Overblog
Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

كتاب جواسيس في مهام سرية10 /اخطاء فوشي ونهايته

 

بعد ذلك ارتكب فوشيه سلسلة من الأخطاء التي لا نجد لها تبريرا، إلا إذا اعتقدنا بأنه بدأ يعمل لحسابه أو أنه بدأ يتحول عن نابليون و يعتقد بأن مصلحة فرنسا تقتضي تغييره، و لكن هذه الأخطاء أبعدته عن منصبه للمرة الثانية. لعله بالغ بالثقة بنفسه إذ استنفر الحرس الوطني ثانية، لرد هجوم لا وجود له هذه المرة. و أتبع ذلك بعمل سياسي يتسم بالتربص و الخيانة. اتصل فوشيه بجوزفين و نصحها بوقاحة بأن تسهل من جانبها عملية الطلاق من نابليون. وبخه نابليون على ذلك و الذي كان لا يملك من الشجاعة ما يدفعه إلى تقديم مثل هذا الاقتراح. ثم وقع فوشيه في خطأ آخر أكثر أهمية حين قرر أن يقوم بدور السياسي و أن يعقد صلحا مع إنجلترا. و لم يكن ذلك بدون علم الإمبراطور و حسب، بل استخدم اسمه في المفاوضات أيضا. هذه المرة أغفل فوشيه أن يتخذ الاحتياطات الكافية، فاجأه نابليون الغاضب متلبسا بجرم الازدواجية و الخيانة. و في الثالث من جويلي1810، عزل فوشيه و عين "سافاري" الجنرال المتبلد الشعور محله في منصب وزير الشرطة.

 

كيف يمكن تفسير تصرفات فوشيه و اتصالاته بالإنجليز ؟ خيانة طبعا لا. و لكنه سأم من سياسات المغامرة و إيمان بضرورة عودة الاستقرار إلى فرنسا، رغم سيده و لو باسمه إذا لزم الأمر. إنه آمر الشرطة و المخابرات و الأمن الذي يصبح سياسيا رغما عنه و يكتشف أن الأمن الحقيقي هو الاستقرار و دون ديكتاتورية الإمبراطور.

 

تأسف على سقوط فوشيه الكثير من كانوا قد استفادوا من معاملته اللبقة و أسلوبه الراقي المتطور في التعامل مع الناس، حتى الأعداء. لكن نابليون الذي كان يعرف شعبية فوشيه، و لعلها تعود إلى تطور آرائه السياسية حول علاقات فرنسا الخارجية و السياسة الداخلية، عينه حاكما على روما، و لكن "سافاري" أبلغ الإمبراطور أن سلفه أحرق ملفات سرية قبل انتقاله إلى روما. ثارت ثائرة نابليون و طلب إعادة ما تبقى من مراسلات سرية و مواد أخرى حيوية. و نزل فوشيه عند طلب الإمبراطور لكسب الوقت قبل أن يفر إلى إيطاليا، بعد حين سمح لفوشيه بأن يعود إلى فرنسا، ليواجه فقد زوجته التي توفيت سنة 1812. صحيح أن فوشيه كان آنذاك عظيم الثراء، لكنه لم يكن أمامه سوى حياة فارغة ما لم تسعفه الأحداث و هو رجل تعود أن تكون السلطة مهنته و لعبته و هوايته. و في أواخر أكتوبر، حين كان نابليون يتراجع مهزوما من موسكو وقع في باريس ما أسعفه بالفعل.

 

سرعان ما تجلى في ظل قيادة سافاري لأجهزة الأمن و الشرطة أن القسوة و العنف و التعذيب بديل سيئ للرقابة و اليقظة. و لما فر الجنرال "ماليه" المتآمر اللدود الدائم لنابليون، من السجن، كان سافاري على جهل تام بتحركاته و نواياه. و الواقع أن مخطط "ماليه" كان البساطة بعينها. أعلن أن نابليون قتل في روسيا و أن حكومة مؤقتة تسلمت السلطة. ثم أعلن عن اعتقال سافاري لكنه عجز عن التحرك بسرعة، فانهارت المحاولة الانقلابية. و أصيب نابليون بالذعر التام إزاء إمكانية نجاح مثل هذه المحاولة  و ما لاقته من دعم واسع بناء على مجرد إشاعة. و الأسوأ من ذلك أن شرطة سافاري عجزوا عن سحق المؤامرة في مراحلها الأولى. مثل هذا العجز غير مقبول و غير مسموح به أبدا. سر فوشيه إزاء ارتباك سافاري، ثم شعر بمزيد من الارتياح حين استدعاه نابليون إلى"درسدن" لاستشارته، إذ ان هذه الخطوة كانت أبلغ دليل على اعتراف الإمبراطور بخطئه. 

 

آنذاك كان فوشيه في أوساط عقده السادس. كان لا يزال رقيق الجسم، ناحلا كعادته، لكن قواه كانت قد أخذت بالوهن، كأنها بذلك تواكب وهن الإمبراطورية بالذات. و على غير عادته اتبع أسلوبا سياسيا متأنيا في شباك و دهاليز السياسية الإيطالية حينذاك أضاع بسببه أربعة أشهر في محاولة التأثير على الفئات العديدة في إيطاليا قبل العودة إلى باريس التي وصلها متأخرا إذ أن لويس الثامن عسر كان قد تسلم العرش و جلس إلى جانبه تاليران. وعبر فوشيه عن حكمة حين رفض منصبا في الحكومة الجديدة، قائلا عن البوربون أنهم لم يبقوا في الحكم أكثر من سنة. كان في الواقع مؤيدا للسلام، معارضا لعودة نابليون، لكن قصر نظر الكثيرين من المهاجرين العائدين أقنعه بأن النظام الملكي سيكون قصير العهد. و لم يأت نبأ عودة الإمبراطور و زحفه الظافر مفاجأة له. و في اللحظة الأخيرة قررت السلطات البوربونية اعتقال فوشيه، لكنه تمكن من الفرار بمغامرة الهبوط على السلم عبر جدار في حديقة "هورتنس" الخلفية، و هي ربيبة نابليون و نسيبته أيضا. و عند وصول الإمبراطور السابق، عين فوشيه وزيرا من جديد.

 

و بين الوزراء الذين عملوا أثناء فترة الأيام المائة، و هي الفترة ما بين عودة نابليون و نفيه من جديد بعد معركة "واترلو"، كان فوشيه أقدرهم و أكثرهم كفاءة و كان يعتبر الصلة المجدية الوحيدة بين نابليون و الملكيين. و على هذا الأساس دخل في مفاوضات سرية مع "مترنيخ" من خلف ظهر الإمبراطور، غير أنه كان هذه المرة على أتم الاستعداد حين صرخ به الإمبراطور : " أنت خائن !كان يجب علي أن أعلقك على حبل المشنقة".

فقد رد عليه فوشيه : " سيدي، إنني لا أشاطر جلالتك هذا الرأي". و كشف له معرفته بأن نابليون نصب له فخا في فندق "دراي كونيغ" في "بال" حيث كان مقررا أن يتم الاجتماع بمندوب "مترنيخ" الديبلوماسي. و واصل الإمبراطور صراخه مدة ساعة لكنه كان لابد له من الاعتراف بهزيمته في النهاية. و جاءت هذه المناوشة مقدمة بسيطة لهزيمته الساحقة في "واترلو".

هنا رأى فوشيه ضرورة استقالة نابليون. و باعتباره الرئيس المؤقت للحكومة كان في وضع يمكنه من إرغام الإمبراطور على مغادرة باريس و أن يفسح المجال ثانية أمام لويس الثامن عشر.

 

كان الملك يكره من صوت لإعدام شقيقه و كان صوته هو الذي رجح إعدام الملك لويس السادس عشر. لكنه عين فوشيه وزيرا للشرطة للمرة الرابعة. و يروى أن لويس الثامن عشر قال في نفسه :" يا أخي المسكين، لو أنك رأيتني لسامحتني !"

 

فعودة الملكية المؤقتة - إلى فرنسا كانت تقتضي مصالحة واسعة. و إذا كان الملك أكرم فوشيه في وقت لاحق بحضور حفل زواجه من فتاة جميلة تصغره بنحو ثلاثين سنة، فإنه كان واضحا أن وزير الشرطة قد استنفذ نفعه للبوربون بعد أن رسخوا سلطتهم. و قد ظلت دوق "دانغوليم " ذات إرادة قوية و شخصية عنيفة، و هي ابنة الملك المعدوم لويس السادس عشر و الملكة المعدومة "ماري أنطوانيت" هي " الرجل الوحيد في العائلة"، كما قال عنها نابليون، تكره هذا الرجل الذي أسهم في إعدام والديها و حملت لويس الثامن عشر على عزله من الخدمة و إبعاده إلى حيث قضى بقية حياته فيما يشبه المنفى.

 

قضى فوشيه السنوات الخمس الأخيرة من حياته في التنقل بين "براغ" و "ميونيخ" و "لينز" و هو يتوسل كل مرة "مترنيخ" المتعجرف أن يمنحه حق اللجوء. و لم يكن وزير الشرطة السابق بحاجة إلى مخبرين لاكتشاف انغماس زوجته في علاقات عاطفية مع رجل آخر. لقد كان الجواب مرسوما في عيون أولئك الذين كان لا يزال يتصل بهم و في شفاههم. ترى، ما هو شعور هذا الرجل الذي تعود رقابة الناس و تسجيل عيوبهم حين يكتشف أن زوجته الشابة تخونه ؟ هل هو عقاب العدالة و الأقدار؟ !

 

و أخيرا وجد العزاء و سلوى في "تريستا" حيث أبدى "جيروم" و" ليزا بونابرت" عطفا كبيرا عليه و هو الذي سبق له أن قدم لهما خدمات كثيرة في الماضي. و كانت نهايته في 20 جانفي سنة 1820. أخيرا وجد هذا الراهب السابق، و الإرهابي، اليعقوبي، و الملحد، و الجمهوري، و الثوري، و المناصر للملكية حينا من الزمن، سلاما مع الكنيسة، التي رضيت بدفنه في أحد قبورها.

 

إن معرفة النقطة الرئيسية في سيرة هذا الرجل الذي عرف انتهاز الظروف أمر صعب حقا. و إذا ما استطاع المرء أن يتناسى بداية سيرة فوشيه الرهيبة في مدينة "ليون" و المجلس الوطني، تسنى له أنم يجد انسجاما أكيدا في أعماله اللاحقة و قد كانت في الأساس أعمال ديمقراطية مستنيرة في القرن الثامن عشر، مؤمن بمجتمع مستقر قد استتب أمنه و قادر على أن يضمن الراحة و السعادة للمواطنين.

 

و لابد لكل تقدم حقيقي من أن يستند إلى السلام و الحكم الذكي، و لتأمين هذين الهدفين خصص فوشيه، و هو في مركز قوة، كل جهوده  و نشاطه. ليست للدولة البوليسية عند فوشيه مضامين إرهابية كالتي تحملها هذه الدولة في عصرنا الحالي. و لعل الإرهاب الذي مارسه أول حياته علمه أنه لا يفيد و أنه مضيعة للوقت و للإنسان. و لعل هذا الرجل الذي درس الآداب الكلاسيكية في شبابه عرف من رجال الرهبانية التي درس على أيديهم في نشأته أن السياسة كانت تعني عند الإغريق " إدارة حكومية" بالمعني الإيجابي لا القمعي.

 

و لو أن نابليون أصغى لوزير شرطته البارع   و أخذ برأيه في وقف المغامرات الخارجية و تحقيق أوسع المصالحات الداخلية لكان من المحتمل ألا ينهي بقية حياته في منفاه التعس في جزيرة "سانت هيلانة" 

Voir les commentaires

كتاب جواسيس في مهام سرية 8/فوشي والمخابرات

فوشي وزيرا لشرطة في عهد نابيلون    

أما أوضاع المسرح و الصحافة فلم تكن أفضل، و كثيرا ما نشرت صحيفة "المونيتير" مقالات موضوعة و مؤلفة و أنباء مشوهة و تقارير مضخمة عن حملات نابليون، و الروايات المسرحية و الروايات الطويلة كانت خاضعة للمراقبة أيضا. حتى الأوبرا لم تكن بمنجى من التزوير أو الخداع. و أثناء عرض أوبرا "هوراتي" اصطنع فوشيه نقدا و هجوما على نابليون في الصالة.

و قد اعترف بذلك صراحة حين قال : " أن كل حكومة تستغل في بداية قيامها خطرا من صنعها، إما لترسيخ سلطتها أو لتوسيعها. و أية مؤامرة ننجو منها هي فرصة للحصول على المزيد من السلطة و النفوذ".

 

و في سنته الأولى كوزير للشرطة في ظل نابليون واجه فوشيه أزمتين صعبتين. بعد الاطمئنان إلى أن كل شيء في الداخل على ما يرام، انطلق القنصل الأول باعتباره القائد العسكري عبر ممر "سانت برنارد" لضرب النمسا التي استعادت شمالي إيطاليا. كانت باريس تنتظر أنباء المعركة الحاسمة ساعة فساعة. و كانت التقارير الأولى تشير إلى أن الفرنسيين لاقوا هزيمة ستؤدي بالتالي إلى القضاء على مطامح نابليون السياسية. تردد فوشيه و تريث، هل يبقى على ولائه لنابليون أم يقفز إلى عربة المعارضة، فهو لا يعرف حقيقة الموقف العسكري، في الجبهة، و لم يتخذ موقفه النهائي و لم يعد إلى تولي مقاليد السلطة إلا حين اتضح له أن معركة "مارينغو" كانت نصرا رائعا لنابليون. غير أن القنصل الأول لم يعد بعد ذلك يثق بمدير شرطته. و قد أقر فوشيه بنفسه أن معركة "مارينغو" كانت نصرا للقنصل الأول على فرنسا، لأنه بعد ذلك صار حاكمها الفرد الذي لا ينازع.

 

و تناولت الأزمة الثانية محاولة اغتيال جادة عشية الميلاد سنة 1800، فيما كان نابليون و جوزفين في عربتهما إلى حضور عرض لهايدن. كانت الشائعات حول المحاولة قد راجت في اليوم السابق، و لكن رجال الشرطة الخاصة للقنصل الأول، لا شرطة فوشيه، أكدوا له أنه تم الكشف عن الطريق و المسرح و تبين لهم أنهما خاليان مما يريب و أنه ليس هنالك ما يخشى منه، و لكن.. ما أن انعطفت عربة نابليون إلى شارع "سانت نيكيز" الضيق حتى انفجرت آلة جهنمية-عربة محشوة بالبارود أو فلنقل مفخخة بلغة اليوم- و نجا نابليون بأعجوبة بدون أي أذى، لأن سائـق عربة القنصل الأول اندفع بسرعة تجاوزت المألوف و هو في حالة سكر. و سمع فوشيه تعنيفا شديدا، و أهين بقوة في وجهه و قيل له أنه كان عليه أن يراقب أصدقاءه اليعاقبة الذين اتهموا بالمحاولة. و لكن فوشيه رد بكل هدوء يطلب مهلة أسبوعين ليثبت أن الاعتداء من صنع الملكيين. و بعد التدقيق و المتابعة و جمع كل الأدلة واحدا بعد الآخر و نتفة بعد نتفة، عثر فوشيه على الحداد الذي صنع حدوة الجواد الذي استخدم في المحاولة و اعترف بأنها من صنعه. ثم أدى ذلك إلى اعتقال المتآمرين الملكيين الذين اعترفوا بأنهم قاموا بالمحاولة قبل إعدامهم. صحيح أن نابليون أعجب بمقدرة وزير الشرطة لكنه لم يفوت المناسبة لترحيل عدد من اليعاقبة الأبرياء إلى إفريقيا.

 

و كان نابليون و فوشيه على خلاف حول قضايا عديدة لكنهما كانا يدركان أن جماهير الشعب قد سئمت الفساد و الرشوة و ملت الادعاءات الفارغة عن الحرية و الشعارات الكاذبة التي لا تعني شيئا و الكلام الضخم المنمق دون أي محتوى أو مضمون عن الثورة. إن الأمة تنشد النظام و الأمن و الاستقرار، بما في ذلك بعض حسنات النظام الملكي السابق. لذلك تميزت الأشهر الأولى من عهد القنصلية بالاعتدال و بالحكم المستنير مما أدى بالتالي إلى شعور عام بالاستقرار و الطمأنينة، حتى أن نابليون ساير اليمين السياسي و أعلن عفوا عاما عن أكثرية المهاجرين ولم يستثني منهم غير لويس الثامن عشر. و في 25 مارس سنة 1802 وقعت معاهدة "آميين" بين إنجلترا و فرنسا في أجواء من الحماس الشعبي بعد أن ملت البلاد عشر سنوات من الحرب الثورية. جاءت هذه الخطة تعكس معتقدات فوشيه أيضا الذي كان يعتقد بأن فرنسا تستطيع عندئذ أن تبدأ مشاريع تنمية  اجتماعية و اقتصادية. و في يوم عيد الفصح دقت أجراس "نوتردام" لأول مرة منذ سنوات إيذانا بالسلام، و دعوة لصلاة حضرها القنصل الأول نابليون نفسه بعد أن تحول على ما يبدو إلى مؤمن صالح.

 

و وقف فوشيه إلى جانب العديد من القادة العسكريين و السياسيين الجمهوريين الذين عارضوا اتفاقية "الكونكوردا" مع البابا و الكنيسة الكاثوليكية في السنة السابقة باعتبارها خطوة مشبوهة لتوحيد الشعب لأسباب سياسية. و الحقيقة أن صلح "آميين" و "الكونكوردا" كانا تدبيرين تمهيديين قام بهما نابليون لتأمين انتخابه قنصلا مدى الحياة، مما شكل الخطوة الأولى نحو إعلان نفسه إمبراطورا في وقت لاحق. آنذاك أعرب القيصر الجديد عن امتنانه بأن حرم مجلسي الشيوخ و النواب من أية صلاحيات، إذ لا يجوز للصغار و ذوي النظرة الضيقة أن يقفوا في وجه العباقرة. و استدار فوشيه إلى سيده عبثا. قائلا : "حقا أنني لم أرى في ذلك غير الخطورة و الفوضى، و قد عبرت عن ذلك بكل وضوح. قلت للقنصل الأول أن يعلن نفسه ملكا مدى الحياة و لكنه ليس لذلك في نظري أي أساس غير سيفه و انتصاراته". هنا كان نابليون قد بدأ يتضايق من تزايد شهرة فوشيه. و للمرة الأولى أخذ يعير أذنا صاغية للنقد الذي كان أشقاؤه و شقيقاته يوجهونه لوزير الشرطة و هو يعلم أنهم لم يجتمعوا إلا على العداء لفوشيه و جوزفين فقط. و في أوت 1802، أبلغه رئيس الدولة أنه قام بواجباته خير قيام إلى درجة أن منصبه لم يعد ضروريا. و تقديرا منه لخدماته منحه مكافأة تجاوزت مليون فرنك و عينه عضوا في مجلس الشيوخ للتأكيد له على عدم وجود أي استياء منه. لم يشأ نابليون أن يغامر في هذا المجال، فالرجل له مستودع أسرار، و رجاله السريون في كل مكان. و من يدري ؟ أن إنسانا بمقدرة فوشيه قد يكون لازما له في المستقبل.

 

و في ماي سنة 1803، نشبت الحرب في أوربا من جديد. و في أقل من عشر سنوات انتقل فوشيه من الحياة في منزل حقير إلى امتلاك مساكن فخمة في شارع "شيروتي" في فيريير بجوار باريس، و في إكس في جنوب فرنسا، غير أن حياته الهادئة نسبيا في هذه الفترة أزعجته و حملته على ترقب لاستعادة مركزه السابق. و تسنت له الفرصة حين دخلت باريس مجموعة من المتآمرين الملكيين من غير أن يعرف بهم رجال المباحث. و لكن هذه المؤامرة التي تورط فيها جنرالان من أشهر جنرالات فرنسا كشفت في اللحظة الأخيرة و بناء على معلومات غير دقيقة، و تأثرا بتربيته الكورسيكية، أقسم نابليون على الانتقام و أمر سرا باعتقال دوق دانجيان، الأمير الهارب و من المطالبين بالعرش و المقيم بألمانيا، ظنا منه بأنه الأمير الملكي الذي يقف وراء المؤامرة. و نقل الأمير الذي حل به غضب نابليون إلى قلعة بجوار باريس، و جرت محاكمة هذه الضحية البريئة على يدي عديل القنصل الأول، ثم أعدم رميا بالرصاص و كل ذلك خلال ساعات معدودة. تدخل فوشيه من غير جدوى،و نوه بالتأثيرات السياسية المؤذية التي ستنجم عن مثل هذا العمل غير المدروس، المهين للعدالة و الشرعية. وصفه بأنه "أسوأ من جريمة، إنه خطأ فاضح ". و الواقع أن هذا الخطأ وحد أعداء فرنسا و زج أوربا في حرب دامت إحدى عشر سنة. و في العاشر من جويلية، استدعي فوشيه لتسلم منصب مدير الشرطة مرة أخرى و من جديد.

 

كانت قضية دوق دانجيان حدا فاصلا نهائيا بين نابليون و عائلة البوربون الملكية. و إذا كان فوشيه ميالا للنظام الجمهوري في داخليته، فإنه أدرك أن الاستقرار الوطني يتجاوز المشاعر الفردية. و لذلك عمل في مجلس الشيوخ على تشجيع إعلان الإمبراطورية و جرى ذلك بالفعل في 18 ماي 1804. و في هذه الفترة أصبحت العلاقة بين السيد و الخام تزداد رسمية الشكلي حتى أن فوشيه كان يتردد في محادثة الإمبراطور بصراحته السابقة مع العلم أن نابليون ظل يواصل توجيه الإهانات لوزير شرطته في وجهه و وراء ظهره. و إن ذلك لم يمنع فوشيه من مواصلة الرقابة على المخدع الإمبراطوري، و الواقع أن فوشيه كان من أول الذين شككوا بأن جوزفين رغم أن لها ولدين من زوجها الأول، لا نابليون، هي التي تعجز عن إنجاب وريث. و في الوقت نفسه فإن مخبري نابليون الشخصيين لم يجدوا شيئا مثيرا أو أية إشاعات في حياة فوشيه ينقلونه إلى سيدهم لأن فوشيه لم يكن يدخن السجائر، و لا يبالغ في تناول المشروبات، و لا يخون زوجته. و باختصار أنه كان مثالا للفضائل النابليونية المفترضة. و لعل أقصى ما يمكن اتهامه به هو أنه يقوم بنشاطات "غير فرنسية".

 

و أثناء الحملات الخارجية الكثيرة التي كان يقوم بها الإمبراطور، كان فوشيه هو الحاكم الفعلي في فرنسا. كانت طريقته تقوم على الإقناع لا على العقوبة، و مثل هذا الأسلوب يتطلب جهازا أمنيا واسعا. و كثيرا ما يتبجح فوشيه بأنه "كلما اجتمع ثلاثة معا، كان لي بينهم واحد يتنصت" هذه مبالغة و لا ريب، لكنها أفادته كثيرا في الحد من المؤامرات. غير أن خصومه وجدوا أنفسهم ملزمين بالاعتراف باعتداله و بسياسته المستنيرة، "مدام دي شتايل" و هي الخصم الدائم لنابليون، أقرت بأن وزير الشرطة "لم يرتكب أي خطأ لا تقتضيه الضرورة" و قد استطاعت في فترات إبعادها عن العاصمة، أن تدخل خلسة، فيما كان فوشيه يغض الطرف. و على هذا التغاضي تلقى فوشيه تعنيفا صريحا من نابليون الذي علم بذلك من رجال مخابراته السريين و هو في بولونيا.و بالمقابل كان فوشيه  يتلقى تقارير يومية عن غراميات الإمبراطور بالكونتيسة "ماري واليفسكا".

و بنتيجة إيقاف العديد من الصحف في فرنسا و إخضاع ما تبقى منها للرقابة، تمكن فوشيه من تخصيص قسم كبير من وقته لغربلة أنباء المنشورات الأجنبية، و هضمها و فهمها و انتقاء جوهرها، و هو العمل الذي شكل الجزء الأساسي من تقاريره اليومية لنابليون، و لا ريب أن الديبلوماسيين الأجانب كانوا خاضعين لرقابة صارمة، كما أن منح أذونات التنقل أو حجبها كانا من صلاحية فوشيه. و قد أدرك فوشيه تزايد صعوبة الفصل بين السياسة الداخلية و السياسة التوسعية الخارجية و التي لابد لها بالتالي، إذا لم تتوقف عند حد، أن تؤدي إلى القضاء على الإمبراطورية. و كان واضحا أن حروب نابليون تفرغ البلاد من شبابها و تقضي على ازدهارها، فيما كانت طموحاته تتسع مع كل حملة عسكرية جديدة.

و قد أدى غزو إسبانيا سنة 1808، و نبأ الهزائم الأولى في ميادين المعركة إلى اتحاد أدهش المجتمع الباريسي. فقد ظل تاليران، وزير الخارجية، و فوشيه وزير الشرطة و الأمن، على ما هنالك من تشابه في خلفياتها الدينية، خصمين على مدى سنوات، لا يتحدث أحدها للآخر، و هو وضع أرضى نابليون و أثار ارتياحه. غير أن رغبة مشتركة بالسلام دفعتهما إلى التفاهم العلني و إعداد المخططات للمستقبل. و اشتم نابليون رائحة انقلاب، فبادر من إسبانيا و بسرعة إلى عزل تاليران من منصبه بصورة علنية و مثيرة، أما فوشيه فاستطاع كعادته أن يتجنب العاصفة. و في السنة التالية حين كان الإمبراطور في النمسا، نشأ وضع أشد حرجا. و قد نزلت القوات الإنجليزية في "ولشيرين" في هولندا مما شكل تهديدا مباشرا لأنتورب (أنفرس) و لشمالي فرنسا و كان لابد من دحرها على الفور. و ببادرة منه جند فوشيه الحرس الوطني و عين الجنرال "برنادوت" قائدا للحرس، على الرغم من سخط الإمبراطور عليه. و في رسالة مليئة بالروح القومية أعلن فوشيه : "لنثبت لأوربا أنه إذا كانت عبقرية نابليون تضفي البريق و المجد على فرنسا، فإن حضوره ليس ضروريا لصد العدو". تصريح خال من الكياسة لكنه كان مصيبا كل الصواب، كما تبين عند نجاح الهجوم المعاكس، و اضطر الإمبراطور لكتم غضبه و بعد أسبوع منح فوشيه لقب دوق اوترانتو.

Voir les commentaires

كتاب جواسيس في مهام سرية 7 /فوشي وامخابرات

فوشي والمخابرات  

و في السادس من فبراير 1794، أصدر "فوشيه" أمرا بوقف عمليات الإعدام الجماعي بالرصاص و لكن ذلك لم يوقف الإرهاب فقد لقي عدد من الناس حتفهم بعد ذلك على المقصلة. أدرك فوشيه أن عمليات الإعدام لم تعد تحقق الهدف المطلوب إذ خلقت جوا من الاتهام و العداء الذي قضى على المذنب و البريء معا. و كان لهذا الدرس أثره العميق على سيرته في وقت لاحق. أصبح يرى أنه من الأفضل من جميع النواحي أن يعدم زعيم أو اثنان ثم يترك أتباعهما يتأملون مصائرهم. و مما له مغزاه أن آخر من شهر فبراير سنة 1794 أمر فوشيه في ليون بإعدام الجلاد و مساعده. و لكن المجلس الوطني لم يقنع بذلك بل طلب عودة فوشيه إلى باريس لتفسير اعتداله. كانت التهمة الخطيرة الموجهة إليه هي إلحاده الصارم، لأن إلحاده يخالف إلحاد قادة الثورة في باريس فقد أعلن "روبسيبيير" عندئذ إلحاده الخاص القائم على مبدأ الكائن الأسمى، مشيرا بذلك إلى عصمته، ثم دعا فوشيه لشرح مواقفه أمام لجنة السلامة العامة الرهيبة، و هي دعوى تعادل الحكم بالإعدام.

 

وجد فوشيه نفسه في وضع حرج للغاية. و بصفته مندوبا عن المجلس الوطني طلب أن يرفع تقريره أمام المجلس لا أمام الهيئة التي اختارها "روبسبيير". لم يكن فوشيه يبقى أكثر من ليلة أو ليلتين في بيت واحد تجنبا لاعتقاله ثم عمل على زعزعة مركز منافسه الخطر ببث روح الشجاعة و الوحدة بين الأعضاء حتى أنه انتخب رئيسا لنادي اليعاقبة، مما أغاظ "روبسبيير" أشد الإغاظة.

و الواقع أن الكثيرين من أنصار هذا الرجل المعصوم كانوا قد أخذوا يبدون استياء متزايدا من عجرفته و استبداده. حتى أن المقاعد الفارغة في المجلس كانت دليلا بليغا على هذه الأشياء و عن ضعف بلاغة فوشيه الخطابية. و جاءت نهاية "روبسبيير" سريعة و أكيدة. فشل في إقناع أعضاء المؤتمر بسلامة اتهاماته، فهتفوا بسقوطه، ثم اعتقل و اعدم.

بذلك انتهى عهد الإرهاب لكن فوشيه، نفسه، و هو الإرهابي السابق، واجه خطر النفي و الموت في مستعمرات "غيانا" و أصر على إلقاء اللوم على الآخرين، بمن فيهم زميله "كولو"، و أنكر أن يكون مسؤولا عن أعمال الإرهاب، فاستطاع أن ينجو من الموت. لكنه كان قد فقد كل شيء : منصبه، ثروته و سمعته، إلا حياته و زوجته الوفية.

 

 فالمعلوملت عن تحركات فوشيه بين 1793و  1797 هي قليلة فقد وجد نفسه مضطرا بأن يحيا حياة بائسة في غرفة مزرية. و الظاهر أنه تورط في هذه الفترة بأعمال مصرفية مشبوهة وبالتهريب قبل أن يعمل جاسوسا في خدمة "باراس" أحد رجال الإدارة الخمسة الذين كانوا يحكمون فرنسا آنذاك. و الظاهر أنه بدأ عمله ذاك في المناطق النائية ثم عاد إلى باريس لمساعدة "باراس" على القضاء على ثورة "بابيف" التي توخت المحافظة على طهر الثورة و نقاوتها، ليعمل بعد ذلك في الإعداد لانقلاب استهدف هيئة المديرين بالذات. و كان "باراس" يود أن يكافئ هذا الرجل الذي خدمه اعترافا له بجميله. و لكن فوشيه، كما يقول بنفسه، ثابر على رفض المكافئات الصغيرة التي كانت تعرض عليه " كنت مصمما على القبول بالمهمات الكبيرة فقط، المهمات التي تدفعني إلى طريق الأعمال السياسية الكبيرة. تحليت بالصبر، صبرت طويلا و لم يذهب صبري سدى".

 

 و في وقت لاحق عين سفيرا في جمهورية سفوح الألب التي أنشأها نابليون في شمالي إيطاليا سنة 1797، ثم إلى هولندا. و في المنصبين حققت سياساته الليبرالية المستنيرة نجاحا ملحوظا مما ترك انطباعا جيدا على "باراس" الذي كان يواجه وضعا قلقا في فرنسا، فاستدعاه إلى باريس و عينه مديرا للشرطة ؟

 

كانت إدارة الشرطة التي تسلمها فوشيه موبوءة بالفساد و العجز في مجتمع منشغل بمضاربات و بالحياة المترفة. و لكنه سرعان ما نجح في تركيز السلطة بيديه ثم عمد لتأمين تمويل شبكة الجواسيس الآخذة في الإتساع، إلى فرض الضرائب على القمار و البغاء، و هما مصدران لا ينفذان. كانت الخزينة فارغة، بدون المال يستحيل قيام أي شرطة. و سرعان ما توفر المال في الخزينة إذ جعلت الموبقات و الرذائل الملازمة للمدن الكبيرة، موردا لتمويل الشرطة. و لتوفير حرية أوسع للعمل و لتجنب نقد الرأي العام، أوقف عددا من الصحف، ثم قام بنفسه بإغلاق أبواب نادي اليعاقبة-المعروفين بتطرفهم و تطهرهم- الذي يدين إليه بالكثير، و واصل مراقبة النشاطات الملكية باستمرار، لكنه سمح للكثيرين من صغار النبلاء المهاجرين بأن يعودوا إلى البلاد و حجته في ذلك أن اعتماد سياسة التساهل أكثر جدوى و فعالية إذ يجعل الكثيرين من النبلاء مدينين له، و قد استطاع أن يبرر إنشاء شبكة التجسس الواسعة، و حفظ الملفات الضخمة عن ألاف المواطنين بقوله أن فرنسا ستعرف بنتيجة ذلك استقرارا داخليا لم تعرفه من قبل. و الواقع أن ذلك تحقق بحدوث انقلاب  18سبتمبر الذي أوصل نابليون إلى السلطة.

 

بصفته مديرا للشرطة كان فوشيه على علم بأن هناك انقلابا آخر يعده نابليون نفسه في وجه "باراس" المتواطئ و رجال الإدارة. كان "باراس" قد عين فوشيه في هذا المنصب بغية الحيلولة دون نجاح هذه المؤامرة و لكن فوشيه كان يخلص للجهة التي تبدو مضمونة النجاح. و بواسطة "جوزفين" التي قدم لها رشوة كبيرة، عرف فوشيه بعودة نابليون الباكرة من مصر و بمخططاته للمستقبل، و تصرف بالتالي على هذا الأساس. و حين وجه المتآمرون ضربتهم، كان "باراس" محجوزا في حمامه على يدي "مدام تاليان"، في وضع محرج في كل حال، بينما كان الانقلاب يأخذ مجراه في سانت كلود، على مسافة قصيرة من العاصمة. كان فوشيه قد حمل المجلسين التشريعيين لعقد الاجتماع بحجة الأمن، ثم عمد إلى سد جميع المداخل إلى باريس بعدد من رجال الفرق الخاصة لتأمين مزيد من السيطرة و السلامة. من  فشل الانقلاب، و هو الأمر الذي كاد أن يحدث بسبب تصرفات نابليون الحمقاء، نظم فوشيه جيشا من المخبرين ينقلون إليه تطورات الوضع كل نصف ساعة. هكذا أصبح في وسع "وزير الشرطة" أن يرحب بالانقلاب إذا نجح أو ينقض عليه إذا فشل. فقد تعلم دون شك درسا من مغامري سباق الجياد بضرورة  الرهان على كل الجياد لئلا يفلت واحد منه !

 

هكذا قام تحالف مصلحي و رخيص و لكنه لم ينته إلا بانتهاء سلطة نابليون السياسية بعد  15سنة، و كان في أحد طرفي ذلك الرجل نابليون الذي وسم نفسه بالعبقرية و انطلق إلى الأعمال و المغامرات البطولية و المزاجية و العاطفية، و كان في طرفه الآخر فوشيه رجل الشرطة و الأمن الذي لا يستسلم للعاطفة، بل يجمع بجد و نشاط معلومات عن جميع الناس و الأمور، بتحفظ و حذر، و لو أنه كسيده راغب كل الرغبة في ممارسة السلطة. و لولا كفاءة فوشيه و معرفته الدائمة لجميع الأحداث في فرنسا، لكان من المشكوك فيه أن يستطيع نابليون التغيب تلك الفترات الطويلة لشن حروبه في الخارج. و الواقع أن وجود فوشيه، على رغم العداء الشخصي بينهما، كان عاملا حيويا في تنفيذ سياسات نابليون في الداخل و الخارج على السواء.

 

و لو أن القنصل الأول، ثم الإمبراطور بعد ذلك، اكتفى بالاعتماد على وزير شرطته للحصول على المعلومات السرية، لكان بالإمكان، على ما يظن، تجنب الكثير من الأخطاء اللاحقة. و لكن فوشيه وجد نفسه في صراع مع مجموعات أخرى من الجواسيس، منها من يعمل لنابليون مباشرة، و منها من يعمل لتاليران أو للوسيان بونابرت، بالإضافة إلى جواسيس آخرين للعسكريين و للوزراء. ثم أن الكثيرين من هؤلاء الجواسيس و المخبرين كانوا يعملون في خدمة أكثر من سيد واحد. كما أن الكثيرين من الموظفين الكبار كانوا يؤمنون مداخيل إضافية لهم بإفشاء بعض المعلومات. و قد اعترف فوشيه فيما بعد أنه كان يدفع إلى "ديروك"، السكرتير الشخصي لنابليون مبلغ  25000فرنك شهريا للتجسس له على سيده. و لقاء مبلغ آخر محترم كان طباخ لويس الثامن عشر في إنجلترايتلقاه جزاء غمله لحساب وزير الشرطة. مثل هذه الشبكة الواسعة من أجهزة المخابرات المتنافسة كانت مصدر أربعة تقارير مستقلة و متناقضة أحيانا، و غير دقيقة، يتلقاها نابليون صباح كل يوم ! 

Voir les commentaires

كتاب جواسيس في مهام سرية 6 /الفرنسي فوشي اب المخابرات الحديثة

 

 

الفرنسي فوشي اب المخابرات الحديثة   

 

المخابرات الحديثة بدأت بالديكتاتوريات الحديثة، و نابليون أحد أوائل الحكام الديكتاتوريين بالمعنى الحديث للكلمة. و فوشيه، وزير شرطته، هو أول من أدار جهاز مخابرات شامل و واسع  و أخطبوطي و الذي أصبح نموذجا لأجهزة المخابرات بعد ذلك، و يمكن القول أنه مؤسس صناعة المخابرات بمفاهيمها و أشكالها الحديثة.  

 

يروى أن نابليون شكا إلى أخيه بمرارة، و هو في نوبة غضب شديد، من وزير الشرطة الذي كان يستطيع أن يكون حاضرا في كل مكان، بقوله: "اليوم يدس أنفه في سريري، و في اليوم التالي يتجسس على أوراقي الخاصة". التهمتان صحيحتان والواقع أن "جوزيف فوشيه"، و دوق اوترانتو، وزير الشرطة، كان يعلم من شؤون نابليون المالية و الغرامية مالا يعرفه الإمبراطور نفسه. و في إحدى المناسبات وجه نابليون خطئا بعض التأنيب إلى فوشيه على ما اعتبره تقصيرا منه في التيقظ و الرقابة و لكن قائد شرطته سرعان ما بادر إلى عرض وصف مفصل للزيارات الليلية التي كان يقوم بها "رجل قوي، بدين الجسم، لمغنية الأوبرا الإيطالية الشهيرة، "غراسيني" الحسناء. و لم يكن ذلك الرجل الصغير غيرك أنت. أما تلك المغنية المتقلبة الأطوار فكانت غير مخلصة لك.  كانت تفضل عازف الكمان "رود" عليك «  و لم يعش "فوشيه" ليروي هذه الحكاية فحسب، و لكنه عين في المنصب المهم ذاته في وقت لاحق أثناء الأيام المائة التي عاد فيها نابليون إلى تولي السلطة بعد منفاه الأول. لقد كان "فوشيه" محتقرا و مرهوبا في حياته، و قد أخذ على نفسه أن يكون ضروريا لأية حكومة، و لا مجال لها للاستغناء عنه." أنه و لا ريب أبرع الجميع و أكثرهم مكرا". هكذا وصفه نابليون قبل أن يعينه قائدا للشرطة و الأمن للمرة الثالثة. و ليس لنا أن نغالط نابليون في رأيه بفوشيه ومدحه له حتى بالمقارنة مع مواهب وزير خارجيته الداهية "تاليران"، منافسه و خصمه الأول.

 

و كالكثيرين من الرجال الذين يملكون السلطة و النفوذ في زمن التغيرات العميقة كان فوشيه يفضل العمل في الظل بدلا من وضح النهارفكان باحثا و خبيرا ينقب في أكداس المعلومات التي يأتيه من أفراد شبكته التجسسية الواسعة، و يرفض مظاهر السلطة الخارجية في سبيل السلطة الحقيقية الدائمة. و فيما كان معاصروه يسعون لجمع أمجاد القنصلية و الإمبراطورية و امتيازاتها ، كان هم فوشيه الوحيد أن يجمع المعلومات التفصيلية التي تمكنه من لعب الدور البارز في الدولة. صحيح أنه لم يكن غير كثير الألقاب و الثروة، ولكن ذلك كان عرضيا إذا قيس بالرضى الذي يناله من السيطرة على حياة الملايين. كان تبريره لأعماله بسيطا "كل حكومة تتطلب شرطة يقظة خاضعة لرؤساء حازمين، أصحاب رؤية واضحة ونافذة كضمانة رئيسية لسلامتها". و قد قال الشاعر "هايني" بسخرية إن فوشيه "بلغ به الخداع و التضليل إلى حد نشر مذكرات مزورة بعد موته" تلك عملية مدهشة حتى بالنسبة لفوشيه. غير أن ملاحظة "تاليران" الجارحة جاءت أكثر دقة إذ قال "أن مدير الشرطة رجل يهتم بشؤونه، ولا يعمل على الاهتمام بشؤون الآخرين". و لكن ما بالنا نتحدث عنه و هو في الذروة، و قد كانت بداياته متواضعة جدا ؟

 

ولد جوزيف فوشيه بجوار ميناء "نانت" على المحيط الأطلسي سنة 1759، في قول، هذا و في سنة 1760في قول آخر. و سرعان ما اتضح أن هذا الشاب النحيل البنية لم يتحمل حياة البحر، و لذلك عهد بتربيته إلى جماعة دينية معنية بالتعليم بالدرجة الأولى معروفة  "بالخطباء". و في المدرسة في باريس تلقن جوزيف أصول التنظيم العقلي و ضبط النفس، متحاشيا الانغماس في اللهو و الرذيلة. و قد بقيت معه هذه الخصائص طيلة حياته، و أضاف إليها شعورا داخليا عميقا بالحذر و الشك. على أن "فوشيه" لم ينتسب إلى هذه الجماعة الدينية و لم ينذر نفسه لها و لو أنه ظل معها يدرس العلوم و الرياضيات في أراس. هناك تعرف إلى "كارنو" الذي أصبح جنرالا فيما بعد، و إلى المحامي الناشئ "ماكسيميليان روبيسبيير" أحد قادة الثورة الفرنسية الرهيبين فيما بعد أيضا، حتى أنه أعاره مبلغا من المال كفاه لرحلته إلى باريس بعد أن صادق شقيقته لفترة قصيرة غير أن هذه المغامرة لم تسفر عن شيء. و بعد اندلاع الثورة الفرنسية بوقت قصير، عاد فوشيه إلى بلدته.

 

كانت جماعة الخطباء الدينية مؤيدة للإصلاح. و لكن فوشيه استطاع في فبراير، أي بعد الثورة الفرنسية بسنتين سنة الثورة الغربية، أن يضمن انتخابه رئيسا لجمعية أصدقاء الدستور المحلية. ثم نجح بنشاطه و اعتداله، و هو ليس بالخطيب المفوه، أن يقنع مواطنيه في "نانت" المؤيدين للملكية بأن ينتخبوه عضوا في "المجلس الوطني" ( أي البرلمان أيامها) في باريس. و هنا التقى "بون جان كواكند"، التي أصبحت زوجته فيما بعد، ثم ظل وفيا و مخلصا لها مدى حياته و لو أنها لم تكن تلك المرأة الجميلة اللبقة.

كان فوشيه ليبراليا بشكل عام و لكنه لم يلتزم بتنظيم أي حزب و لكنه مال إلى التعاون مع إحدى الفئات السياسية في تلك الفترة و هي "الجيرونديون" أو الجناح المعتدل منهم بكلمة أدق.

و راح يعمل بنشاط و جهد من وراء الستار في مختلف اللجان و القيام ببعض المهمات الخاصة. غير أن مثل هذه السرية لم تكن لتدوم إلى ما لا نهاية في زمن كان الاستقطاب و العنف الثوري و التعصب يتزايد و يشتد. و كان إصرار "روبيسبيير" على الاستفتاء العام بشأن الملك لويس السادس عشر الذي كانت تحتجزه الثورة وكانت الآراء في مصيره متضاربة مما يجعل مواصلة التهرب مستحيلة. و لعل فوشيه كان يفضل التصويت للإبقاء على حياة الملك و لكنه لاحظ الحماس الراديكالي المتزايد فأيد إعدام الملك. و كان هذا الانقلاب غير المبدئي في موقفه كافيا لتأمين الصوت الواحد للأكثرية المطلوبة. و بعد ذلك ظل "فوشيه" حتى مماته يوسم بأنه : "قاتل الملك".

 

بعد نجاته من المصير الذي انتهى إليه "الجيرونديرون" الذين صفتهم إحدى التطورات الرهيبة، أدرك فوشيه أن صديقه السابق "روبيسبيير" ينظر إلى تقلباته بحذر و ريبة. و حين أرسله المجلس الوطني إلى "نانت' لتنظيم المليشيا لضرب الانتفاضة الملكية في منطقة "الفانديه" سر فوشيه بهذه المناسبة التي أتاحت له الفرار من الإرهاب و في هذه الآونة كان هذا المدرس الذي تربى على أيدي جماعة "الخطباء" الدينية قد أصبح ملحدا متحمسا و اشتراكيا ثوريا. و في "نيفير" و "ترويس" معا صادر الأملاك الخاصة و استولى على الذهب و الفضة في الكنائس لدعم الوضع المالي للحكومة في باريس و لفت انتباه ذوي السلطة إليه. و بمبادرة منه حث رجال الدين على الزواج أو تبني الأبناء، و أنكر في الوقت ذاته وجود حياة أخرى معلنا" أن الموت نوم أبدي". و في فرنسا الثورة، مثل هذا الحماس الثوري يستحق

المكافأة. و لما ثارت "ليون" كما فعلت مدن أخرى كثيرة، على سلطة حكومة باريس، كان لابد من يد حديدية لإخضاع الثورة. و بعد استسلام المدينة التي سميت بالمدينة المحررة ، أرسل "فوشيه" و "كولو ديربوا"، الممثل السابق، من قبل المجلس الوطني لتدمير المدينة، لتلقينها درسا و جعلها مثلا لبقية المدن، و لعدام جميع المواطنين الذين اشتركوا في الانتفاضة. و في بضعة أسابيع لقي على الأقل 1600شخص من معارضي الثورة، حتفهم على أيدي فوشيه و دفنوا في مدفن جماعي و البعض ألقوا في نهر الرون.

Voir les commentaires

كتاب جواسيس في مهام سرية 4

  إن "لي كوكس" قاد كل هذه المسيرة، غير أن دوره لم يقتصر على ذلك، فقد قدر له أن يلعب دورا آخر أكثر أهمية في تأسيس و تطوير أول جهاز مخابرات مدني في بريطانيا و من ثمة في العالم.

ولد "لي كوكس" في لندن

1864 )، مثلها مثل بريطانيا و فرنسا و روسيا و معظم الدول الأوروبية. غير أن هذه الخدمات كانت تتركز على مسائل الحرب وحدها. ناهيك عن أن دوائر هذه الخدمات كانت تعاني من نقص فادح من الاعتمادات في فترات السلم، و لذلك مضطرة إلى الاعتماد إلى حد بعيد على تقارير الملحقين العسكريين و الديبلوماسيين و القناصل و الصحافيين، للحصول على المعلومات. و بعد الحرب الروسية-اليابانية 1905، حاولت ألمانيا تحسين معلوماتها عن روسيا و عن فرنسا حليف روسيا، فدوائر المخابرات البريطانية لم تستطع الوصول لتحقيق هذا الغرض سوى على 1541914، حين أعلنت بريطانيا الحرب على ألمانيا، ففي ذلك اليوم، أعلنت وزارة الداخلية البريطانية عن اعتقال 21 جاسوسا ألمانيا. و هذا الرقم بدا رقما قزما أمام إحصاءات "لي كوكس" التي تحدثت عن وجود 5000 عميل ألماني في البلاد و مع ذلك، لم تدن المحاكم البريطانية سوى واحدا فقط من هؤلاء الجواسيس المفترضين و تم إخلاء ساحة المتبقين لعدم توافر الأدلة الكافية.

 

و باختصار، اتضح سريعا أن الرعب من تغلغل الجواسيس الألمان في بريطانيا في السنوات التي سبقت الحرب، لم يكن

 

إن روايات الجواسيس التي وضعها "لي كوكس" و بوتشان و تشايلدرز و غيرهم، تشترك كلها في عقدة أساسية واجدة قديمة قدم الإنسان : التغلب على الوحش. فالقصة حول كيف أن البطل بمفرده يدرك المخاطر التي يفرضها الوحش على القبيلة و كيف يستعد للمواجهة و كيف يكتشف سر الوحش ثم يقتله، هي سيرة كررتها كل الروايات بوصفها خرافة غير ضارة حول الصراع بين الخير و الشر.

لكن "لي كوكس"، بشخصيته المضطربة، عكس خرافاته على الحياة الواقعية و خلق وحشا حقيقيا : ألمانيا الإمبريالية، و السلطات البريطانية، برغم رفضها لـ"لي كوكس" نفسه، سرعان ما أدركت القوة القومية الضخمة التي فجرها و استعملها فاستخدمتها هي لمآربها الخاصة.

و مضاعفات هذا التطور كانت ضخمة : إنشاء أول جهاز مخابرات بيروقراطي، خذت حذوه العديد من الدول لاحقا، و إدراك أولئك الذين تعين عليهم إدارة هذا الجهاز، بأن أفضل مناخ يمكن لهذا الأخير أن ينموا فيه و يترعرع، هو مناخ التوتر العالمي و التهديد الخارجي.   

 

 

 

له أي أساس من الصحة. لكن لماذا صدق البريطانيون (و الحكومة ؟) هذا الرعب ؟ أوت ألف جنيه إسترليني سنويا و على أربعة عملاء فقط.

 

فبريطانيا كانت غائبة غيابا شبه كلي عن النشاطات الألمانية الجديدة، و قد أنيط كل الأمر بمخابرات البحرية الألمانية، على اعتبار أن بريطانيا قوة بحرية.

و قد برزت هذه الحقيقة جلية، في

من أب فرنسي و أم إنجليزية، و أتقن التحدث بأربغ لغات الإنجليزية و الفرنسية و الإيطالية و الإسبانية، و عمل مراسلا حربيا للعديد من الصحف. و في خلال تسفاره عشق عمليات التجسس و بدأ يعمل جاسوسا، على حسابه الخاص، مستندا إلى مواهبه المتعددة التي السالفة الذكر.

 

و المشكلة في "لي كوكس" أنه كان مقتنعا تمام الاقتناع بأن كل الدول الأوروبية، و بخاصة ألمانيا، تحسد بريطانيا على طريقة حياتها و يسيل لعابها على ثروات إمبراطوريتها، في حين أن بريطانيا لم تكن برأيه، تفعل شيئا استعدادا لذلك "اليوم" الوشيك الذي سيغزوها فيه الأعداء. الطرف الوحيد الذي كان يعمل هو تلك المجموعة من الجواسيس التي تبذل جهودا خارقة لوقف الغزو، التي أفاض "لي كوكس" في شرح مواصفات شخصياتها "البطولية".

لم يكتف "لي كوكس" بالروايات، بل قصف وزارتي الخارجية و الحربية  بوابل من التقارير المتصلة حول نشاطات "الخطر الألماني" التي لم يعد هو نفسه يميز فيها بين الواقع و الخيال، و منها على سبيل المثال تقرير حول محضر اجتماع القيصر الألماني مع جنرالاته حول دور"جيش الجواسيس" الألمان العامل "الآن" في بريطانيا.

 

حين رفضت وزارة الحربية تصديق هذه الرواية، أقنع "لي كوكس" صحيفة "دايلي ميل" بإجراء تحقيق ميداني على الأرض حول الطرق التي سيسير فيها "الغزو الألماني لبريطانيا"، و أثار بذلك ضجة شعبية واسعة، و مالا وفيرا ثمن كتاباته، إلى الحد الذي دفع برئيس الوزراء آنذاك "السير ه. كامبل-بانرمان" إلى التشهير بـ "لي كوكس" في مجلس العموم، و إلى شن الحملات على كتابه "عملاء القيصر".

 

لم يأت تحرك "كامبل-بانرمان" عبثا، لأن هذا الكتاب أثار حمى تجسسية واسعة النطاق في البلاد و بدأت عشرات آلاف الرسائل تنهال على "لي كوكس" و تتحدث عن مسافرين ألمان و ضباط و حلاقين و حجاب و خدم يعملون لصالح المخابرات الألمانية.

و في هذه المرحلة، سارع "لي كوكس" لنقل الأنباء إلى الكولونيل "أدموندز" الذي كان بأمس الحاجة إليها لإقناع اللجنة الفرعية بوجود خطر ألماني حقيقي في بريطانيا.

 

بعد هذه التطورات، و في ظل هذه الضغوط الشعبية، وجدت اللجنة الفرعية نفسها مندفعة إلى تقديم توصياتها لمواجهة هذا التهديد، فاقترحت زيادة القيود على الأجانب و وضع برنامج لحماية المنشآت الحيوية ضد التخريب و زيادة صلاحيات الشرطة ضد الجواسيس.. و تأسيس مكتب منتظم لجهاز المخابرات يكون منفصلا تماما عن وزارات الدفاع  و الخارجية والداخلية.

 

هكذا بدأ أول جهاز مخابرات منظم في التاريخ يشق طريقه نحو الوجود. لكن هل كان لخطر "جيش الجواسيس الألماني" في بريطانيا أي أساس من الصحة ؟

 

بالطبع، كان لألمانيا جهاز مخابراتي عسكري (عرف باسم B.N.D

 

الأدباء و لكنهم جواسيس

 

نميل إلى الاعتقاد بأن روايات التجسس التي حولت الجاسوس إلى واحد من أهم شخصيات هذا العصر، قد شقت طريقها نحو البروز و النجاح في فترة الستينات. لكن قبل 70 عاما، كان "لي كوكس" قد دمج بشكل مشوق بين الأدب و روايات التجسس، و أفسح بذلك المجال أمام صعود جمهرة واسعة من الكتاب مثل جون بوتشان، سومرست موم، روديارد كبلنغ، ت.اي لورنس، و غيرهم. و المثير أن هؤلاء جميعا عملوا لفترة أولأخرى جواسيس لدى المخابرات البريطانية !  

 

Voir les commentaires

كتاب جواسيس في مهام سرية اغتيالات مؤامرات ودسائس 5 /المؤلف صالح مختاري

 

الخرافات و الإشاعات تولد المخابرات

 

الثلاثاء 301909، عقدت لجنة فرعية تابعة للجنة الدفاع في مجلس العموم البريطاني، جلسة سرية في "ويسمينيستر" لبحث مسألة التجسس الأجنبي في بريطانيا. دلت عضوية اللجنة على الأهمية الفائقة التي تعلقها الحكومة البريطانية على هذا الموضوع، فترأس اللجنة وزير الدولة لشؤون الدفاع "ر.هالدين"، و ضمت أعضاء مثل قائد البحرية، وزير الداخلية، قائد الشرطة، مدير العمليات العسكرية و مدير مخابرات في سلاح البحرية.

الشاهد الأول أمام اللجنة كان الكولونيل "جيمس أدموندز" الذي قدم بوصفه الضابط المسؤول عن الخدمات السرية في مديرية العمليات العسكرية التابعة لهيئة الأركان العامة. لكن هذه الصفة كانت مضللة لأنها جعلت "أدموندز" يبدو أهم مما هو عليه في الحقيقة، إذ أن منصبه الفعلي كان رئيس قسم مكافحة التجسس، و مهمته كشف الجواسيس الأجانب في بريطانيا. و في الواقع لم يقم "أدموندز" بأي من هذه المهام، ليس لنقص الإرادة أو المهارة، بل لعدم توفر الأموال و الأرصدة، فهو لم يكن يتقاضى أكثر من

200  له سوى مساعدان اثنان. كانت هذه هي فرصة "أدموندز" لأن مستقبله الشخصي و مستقبل دائرته يعتمدان على قدرته في إقناع الأعضاء البارزين في اللجنة الفرعية بالمخاطر التي اعتقد هو بأن بريطانيا تتعرض لها على يد العملاء الألمان.

و هكذا سارع "ادموندز" إلى تقديم أوراق اعتماده، فقال أنه درس التطورات في الجيش الألماني طيلة حياته تقريبا، و أقام صلة مع ضابط ألماني اكتفى بوصفه بأنه "الميجور فون اكس" الذي كان رئيسا للاستخبارات السرية الألمانية.

و استنادا إلى أوراق الاعتماد هذه، حدد "أدموندز" مخاطر النشاط السري الألماني في بريطانيا، قائلا بأن الألمان قسموا بريطانيا إلى دوائر و مقاطعات لتسهيل أغراض التجسس و وزعوا جواسيسهم في كل مكان تقريبا من الأرض البريطانية لجمع كل أنواع المعلومات العسكرية  منها و المدنية.

تأثرت اللجنة  بشهادة "أدموندز"، و كانت أصلا على استعداد لقبول منطقها، لأن بريطانيا كانت تعيش في تلك الفترة قلقا متزايدا من احتمال قيام القيصر الألماني بعملية غزو لشواطئها، بخاصة بعد أن استطاعت برلين تطوير أساطيلها الحربية الجديدة.

لكن حين وصل الأمر إلى مرحلة مقارعة الدليل بالدليل و الحجة بالحجة، بانت شهادة "أدموندز" ضعيفة للغاية، إذ كان معظمها مستندا للشائعات و الروايات، مثل اعتمادها على روايات الكاتب الروائي "ج. هيث" التي نشرت في صحيفة "مورننغ بوست" و تحدثت عن وجود

 

 90 ألف جاسوس ألماني في بريطانيا و  209آلاف طلقة موتزر، بهدف القيام بنسف خطوط السكك الحديدية و الاتصالات التلغرافية و أعمال التخريب الأخرى في البلاد. و قد قدم "أدموندز" هذه الروايات إلى اللجنة الفرعية، قائلا أنها تتضمن قسطا كبيرا من الحقيقة نظرت اللجنة بكثير من الشك إلى شهادة "أدموندز"، لكنه حظي بمساعدة لإنقاذ أوهامه، هذه المساعدة لم تأت من الشرطة أو الحكومة أو هيئة الأركان العامة، بل جاءت من شخص غير متوقع هو "ويليام تافنيل لي كوكس" الذي كان جاسوسا (على حسابه) و مسافرا ومحاضرا و مراسلا حربيا و خبيرا في علم الإجرام و هاويا للاتصالات اللاسلكية و كاتب روايات لامعا، تحظى رواياته بتعاطف خاص من الملكة ألكسندراجنيه إسترليني سنويا و لم يكنمارس

Voir les commentaires

كتاب جواسيس في مهام سرية مؤامرات اغتيالات ودسائس /المؤلف صالح مختاري الجزائر3

 

الخرافات و الإشاعات تولد المخابرات

 

الثلاثاء 301909، عقدت لجنة فرعية تابعة للجنة الدفاع في مجلس العموم البريطاني، جلسة سرية في "ويسمينيستر" لبحث مسألة التجسس الأجنبي في بريطانيا. دلت عضوية اللجنة على الأهمية الفائقة التي تعلقها الحكومة البريطانية على هذا الموضوع، فترأس اللجنة وزير الدولة لشؤون الدفاع "ر.هالدين"، و ضمت أعضاء مثل قائد البحرية، وزير الداخلية، قائد الشرطة، مدير العمليات العسكرية و مدير مخابرات في سلاح البحرية.

الشاهد الأول أمام اللجنة كان الكولونيل "جيمس أدموندز" الذي قدم بوصفه الضابط المسؤول عن الخدمات السرية في مديرية العمليات العسكرية التابعة لهيئة الأركان العامة. لكن هذه الصفة كانت مضللة لأنها جعلت "أدموندز" يبدو أهم مما هو عليه في الحقيقة، إذ أن منصبه الفعلي كان رئيس قسم مكافحة التجسس، و مهمته كشف الجواسيس الأجانب في بريطانيا. و في الواقع لم يقم "أدموندز" بأي من هذه المهام، ليس لنقص الإرادة أو المهارة، بل لعدم توفر الأموال و الأرصدة، فهو لم يكن يتقاضى أكثر من

200  له سوى مساعدان اثنان. كانت هذه هي فرصة "أدموندز" لأن مستقبله الشخصي و مستقبل دائرته يعتمدان على قدرته في إقناع الأعضاء البارزين في اللجنة الفرعية بالمخاطر التي اعتقد هو بأن بريطانيا تتعرض لها على يد العملاء الألمان.

و هكذا سارع "ادموندز" إلى تقديم أوراق اعتماده، فقال أنه درس التطورات في الجيش الألماني طيلة حياته تقريبا، و أقام صلة مع ضابط ألماني اكتفى بوصفه بأنه "الميجور فون اكس" الذي كان رئيسا للاستخبارات السرية الألمانية.

و استنادا إلى أوراق الاعتماد هذه، حدد "أدموندز" مخاطر النشاط السري الألماني في بريطانيا، قائلا بأن الألمان قسموا بريطانيا إلى دوائر و مقاطعات لتسهيل أغراض التجسس و وزعوا جواسيسهم في كل مكان تقريبا من الأرض البريطانية لجمع كل أنواع المعلومات العسكرية  منها و المدنية.

تأثرت اللجنة  بشهادة "أدموندز"، و كانت أصلا على استعداد لقبول منطقها، لأن بريطانيا كانت تعيش في تلك الفترة قلقا متزايدا من احتمال قيام القيصر الألماني بعملية غزو لشواطئها، بخاصة بعد أن استطاعت برلين تطوير أساطيلها الحربية الجديدة.

لكن حين وصل الأمر إلى مرحلة مقارعة الدليل بالدليل و الحجة بالحجة، بانت شهادة "أدموندز" ضعيفة للغاية، إذ كان معظمها مستندا للشائعات و الروايات، مثل اعتمادها على روايات الكاتب الروائي "ج. هيث" التي نشرت في صحيفة "مورننغ بوست" و تحدثت عن وجود

 

 90 ألف جاسوس ألماني في بريطانيا و  209آلاف طلقة موتزر، بهدف القيام بنسف خطوط السكك الحديدية و الاتصالات التلغرافية و أعمال التخريب الأخرى في البلاد. و قد قدم "أدموندز" هذه الروايات إلى اللجنة الفرعية، قائلا أنها تتضمن قسطا كبيرا من الحقيقة نظرت اللجنة بكثير من الشك إلى شهادة "أدموندز"، لكنه حظي بمساعدة لإنقاذ أوهامه، هذه المساعدة لم تأت من الشرطة أو الحكومة أو هيئة الأركان العامة، بل جاءت من شخص غير متوقع هو "ويليام تافنيل لي كوكس" الذي كان جاسوسا (على حسابه) و مسافرا ومحاضرا و مراسلا حربيا و خبيرا في علم الإجرام و هاويا للاتصالات اللاسلكية و كاتب روايات لامعا، تحظى رواياته بتعاطف خاص من الملكة ألكسندراجنيه إسترليني سنويا و لم يكنمارس

Voir les commentaires

كتاب جواسيس في مهام سرية مؤامرات اغتيلالات ودسائس/المؤلف صالح مختاري الجزائر 2

 

تاريخ الجوسة

مهنة الجاسوسية قديمة قدم التاريخ، لكن وكالات التجسس هي استحداث جديد، فدليلة التي خدعت شمشون كانت عميلة سرية للفلسطينيين ضد الإسرائيليين القدامى.

و توراة اليهود تسمي 12 !    

 

و كذلك فإن الملوك و خاصة أولئك الظلمة الذين كانوا يجلسون على عروش مهتزة، استخدموا الجواسيس، لكن هدفهم كان الأمن الداخلي و ليس جمع المعلومات عن القوى الخارجية. وعلى سبيل المثال، فإن أكبر و أعظم حاكم منغولي للهند وظف

40005") بهدف حماية الملكة "اليزابيث" من اليسوعيين، بل أنه أرسل جواسيس إلى الخارج لجمع المعلومات حول الأسطول الإسباني، لكن هذه الخطوة الأخيرة كانت مجرد مغامرة شخصية مولها "والسينغهام" من جيبه الخاص.

 

وأخذ عمل الجواسيس المتخصصين في جمع المعلومات العسكرية يزدهر إبان الحروب، لكنه سرعان ما ينتهي مع حلول السلام. و استمر الحال على هذا المنوال حتى عام

19091913، و لحقتها روسيا 1917 و فرنسا 1935 و الولايات المتحدة 1947، و في هذه الأيام، فإن حكومات العالم الثالث، بما في ذلك تلك الغارقة في فقر مدقع، لا تشعر بأنها حققت استقلالها القومي، ما لم تنشئ جهاز المخابرات الخاص بها، حتى أصبح هذا الجهاز هو عنوان استقلالها الجديد ! 1909، فقد كان لجهاز "م إ 5"   غرفة واحدة فقط و ميزانية سنوية لا تتجاوز 7 آلاف جنيه إسترليني، تطورت هذه المهنة لتصبح واحدة من أضخم "الصناعات" في القرن العشرين و لتخرج بشكل مذهل عن كل سيطرة تقريبا. و اليوم فإن لا أحدا لا يعلم  !(NSA) المتخصصة في الجوانب التكنولوجية من عمليات التجسس الأمريكية الأخرى، التي تنفق على الأرجح أكثر من ثلاثة مليارات و نصف المليار دولار سنويا. و إذا ما وضعنا في بعين الاعتبار أجهزة المخابرات الحكومية والعسكرية الأمريكية الأخرى فإن النفقات الإجمالية لعائلة التجسس في الولايات المتحدة تبلغ حوالي سبعة مليارات و نصف المليار دولار سنويا.

 

إن أي مجموعة عالمية في مثل هذا الحجم، يجب بالطبع أن تكون عظيمة القوة، و تعمل المستحيل للمحافظة على البقاء و ليس بالضرورة بقاء الدولة التي تخدمها و لكن بقاءها هي كأجهزة هائلة. و بما أنها أكثر ما تزدهر في فترات التوتر الدولي، فإنها تشعر بأنها مهددة في حقبات الوفاق الدولي. حينذاك يدرك أفراد وكالات التجسس، الذين هم عادة أعداء مخيفون لبعضهم البعض، بان لديهم قواسم مشتركة أكثر مما يتوافر بينهم و بين الحكومات التي يفترض أنها تسيطر عليهم. "فالسي.أي.آي" و الـ"ك.ج.ب" (وكالة المخابرات السوفياتية سابقا) تحتاجان دوما إلى ما يبرر وجودهما، إذ كيف يمكن لـ"السي.أي.آي" أن تعمل إذا لم يكن ثمة خطر اسمه الـ"ك.ج.ب" ؟(أف أ س ب  حاليا

(FSB)).

و هكذا فإن أسرة المخابرات أنجبت نوعا جديدا من الجواسيس، إنهم الجواسيس الذين يتجسسون على الجميع،سواء كانوا أصدقاء أو أعداء. و هم يستخدمون تكنولوجيا متطورة لاكتساح كل الحقول المغناطيسية السرية. إنهم أشبه بمكنسة كهربائية ضخمة تشفط كل قطعة معلومات قد تكون مفيدة لشخص ما في مكان ما : اتصال هاتفي في موسكو، برقية تلكس في واشنطن، أية صورة لمخبأ صاروخ أو سفينة في البحر، أية معلومات عن اجتماع "أوبك" في فيينا أو عن أزمة مصرفية في أمريكا اللاتينية.

 

و قد التقى الخبير في شؤون التجسس "ادوارد ابشتاين"  ببعض الجواسيس الجدد في مؤتمر بالولايات المتحدة

1914. كان جميعهم أمريكيين، لكن بما أن إحدى السمات الغريبة التي استحدثتها أجهزة المخابرات، و هي أن الجواسيس يشبهون بعضهم البعض بشكل مذهل، فإن هؤلاء يمكن أن يكونوا من العملاء الروس. و يقول ابشتاين أنه ذهل من مواقف الجواسيس : "فهم غير مهتمين لا بالتجسس كمهنة، إنهم غير مهتمين لا بالاتحاد السوفياتي و لا بالولايات المتحدة، لا بالشيوعية ولا بالرأسمالية، إنهم مجرد محللي أنظمة، إنهم تكنوقراطيون وبيروقراطيون".

 

كيف تحولت مجموعة صغيرة كانت تلتقي في غرفة

متواضعة سنة  1909إلى وحش بدون أن نلحظ ذلك ؟

 

إن أجهزة التجسس تبرر وجودها في حقبات السلام عبر تقديم الوعود بأنها ستزود المعنيين بالمعلومات في الوقت المناسب حول المخاطر على الأمن القومي، و لا يهم هذه الأجهزة أن تكون هذه المخاطر حقيقية أو خيالية، و قد أثبتت هذه الوكالات أنها قادرة تماما على اختراع الخطر حينما لا يكون موجودا.

و الواقع أن أجهزة المخابرات لها مصلحة مباشرة في استمرار الحرب الباردة، لأن المهنة تستفيد من  الترقيات و رواتب التقاعد و السفر و النفقات الأخرى و نمط الحياة يعتمد على هذه الحرب. و هكذا حين تتعرض كل هذه الامتيازات إلى الخطر على يد الوفاق الدولي، تفتح أجهزة المخابرات كل أبوابها لكي تظهر للرأي العام أن الخطر لا يزال موجودا و بأن المخابرات الفعالة و الموثوقة و الوطنية، جاهزة للدفاع عن الأمة.

 

و بما أن المخابرات تسيطر على دفق المعلومات التي تقدمها للصحافة و بما أنها تملك شبكة واسعة من العملاء داخل أجهزة الإعلام، فإن كل قصص الجواسيس يجب أن تعامل بحذر كامل. و حتى ما يكشفه جواسيس التزموا الصمت طيلة

40½ 2 مليار سنويا و توظف أكثر من 60 ألف شخص و تنتج كميات من الورق، وحده الله يعلم كم من الصعب هضمها. و كيف لنا أن نضمن بأن هؤلاء الأشخاص و كل تلك المعلومات آمنة و دقيقة ؟ عبر استئجار المزيد من الناس لمراقبة الناس و الورق ؟! ".

لقد حاول العديد من الرؤساء الأمريكيين مواجهة هذه الخدعة- الوحش- التي اسمها المخابرات و لكنهم فشلوا. كما حاول القادة السوفيات سابقا تحدي الـ"ك.ج.ب" دون جدوى. و حين رفع رئيس الوزراء البريطاني "هارولد ويلسون" سيف التحدي في وجه المخابرات البريطانية خسر هو و بقيت هي. ! تشرشل- جون كنيدي.

و عدم القدرة على التمييز بين الأساطير و الوقائع في عالم المخابرات هو سر قوتها و بقائها لأن أجهزتها نمت و ترعرعت في حضن.. الخيال و الأساطير

 

و المشكلة هي أن أجهزة المخابرات أصبحت مصدرا أساسيا من مصادر السلطة في المجتمعات الغربية. إنها تحولت إلى نواد لأبناء العائلات الأرستقراطية و المحظوظة و رجال النخبة الاجتماعية و أصحاب الامتيازات الذين اكتسبوا باعا طويلا في كيفية استخدام السلطة، و اغنادوا على أساطير المخابرات التي هيمنت على عقول قادة عالميين مثل ونستون

عاما، عن الانتصارات الضخمة لوكالاتهم، يتبين سريعا بأن مبالغات في أحسن الأحوال و أساطير و خرافات في أسوئها.

و برغم كل ذلك، لا يزال ثمة أمل في مواجهة هذه الوحوش الضخمة. فأجهزة المخابرات بدأت تفقد السيطرة على نفسها بعد أن فقدت الحكومات السيطرة عليها. إن هذه الأجهزة تنتج الآن كل أنواع الكلمات و الصور و المعلومات الإلكترونية إلى درجة أن عدد المختصين الذين يستطيعون فهمها و تفسيرها لا يفي بالحاجة. فعملاء المخابرات بدأوا يغرقون في استخباراتهم نفسها و العقل الإلكتروني لا يستطيع أن يحل هذه المشكلة.

 

قبل عشرين عاما، تنبأ ضابط "السي.أي.آي" توماس براون بحلول هذه المعضلة حين كتب يقول : "إن الجالية (رجال المخابرات) تطورت إلى صناعة ضخمة تنفق

إضافة إلى أنها تتعاون مع الوكالات الصديقة الأخرى في استخدام العملاء بشكل مشترك، الأمر الذي يجعل إحصاء عدد هؤلاء العملاء عملية مستحيلة.

 

إن وكالة المخابرات الأمريكية "السي.أي.آي" تصرف أكثر من مليار و نصف المليار دولار سنويا، أي أكثر من ميزانية العديد من حكومات العالم الثالث. لكن هذا ليس سوى الرأس المرئي لجبل الجليد، إذ هناك أيضا وكالة الأمن القومي

بما في ذلك الحكومات التي تمولها- كم تكلف أجهزة المخابرات أو عدد الأشخاص العاملين فيها. و هذا يعود جزئيا إلى أن هذه الأجهزة تستخدم طرق حسابية تؤدي إذا ما استخدمتها الشركات التجارية، إلى عقوبات و ملاحقات قانونيةحين أنشأت بريطانيا أول وكالة مخابرات رسمية في التاريخ، كانت كناية عن دائرة حكومية تمولها أرصدة حكومية و غالبية موظفيها من المدنيين الذين طلب منهم سرقة أسرار الدول الأخرى و حماية الأسرار البريطانية، و خولوا العمل في السلام و الحروب معا. و لم تلبث أن تحولت في زمن يسير إلى وحش ضخم يحلم به كل بيروقراطي.

 

بعد أن أرست بريطانيا أسس جهاز استخباراتها، أصبح على كل دولة أن تحذوا حذوها، فخطت ألمانيا هذه الخطوة

 

من تلك البداية المتواضعة في

أف.بي.آي-، و جهاز المخابرات البريطاني "م إ عميل محلي لرفع التقارير إليه، عبر نوع من "مجلس الأمن القومي". كما أن الوزير الإنجليزي "السير فرنسيس والسينغهام" كان يدير جهازا للمعلومات (أصبح لاحقا نموذج مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي جاسوسا أرسلوا في مهمة إلى أرض كنعان، و لو أنهم كانوا من الهواة. و ألفرد الكبير ملك بريطانيا كان يبدي اهتماما خاصا بالخطر الدانمركي، ومع ذلك حين أراد أن يعرف قوة الدانمارك العسكرية، اضطر أن يذهب بنفسه إلى معسكر الأعداء متخفيا في لباس شاعر مغني

Voir les commentaires

كتاب جواسيس في مهام سرية اغتيالات مؤامرات ودسائس/ المؤلف صالح مختاري الجزائر

 

 

جواسيس في مهام

سرية

الجزء الأول

 

من سلسلة الكتب عن أعمال

 الجاسوسية العالمية

 

 

صالح مختاري

 

جواسيس في مهام

السرية

 

الجزء الأول

 

من سلسلة الكتب عن أعمال الجاسوسية العالمية

 

تصميم الغلاف السيد صالح مختاري

 

 

الاهداء

أهدي هذا الكتاب إلى كل من ضحى في سبيل الجزائر لتصبح حرة مستقلة وقد عرفت الجزائر عبر تاريخها الحديث رجالات أكفاء في مجال المخابرات وقد صنفت مخابراتنا من ضمن أحسن أجهزة المخابراتية عبر العالم في الستينات والسبعينات وحتى في الخمسينات وتعتبر المنظمة السرية OS التي أنشأت سنة 1947 نواة المخابرات الجزائرية ويعتبر عبد الحميد بوصوف أبو المخابرات الجزائرية التي كانت تعرف بالمالق (MALG) وزارة الحربية والعلاقات العامة قد أنشأت هذه الوزارة غداة إندلاع حرب التحرير.

فتحية لهؤلاء الرجال الذين أثبتوا قدرات الفائقة في عالم

المخابرات واستطاعوا في أكثر من مناسبة أن يتصدوا إلى

أعداء الجزائر وبفضلهم مازالت الجزائر واقفة

 

 

 

المقدمة

 

إن تاريخ البشرية في جانبه الاستخباراتي و التجسسي مليء بالمخابرات التجسسية و المخبرين، أصبح و تطور هذا المفهوم ليستقر على اسمه المعروف حاليا بعلم المخابرات بحيث أصبح دورها لا يقدر بقيمة مادية بل بمدى استمرار أي بلد و نجاحه في وضع سياسة عسكرية و اقتصادية و ثقافية ناجعة.

 

من هذا المنطلق اهتم رجال السياسة و الحكومات من عسكريين و مدنيين بهذا الجانب الحيوي أثناء الحرب و السلم و قد استفادوا من الدور الذي لعبه رجال الجوسسة أثناء الحروب لا سيما الحديثة منها.

 

إن لصورة الجوسسة وجه آخر مغاير تماما، وجه مظلم و كئيب فمهنة الجوسسة أثبتت فشلها في معظم التجارب و أدت إلى كوارث حقيقية في معظم الأوقات فتجنيد الجواسيس يعتبر عملية صعبة وحساسة للغاية.

 

ففي مطلع القرن العشرين، تفاقمت أهمية الجوسسة و الاستخبارات و توسعت تشكيلاتها  فأوكل إليها العديد من المهام المعقدة و المختلفة لتجمع جميع الجوانب في حياة الإنسان، ذلك بهدف البحث عن المعلومات الهامة التي تدعم إقامة دولة قوية بإمكانها معرف الكثير عن الأسرار الدول المعادية و الصديقة على السواء لوضع سياسة عسكرية و اقتصادية و ثقافية رشيدة من شأنها أن تبقي تلك الدولة رائدة في جميع الجوانب، متفوقة على البلدان المجاورة و البعيدة.

 

فنابليون بونابرت يقر بالحقيقة و يعتبر انتصاراته راجعة بالدرجة الأولى للمعلومات التي تحصل عليها من قبل المدنيين و العسكريين و التي كانت هامة للغاية و قد سمحت له بوضع خطط إستراتيجية و تكتيكية قوية هزم بها كل الأعداء و الخصوم، فالصراع بين الشرق و الغرب قد أنتج أدبياته الخاصة به و في مقدمتها قصص الجاسوسية و حرب المخابرات فالتدخل في شؤون دول العالم الثالث و تخويف الشعوب و تدمير اقتصادياتها و تزوير انتخاباتها و اغتيال قادتها و شراء سياسييها و تجاهل جوعها و جهلها و تزويد الطغاة بالسلاح و تحويل أطفالها إلى إرهابيي الغد و التلاعب بأجهزة الإعلام يعتبر من أهم سمات الجوسسة الحديثة.

 

إن تجنيد الجواسيس و توظيفهم في البلدان المعادية يتم بصفة دقيقة و حساسة فعلى من يقوم بتجنيدهم أن يكون له القدرة الفائقة بمثل هذه المهام الانتحارية. و هذا يدخل في إطار الجوسسة المباشرة أما الجوسسة غير المباشرة فتكون طريقة جمع المعلومات فيها بعدة طرق، ففي حالة الحرب يكون الأسرى مصدر هام للمعلومات بواسطة الاستجواب و الاستنطاق. أما الصحافة فهي لا تقل أهمية في جلب المعلومات و بدون جهد يذكر

إن أي عملية جمع المعلومات السرية عند البلدان الصديقة و المعادية لأي بلد لم تكن وليدة الساعة و لا وليدة البارحة بل هي عملية قديمة قدم الحضارات الإنسانية لكن نظرا لطبيعة هذا العمل المحاط بالسرية و الحيطة لم يكن معروفا بالقدر الكافي لدى العامة من الناس و بقي هذا الميدان حكرا على أهله المختصين و العارفين به.

 

 

Voir les commentaires

كيف تم تزوير نتائج لجنة تحقيق بوتفليقة بوهران 2

          

 

 كيف تم  تزوير نتائج   لجنة التحقيق التى امر بها بوتفليقة

 

تحصلت المحقق على قائمة اسمية من سكان الحي تضمنت اسماء لعائلات لم تسكن المكان مند  نشاته والتى  تم ايداعها لدي مصالح رئيس دائرة بئر الجير الدي كلف بالنيابة بدائرة وهران

بحيث تم احصاء 18 عائلة لا علاقة لها بالحي لا بعيد ولا من قريب  ، كحالة المدعوة ع التى تحصلت على مسكن رغم توفرها على سكن وظيفي بحي الصباح ،، نفس الشيئ  حدث مع المدعو بن عيسى ب صاحب رقم ا52  الساكن بسيدي البشيرالدي  تمكن بمعارفه الحصول على مسكن،وصولا عند  العائلة الساكنة  في رقم ا98   التى تقطن بالحاسي

وقد كشف اصحاب القائمة   بان  عائلة  المنزل رقم ب23  هي كدالك ليست من الحي تم تسجيلها مرتين  مضيفة انه  تم تحويل مارب الى مسكن لتمكين الشاغلين له الحصول على مسكن، نفس الشيء حدث مع سكان    رقم ا79.

  دات المصادر اشارت    بتلقي المدعو زيان ش المسجل تحت رقم ا65 على مبلغ 25 مليون سنتيم مقابل ادخال شخص اخر معهليكون ضمن المستفدين ،  تلقي الرشوة لم يقتصر على شخص معين بل احترفه اشخاص اخرون كاصاحب المنزل رقم ا46   الدي تحصل على رشوة ب10 مليون سنتيم مقابل ايواء المدعو فرطاس ه الدي تحصل على مسكن  بهده الطريقة

اعوان ابجي وهران دخلوا هم كدالك على  خط لتلقي  الرشاوي   مقابل تغييير نوعية المسكن   بحيث تفاجات العشرات من العائلات المستفيدة من مساكن   اف 3  التى استبدلت    الى اف 2 عندما دهبت لدفع المستحقاتالاجار  لدى مصالح ابيجي وهران   مصادر وشهود عيان اكدوا   بان  اعوانه يتلقوا  رشاوي مقدرة ب10 مليون سنتيم مقابل تغير نوعية المساكن من اف2 الى اف3 ، السيدة ع س كانت  من بين ضحايا هدا الاحتيال الاداري  فبعدما كان نصيبها مسكن  من  نوع اف 3 بالعمارة رقم 62 رقم 11  بعد  اجراء عملية القرعة   وجد نفسها  مجبرة على الاقامة بمسكن من نوع اف 2 بحي الياسمين .

  زيارة الرئيس لحي اليسمين خلال صائفة 2007  مكنت  المقصيون من الحديث معه كاشفين له عن تجاوزات رئيس الدائرة  والسلطات المحلية  التى تعمدت اقصاء عائلات كثيرة في حين تم حشر بين 5 الى 11 فرد في مساكن   اف2 ، ليامر هدا الاخير وزير السكن والوالي في غياب رئيس الدائرة باجراء تحقيق في القضية .

  بدات اللجنة الوزارية عملها  فاكتشفت في اسبوعها الاول  عن وجود 40 استفادة غير قانونية زور اصحابها شهادات الاقامة وكدا دفتير العائلية كان   لا عوان من الدائرة وبلدية وهران يد في دالك   ،في حين تم احصاء اقصاء  240 عائلة  من الترحيل، اللجنة احجمت   عن اجراء تحقيق ميداني حسب توجيهات الرئيس مكتفية بسماع حجج السلطات التى تمكنت من مغالطة القائمين عليها   ،  بعدها تم اقالة رئيس دائرة بئر الجير من نيابة دائرة وهران الدي كان حينها متابع في قضية تزوير البطاقات الرمادية التى اكتشفتها مصالح درك معسكر  ليبقى حاضرا ضمن الوفد الولائي القائم على دراسة ملفات الطعون لتى مازالت مستمرة .

بعد اكثر من 6 اشهر من اعلان الرئيس عن اجراء التحقيق مازالت العائلات التى اشتكى افرادها له   يعانون من الحصار  لم  يبث لحد الساعة في طعونهم المقدمة  ضمن المئات   التى لم يفصل فيها طبقا للقانون  بل  تم اجبارعدد من  العائلات الكبيرةالعدد على قبول عروض التخلي عن مساكن اف2    لحصول على تلك من نوع اف4  وقد قبلت بعضها  هدا العرض ولم تدفع مقابل دالك فارق السعر بما يطرح عدة تساؤلات حول خلفيات هدا الاجراء الدي كان من المفروض ان تمنح لهولاء مسكن اخرى نطرا   لوجود متزوجين ضمن العائلة الواحدة   ،مصادر اكدت انها محاولة  لاخفاء اصحاب الرشاوي ودوي المعارف من من المستفدين  خوفا من فضح امرالساطات التى تورطت الى العنق في ملف الترحيل الدي لم يكن طبقا للمعايير ..

 

 

فيلات ومساحات ارضية في المزاد

 

تحاشى القائمون على انجاز المشاريع السكانية بحي الصباح بعض المناطق الاستراتجية

التى كان بامكانها استعاب المئات من المساكن، لتبقى رهينة مزاد اصحاب العقار ،وقد اقدمت دائرة بئر الجير  في وقت سابق على انجاز العشرات من الفيلات  الفاخرة بدات الحي  تمكن مسؤولون من الولاية واخرون من قطاعات اخرى الحصول على  حصتهم منها ،  كان رئيس دائرة بئر الجيرمن  ضمن القائمة .  عير بعيد عن الموقع  وقفت المحقق على كتابات حائطية   علة ابواب  محلات تقع بحي الصباح ملحقة   بعمارات لم تنتهي بها الاشغال بعد

  في دات السياق تم سرقة كل بلوعات قنوات المياه القدرة  ليتم وضع اخريات مكانها ولتفادي السرقة من جديد  كان  لعبقرية السلطات المحلية خطة  تلحيمها  تافديا لدالك   والسؤال الدي حير السكان كيف ستتعامل هده الاخيرة مع هدا الاجراء  عند انسدادها جراء سقوط الامطار  منطق تعامل مسؤول  ولاية وهران مع البلوعات هو نفسه الدي حدث مع عملية الترحيل التى اقصت اصحاب الحق ليتم تزيف الحقائق خوفا من عقوبة الرئيس الدي لايعلم بالحصار المضروب على من تجرء بفضح اصحاب التلحيم ...

.فهل يعقل ان يقوم وزير السكن بزيارة حي الياسمين في حدود الساعة السابعة صباحا، تفاديا  لملاقاة  السكان المقصين وهو ماحدث   خلال  زيارته   لوهران خلال شهر جانفي الماضي  اين صرح   بوجود 66 استفادة غير شرعية ... وهو رقم بعيد عن الحقيقة التى يراد اخفاءها على الرئيس لاطهار السكان المشتكين على انهم قوم خارجون على القانون الدي اصبح يكيف حسب مصالح اصحاب التلحيم ...

 

.

Voir les commentaires

<< < 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 > >>