Overblog
Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

كتاب جواسيس في مهام سرية /قضية ايران قيت30

 

 

 

 

 

قضية إيران قايت  مع وكالة

 المخابرات الأمريكية

(CIA)

 

إن السبب الرئيسي لعدم التوصل إلى سياسة أمريكية في شأن إيران هو غموض ما كان يجري هناك. و كما يقول الجنرال"سيكورد"، الذي أمضى في إيران أربع سنوات خلال حكم الشاه رئيسا للبعثة الجوية العسكرية الأمريكية : " منذ قيام الثورة في إيران لم يعد لدينا فيها شيء. في تخطيطنا الإستراتيجي أصبحت تشكل فراغا. لم تكن لدينا أية فكرة عما يجري في إيران و لم يكن لدينا أي اتصال بها".

 

و هكذا كانت السياسة الأمريكية تواجه في إيران وضعا غامضا و معقدا و لا تعرف كيف تعالجه.

في ظل هذه المعضلة توجه المسؤول الأول في مجلس الدفاع القومي "ماكفرلين" إلى البلد التي توعد بأنها تملك دليل و حل اللغز الإيراني.

توجه "ماكفرلين" إلى إسرائيل، فمخابراتها رغم فضيحتها في لبنان ما تزال تتمتع بسمعة عالية في واشنطن. و كان من المعروف جيدا أن إسرائيل تبيع الأسلحة إلى إيران منذ أمد طويل، و على هذا الأساس اعتقد "ماكفرلين" بأن إسرائيل يمكن أن تساعد السياسة الأمريكية في التعامل مع إيران أو على الأقل مع بعض الضباط الإيرانيين العاملين. و كانت هذه السياسة تنسجم مع رؤية إسرائيل للعراق و اعتباره الأشد عداوة و خطرا عليها، و أنها بمساعدتها لإيران تبعد العراق عن ميدان القتال ضدها، في الوقت الذي تفيد فيه تجارة صناعاتها العسكرية. و رغم الدعايات الإيرانية المضادة للصهيونية فقد وجدت إيران نفسها تتعامل، على الأقل في مجال تجارة السلاح، مع إسرائيل، لأن إيران كانت تبذل قصارى جهودها للحصول على الأسلحة الأمريكية، و هي أسلحة متوفرة في إسرائيل.

 

هكذا دخل في هذه القصة صنوف شتى من تجار السلاح، من جانب إسرائيل. يعقوب نمرودي الملحق العسكري الإسرائيلي السابق في إيران، و أدولف شويمر المستشار الخاص لرئيس الوزراء السابق ووزير الخارجية حاليا شيمون بيريز. و هما الشخصيتان الإسرائيليتان المفوضتان رسميا بالاتجار في الأسلحة الإسرائيلية.

 

في الجانب الإيراني : مانوشير غوربانيفار الذي كان يتخذ باريس قاعدة لعملياته. و كان غورتانيفار الواجهة التي تحتمي وراءه الحكومة الإيرانية في تعاملها مع إسرائيل. و في يناير 1985، كما تؤكد المصادر الأمريكية، فقد اجتمع نمرودي و شويمر و غوربانيفار و بحثوا كيف يمكن الحصول على الأسلحة الأمريكية مقابل إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين، و في الوقت نفسه "فتح حوار استراتيجي مع إيران". و حضر بعض هذه المقابلات الضابط الإسرائيلي اميرام نير مستشار بيريز لمقاومة الإرهاب.

 

في الشهر نفسه تعاقبت صفحات القصة. و ظهر على المسرح الأمريكي روي فورماك، المتخصص في شؤون الطاقة أحد المتعاملين مع عدنان خاشقجي، و كان سبق لروي أن عمل في السابق محاميا لوليم كيسي مدير وكالة المخابرات الأمريكية. و قال فورماك أنه قابل غوربانيفار و قدمه لخاشقجي و أنهم عقدوا عدة اجتماعات في شهر يناير، و بعدها بعث الخاشقجي الى ماكفرلين بمذكرة مطولة عن آراء غوربانيفار في السياسات الإيرانية. و يبدو أن عدنان خاشقجي كان صديقا حميما لرئيس مكتب مشتريات الأسلحة الإيرانية في أوروبا الدكتور شاهابادي. و هكذا اكتملت الدائرة التي تضم غوبانيفار و خاشقجي و شاهابادي و الإسرائيليين.

 

في الوقت نفسه، حدث تطور جديد. ففي 1984، بعث ماكفرلين أحد مستشاريه و هو مايكل ليدين إلى أوروبا في مهمة للاستقصاء. و من أوروبا بعث ليدين إلى ماكفرلين تقريرا عن حديث مهم أجراه مع أحد ضباط المخابرات الأوروبية الذي أعطاه صورة عن إيران تختلف عن رؤية واشنطن وتؤكد أن الوضع داخل إيران ليس جامدا كما تعتقد الحكومة الأمريكية، و إنما هو وضع عائم، و أشار هذا الضابط على ليدين بأن الإسرائيليين هم المصدر الأوثق على ما يجري في إيران. بعد ذلك طلب ماكفرلين من ليدين الذهاب إلى إسرائيل دون ابلاغ وزارة الخارجية الأمريكية و لا السفير الأمريكي في تل أبيب، حتى أن السفير الأمريكي لويس حين علم بوجود ليدين بعث إلى وزارة الخارجية يسألها عن مهمته في إسرائيل.

 

تم اجتماع ليدين و بيريز في بداية ماي 1985 و أبدى بيريز استعداده للعمل "على تطوير مصادر أفضل لجمع المعلومات عن إيران". كما أن بيريز أسر إلى ليدين بأن إسرائيل قد تلقت طلبا رسميا من الحكومة الإيرانية لشراء السلاح و أن إسرائيل لن تقوم بذلك قبل الحصول على الموافقة الأمريكية.

و كأن إسرائيل لم تكن تبيع السلاح إلى إيران منذ أمد طويل. و يقول ليدين أن ماكفرلين فوضه بتبرير بيريز : "حسنا، هذا فقط و ليس شيئا سواه".

و بنتيجة هذه النشاطات أعطى ماكفرلين موافقته لإسرائيل على أن تشحن إلى إيران 508 صواريخ "تاو" في سبتمبر 1985.

و لم تنته مهمة ليدين عند ذلك فقط، فقد اجتمع مع تاجر السلاح الإسرائيلي شويمر، و مع المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية دافيد كيمحي و مع غوربانيفار و كذلك مع آخرين. و كان ليدين هو الذي رتب بعد ذلك اجتماعات الكولونيل نورث مع شويمر و نمرودي و كيمحي و أخيرا غوربانيفار للبحث في مبادلة السلاح بالرهائن و بهدف إقامة اتصالات أوسع مع إيران".

 

و هكذا تم فتح أحد معابر الاتصال المهمة بين واشنطن و إيران. و لكن كان هنالك قنوات أخرى و مباشرة و أحد أهم هذه القنوات هو دافيد كيمحي الذي جاء إلى واشنطن في جويلية 1985، و سأل حكومة ريغان : "ما هو رأيكم بالدخول مع إيران في مفاوضات سياسية ؟ " و قال كيمحي أن هنالك إيرانيين "في موضع السلطة و النفوذ" يمكن التوصل معهم إلى صفقة في شأن استعادة الرهائن. و حين بلغ ماكفرلين الرئيس ريغان تفاصيل حديثه مع كيمحي أجاب الرئيس : " أن هذه العناصر لا يمكنها أن تستولي على السلطة في النهاية إلا بتقوية نفسها و أن العملة المطلوبة لتحقيق ذلك هي السلاح.

و في كل هذه المناورات و المحادثات لعب غوربانيفار الدور الأساسي في تصوير الأمور و تقديمها بالشكل الملائم لجميع الأطراف بهدف دفع العلاقات الأمريكية- الإيرانية إلى مرحلة متقدمة.

 

في الوقت نفسه كانت المخابرات الأمريكية نفسها تقوم بقسطها في محاولة الاتصال مع إيران. و بدا أنه هنالك معالم لسياسة أمريكية جديدة، في ماي 1985 أطلقها غراهام فوللر مسؤول المخابرات لشؤون الشرق الأدنى و جنوب آسيا.

كان فوللر يعتقد بأن نظام الخميني على وشك الانهيار. و كان يرى أن إيران تفضل الاتفاق مع الاتحاد السوفياتي، التي في رأيه تملك أوراقا أكثر بكثير مما لدى أمريكا لتلعب بها في إيران. و كان من رأي فوللر أنه ليس هنالك ضرورة لاستخدام القوة ردا على أي هجوم إيراني إرهابي أو منع السلاح على إيران. و أن السبيل الوحيد لعودة أمريكا إلى طهران هو "قيام دولة صديقة ببيع الأسلحة إلى إيران" دون أن يؤثر ذلك على التوازن الإستراتيجي بين إيران و العراق.

في ذلك الوقت كان هذا التحليل هو السائد لدى وكالة المخابرات الأمريكية. و كانت الوكالة تدعو إلى التنافس مع السوفيات للاستحواذ على رضى إيران، و لو أنها لم تكن تحبذ دورا أمريكيا مباشرا و إنما تفضل التأثير غير المباشر عبر دول أوروبية و صديقة هي تركيا و باكستان و الصين و اليابان و إسرائيل.

 

و لكن مجلس الأمن القومي كان يدعو إلى سياسة مباشرة و أشد فعالية و كان يقول دونالد فورتيير، المدير الأعلى للشؤون السياسية العسكرية، "أن الخيار الإسرائيلي هو خيار يجب متابعته و لو كان علينا أن ندفع ثمنا معينا له". في جوان قدم فورتيير و هيوارد تايكر أحد العاملين معه ما وصفه بأنه مذكرة "محرضة" (أي بالغة الجرأة و خارجة عن التفكير السائد) لاعتراض التقدم السوفياتي في إيران و اقتراح البتر الحاد للسياسات السائدة عندئذ إلى درجة تزويد إيران بالأسلحة الغربية الثقيلة. و كان الاقتراح محرضا بالفعل إلى درجة أنه تقرر عرضه على وزيري الخارجية و الدفاع شولتز و واينبرغر.

قال شولتز أنه قد جاء الوقت لإعادة تقييم السياسة الأمريكية في إيران و لكنه اختلف معهم في نقطتين. الأولى، أن الخطر السوفياتي في إيران و المعارضة الداخلية مبالغ بهما. و الثانية، عارض بشدة تقديم السلاح الغربي إلى إيران. و لم يكن يعترض على "تصحيح" العلاقات مع إيران على أن لا يكون ثمن ذلك بيع السلاح لها.

 

أما واينبرغر فقد قال لأحد مساعديه العسكريين الجنرال كولين باول : " إن هذه المذكرة تافهة إلى درجة لا تحتاج إلى تعليق". و عارض بشدة تسهيل بيع السلاح إلى إيران و تحدى فكرة الأمل بوجود أية عناصر "معتدلة" داخل إيران يمكن التوصل إلى صفقة معها ما دام نظام الخميني قائما.

و لكن كيسي على العكس من ذلك كان يؤيد الاقتراح "الاستفزازي" للحيلولة دون إتاحة الفرصة أمام السوفيات للفوز بأية مكاسب في إيران و عدم التردد في القيام بأية محاولات للاتصال مع إيران و لو بثمن.

 

 

 

 

Voir les commentaires

كتاب جواسيس في مهام سرية /وكالة المخابرات الامريكية تابع 29

 

كيف ظهرت

وكالة المخابرات المركزية

(CIA)  تابع

 

 

وتجلى موقف إيطاليا آنذاك من خلال المساعدات السرية التي قدمها الرئيس "ترومان" إلى جميع الأطراف المناهضة للشيوعية سواء كانت في شكل أحزاب أو جمعيات أو حتى شخصيات، و تمثلت تلك المساعدات في شكل وسائل تقنية و مبالغ مالية وجهت للديمقراطيين المسيحيين و بعض الأحزاب المعادية للشيوعية خلال الانتخابات التشريعية في إيطاليا عام 1949، و بهذه الكيفية فوت الديمقراطيون الفرصة على الشيوعيين الذين كادوا أن يأخذوا الحكم. بعد هذا النجاح الذي حققته وكالة (سي.آي..إ) في إيطاليا، على حساب وكالة المخابرات السوفياتية (كا.جي.بي) سابقا، عد ذلك الانتصار مكسبا هائلا للحكومة الأمريكية و تحمس بعض الساسة و العسكريين إلى دفع و تعميق فكرة تطوير الوكالة و تدعيمها، و يعتبر(جورج كينان) مدير مكتب التخطيط السياسي بوزارة الخارجية من أكبر المتحمسين لخلق مكتب شكلي يتولى جمع و تنسيق الأعمال السياسية السرية المتحصل عليها، وأسند هذا المكتب إلى (فرانك وسنر) الرئيس السابق لمنظمة (O.S.S)  برومانيا، و يبقى مجلس الأمن الوطني هو الوحيد الذي بإمكانه توجيه نشاطات وكالة (سي.آي..إ).

أما الوسائل التي كانت تستعملها وكالة (سي.آي..إ) في بداية نشوئها فكانت وسائل سمعية و جرائد، هذا ضمن سياستها الإعلامية و الحرب النفسية التي كانت قائمة بين الشرق و الغرب و يعد راديو أوربا الحرة المتواجد في أوربا و راديو الحرية المتواجد في الاتحاد السوفياتي سابقا، كمثال حي على البعد الإستراتيجي للصراع الإيديولوجي و السياسي بين الولايات المتحدة الأمريكية الواقفة في وجه الشيوعية و بين الاتحاد السوفياتي سابقا و الصين اللتين كانتا تسعيان لنشر الشيوعية في العالم، و كانت هذه الوسائل بمثابة القنوات التي من خلالها يمكن نشر الأفكار المناهضة للشيوعية، حيث كانت التحاليل و توزيع الأفكار السياسية الهادفة تصل إلى جميع نقاط العالم الشرقي، و هذا ليس بالعمل السهل و الهين بل إن أموالا طائلة تصرف من أجل تحقيق ذلك، وتلعب وكالة المخابرات المركزية (سي.آي..إ) الدور الرئيسي في تلك المهمة و ذلك بتقديم التحاليل و الدراسات البسيكولوجية و الإيديولوجية الملائمة يمكن أن نلمس حقيقة ما أوردناه عن وكالة (سي.آي..إ) من خلال نشاطاتها في منطقة (طريفان) TRIVAN)) عام 1949 جنوب الصين، حيث حطت رحالها هناك و أنشأت قاعدة عسكرية بعدما انسحبت الحكومة الوطنية الصينية، و هذا لمنع الصين من التأثير و الاستحواذ على كوريا و دعمت تواجدها هناك بمنح الانفصاليين عدد من الطائرات و البواخر الحربية، و شبكة هامة من رجال المخابرات.  

 

في عام 1950 أصبح الجنرال (ولتر بيدل سميث) مديرا لـ (سي.آي..إ) خلفا للسيد (هيلنكوثر)، لقد كانت لسميث سمعة طيبة، و سبق له أن تولى عدة مناصب سامية، فقد كان مع الجنرال ايزنهاور أثناء الحرب الكونية الثانية، ثم عين سفيرا بالاتحاد السوفياتي، هذه المناصب مكنته من تكوين تجربة و علاقات هامة مع شخصيات سامية في الاتحاد السوفياتي بالإضافة إلى ذلك كان على علاقة طيبة مع رئيس الدولة (ترومان)، مما زاد مكن قوة نفوذه و هيبته، و هكذا عد الرجل المناسب و الضروري لوكالة (سي.آي..إ)، و اعتبره رجال المخابرات آنذاك الخليفة الفريد لدونوفان بدون منازع.

 

و هكذا و لأول مرة يتولى فيها تسيير وكالة (سي.آي..إ) رجل محترف قوي و مدعم من قبل رئيس الدولة نفسه، و تمكن سميث من وضع نموذج للعمل في مجال المخابرات استمر هذا التنظير قرابة 20 سنة كاملة، كما أدخل سميث تعديلا على قيادة الوكالة حيث أصبح ويليام جاكسون نائبا له و السيد (آلان دول) الذي سبق له و أن عمل بمنظمة (O.S.S)  كما عين سميث مستشارين له مثل الجنرال كلارنس هيبنر قائد سابق للفرقة الثانية مشاة أثناء الحرب العالمية الثانية في أوربا، إلى جانب عدد من الضباط السامين في الجيش، الذين عملوا معه أثناء الحرب العالمية الثانية، و بهذه الكيفية أصبحت الوكالة تملك عناصر لامعة و كفئة في ميدان المخابرات و كانت أولى الثمار التي جناها سميث بفضل هذا الفريق المنسجم هو نجاح الوكالة في قلب نظام محمد مصدق أثناء صراعه على السلطة مع الشاه في إيران، حيث أن مصدق كان مدعوما من طرف الاتحاد السوفياتي بينما راحت وكالة (سي.آي..إ) تقف بجانب الشاه و تقدم له العون المادي و المعنوي بطرقها الخاصة مستعملة أتباع الشاه و تحريضهم على القيام بمظاهرات عارمة، و مطالبين بعودة قائدهم البطل الشاه كما مكنتهم من إنشاء إذاعة محلية تقوم بتوعية الشعب الإيراني و تدعوه إلى الثورة ضد مصدق الموالي للشيوعية و كانت النتيجة أن وصل الشاه إلى الحكم و استمر سلطانه إلى أن جاء الخميني  و أخذ منه الحكم.

 

لقد كانت أهداف سميث الأولية هي إنجاز تقرير يومي سري مختصر يلخص فيه أهم الأحداث العالمية التي لها علاقة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية، و وضع هذا التقرير السري اليومي بين يدي رئيس الدولة للإطلاع عليه.

 

و بعد أن ينجز هذا التقرير يتم تحليله و دراسته فيما بعد من طرف خبراء كبار مختصين، في ميادين شتى منهم مكلفون بتحليل المصادر و المعلومات. و منهم من يقوم بإعطاء دراسات معمقة للخصائص الجغرافية لجميع البلدان الأجنبية، و منهم من هو مختص في مجال الطاقة الذرية و التكنولوجية الصواريخ الإستراتيجية المختلفة.

و تعد كل جماعة عبارة عن مصلحة أو دائرة سرية تعمل ضمن وكالة (سي.آي. إ) بعد أن تنجز كل جماعة أو مصلحة تقريرها، تجمع هذه التقارير التي تدور حول موضوع واحد تكون قد تناولته من جوانب مختلفة حسب تخصصها، في شكل تقرير واحد متكامل و يقدم إلى رئـيس الدولة، هذا التقرير اليومي يعرف باللغة الإنجليزية تحت اسم (DAILY) معناه يومي.  

بعد مرور ستة سنوات ذاع صيت وكالة (سي.آي إ) و تضاعف عدد رجالاتها ليصل عام 1953 إلى 10 آلاف رجل و بعد أن أصبحت الوكالة حقيقة قائمة على أسس صلبة، استدعي سميث إلى الخارجية الأمريكية حيث أصبح وزير للخارجية، و تولى (آلان دول) منصب مدير وكالة (سي.آي إ) خلفا لسميث و هذا في فيفري عام 1953 و رغم كل الذي طرأ من بعد على الوكالة و تعاقب المسؤولين على رأسها إلى أن هيكلتها و نظامها بقي على حاله كما تركه سميث دونوفان و هي الهيكلة التي كانت المنظمة السرية O.S.S)) تعتمدها طوال وجودها.

Voir les commentaires

كتاب جواسيس في مهام سرية /كبف ظهرت وكالة المخابرات الامريكية تابع 28

 

كيف ظهرت

وكالة المخابرات المركزية

(CIA)  تابع

 

 

وتجلى موقف إيطاليا آنذاك من خلال المساعدات السرية التي قدمها الرئيس "ترومان" إلى جميع الأطراف المناهضة للشيوعية سواء كانت في شكل أحزاب أو جمعيات أو حتى شخصيات، و تمثلت تلك المساعدات في شكل وسائل تقنية و مبالغ مالية وجهت للديمقراطيين المسيحيين و بعض الأحزاب المعادية للشيوعية خلال الانتخابات التشريعية في إيطاليا عام 1949، و بهذه الكيفية فوت الديمقراطيون الفرصة على الشيوعيين الذين كادوا أن يأخذوا الحكم.

 

بعد هذا النجاح الذي حققته وكالة (سي.آي..إ) في إيطاليا، على حساب وكالة المخابرات السوفياتية (كا.جي.بي) سابقا، عد ذلك الانتصار مكسبا هائلا للحكومة الأمريكية و تحمس بعض الساسة و العسكريين إلى دفع و تعميق فكرة تطوير الوكالة و تدعيمها، و يعتبر(جورج كينان) مدير مكتب التخطيط السياسي بوزارة الخارجية من أكبر المتحمسين لخلق مكتب شكلي يتولى جمع و تنسيق الأعمال السياسية السرية المتحصل عليها، وأسند هذا المكتب إلى (فرانك وسنر) الرئيس السابق لمنظمة (O.S.S)  برومانيا، و يبقى مجلس الأمن الوطني هو الوحيد الذي بإمكانه توجيه نشاطات وكالة (سي.آي..إ).

 

أما الوسائل التي كانت تستعملها وكالة (سي.آي..إ) في بداية نشوئها فكانت وسائل سمعية و جرائد، هذا ضمن سياستها الإعلامية و الحرب النفسية التي كانت قائمة بين الشرق و الغرب و يعد راديو أوربا الحرة المتواجد في أوربا و راديو الحرية المتواجد في الاتحاد السوفياتي سابقا، كمثال حي على البعد الإستراتيجي للصراع الإيديولوجي و السياسي بين الولايات المتحدة الأمريكية الواقفة في وجه الشيوعية و بين الاتحاد السوفياتي سابقا و الصين اللتين كانتا تسعيان لنشر الشيوعية في العالم، و كانت هذه الوسائل بمثابة القنوات التي من خلالها يمكن نشر الأفكار المناهضة للشيوعية، حيث كانت التحاليل و توزيع الأفكار السياسية الهادفة تصل إلى جميع نقاط العالم الشرقي، و هذا ليس بالعمل السهل و الهين بل إن أموالا طائلة تصرف من أجل تحقيق ذلك، وتلعب وكالة المخابرات المركزية (سي.آي..إ) الدور الرئيسي في تلك المهمة و ذلك بتقديم التحاليل و الدراسات البسيكولوجية و الإيديولوجية الملائمة.

 

و يمكن أن نلمس حقيقة ما أوردناه عن وكالة (سي.آي..إ) من خلال نشاطاتها في منطقة (طريفان) TRIVAN)) عام 1949 جنوب الصين، حيث حطت رحالها هناك و أنشأت قاعدة عسكرية بعدما انسحبت الحكومة الوطنية الصينية، و هذا لمنع الصين من التأثير و الاستحواذ على كوريا و دعمت تواجدها هناك بمنح الانفصاليين عدد من الطائرات و البواخر الحربية، و شبكة هامة من رجال المخابرات.

 

في عام 1950 أصبح الجنرال (ولتر بيدل سميث) مديرا لـ (سي.آي..إ) خلفا للسيد (هيلنكوثر)، لقد كانت لسميث سمعة طيبة، و سبق له أن تولى عدة مناصب سامية، فقد كان مع الجنرال ايزنهاور أثناء الحرب الكونية الثانية، ثم عين سفيرا بالاتحاد السوفياتي، هذه المناصب مكنته من تكوين تجربة و علاقات هامة مع شخصيات سامية في الاتحاد السوفياتي بالإضافة إلى ذلك كان على علاقة طيبة مع رئيس الدولة (ترومان)، مما زاد مكن قوة نفوذه و هيبته، و هكذا عد الرجل المناسب و الضروري لوكالة (سي.آي..إ)، و اعتبره رجال المخابرات آنذاك الخليفة الفريد لدونوفان بدون منازع.

 

و هكذا و لأول مرة يتولى فيها تسيير وكالة (سي.آي..إ) رجل محترف قوي و مدعم من قبل رئيس الدولة نفسه، و تمكن سميث من وضع نموذج للعمل في مجال المخابرات استمر هذا التنظير قرابة 20 سنة كاملة، كما أدخل سميث تعديلا على قيادة الوكالة حيث أصبح ويليام جاكسون نائبا له و السيد (آلان دول) الذي سبق له و أن عمل بمنظمة (O.S.S)  كما عين سميث مستشارين له مثل الجنرال كلارنس هيبنر قائد سابق للفرقة الثانية مشاة أثناء الحرب العالمية الثانية في أوربا، إلى جانب عدد من الضباط السامين في الجيش، الذين عملوا معه أثناء الحرب العالمية الثانية، و بهذه الكيفية أصبحت الوكالة تملك عناصر لامعة و كفئة في ميدان المخابرات و كانت أولى الثمار التي جناها سميث بفضل هذا الفريق المنسجم هو نجاح الوكالة في قلب نظام محمد مصدق أثناء صراعه على السلطة مع الشاه في إيران، حيث أن مصدق كان مدعوما من طرف الاتحاد السوفياتي بينما راحت وكالة (سي.آي..إ) تقف بجانب الشاه و تقدم له العون المادي و المعنوي بطرقها الخاصة مستعملة أتباع الشاه و تحريضهم على القيام بمظاهرات عارمة، و مطالبين بعودة قائدهم البطل الشاه كما مكنتهم من إنشاء إذاعة محلية تقوم بتوعية الشعب الإيراني و تدعوه إلى الثورة ضد مصدق الموالي للشيوعية و كانت النتيجة أن وصل الشاه إلى الحكم و استمر سلطانه إلى أن جاء الخميني  و أخذ منه الحكم.

 

لقد كانت أهداف سميث الأولية هي إنجاز تقرير يومي سري مختصر يلخص فيه أهم الأحداث العالمية التي لها علاقة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية، و وضع هذا التقرير السري اليومي بين يدي رئيس الدولة للإطلاع عليه.

 

و بعد أن ينجز هذا التقرير يتم تحليله و دراسته فيما بعد من طرف خبراء كبار مختصين، في ميادين شتى منهم مكلفون بتحليل المصادر و المعلومات. و منهم من يقوم بإعطاء دراسات معمقة للخصائص الجغرافية لجميع البلدان الأجنبية، و منهم من هو مختص في مجال الطاقة الذرية و التكنولوجية الصواريخ الإستراتيجية المختلفة.

 

و تعد كل جماعة عبارة عن مصلحة أو دائرة سرية تعمل ضمن وكالة (سي.آي. إ) بعد أن تنجز كل جماعة أو مصلحة تقريرها، تجمع هذه التقارير التي تدور حول موضوع واحد تكون قد تناولته من جوانب مختلفة حسب تخصصها، في شكل تقرير واحد متكامل و يقدم إلى رئـيس الدولة، هذا التقرير اليومي يعرف باللغة الإنجليزية تحت اسم (DAILY) معناه يومي.

 

بعد مرور ستة سنوات ذاع صيت وكالة (سي.آي إ) و تضاعف عدد رجالاتها ليصل عام 1953 إلى 10 آلاف رجل و بعد أن أصبحت الوكالة حقيقة قائمة على أسس صلبة، استدعي سميث إلى الخارجية الأمريكية حيث أصبح وزير للخارجية، و تولى (آلان دول) منصب مدير وكالة (سي.آي إ) خلفا لسميث و هذا في فيفري عام 1953 و رغم كل الذي طرأ من بعد على الوكالة و تعاقب المسؤولين على رأسها إلى أن هيكلتها و نظامها بقي على حاله كما تركه سميث دونوفان و هي الهيكلة التي كانت المنظمة السرية O.S.S)) تعتمدها طوال وجودها.

 

 

 

Voir les commentaires

كتاب جواسيس في مهام سرية / كيف ظهرت وكالة المخابرات الامريكية 27

 

كيف ظهرت

وكالة المخابرات المركزية

(CIA)

 

 

 

إن عملية جمع المعلومات السرية عن البلدان الصديقة و المعادية لأي بلد لم تكن وليدة الساعة و لا وليدة البارحة، بل هي عملية قديمة قدم الحضارة الإنسانية لكن نظرا لطبيعة هذا العمل المحاط بالسرية و الحيطة، لم يكن معروفا بالقدر الكافي لدى العامة من الناس و بقي هذا الميدان حكرا على أهله و العارفين به. و لو تناولنا التاريخ البشري في جانبه الاستخباري و التجسسي لوجدنا أن جميع الشعوب القديمة منها و المعاصرة كان لها جواسيس و مخبرون و قد تطور مفهوم ليستقر على الاسم المعروف حاليا باسم المخابرات. أما الدور الذي تلعبه هذه الأجهزة فلا يقدر بقيمة مادية بل بمدى استمرار أمن أي بلد و نجاحه في وضع سياسة عسكرية و اقتصادية و ثقافية ناجعة.

 

» الجاسوس الكفء يعادل عشرين ألف جندي في المعركة «

نابليون بونابرت

 

من هذا المنطلق اهتم رجال السياسة و الحكومات من عسكريين و مدنيين بهذا الجانب الحيوي أثناء الحرب و السلم. و قد استفادوا منها، و تعد الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الرائدة حاليا في امتلاك و كالة مخابرات قوية نظرا للاهتمام البالغ الذي توليه لهذا الميدان، و الأموال الكبيرة التي تمون بها جهازها الاستخباري. و نظرا للدور الهام الذي قامت به وكالة المخابرات المركزية الأمريكية و لازالت تقوم به في توجيه سياسات أمم بكاملها، حتى أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية اليوم تهيمن على الساحة الدولية بدون منازع .

 

ظهرت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في شكل مكتب رسمي معترف به و مقنن بمراسيم رئاسية و قوانين تشريعية واضحة عام 1947، و عدت الوكالة آنذاك كسلاح ملح فرض نفسه على الساحة العسكرية و السياسية للأمن الوطني و للحفاظ على المصالح القومية أينما كانت، خاصة و أن خيوط عالم ما بعد الحرب الكونية أصبحت تتعقد يوما بعد يوم.

 

و الحقيقة أن فكرة إنشاء وكالة المخابرات المركزية الأمريكية المعروفة بالاسم اللاتيني (Central Intelligence Agency)  هي من وحي التنظيم السري الأمريكي الذي ظهر أثناء الحرب العالمية الثانية تحت اسم المنظمة السرية للأمن ) O.S.S) التي كان يدير شؤونها » ويليام جي دونوفان« و لم تكن وظيفة (سي.آي .إ) في أول الأمر واضحة و محددة، بل كان هناك تداخل كبير بين الأعمال التي خلقت من أجلها، و بين الأعمال و المهام التي كانت تقوم بها كل من وزارتي الخارجية و الحرب.

 

كما أن عملها كان بعيدا عن الميدان العملياتي. و كانت الوزارتان السابقتان هما اللتان تقومان بتنفيذ مثل هذه العمليات ( التجسس و الانقلابات و الاغتيالات و) التي تخدم بطبيعة الحال الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية. و لم تمر إلا سنة واحدة عن تاريخ إنشاء وكالة  (سي. آي..إ) الأمريكية حتى شرع "دونوفان" في مباشرة أعمالها من خلال وضع خطط تنسيق بينها و بين التنظيمات السرية الثانوية الموجودة بموازاة هذه الوكالة التي أريد منها أن تصبح وكالة عظيمة ذات هيبة و نفوذ و هو ما كان بالفعل فقد حققت نجاحا فاق تصور مؤسسيها أنفسهم.

 

لقد كانت الخطوات الأولى و العامة في حياة هذه الوكالة، واضحة و بسيطة تتمثل في جمع المعلومات السرية بطرق مباشرة و غير مباشرة، لتضيفها إلى باقي المعلومات الأخرى التي تجمعها مصالح أخرى تعمل لنفس الغرض من خلال مؤسسات حكومية كبيرة كوزارات الخارجية و الحرب. لتجمع كل المعلومات المتحصل عليها و الاستفادة منها في وضع البرامج السياسية و العسكرية و الإستراتيجية و الاقتصادية المفيدة للأمن القومي الأمريكي، و أعطى "دونوفان" الرجل القوي في تاريخ المخابرات الأمريكية الضوء الأخضر لهذه الوكالة (سي.آي..إ) لتسرع في تنفيذ العمليات التخريبية و قلب الأنظمة السياسية في نقاط مختلقة من العالم. لكن هذه الوكالة تنفيذية و ليست تشريعية و ليس لها سلطة فرض القوانين سواء داخل البلاد أو خارجها. هكذا كان "دونوفان" يتصور الوكالة قبل و بعد نشوئها. لكن هذا التصور لم يرضي القادة العسكريين و لا رجال السياسة السامين. و راح كل واحد من تلك الفئات يسعى للانفراد بتولي إدارة العمليات السرية و الإشراف على كل المصالح و التنظيمات السرية الموجودة داخل و خارج البلاد.

 

و لقد كانت وزارة الخارجية تشرف على جميع العمليات المتعلقة بالعلاقات الخارجية أثناء السلم. بينما تتولى وزارة الحرب الجانب العسكري، و يقوم جهازها السري بتنفيذ مثل هذه الأعمال على نفس المنهج الذي تقوم به مصالح المخابرات العسكرية في جميع الجيوش العالمية و في الغالب تكون هذه المصالح السرية العسكرية لها السلطة المطلقة على مراقبة المصالح السرية المدنية.

 

و امتد الصراع بين المؤسسات الثلاث: وزارتي الخارجية و الحرب و وكالة المخابرات (سي.آي..إ) التي تعهد "دونوفان" بإنشائها من جهة ثانية، و لم تتوصل الأطراف المتصارعة إلى حل، إلا بتدخل الرئيس الأمريكي "هاري ترومان " شخصيا في جانفي 1946.

 

حيث أصدرت قرارا يتضمن إنشاء تنظيم مركزي للمصالح السرية مهمته جمع المعلومات الإضافية التي من شأنها أن تدعم و تكمل المعلومات التي تتحصل عليها  الدوائر السرية الأخرى المتواجدة لدى المؤسسات الحكومية العسكرية و المدنية. لكن الإشراف على تنسيق الأعمال التي تنجزها جميع المصالح السرية بما فيها وكالة "سي. آي. إ"  تكون تحت وصاية و سلطة البلاد، التي يمثلها ممثل رئيس الدولة و ممثلون عن وزارة الخارجية و الحرب و كذا ممثل عن القوات البحرية.

 

في سبتمبر من عام 1947 أصدر قرار إنشاء هيئتين وطنيتين هما مجلس الأمن الوطني ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية، و يتضمن القرار إسناد مهمة تنسيق نشاطات المصالح السرية للأمة لوكالة "سي. آي. إ." ونشر و معالجة المعلومات التي من شأنها أن تمس بأمن البلاد. بالإضافة إلى تكثيف جهود التعاون مع مجلس الأمن الوطني الهيئة العليا في البلاد و صاحبة السلطة في توجيه استراتيجية الأمن الوطني للأمة.

 

إلى جانب ذلك فإن مدير وكالة "سي. آي. إ" و نائبه يتم تعيينها من قبل رئيس الدولة و بموافقة مجلس الشيوخ، لكن قانون 1947 عدل في 4 أبريل 1953، و حدد بكيفية دقيقة طرق تجنيد موظفي وكالة "سي. آي. إ" بحيث فسح المجال للمدنيين و العسكريين سواء من العاملين أو المتقاعدين، شريطة أن يكونوا ممارسين لوظيفة واحدة فقط.

 

في عام 1949، أصدر الكونغرس الأمريكي مجموعة من القوانين الفرعية الخاصة بتدعيم قانون المصالح السرية و تأتي "سي. آي. إ." في مقدمة المعنيين بهذه القوانين التي تحدد طريقة دفع الضرائب المختلفة و كذا كيفية حصول وكالة "سي. آي. إ." على ميزانيتها من الحكومة الأمريكية و نظرا لأهمية و خطورة الأمر أعطى للوكالة صلاحيات الدفع غير المباشر أي دفع الضرائب إلى دوائر إدارية و سياسية مختلفة ثم تحويلها من تلك الدوائر إلى خزينة الدولة، أما الميزانية المخصصة للوكالة فإنها توجه إلى دوائر مختلفة و من تلك الدوائر تحول إلى وكالة "سي. آي. إ."  و هذه الطريقة يراد بها التمويه من أجل إخفاء الأموال التي تصل و تصرف في سبيل دعم هذه المؤسسة كما أن ذلك يؤمن و يحافظ على أسرار ميزانية الدولة، و للسلطة حق الحفاظ على ذلك.

 

و بعد أن اتضحت مهام الوكالة و قننت نشاطاتها بكيفية أكثر وضوحا جاء  دور العطاء و المردود الأولى، و بدأ رجال وكالة "سي. آي. إ." في جمع المعلومات و تحليلها، بموازاة نشاط مصالح سرية أخرى تابعة لمؤسسات مهددة أقدم من وكالة "سي. آي. إ." و الذي يتركز فيه عمل المخابرات على الجانب السياسي و البسيكولوجي أكثر من أي جانب أو ميدان آخر. و قد كانت فترة 1945-1948 التي أعقبت الحرب العالمية الثانية من أحرج الفترات التي عاشها القطب الغربي و الشرقي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد السوفياتي لاقتناعهما بضرورة الإسراع في تأسيس جيوش قوية و أجهزة مخابرات تستطيع خرق قصور و مجالس الحكومات في كلا الكتلتين.

 

و يأتي تخوف الولايات المتحدة الأمريكية من الزحف الشيوعي الذي أخذ يزحف من الشرق نحو الغرب ملتهما في طريقه كل الشعوب الآسيوية و الشرقية، ليصل إلى اليونان و إيران و تركيا و إيطاليا و في هذا البلد الأخير بالذات كان الصراع على أشده بين الشيوعيين المدعمين من طرف الاتحاد السوفياتي و الديموقراطيين المدعمين من طرف الولايات المتحدة الأمريكية و نظرا لأهمية إيطاليا في حوض البحر الأبيض المتوسط و التي اعتبرت الورقة الأساسية و الاستراتيجية في التأثير على كامل دول البحر الأبيض المتوسط،و السد المنيع في وجه الزحف الشيوعي الآتي من أوروبا الشرقية و آسيا.

 

لكل هذا قامت الولايات المتحدة الأمريكية من خلال وكالة "سي. آي. إ." بالعمل النشيط لحرمان الشيوعيين من الوصول للحكم في إيطاليا.

Voir les commentaires

كتاب جواسيس في مهام سرية /كوارث المخابرات البريطانية تابع26

من كوارث المخابرات البريطانية
تابع

في الحرب العالمية الثانية

و هنا قد يكون مفيدا استعراض نتائج نشاطات جهاز العمليات الخاصة، لأن الروايات الخرافية حولت أفراده إلى أبطال خارقين.

على الرغم أن هذا الجهاز لم يكن يقوم بجمع المعلومات إلا أن نشاطاته اندمجت بأجهزة المخابرات الأخرى التي كانت تمر بأضخم و أمة الصراعات الداخلية في تاريخ المخابرات، وفق ما يقوله الجاسوس هنري كيربي.

إن معضلة مكتب العمليات الخاصة SOE  الأساسية كانت في أنه تأسس على سلسلة من القواعد الخاطئة و المزيفة، أهمها الاعتقاد بأن مجموعة من عمليات التخريب و الحصار و القصف الاستراتيجي قد يجعل بريطانيا تربح الحرب من دون الحاجة إلى مواجهة مباشرة مع الجيش الألماني. ووفقا لهذا السيناريو كانت البحرية الملكية ستقوم بفرض الحصار، و يهتم سلاح الجو بالقصف الاستراتيجي، أما عمليات التخريب فستكون من مهمة جهاز العمليات الخاصة.

 

و الواقع أن هذا السيناريو كان من تصورات تشرشل الذي كان يرغب في شن حرب عصابات هائلة يقوم بها الكوماندوس يمكن أن تدمر كل المجهود الحربي الألماني.

لكن السيناريو عانى سلسلة من الشوائب. فبريطانيا أولا، لم تكن تملك ببساطة الإمكانيات للقيام بهذه المهمات الضخمة و المكلفة، كانت في خط الدفاع و تعوزها الأسلحة و الذخائر و الإمدادات.

و بريطانيا، ثانيا، و لكونها لم تعش طيلة ألف سنة متصلة تحت أي احتلال اجنبي، فشلت كليا في فهم موقف المواطن الأوروبي العادي من سيطرة الألمان عليه. فقد اعتقد تشرشل، و من منطلق رومانسي، بأن كل رجل و امرأة و طفل في الأراضي المحتلة في أوروبا ينتظر فقط اللحظة السانحة للانتفاض على الألمان، و لم يفهم مناخ الاستسلام التاريخي الذي كان يعيش فيه الأوروبيين في ظل الاحتلال الألماني، و مدى تصميمهم على قطف أفضل ثمار الهزيمة عبر التعاون مع المحتل.

 

و الواقع أن معظم الأوروبيين تعاونوا مع ألمانيا النازية معظم الوقت، فبعد شهر واحد من اتفاق الهدنة الفرنسي - الألماني، كان رجال الأعمال الفرنسيون يبرمون الصفقات التجارية مع زملائهم الألمان، و كان الدنمركيون يقدمون تسهيلات العمل للنازيين. و في أواخر 1941، كان نحو مليون بولندي يعملون طوعا في ألمانيا.

و أكثر من ذلك، فقد اعتقد تشرشل و قادة جهاز العمليات الخاصة، بأن الشعب الألماني نفسه لن ينتظر طويلا قبل أن يعلن ثورته المدمرة. و قد صدق تشرشل تقريرا بعث به غلاودين غب، أحد مسئولي م. ع .خ. SOE وجاء فيه : " أن كل مخابرين يتفقون على القول بأن سكان ألمانيا ككل لم يفرحوا بالانتصارات العسكرية الأخيرة، بل شعروا بالكآبة". في حين كانت تقارير أخرى تتحدث عن مجاعة و ثورة وشيكتين في ألمانيا.

استنادا إلى مثل هذه التقارير التي كانت أشبه برمال متحركة خطيرة، بدأت م. ع. خ.SOE  عملياتها.

بالطبع كان ثمة حركات مقاومة واسعة في أوروبا ضد النازيين، لكن المشكلة أن معظم هذه الحركات كانت شيوعية، و هي تقاتل ليس لإعادة أوروبا إلى أوضاع ما قبل الحرب، بل لضم الدول الأوروبية إلى القوة السوفياتية الناشئة، و هذه المعطيات عقدت عمل جهاز م. ع. خ. إلى درجة كبيرة.

 

على أي حال، فإن رجال م. ع. خ. لم يكونوا ليهتموا كثيرا بمعرفة شعوب أوروبا، بخاصة إذا ما صدقنا وصف هنري كيربي لهم بأنهم "حفنة من القتلة و المخربين الموهوبين". و بخاصة أيضا إذا ما تذكرنا بأن هدفهم الوحيد كان تنفيذ شعار تشرشل بـ"إحراق أوروبا ".

و هم في خضم عملياتهم لتنفيذ هذا الشعار، قتلوا ليس الألمان فحسب، بل المدنيين الأبرياء أيضا، بما في ذلك الأنصار المخلصين لقضية الحلفاء.

فحين نسف فريق من م. ع. خ. قطارا في فرنسا لعرقلة الإمدادات الألمانية، كانوا يعلمون بأن القطار آهل بالمدنيين الفرنسيين. كما أن قادة م. ع. خ. كانوا يدركون تماما بأن الألمان سيقومون بعمليات انتقامية رهيبة ضد السكان المحليين لمنع جهاز العمليات الخاصة من تنفيذ مهمته.

إن عملية اغتيال راينهارد هايدريتش، حاكم تشيكوسلوفاكيا أثناء الحرب، كانت نموذجا فاقعا على ذلك. فهذه العملية التي نفذت في ماي 1942، بإشراف الكولونيل فرانك سبونر، اقتضت قيام مواطنين تشيكيين بمهاجمة سيارة هايدريتش بالأسلحة الرشاشة و القنابل. و قد نجحت عملية الاغتيال، و لكن الألمان ردوا بقتل مائة رهينة كل مساء إلى أن قضى هايدريتش نحبه متأثرا بجروحه بعد أسبوع من الهجوم، ثم أعدموا كل سكان قرية ليديس التي هبط  فيها مظليو م. ع. خ. و أزالوا القرية برمتها من الوجود.

 

هذه الوحشية أدت إلى شل المقامة التشيكية، و مكنت الألمان من توظيف 350 ألف مواطن تشيكي في المجهود الحربي بإشراف 750 جنديا ألمانيا فقط.

و لا ريب أن بعض عمليات م. ع. خ. كانت ناجحة خصوصا في مجال رفع المعنويات، لكن إذا ما تمت الموازنة بين نجاحاتها و الفشل، فإن النتائج تبدو مأساة.

بعد دخول الاتحاد السوفياتي و الولايات المتحدة الحرب ضد ألمانيا كان تشرشل يسارع إلى إزهاق روح م. ع. خ. و معها سيناريو نسف ألمانيا من الداخل.

 

لكن مكتب العمليات الخاصة كاد يشهد عمليات إحياء جديدة، حين كانت واشنطن و لندن تدرسان احتمال شن الحرب ضد الحليف السابق الاتحاد السوفياتي. فقد أمر المكتب بالاستعداد لتشكيل حركات مقاومة في الدول التي قد يحتلها الروس في مثل هذه الحرب. لكن شيئا من هذا لم يحدث، و في 1946، استعادت رئاسة المخابرات السيطرة على كل النشاطات و الأجهزة الأخرى، و في 30 جوان من العام نفسه، تم حل م. ع. خ. بعد أن فاقت إخفاقاتها أساطير نجاحها و ثبت أن قيمتها العسكرية كانت صفرا تقريبا، و بأن الحلفاء ربما أبلوا بلاء أفضل من دونها.

و إذا ما زال هناك من يتذكر مكتب العمليات الخاصة فإن ذلك يعود إلى نحو 200 كتاب أو أكثر وضعه ضباط هذا الجهاز أنفسهم !

 

Voir les commentaires

كتاب جواسيس في مهام سرية /من كوارث المخابرات البريطانية25

 

 

 

 

من كوارث المخابرات البريطانية

في الحرب العالمية الثانية

 

 

إن الدور الذي لعبته المخابرات البريطانية لكسب الحرب العالمية الثانية قد أصبح بدوره أسطورة تقول الآتي : أن " الآس.آي.أس " SIS) ) كانت في فوضى كاملة سنة 1929، بعد سلسلة من الكوارث التنظيمية و التدخلات الحكومية، لكنها مع اندلاع الحرب استعادت فعاليتها بسرعة، بفضل تلك الجمهرة من الجامعيين و المهنيين اللامعين الذين نجحوا في التغلب على ألمانيا ثم استأنفوا حياتهم المدنية.

 

الواقع أن الرأي بأن حرب المخابرات البريطانية كانت نصرا كاملا، واسع الانتشار للغاية، فقد كتب زار شتينر، و هو أكاديمي بارز في كامبردج يقول :» كما كان الجيش السوفياتي و الإنتاج الصناعي الأمريكي حاسمين في ربح الحرب، كذلك شكلت المخابرات البريطانية قصة نجاح كامل « و ثمة مؤرخ بارز آخر هو كريستوفر أندرو، مدير دراسات التاريخ في كلية كوربورس كريستي، كامبردج، يؤكد بكل ثقة : " أن المخابرات البريطانية التي واجهت آلة ألمانية متطورة، قد حققت نصرا حاسما. و في الولايات المتحدة، قال لاديلاس فاراغو، مؤلف كتاب "لعبة الثعالب" : " حين بدأت أبحاثي كنت اعتقد بأن الألمان ربما ربحوا حرب الجاسوسية، لكني حين أنهيت هذه الأبحاث، عرفت أن النصر كان في جانب البريطانيين".   

إضافة إلى ذلك، يعزي الفضل إلى المخابرات البريطانية إبان الحرب في المساعدة على بتشكيل المخابرات الأمريكية. 

 

هذه التقديرات للمخابرات البريطانية خلال الحرب، سمح لها بأن تتداول بلا قيود، بخاصة 1966، حين نشر كتاب م.ر. فوت :" دور الـ " أس.أو.أي " (SOE) في فرنسا، الذي كان فاتحة سلسلة متصلة من كتب التجسس.

 

و أخيرا فإن الحكومة البريطانية وافقت على تأريخ رسمي كتبه البروفسور ف. اتش. هنسلي و آخرون، ظهر الجزء الأول منه سنة 1979 و الرابع 1984. في هذا التأريخ لم يكن مفاجئا أن يمتدح هنسلي المخابرات البريطانية، لأنه كان عضوا فيها.

 

و لكن الحقائق و الدلائل تكشف عن صورة أخرى مغايرة تماما عن تلك التي ترسمها النصوص الأسطورية، فحين نشبت الحرب في سبتمبر 1939، كانت المخابرات البريطانية في الحقيقة تعاني من صعوبات جمة. و كما رأينا فإن معلوماتها في فترة الثلاثينيات كانت من الدرجة الثانية يجمعها عملاء غير موثوقين.

هذه المعلومات كانت تضخ إلى لندن لتحليلها قبل أن توزع على " المستهلكين" المختلفين. لكن هؤلاء الآخرين نادرا ما رحبوا بمعلومات المخابرات، و كانوا يشتكون دائما من أنها ليست مهمة أو بأنها مهمة و لكنها غير صحيحة.

 

في 1939، سنحت فرصة للمخابرات بعد وفاة رئيسها الأميرال سنيكلير و تعيين ستيوارت منزيس النافذ في البلاط الملكي مكانه، الذي كانت تجمع إشاعات المجتمع الراقي البريطاني أنه الابن غير الشرعي للملك إدوارد السابع.

 

تعززت هذه الفرصة مع سقوط حكومة تشامبرلين و تشكيل حكومة جديدة برئاسة تشرشل الذي كان مهووسا بعمل المخابرات.

هذه التسهيلات لم تجد نفعا، فالسنة الأولى من الحرب كانت كارثة ضخمة الأبعاد، لأن الاجتياح الألماني وجه ضربة إلى كل محطات التجسس البريطانية في القارة الأوروبية، إضافة إلى النجاحات العسكرية الألمانية في فرنسا أثارت الشكوك العميقة حول مدى صحة تحليلات و تقديرات المخابرات.

 

و الأخطر من ذلك أن المخابرات البريطانية فشلت في التنبؤ بانهيار المعنويات الفرنسية، برغم أن أحد ضباطها، و هو كينيث دي كورسي، أبرق من باريس محذرا من أن الفرنسيين قد يوقعون صلحا منفردا سريعا مع ألمانيا إذا حدث الغزو.

و بقول دي كورسي :" إن معلوماتي كانت تستند إلى حديث أجريته مع أحد الجنرالات الفرنسيين البارزين، و قد أبرقت سريعا بهذه المعلومات إلى منزيس، لكني أشتبه بأنه لم يبلغ تشرشل بها لأنه كان يعرف بأن هذه أشياء لا يحب تشرشل سماعها، و منزيس كان بحاجة للمحافظة على دعم تشرشل له ".

 

و التفاصيل بعد ذلك أصبحت اكثر من معروفة : فالمخابرات البريطانية فوجئت بسرعة التقدم العسكري الألماني، و اضطر رؤساء شبكات التجسس إلى اللجوء إلى لندن، و للاعتماد في الحصول على المعلومات من رجال المخابرات الدول الأوروبية الأخرى الذين لجئوا هم أيضا إلى لندن و الذين كانوا ما زالوا على قناعة بأن المخابرات البريطانية قوة هائلة لا تقاوم !  

 

منذ 1930، كانت المخابرات البريطانية قد شكلت قسما خاصا بالتخريب و الإرهاب عرف باسم " دي " و كان يفترض بهذا القسم توجيه ضربات موجعة إلى مواقع الضعف في الجسم الألماني مثل نسف الأبواب الحديدية للدانوب لوقف تدفق النفط الروماني، و إطلاق بالونات  مفخخة  فوق وسط أوروبا بأمل إحراق حقول القمح و بالتالي التسبب بأزمة موارد غذائية في ألمانيا.

 

و لكن هذا القسم كان يفتقد إلى التمويل، و يحظى بشكوك الأقسام الأخرى في المخابرات، لذلك سرعان ما تم استيعاب هذا القسم في جهاز العمليات الخاصة SOE   الذي أنشئ،  في 22 جويلية 1940، بضغط من تشرشل الذي طلب من الجهاز الجديد تنفيذ مهمة واحدة: "أشعلوا أوروبا بالنيران".

 

Voir les commentaires

كتاب جواسيس في مهام سرية /سر الترا تابع 24

سر الترا تابع

و حملة "رومل" في إفريقيا دليل على ذلك. فقد أمر "رومل" بشن الهجوم في ماي و قد علمت الألترا بهذا الأمر، لكن "رومل" غير رأيه فجأة و قرر الهجوم في مارس. و بما أنه لم يبلغ أحدا بهذا التغيير في الخطط، فإن الألترا لم تستطع مساعدة قادة الحلفاء بالجبهة.

 

و الحال أن هناك قطاعات واسعة من الحرب العالمية الثانية يتضح فيها تماما أن الألترا لم تترك أية تأثيرات على الأحداث، أو أن فائدتها كانت مدار نزاع، في حين أن دورها الحاسم كان محدودا في بعض الحالات القليلة.

فالألترا لم تكن قيادة عامة ألمانية في الظل، كما وصفها "وينتر بوتام"، فهي لم تكن تعمل إلا حين يستخدم الألمان أجهزة اللاسلكي لبث رسائلهم، و من دون اللاسلكي لم يكن ثمة شيء يلتقطه الحلفاء. و في العديد من الحالات، تمسك الجيش الألماني بالتقاليد القديمة: ففي بداية الحرب كانت معظم رسائله تبث ببريد التلغراف الذي لا يمكن اعتراضه في بريطانيا، لا بل هو استخدم أيضا الحمام الزاجل و كلاب البريد، في حين أن الأوامر المكتوبة كانت تنقل بالسيارات أو الدراجات النارية أو الدراجات الهوائية أو حتى على ظهور الخيل. و بديهي أن أيدي الألترا و أجهزة تنصتها لم تكن لتصل إلى مثل هذه الوسائل.

 

يضاف إلى ذلك أن الألترا لم تكن قادرة على فك ألغاز كل الرسائل التي كانت تلتقطها، بخاصة مع تعقد الشيفرة بعد تقدم مراحل الحرب، بما يتضمن ذلك من ضرورة فك الرمز و الترجمة و غير ذلك، و بالتالي إضاعة وقت طويل قبل أن تصل المعلومات إلى القائد في الجبهة.

 

و معضلة الوقت الضائع تضمنت على الدوام حوادث تبدو مضحكة لكنها كانت منهكة لمفككي الرموز، فعلى سبيل المثال -لا الحصر- التقطت الألترا رسالة بعثت بها المخابرات الألمانية إلى محطتها في ألجيسراس بإسبانيا قالت فيها : "احذر اكسيل يا سيزار. إنه يعض" هل كانت هذه شيفرة ضمن شيفرة ؟ لا، كل ما هنالك أن الرسالة كانت تشير إلى وصول كلب حراسة إلى محطة إسبانيا، و هي نظرية تأكدت بعد أيام حين بعثت هذه الأخيرة برسالة قالت فيها : "سيزار في المستشفى، لقد عضه أكسيل !"

 

و هناك وجه آخر من مشكلة الوقت الضائع. فالألترا كانت تقدم معلومات مؤكدة عن غارات جوية وشيكة على إنجلترا، لكنها كانت عاجزة عن تحديد المواعيد. و حين كانت الغارات تقع، لم يكن في وسع الألترا منع الألمان من إلحاق أضرار فادحة بالمدن البريطانية. إذ ليس مفيدا مغرفة المكان الذي ستتعرض فيه إلى هجوم إذا لم تكن دفاعاتك قوية لمنعه.                   

 

و إلى كل هذه العوامل التي تثير كثيرا من الشكوك حول أسطورة الألترا، يجب عدم إغفال الحقيقة بأن الألمان كانوا يعملون بنشاط أيضا في مجال فك الشيفرة.

فقد كان لألمانيا العديد من وكالات فك الشيفرة في البحرية و الجيش و سلاح الجو، و كذلك الأمر بالنسبة للقيادة العامة و كل فروع أجهزة الاستخبارات . و برغم أن هذه الوكالات كانت تعاني من نقص و من صراعاتها الداخلية، إلا أنها حققت بعض الإنجازات المهمة.

فالحلفاء كانوا لا يعرفون بأن الألمان يقرؤون بسهولة شيفرة الجيش الفرنسي التي كانت تكشف قوة و نوايا الوحدات الفرنسية و البريطانية خلال الأيام العصيبة، من سنة 1940. و إذا كانت بعض انتصارات الحلفاء في وقت لاحق من الحرب قد عزيت إلى الألترا، ألا يجب أن تحظى أجهزة فك الشيفرة  الألمانية ببعض الإشادة لانتصارات الجيش الألماني ؟ إن الألترا ساعدت البريطانيين في شمال إفريقيا، لكن "رومل" استفاد أيضا من مفككي الرموز الألمان.

 

ففي 1941-1942، بعث الملحق العسكري الأمريكي في القاهرة، الكولونيل "بونر فيلرز" ببرقية مرمزة إلى البنتاغون شرح فيها كل ما يجري في شمالي إفريقيا، كاشفا بذلك خطط البريطانيين و قوتهم. و قد التقط الألمان الرسالة و حللوها ثم نقلوها إلى الجنرال "رومل"، الذي أفاد منها أن جل الإفادة و طارد البريطانيين 300 ميل عبر الصحراء و اقترب من الإسكندرية.

لا بل نجح الألمان أيضا في التنصت على أجهزة راديو الهاتف بين لندن و واشنطن، أي بين تشرشل و روزفلت، لكن هذا لم يفدهم بشيء لأن الزعيمين كانا حريصين على ألا يمكنوا الألمان من زيادة معلوماتهم.

 

و نصل الآن إلى السؤال الأهم : هل صحيح أن التشديد على أسطورة الألترا التي ساعدت الحلفاء على كسب الحرب في وقت مبكر، أخفى طابعها السياسي الأهم ؟ بكلمات أوضح : هل ساهمت الألترا في الحرب الباردة ؟

 

إن ثلثي المجهود الحربي الألماني كان مركزا على الجبهة الشرقية، و مع ذلك فإن دور الألترا في هذه الجبهة لا يزال غامضا. فهل ساعد الحلفاء حلفائهم السوفيات بتقديم "هذه المعلومات التي لا تقدر بثمن ؟ " هل من المحتمل أن يكون الروس قد فكوا بدورهم رموز الشيفرة الإنجليزية ؟ إن التبريرات التي قدمت حتى الآن تقول بأن الروس كنوا لا يثقون البتة بحلفائهم الغربيين، مما يجعل تشرشل مقتنعا بأنه من غير المفيد نقل معلومات الألترا إليهم بالوسائل العادية، لأن ستالين سيشتبه حينذاك بأن تشرشل ينوي خداعه و تضليله.

 

و على أي حال فإن كل الدلائل تشير إلى أن الاتحاد السوفييتي كان يعلم بكل نشاطات الألترا و بأن الحلفاء فككوا بعض رموز الشيفرة الألمانية على الأقل، كما علم أيضا بأن الحلفاء حجبوا هذه المعلومات عنه. لا، بل يمكن أن يكون الروس قد بذلوا ضغوطا لإجبار الحلفاء على كشف أسرار الألترا.

 

و نحن نعلم الآن أن ستالين كان يشك من اللحظة الأخيرة بمدى إصرار و حرص الحلفاء على هزيمة ألمانيا، و قد ساهم إحجام الحلفاء عن كشف أسرار الألترا له في مضاعفة مخاوفه هذه، إلى درجة أنه كان يتجاهل معلومات الألترا التي كان الحلفاء يتعمدون تسريبها سرا له لاعتقاده بأنهم يلعبون لعبة خطيرة ضده.

و إذا نظرنا إلى الأمر من هذه الزاوية، فإن فشل الحلفاء في مشاطرة معلومات الألترا مع حليف تحمل العبء الأكبر من الحرب ضد ألمانيا، عمق من لا ثقة روسيا بالغرب، و بالتالي ساهم في نشوء الحرب الباردة.

 

يتضح من كل ذلك أن الألترا ساهمت بالمجهود الحربي في حقول ضئيلة، و هي لم تكسب الحرب و من المشكوك فيه كثيرا أن تكون قد قلصت أمدها. إنها قدمت مساهمات سلبية للعلاقات الغربية-السوفياتية، و كل هذه الحقائق تجعل الألترا لا تستحق كل تلك الأمجاد و الأساطير التي تحاك حولها..

Voir les commentaires

23كتاب جواسيس في مهام سرية /سر ألترا

 

سر ألترا

سنة 1974، نشر الكوماندور "وينتر بوتام"، رئيس القسم الجوي في المخابرات البريطانية (SIS) الذي لعب دورا مثيرا في ألمانيا قبيل نشوب الحرب، كتابا بعنوان : سر ألترا(Ultra Secret)  .

فقد كسر جدار الصمت الذي استمر جيلا كاملا حول أهم أسرار الحرب العالمية الثانية، و هو أن الحلفاء نجحوا في فك رموز الجيوش الألمانية و تنصتوا طوال الحرب على محادثات الألمان حول القضايا العسكرية و السياسية و الاقتصادية و الحيوية.

و اعتبر ذلك أنه غزو لم يسبق له مثيل في تاريخ الحروب، لعقل العدو.

 

و بعد نشر الكتاب بدأ المؤرخون العسكريون المذهولون يدركون بأنه إذا كانت معلومات "وينتر بوتام" صحيحة- و بما أن الكتاب حاز على رضى الحكومة البريطانية- فيتعين عليهم إعادة النظر في كل أعمالهم. على سبيل المثال، إذا كان جنرالات الحلفاء الذين اعتبروا أبطالا و عباقرة أحيانا يعلمون سلفا بنوايا العدو الألماني و خططه، ألا يعني ذلك أنهم لم يكونوا ما وصفوا به ؟ ألا يتعين إعادة كتابة تاريخ المعارك لنعرف ماذا كان يعرف هؤلاء الجنرالات ؟

 

بالفعل، ظهرت سلسلة متصلة من الكتب، بعد صدور كتاب "وينتر بوتام"، اعترف مؤلفوها جميعا بأن مؤلفاتهم السابقة التي كانت تحتوي على "معلومات مضللة و غير مناسبة و قديمة". و يصف المؤرخ البريطاني "رونالد لوين" هذا الحادث بقوله : لقد بدا أن "ألترا" (و هي الاسم الذي أطلق على عملية و جهاز فك الرموز) هي السلطة الجديدة التي تملي إعادة النظر في كل المؤلفات السابقة.

 

و قد تجاوبت الحكومة البريطانية في سرعة متميزة مع هذه الحمى الجديدة و زودت لوين ببعض الوثائق المتعلقة بـالألترا، الأمر الذي مكنه من كتابة مؤلفه : "الألترا تذهب إلى الحرب : أول تقرير عن أضخم أسرار الحرب العالمية الثانية استنادا إلى وثائق رسمية"، الذي أشار فيه أن الجنرال مكارثر "علق أهمية قصوى على الألترا" و بأن "تشرشل  اعتمد كليا عليها"، و أيضا بأن ألترا هي "التي ربحت الحرب، و لولاها لاستمر القتال حتى 1949، و لواصل الأمريكيون القتال في الفليبين و ليس على أبواب اليابان".

 

بعد عشر سنوات من نشر كتاب "وينتر بوتام"، تحولت ألترا إلى أكثر من نصر، أصبحت أسطورة " تمجد العظمة البريطانية" و نمط الحياة الإنجليزي               !  

غير أن كل هذا الفرح الغامر، أغفل جوانب و أسئلة في غاية الأهمية : هل كانت الألترا عاملا حاسما حقا في كسب المعركة كما زعموا ؟ ألم يشن الألمان عملية مماثلة ضد الحلفاء ؟ ألم يدرك الألمان أبدا بأن رموزهم تفكك و تقرأ ؟

بداية الوكالة كانت متواضعة للغاية، تأسست على أيدي حفنة من الأشخاص في منطقة "بلتشلي بارك" في إنجلترا، لكنها لم تلبث أن توسعت بسرعة لتضم عشرة آلاف شخص عشية الحرب بهدف كشف كل التفاصيل عن العدو و نشاطاته.

و قد غزا موظفو الوكالة و مفككو الرموز فيها الأسرار الألمانية بفضل الحظ و أخطاء الألمان، كحصولهم (عبر ألماني منشق) على دفتر رموز المخابرات الألمانية و اكتشاف دفتر رموز البحرية من غواصة ألمانية غارقة .. الخ. لكن الوكالة في الحقيقة، لم تحقق البتة ما زعمت الكتب الأخيرة أنها حققته، بل تشير أحسن التقديرات إلى أن ما بين خمسة و عشرة بالمائة فقط من معلومات "الألترا"، قد استخدمت فعلا في الجبهات.

هذا إضافة إلى أن ثمة خطرا بأن الدفق الهائل من معلومات الألترا يمكن أن يكون سلبيا، فقد كتب ضابط ارتباط خاص بأن الألترا تجعل القادة العسكريين كسالى لأنها تحفزهم على التخلي عن التحليل و تقدير مصادر المعلومات الأخرى.

 

باختصار، ليس في وسع الألترا تحويل قائد عسكري متواضع إلى عبقرية عسكرية، إذ لا يزال يتعين عليه أن يخطط لحملته و بث الثقة بين ضباطه و جنوده، و التكيف مع الظروف المتغيرة حالما تبدأ الحرب. لا بل أن الألترا قد تعيق القادة لأنهم يعلمون بأن زعمائهم السياسيين يتلقون الأسرار نفسها و بالتالي قد يقيلونهم في حال حدوث أي خطأ يتعلق بتنفيذ معلومات الألترا، كما حدث مع "تشرشل" الذي أطاح بالجنرالين البارزين "وافيل" و "اوكلنك".

 

و وصفت الألترا بأنها تتنصت إلى ما يرفعه العدو من تقارير لنفسه و عن نفسه. لكن القادة العسكريين عرضة لكل الأخطاء الإنسانية : فهم يكذبون و يبالغون و يخفون المعلومات و يفاخرون و يخدعون حتى أنفسهم. و بات معلوما الآن أن القادة الألمان تعمدوا أحيانا المبالغة في تقديراتهم لقوة العدو و لنقص الأعتدة لديهم، في تقاريرهم إلى برلين، ليحملوا القيادة العليا بأن تأخذ تهديدات العدو على محمل الجد. فحين كتب" رومل" تقارير (من الصحراء) اعتمد أسلوب المبالغة للتأكد من حصوله على بعض الأعتدة التي احتاجها.

 

كذلك اعتاد "رومل" مخالفة الأوامر و كان يبلغ برلين شيئا و ينفذ شيئا آخر. كان قائدا يعتمد على الحدس و لا يتورع عن تغيير خططه في آخر لحظة إذا ما وجد ذلك مناسبا، و غالبا من دون أن يبلغ أحدا بذلك. و الواقع أن أحد أسباب كارثة معركة قصرين التي تكبدها البريطانيون، في فبراير 1943، هو أن الألترا أشارت إلى أن الهجوم سيقع في اتجاه محدد (استنادا إلى فك رموز رسائل القيادة العامة الألمانية)، لكن "رومل" تمرد على الأمر الآتي من إيطاليا و هاجم في اتجاه آخر. و الأمريكيون الذين اعتمدوا على معلومات الألترا خسروا في معركة واحدة نصف فرقة مدرعة، لأن قراءة مراسلات البشر شيء و قراءة عقولهم شيء آخر.

 

Voir les commentaires

كتاب جواسيس في مهام سرية /حكاية الاكستراالحمراء 21

 

حكاية الأوركسترا الحمراء مع

 الاستخبارات الألمانية

 

                   عرفت كل من الاستخبارات العسكرية الألمانية و الجستابو بوجود شبكة جوسسة سوفياتية في أوربا الغربية بعد حصول الجهازين الألمانيين من خلال عملائهما على حوالي 500 رسالة منقولة بالشيفرة في عام 1941. كانت رموز الشيفرة غامضة بدرجة مذهلة و لم يستطع أفضل الخبراء الألمان في هذا المضمار فك طلاسم هذه البرقيات اللاسلكية و شهد العملاء الألمان لعبقرية كبر و حجم و تطور الأجهزة السوفياتية التي تستخدمها شبكة الجاسوسية المزروعة في قلب أوربا.

 

كان الاسم الرمزي الذي أطلقه السوفيات أنذاك على جهاز الإرسال ذي الموجة القصيرة "صندوق الموسيقى" و أطلقوا على موظف اللاسلكي "الموسيقار" و لهذا أطلق الألمان على هذه العملية اسم الأوركسترا الحمراء (Rote Kappelle).

و كان الألمان يشبهون شبكة التجسس السوفياتية الغامضة بمجموعة من العازفين المقتدرين الذين يعملون تحت قيادة قائد فرقة موسيقية موهوب.

 

في برلين كاد مدراء البوليس و رجال الاستخبارات أن يفقدوا أعصابهم، و كانوا يحسون بأن الروس يهينون كرامتهم حين يبثون على مسامعهم رسائل ينقلها المذياع موجهة لعملاء روسيا في داخل ألمانيا تحمل بين طياتها أسرارا حربية ألمانية و لا يستطيع فك طلاسمها سوى العملاء أنفسهم.

و ظل الألمان لفترة طويلة يحاولون معرفة مقر هذه الشبكة دون جدوى فقد كانت معدات تعقب البث و تحديد الاتجاه عندهم ما تزال غير دقيقة وبطيئة و أثناء ذلك تكونت و تراكمت لدى الألمان رسائل لا حصر لها في مكاتب التصنت بالاستخبارات العسكرية و غيرها من المكاتب و كلها طلاسم لا تقرأ.

 

و في خريف عام 1941 نتيجة لبحث طويل و تحقيقات متواصلة استطاع مكتب التصنت أن يتوصل إلى معلومة هامة مفادها أن جهاز الإرسال الرئيسي موجود بالغرب و على وجه التحديد في بلجيكا و بعث الألمان بعض الضباط من الاستخبارات العسكرية إلى بروكسل،  و كانت برلين العاصمة غاضبة كما يروي "هاينرتش هوفمان" أحد رجال الاستخبارات :

"كان يصل في كل يوم عدد من الضباط إلى يروكسل لحثنا على مواصلة البحث  و لكن دون جدوى و قد أضعنا وقتا كبيرا حتى استطعنا التغلغل في أوساط الحزب الشيوعي البلجيكي و كانت النتيجة تخوف أعضاء الحزب منا دون وصولنا لأية نتيجة. و بدأنا نبحث عن في العديد من المدن البلجيكية الأخرى و لم نصل أيضا إلى  شيء يذكر ثم أرسلنا عملائـنا ليختلطوا بالناس في المقاهي و المنتديات و لم نكن نعرف حينها أن عملاء السوفيات كانوا يلتقون في المنتزهات العامة و المحلات التجارية بل و عند العامة و في كل مكان إلا في المقاهي".  

 

و في هذه الأثناء و البحث إلى أشده بدأ جهاز كشف الاتجاه يحقق بعض النجاح و اكتشفنا أن جهاز الإرسال السوفياتي يعمل لفترة 05 ساعات كل مساء و كانت تلك غلطة كبيرة ارتكبوها، و بدأنا عملية البحث عن مصدر البث من منتصف الليل إلى الخامسة صباحا و التركيز على خمس ساعات جعل عملنا سهلا في التتبع، و جاء خبير ذو مستوى رفيع من برلين و استطاع مما حصلنا عليه من معلومات أن يحدد 3 منازل رحنا نضيق عليها الرقابة.

 

و في مساء 13 ديسمبر عام 1941 قررنا مهاجمة المنازل المذكورة و من ثم هاجمت ثلاث مجموعات من رجال الجيش و البوليس المنازل الثلاثة في وقت واحد و وجدوا محطة الإرسال السوفياتية ذات الموجة القصيرة في الطابق الثاني لأحد هذه المنازل، و اعتقلوا المدعو "ميخائيل ماكاروف" و "ريتا أرنولد" و" أنا فيرلندين" و وجدوا في مخبأ مجاور مجموعة وثائق مزيفة و حبر سري رفيع المستوى و محايات ..الخ،  و يبدوا أن العملاء السوفيات قبل إلقاء القبض عليهم استطاعوا حرق كتاب فك الشيفرة.

 

و من العجيب أن واحدا من أكبر العملاء السوفيات و يدعى (الرئيس المتشامخ) دخل إلى هذا المنزل في ساعة تفتيشه و أطلق سراحه، فخرج مسرعا و استطاع أن يحذر بقية العملاء السوفيات في بلجيكا.

و عند التحقيق مع المقبوض عليهم رفض "ماكاروف" أن يعترف و انتحرت "أنا فيرلندين" أما "ريتا أرنولد" فقد حاولت أن تنقذ حياتها بالموافقة على الإدلاء ببعض المعلومات التي قدمتها و أعطت أسماء بعض العملاء السوفيات كما عرضت على رجال الاستخبارات الألمان صورة للرئيس المتشامخ.

و نتيجة لهذه المعلومات التي قدمتها سمح لها بالعيش في أحد الفنادق بدل حبسها في أحد السجون النازية، و لكن بعد أشهر و بعد أن حصلوا على كل ما استطاعت أن تقدمه لهم من معلومات أعدموها.

 

و كانت "ريتا" أول عميلة روسية تعمل للألمان ضد السوفيات ثم تبعها آخرون على هذا الطريق غير أن ما قدمته من معلومات لم يكف للكشف عن تفاصيل جهاز التجسس السوفياتي فقد كان السوفيات يقسمون عملائهم إلى مجموعات كل مجموعة لا تعرف عن الأخرى شيئا و" ريتا" كانت تعرف ما هي واجباتها كعميلة و الرجال الذين تعمل معهم و بعض العناوين المتعلقة بعملها فحسب. و ظل رجال الاستخبارات الألمانية فيما عدا ما أفشت به "ريتا" لا يعرفون شيئا و ظلوا في الظلام.

 

بين الركام الذي وجده الألمان بالمنزل المشار إليه وجد رجال الاستخبارات العسكرية بعض قصاصات من الورق عليها بعض أرقام و حروف غامضة و اتضح منها أن المجموعة المقبوض عليها كانت تقوم بعمليات الشيفرة.

 

 

Voir les commentaires

كتاب جواسيس في مهام سرية /حكاية الاكستراالحمراء تابع2 2

 

 حكاية الاكستراالحمراء تابع

 

و لأكثر من 6 أسابيع ظل الخبراء الألمان من المتخصصين في فك الشيفرات الروسية يعملون ذهنهم في هذه الوريقات ولم يخرجوا من كل هذا الجهد إلا باسم واحد: "بروكتر" و كانوا قد استجوبوا "ريتا" قبل إعدامها مرة أخرى عن عناوين الكتب التي وجدت داخل الأدراج و فوق الأرفف فقالت بأن هذه الكتب قد اشتروها من إحدى المكتبات.

كان أحد هذه الكتب يحمل الاسم "بروكتر" و اتضح الخبراء أن في هذا الكتاب سر الشيفرة الروسية و قبل أن ينتهوا من فك طلاسمه في ربيع عام 1942 كان السوفيات قد غيروا الشيفرة القديمة و عاد الألمان مرة أخرى يبحثون عن مخرج جديد لفك طلاسم الرسائل السرية الجديدة.

 

كان السوفيات قد سدوا الثغرة التي أحدثها الألمان في جهاز تجسسهم بالغرب. فبعد هروب "تربر" و "سوكولوف" تولى الجهاز الجديد "قسطنطين يغريموف". و كان هذا الأخير ضابطا روسيا أشقر وسيم الطلعة يبدوا أصغر من سنه (28 عاما)، و كان مخلصا لبلاده متعلقا بوالديه و زوجته مهندسة القطارات الحديدية و كان أهم رفاقه في شبكة الجاسوسية المدعو "جوهان ونتزل" الملقب بـ "البروفيسور" و هو المسؤول عن جهاز الإرسال في هذه الوحدة و في المقابل تحركت الاستخبارات الألمانية بدورها لتبحث عن المقر الجديد.

 

و بعد بحث ألماني مضني، استطاع الألمان اكتشاف مقر "جوهان ونتزل" و ألقي القبض عليه في  30 جوان عام 1942 و رفض "ونتزل" التعاون مع الألمان، و لكن حين عرضوا عليه الملف الخاص بنشاطاته السابقة المعروفة لدى الاستخبارات الألمانية و خيروه بين التعاون أو الموت اختار التعاون، و أدلى بتصريحات شملت رؤساءه و زملاءه في المهنة كما كشف عن الشيفرة و تنظيم الجهاز السوفياتي للتجسس بكامله، و بما أنه كان عميلا روسيا لفترة طويلة و في منصب كبير فقد وجد الألمان في معلوماته فائدة لا تقدر بثمن و كشف "جوهان ونتزل" (البروفيسور) فيما كشف أسرار الشيفرة الجديدة المستخدمة و أصبحت مهمة الاستخبارات الألمانية و الجستابو و بفضل اعترافاته أكثر من سهلة.

 

و استطاع الألمان بأجهزة التصنت التقاط العديد من الرسائل السوفياتية الموجهة لعملائهم في الغرب و فك رموزها بما لديهم من مفاتيح للشيفرة الروسية أهداهم إياها باعترافه "البروفيسور الجاسوس".

و من الرسائل الموجهة استطاعت الاستخبارات أيضا اكتشاف وجود جهاز للجاسوسية في برلين العاصمة مما سهل فيما بعد اعتقال مجموعة كان يرأسها الملازم الأول "هاروشولتر" (بالقوات الجوية) و غيره.

و فتح اعتراف البروفيسور أبواب الفيضان ومن ذلك الحين وجهت الاستخبارات الغربية ضرباتها المتوالية إلى شبكة "الأوركسترا الحمراء" من برلين إلى باريس.

و مع اعتقال كل مجموعة يجد الألمان من يتعاون معهم خوفا أو طمعا و يقدم لهم أسماء جديدة. و من بين العملاء الذين وجهت إليهم الاتهامات خبير مجموعة بروكسل في تزييف الوثائق المدعو "إبراهام رايشمان" و لكن البوليس لم يستطع أن يثبت عليه أية تهمة.

و كان "إبراهام" قد جند أحد رجال البوليس في بروكسل و هو المفتش "مايثوا" ذو الأصل الألماني فكان يمده بما شاء من جوازات سفر موقعة و مختومة من البوليس.

 

و في جويلية 1942أحضر "رايشمان" إلى المفتش "مايثوا" صورة للعميل الروسي "قسطنطين يغريموف" رئيس جهاز شبكة التجسس الروسية في بلجيكا الذي كان في حاجة لجواز سفر بلجيكي. و في 30 من نفس الشهر ألقى القبض على "قسطنطين" و هو يتسلم جواز السفر المزيف من "مايثوا" و رفض قسطنطين الروسي التعاون مع رجال الاستخبارات و لكنهم حين عرفوا بحبه للوالدين و تعلقه بزوجته هددوه بأن يتصلوا بهم في روسيا عن طريق عملاء ألمان و يحدثونهم عن خيانته لرفيقه ونتزل "البروفيسور" و مع أنه لم يكن قد خان رفيقه إلا أنه تخوف من ذلك و بدأت مقاومته تضعف حتى تمكنوا منه و أصبح متعاونا من الدرجة الأولى.

 

و كان من بين الأسرار المهمة التي وردت في اعترافاته أن خليفته في رئاسة شبكة التجسس في بلجيكا سيكون العميل الروسي "أنتون دانيلوف" رفيقه الروسي الجنسية الذي تقرر سلفا أن يحل محله في حال القبض عليه.. و هكذا استطاعت الاستخبارات العسكرية الألمانية بمساعدة الجستابو الألماني القبض على أهم شبكات التجسس الروسية في الغرب و استخدام رجالها كمتعاونين ضد من أرسلوهم في البداية.

 

 

Voir les commentaires

<< < 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 > >>