه كيلمير سؤالا مباشرا إلى فيراغ : " هل أنت مستعد لمساعدة دولة إسرائيل ؟"، فرد فيراغ بالإيجاب.
و بوصفه محاميا، استطاع فيراغ أن يؤسس شركة جديدة تحت اسم "دي فيمي تيست لاب" تعمل في مجال اختبار و صناعة الدوائر المدمجة. و أخبر الجميع بأن الشركة تأسست برأسمال أوروبي و بمساهمة مصرف في نيويورك، و أنها استأجرت أرضا قرب مونتريال لبناء مصنع. بدأ فيراغ مستندا إلى هذه الخرافة، بشراء التجهيزات الأمريكية التي حددها له كيلمير، لأن الشركات الأمريكية تستطيع أن تبيع الزبائـن الكنديين كل التجهيزات، حتى الإستراتيجية منها، من دون إذن بالتصدير أو أية مراجعة حكومية. و هكذا حصل فيراغ على كل ما أراده بدون أية صعوبة تذكر. أما السوفيات فقد مولوا تلك العمليات بشكل كثيف و بدون ترك أية آثار عبر حسابات مصرفية في البنوك السويسرية.
اشترى فيراغ، أولا، من شركة في كاليفورنيا غرفة اختبارية لإنتاج الأرسنيد الذي يستخدم أجهزة الاتصال ذات الموجات الكهرطيسية القصيرة جدا، فشحنها على وجه السرعة إلى أمستردام حيث نقلت إلى برلين الشرقية. و عندما جاء ممثل عن الشركة الكاليفورنية للمساعدة في تركيب الغرفة في مونتريال، قال له فيراغ بأنه قرر، و لأسباب تتعلق بالضرائب، إقامة مصنعه في هولندا.
و بتوجيهات من كيلمير، عمل فيراغ على شراء المقومات الإنتاجية التي يحتاجها السوفيات لبناء مصنع متطور، فاشترى من شركة "ج.سي.آي" في بردفورد، بولاية ماساشوستس، أحد افضل أجهزة ترديد الصور في العالم بميلغ يوازي مئات آلاف الدولارات. كالعادة، أرسلت شركة "ج.سي.آي" أحد مساعديها للمساعدة على تركيب الآلة. لكن فيراغ تذرع بأنه سيضع التجهيزات في المخازن بانتظار الانتهاء من إنشاء المصنع. و في اليوم التالي وصل مردد الصورة، إلى مونتريال برا، فشحنه فيراغ و "الميجور" كيلمير إلى براغ عبر أمستردام.
ثم اشترى فيراغ، بمبلغ 40 ألف دولار، آلة لاختبار نقاط الاتصال على الرقائق نصف الموصلة للكهرباء و حولها إلى وارسو عبر أمستردام. ثم باعته شركة كاليفورنية، و بكل سرور، إذ كانت على شفير الإفلاس، عقلين إلكترونيين أرسلا عبر شركة شحن نمساوية.
لم يتضح ما إذا كان فيراغ على علم بأن مشترياته كان يتم تحويلها إلى الكتلة السوفياتية لا إلى إسرائيل. و مهما يكن من أمر، فإنه و كيلمير زودا الاتحاد السوفياتي طوال الفترة الممتدة من 1972 و حتى 1977، بالمكونات الأساسية لأفضل مصنع نصف موصل للكهرباء يمكن للولايات المتحدة أن تقيمه. و لعلهما كانا يواصلان حتى اليوم هذه المهمة لولا الشراهة السوفياتية !
إذ أن مردود الصور أعجب السوفيات إلى درجة أنهم طلبوا جهازا ثانيا منه، فقدم فيراغ الطلب. غير أن شركة "ج.سي.آي" بدأت تطرح بعض الأسئلة : ماذا حدث لمردد الصور الأول ؟ لماذا لم يطلب فيراغ أية مساعدة تقنية لتركيبه ؟ ادعى فيراغ بأن مشاكل اليد العاملة و الاضطراب السياسي منعاه من افتتاح مصنعه. إذن لماذا يحتاج إلى مردد صور آخر ؟ لم ترض شركة "ج.سي.آي" بإجابات فيراغ، و في أوائل سنة 1977، أحاطت وزارة التجارة علما بشكوكها. أما التحقيق الذي أجري فيما بعد فقد كشف حقيقة فيراغ و كيلمير.