Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

/الجزء الثاني / المخططات السرية الفرنسية لغزو الجزائر/خلفيات الصراع الجزائري أوروبي الأمريكي في البحر الأبيض المتوسط /30 دولة أوروبية تتبنت خطة القضاء على " دولة الجزائر

 

الجزء الثاني

روح المقاومة عقيدة جزائرية مند الآلاف السنين   

المخططات السرية  الفرنسية  لغزو الجزائر

عام  1571 ،عام 1664 ، عام 1802،عام 1808،عام1809   

خلفيات الصراع الجزائري أوروبي الأمريكي في البحر الأبيض المتوسط

30 دولة أوروبية  تتبنت  خطة   القضاء على " دولة الجزائر

مشاة الموت و الطوابير الجهنمية وراء إبادة ملايين الجزائريين

 المؤرخ الفرنسي جاك جوركي ّ ان فرنسا أبادت 10 مليون جزائريّ

مخابرات الثورة اخترقت حكومة ديغول وجندت وزارء ه

 اول بازوكا جزائرية صنعت في معاقل الثورة

جنرال في الحلف الأطلسي عميل جنده بوصوف  لصالح الثورة

عبد الحفيظ  جمع 8 مليارات  فرنك لصالح الثورة

عبد الحفيظ بوصوف هواري بومدين رشيد كازا عبد العزيز بوتفليقة

في مهام مستحيلة ضد أجهزة مخابرات الاستعمار

عبد الحفيظ بوصوف   قال عن بوتفليقة   "هدا الشاب سيكون له شان عظيم"

 

7360مليار فرنك فرنسي  خسائر الاستعمار الفرنسي الأوروبي في الجزائر

بين 1954 و1962

36 عقيد جزائري في مواجهة 60 جنرال و700 عقيد فرنسي

الثورة الجزائرية  أسقطت ثماني  حكومات فرنسية   

 

القنصل الفرنسي دوفال تحصل على رشاوي من اليهودي بكري

 فرنسا أمرت   دوفال بافتعال حادث يكون مبررا لإعلان حملة   على الجزائر

 

لم تعرف علاقة الجزائر بفرنسا يوما بالهدوء و الاستقرار، و إن حصل بينهما يوما ما اتفاق فانه كان مجرد تغطية لأوضاع معينة، ففرنسا لم ترغب يوما بصداقة الجزائر و لم تشعر الجزائر يوما بالثقة فيما تفعله فرنسا تجاهها. لذلك منذ إنشاء حصن القالة و بداية العلاقات التجارية بينهما و أسباب الخلاف تتزايد و فرص ضرب فرنسا للجزائر تتأتى لها من حين لأخر.

  قصة ديون اليهوديين بكري وبوشناق ،كانت آخر موضوع خلاف دار بين البلدين و آخر سبب اتخذته فرنسا للقيام بآخر حملة على الجزائر لكنها دون كل الحملات السابقة كانت  ناجحة أكثر مما توقعه الجزائريون.

بعد أن حددت فرنسا حجم الديون بـ 7 ملايين من الفرنكات ،  تماطلت هده الاخيرة في التسديد  ، و بما أن باكري كان مدينا لخزينة الجزائر بمبالغ هامة هي  قيمة كميات من الصوف كان قد اشتراها من الدولة ،فانه كان يعتمد على التصفية لدفع هذه الدين و غيره من الديون التي ترتبت عليه في فرنسا،  عندما  تقدم عدد كبير من دائني باكري إلى الخزينة معترضين على الدفع  ، تعقدت التصفية نتيجة لهذه الاعتراضات، و لما رأي اليهوديين أن تسوية القضية ما تزال بعيدة شرعوا في مفاوضات  ، فوقعوا سندات بمائة ألف فرنك و تنازلوا عنها بعشرين ألف،  حيث  تقرب باكري من القنصل دوفال و وعده بمبلغ كبير إن هو عمل على إنهاء القضية في باريس و قد حصل نفس الأمر مع تاليران الذي تدخل في القضية و حمل الحكومة الفرنسية على تسديد الديون ،لكن فرنسا دفعتها إلى عائلة بوشناق و بوخريص دون دفع شيء للخزينة الجزائرية، و أبقت جزءا من المال تحت الرهن في حالة ما إن كان هناك أشخاص أو شركات لهم دين على اليهوديين.

و قد اتضح للداي ان خيط  المؤامرة في الجزائر هو القنصل دوفال و رأسها في فرنسا تاليران، و أدرك أن الاتصال بالحكومة الفرنسية عن طريق قنصلها لن يفيد ما دام طرفا في الخديعة،  لذلك طلب من الحكومة الفرنسية  سحب قنصلها و توجيه اليهوديين بفرنسا إلى الجزائر .

و قد صادف دلك أن كانت أحسن السفن الحربية الجزائرية في المشرق حيث ذهبت لنجدة القسطنطينية، فأرادت الحكومة فرنسية أن تستغل الوضع ، لتنفذ خطتها لاحتلال الجزائر ،فأرسلت قنصلها دوفال و طلبت منه أن يستغل كل فرصة ممكنة لاستفزاز الداي و افتعال حادث يكون مبررا لإعلان حملة جديدة على الجزائر .

 في هدا الشان  جرت العادة أن قوم قناصل الدول الأوروبية المعتمدين لدى الجزائر، بزيارة إكرام إلى الداي بمناسبة اليوم الأول من البيرم (كلمة تركية تعني عيد الفطر) و كان القنصل الانجليزي و الفرنسي يتنافسان الصدارة في هذه المناسبات ،و لتجنب أي نقاش قرر الداي أن يستقبل الواحد عشية الاحتفال و الأخر في يوم العيد نفسه، و على هذا الأساس جاء السيد دوفال ليؤدي زيارته بحضور جميع أعضاء الديوان ، الدي لم  يكن   يجيد التركية و بعد الحفل سال الداي القنصل، لماذا لم تجبه حكومته عن برقياته العديدة الخاصة بمطلب باكري ،فكان جواب دوفال في مستوى الوقاحة إذ قال "أن حكومتي لا تتنازل بإجابة رجل مثلكم" و لان هذه الكلمات قد قيلت أمام ديوان الباشا فأنها مست كرامته لدرجة انه لم يتمالك نفسه من الغضب و ضربه بالمروحة (مصنوعة من سعف النخيل)، و قد استفاد القنصل من هذا الظرف لتغطية سلوكه و إخفاء عباراته الوقحة و قام بعرض القضية بكيفية مخالفة لما حدث متسببا في المشاكل بين الجزائر و فرنسا ، و كانت فرنسا قد احتملت قبل ذلك إهانات اكبر من هذه الإهانة ،  إلا أن  هذه مرة  كانت مهتمة  باستغلال الحادثة لمصلحتها  ،حيث  كتب القنصل الفرنسي في تلك الليلة تقريره إلى حكومته ،  طالبا منها اتخاذ الوسائل اللازمة للمحافظة على كرامة فرنسا   فأسرع وزير الخارجية الفرنسي بقراءة تقرير دوفال  على مجلس الوزراء و طلب بإجبار الداي على الاعتذار ولو تطلب الأمر استخدام القوة  ، فقرر مجلس الوزراء إرسال الأسطول الفرنسي للمطالبة بذلك .

في الحادي عشر من جوان من عام 1827  وصل الأسطول الفرنسي برئاسة الكومندان "كولي" الى الساحل الجزائري ،حيث  وجه إلى الداي  إنذارا بعد وصوله بأربعة أيام عن طريق قنصل سردينيا يطالبه فيه بتوجيه وفد يتكون من وكيل الخرج وزير البحرية و الشؤون الخارجية و القائد العام للبحرية و قائد الميناء صحبة أربعة فوجات من قصر الداي ، على أن يتوجه الداي إلى الباخرة الفرنسية و يقدم وكيل الخرج علانية باسم الداي اعتذاراته إلى القنصل العام، ثم يرفع العلم الفرنسي فوق حصون مدينة الجزائر، و توجه له تحية بمائة طلقة مدفعية جزائرية ،و إذا لم يستحب الداي في ظرف 24 ساعة تبدأ الحرب ضد الجزائر ، بعد  رفض الداي لكل طلبات قائد الاسطول الفرنسي أعلنت فرنسا  الحرب  على الجزائر في 16 جوان 1827م، في ظل غياب أسطولها وفرضت  حصارا  دام   ثلاث سنوات من 16  جوان  1827م إلى 13  جوان  1830م   

 

مشاة الموت و الطوابير الجهنمية وراء إبادة الجزائريين

فرنسا تبنت سياسة إبادة الهنود الحمر في الجزائر

أذان الجزائريين تقطع   مقابل 10 فرك فرنسي

 

اعتمد الجيش الفرنسي و قادته إستراتجية الحرب الشاملة في تعاملهم مع الشعب الجزائري ، بهدف       الإسراع في القضاء على مقاومة المستميتة التي أظهرتها مختلف فئات الشعب،و قد ازداد إصرار القادة الفرنسيون و تجذر في الوجدان الفرنسي مدني كان أو عسكري ،على انتهاج كل أنواع القهر و الإبادة و التدمير دون مراعاة أي وازع إنساني أو ديني أو حتى حضاري ، حتى أضحت يوميات و تقارير الفرنسيين لا تخلو دون سرد المذابح و الجرائم الفظيعة و الافتخار بها.

كما بقيت معالم الحرب الشاملة التي خاضتها الإدارة الاستعمارية الفرنسية ضد الشعب الجزائري ماثلة بكل أوجهها، من إبادة للجنس البشري و طمس معالم المجتمع الجزائري العربية و الإسلامية ،و هدم مؤسساته الدينية و الثقافية، و شن الحملات العسكرية دون هوادة ضد القبائل الرافضة للاستيطان، و ما ترتب عنها من أعمال تعسفية كالنفي و الإبعاد و التهجير و الحبس .و قد كان قادة و حكام فرنسا من عسكريين و مدنيين الذين تولوا تسيير شؤون الجزائر الأداة الفاعلة في تنفيذ هذه السياسة الوحشية ، مكرسين كل طاقتهم من أجل تثبيت الاحتلال و ترسخ دعائمه .حيث يعترف أحد القادة العسكريين الفرنسيين في واحد من تقاريره، قائلا  "أننا دمرنا تدميرا كاملا جميع القرى و الأشجار و الحقول و الخسائر التي ألحقها فرقتنا بأولئك السكان لا تقدر ،إذا تساءل البعض ، هل كان عملنا خيرا أو شرا ؟ فإني أجيبهم بأن هذه هي الطريقة الوحيدة لإخضاع السكان و حملهم على الرحيل..." وقد فسر الجنرال بيجو عدم احترام الجيش الفرنسي للقواعد الإنسانية في تعامله مع الجزائريين إلى أن  احترام هذه القواعد يؤخر عملية احتلال الجزائر ،وهو   اعتراف صريح على ممارسة الجيش الفرنسي لأسلوب الإبادة و التدمير و النهب و التهجير تجاه الجزائريين .

  أن  العقلية العسكرية للجيش الفرنسي قد غلبت عليها النزعة العدوانية الوحشية، إلى درجة أن القائد السفاح مونتانيك  أطلقها على جنوده صفة  شبه الرسمية  ،و هي مشاة الموت كما ان  كبار الضباط و المؤرخين كانوا يطلقون على طوابير التخريب التي سلطها بيجو على الجزائر، تسمية شبه رسمية وهي الطوابير الجهنمية .

 التي افخر بجرائمها   سانت أرنو في رسائله ، بأنه محا من الوجود عدة قرى ، و أقام في طريقه جبالا من جثث القتلى  ، و لما لام البرلمان الفرنسي الجنرال بيجو ، عن الجرائم التي مارسها ضباطه و جنوده على الجزائر ، رد على وزير حربيته قائلا   " و أنا أرى بأن مراعاة القواعد الإنسانية تجعل الحرب في إفريقيا تمتد إلى ما لا نهاية " .

كانت البداية بمذبحة البليدة على عهد الجنرال كلوزيل ، ثم مذبحة العوفية  في  عهد الدوق دي ريفيقو ، التي كشفت طبيعة الإبادة الجماعية ، كأسلوب لسياسة فرنسا في الجزائر  ،و تلتها مذابح كان أشهرها مذبحة غار الفراشيش على يد العقيد بليسييه ، ناهيك عما اقترفه المجرم كافينياك في حق قبائل الشلف ،  الذي  طبق طريقة تشبه الإعدام عن طريق الاختناق ، فكانت مجزرة قبائل السبيعة ، ولم تنحصر عملية إبادة العنصر البشري على منطقة محددة في الجزائر ، بل أصبحت هواية كل قائد عسكري فرنسي ، أو كلت له  مهمة بسط نفوذ فرنسا و رسالتها الحضارية  حسب ادعائتهم  .

   إن أساليب الاستعمار الفرنسي الوحشية التي كان يمارسها على الجزائريين لم تتغير ولم تنقص مثقال ذرة،    طيلة سنوات الاحتلال   حتى أصبح يشك في وجود شيء اسمه الإنسانية. فقد سجل التاريخ صفحات مخزية من انحطاط خلقي وأدبي وإنساني كتبت بأقلام قادة وجلادى الاستعمار الفرنسي 

 في هدا الشان  كتب ضابط يدعى "بان"  واصفا مذبحة اقرفت ضد ابناء الجزائر  "أنها مذبحة فظيعة اختلطت فيها الجثث بالحجارة والحيوانات وبيوت الشعر والتراب، وقد تبين من تقرير دقيق قمنا به بعد الانتهاء من العملية أننا قتلنا 2300 شخصا بين النسوة والأطفال، وكان جنودنا يهجمون على المنازل ويذبحون فيها كل مخلوق يعثرون عليه أمامهم   . "  

الجزائريون اعتبروا من الجنس المنحط  حسب جول فيرى  الدي قال " ان المعمرين يعتبرون الأهالي من جنس بشري  منحط ،لا يصلح إلا للاعتقال والأعمال الشاقة بدون مقابل، ولا يستحقون إلا القهر والإذلال     

 لقد  ارتكبت فرنسا   مئات المجازر  الجماعية،  من تقتيل الفردي والعشوائي،  حيث  استعانت  بعدة وسائل وقوانين عقابية تتعارض مع القوانين الدولية وحتى الفرنسية، أطلقت عليها   اسم القوانين الخاصة ،  كما أطلق احد الجنرالات الفرنسيين المسمى " Bugeaud" سياسة الأرض المحروقة وحرب الإبادة  على مشروع همجي لإنهاء الوجود الجزائري بكل الطرق  .

 إلى جانب عمليات الاستيطان واغتصاب الأراضي الصالحة للزراعة شنت قوات الاستعمار الفرنسي حرب إبادة منظمة  بتوجيه من قادة الجيش،  وهو ما يعترف به احد  الفرنسيين المشاركين  في إحدى عمليات الإبادة  "...أن مسالة العرب قبرت نهائيا، ولم يبقى لهم سوى الموت أو الهجرة أو قبول الخدمة عند أسيادهم، هل يستيقظون قبل أن تطلق عليهم رصاصة الرحمة؛؟ أتمنى ذلك..." ،  احد القادة الفرنسيين  يعترف كذلك  "... وقد تتخذ الإجراءات الصارمة للإطاحة بالقبيلة المنوي تدميرها بقوات كبيرة، بحيث يكون الهرب مستحيلا لأي مخلوق، والسكان الآمنون لايدركون الخطر المحدق بهم، إلا عندما يسمعون قرع الطبول التي تضرب نغمة مؤذية للسمع وبعد ذلك تحدث المفاجأة  ، التي لايوجد لها مثيلا إلا فيما نعرفه من قصص إبادة الهنود الحمر." 

و يعترف الكونت ديريسون هو الأخر في كتابه" مطاردة الإنسان"   فيقول " إننا والحق يقال أتينا ببرميل مملوء   أذانا غممناها أزواجا من الأسرى..." ، حيث  يؤكد ديريسون أنه في أيام الاحتلال بلاد القبائل سنة 1857 كان قادة الاحتلال الفرنسي يشجعون الجنود ويعطوهم عشر فرنكات عن كل زوج من أذان الأهالي التي يحضرونها ...!  ويضيف  ديريسون في اعترافاته   " ...اقترفنا جرائم يذوب لوحشيتها الصخر، وكثيرا ما حكمنا بالإعدام... ونفذنا ذلك رميا بالرصاص" ،في نفس الاطار   يقول العقيد  فوري  " انطلقت من مليانة سبعة طوابير بهدف  التخريب، واختطاف اكبر عدد ممكن من قطعان الغنم، وعلى الأخص النساء   والأطفال، لان الوالي العام ( الجنرال بيجو) كان يريد إرسالهم إلى فرنسا  ،   واختطفنا في هذه الحملة ما يزيد على ثلاثة  ألاف من رؤوس الغنم، وأشعلنا النار في مايزيد على عشرة من القرى الكبرى وقطنا واحرقنا أكثر من عشرة ألاف من أشجار الزيتون التين وغيرها.. "

ويتحدث الرائد " ويستي " عن إحدى حملاته فيقول هو كدلك " إن الدواوير التي أحرقت والمحاصيل الزراعية التي أتلفت، لا تكاد تصدق، فلم يكن يرى من الجانبين من الطابور سوى النيران." ويقول   ديفو   في مذكراته  عن قرية بني راشد  " بعد العشاء كانت جميع المنازل قد التهبت بالحطب الذي بنيت به، وكانت السنة اللهب تتصاعد، فكم  كانت هذه العملية جريئة من طرف جيوشنا، فرغم الجرائم لا أنسى قساوة حياة  هؤلاء المساكين في فصل الخريف القريب، كم امرأة وطفل هلكوا .."

  لم تكن عمليات الإبادة والتخريب قاصرة على المناطق الشمالية، بل امتدت   إلى المناطق الجنوبية والى واحات الصحراء، مثل ما حدث في واحة الزعاطشة سنة 1849   التى قال فيها  العقيد " بان " يكرر نفس المشهد في مدينة الاغواط سنة1852  " لقد كانت مذبحة شنيعة حقا، كانت المساكن والخيام التي في ساحة المدينة والشوارع والأزقة، والميادين، كانت كلها تغص بالجثث ، إن الإحصائيات التي أقيمت بعد الاستيلاء على المدينة وحسب معلومات استقيناها من مصادر موثوقة، أكدت أن عدد القتلى من النساء والأطفال 2300 

قتيل، أما عدد الجرحى فلا يكاد يذكر لسبب بسيط ،هو أن جنودنا كانوا يهجمون على المنازل ويقتلون كل من وجدوه بلا شفقة ولا رحمة.".

   لقد تعددت جرائم الإبادة في  مرحلة  الممتدة بين عام 1830 الى عام 1870،بهدف خنق المقاومة التى كان يخوضها الشعب الجزائري ضد الوجود الاحتلال الفرنسي لبلادهم ، كإبادة سكان البليدة  يوم 26  نوفمبر 1830 التى وقعت على اثر الهجوم  نظمه المقاومون ضد الحامية الفرنسية بالمدينة، وبعد انسحاب المقاومون قامت القوات الفرنسية بالانتقام من السكان العزل،  حيث  أقدم الضابط   ترو لير  على   إصدار  أمر إلى وحداته العسكرية بمحاصرة بلدة البليدة وتقتيل  جميع سكانها البالغ عددهم قرابة الألفين مواطن، وفي بضع ساعات تحولت المدينة إلى مقبرة حقيقية  امتزج التراب بالدم حتى أصبح لون الأرض احمرا لشدة

القتل الذي لم يرحم لا طفلا ولا شيخا و لا عجوزا ولا امرأة  ،  قبيلة العوفية بوادي الحراش تعرضت هي الاخرى يوم 05 افريل 1832  الى عملية ابادة  ومصادرة ممتلكاتها  بسبب  اعتقاد القوات الفرنسية ان هده القبيلة قامت بسب مبعوثي  فرحات بن السعيد احد عملاء فرنسا بمنطقة الزيبان، بالرغم من أن التحقيق قد أوضح انه ليس لقبيلة العوفية أي مسؤولية في ذلك ، حيث  أقدم الجنرال دوروفيقو   الذي يعرف بسياسة العنصرية اتجاه الجزائريين، بإعطاء أمر بمحاصرة قبيلة العوفية المتمركزة في المنطقة الجنوبية من وادي الحراش  ، وبعد  إلقاء القبض على شيخها "الربيعية" وإعدامه دون محاكمة ،  قتل جميع  أفرادها في مذبحة رهيبة والناس نيام، وعند عودتهم من هذا العمل المخجل  حمل الجنون الفرنسيين القتلى على أسنة رماحهم .  وبيعت كل أرزاقهم لقنصل الدانمرك، وباقي الغنيمة عرضت في سوق باب عزون، وكان يظهر في هذا المنظر الفظيع أساور النساء في معاصم مبتورة، وأقراط أذان لاصقة و أشلاء اللحم متدلية منها، ثم وزع ثمن هذا البيع على ذابحي أصحابها، وفي مساء ذلك اليوم أمرت السلطات السكان بإضاءة محلاتهم احتفالا بذلك.

 لعنة أرواح افراد قبيلة العوفية  التي زهقت باطلا، ظلت تراود الدوق روفيقو في نومه ويقضته حتى أصيب بهستيريا رهيبة، فقد على إثرها عقله وجن.

 إبادة قبيلة بني صبيح  خلال عام 1844 هي الاخرى يعترف بشأنها  الجنرال كافينياك  فيقول " لقد تولى الأجناد   "الجنود" جمع كميات كبيرة من الحطب، ثم كدسوها عند مدخل المغارة التي حملنا قبيلة بني صبيح على اللجوء إليها بكل ما تملك من متاع وحيوانات، وفي المساء أضرمت النار وأخذت جميع الاحتياطات حتى لا يتمكن أيا كان من الخروج حيا .."أما الناجون من فرن كافينياك الذين كانوا خارج أراضي القبيلة، فقد تولى  العقيد كانروبار  جمعهم بعد حوالي عام من حرق أهاليهم، ثم قادهم إلى المغارة ثانية وأمر  بغلق  جميع مخارجها ليجعل منها على حد تعبيره " مقبرة واسعة لإيواء أولئك المتزمتين  ولم ينزل احد تلك المغارة، ولا يعرف احد غيري أنها تضم تحت ركامها خمسمائة من الأشرار الذين لن يقوموا بعد ذلك بذبح الفرنسيين" وفي تعليقه على هذه الجريمة قال السيد برار " لقد ظلت تلك المغارة مغلقة وبداخلها جثث رجال ونساء وأطفال وقطعان تتآكل أو يأكلها التراب" ، جرائم الإبادة المنظمة التامة الأركان تعرضت لها كذلك قبيلة أولاد رياح    خلال  جانفي من عام  1845 كان مهندسها  القائد الفرنسي  بيليسيه  ،بعد وقوع  معركة كبيرة  بناحية الظهرة  والتى تعرف عند الفرنسيين بانتفاضة الطرق الصوفية، شاركت فيها على الخصوص القادرية والرحمانية والدرقاوية والطيبية وفروعها، وكانت قبيلة أولاد رياح التي شاركت في الانتفاضة تقطن جنوب تنس فغزاها بيليسيه ، بحجة المشاركة في هده انتفاضة  حيث تعرض أفرادها الى عمليات الحرق العشوائي وبعد فرار ما تبقى من السكان إلى الجبال واحتموا بغار   يطلق عليه اسم غار الفراشيش ، وعددهم أكثر من 1000  شخص رجالا ونساءا وأطفالا وشيوخا مع حيواناتهم، حاصرهم بيليسيه وجنوده من جميع الجهات، وطالب القبيلة بالاستسلام فردت عليه بإطلاق النار، فأعطى الأوامر لجنوده بتكديس الحطب أمام مدخل المغارة، وإشعاله فهلك كل أفراد القبيلة  حيث استمرت هذه العملية يومين كاملين من 17  الى  18 جوان من عام 1845 ، وقبل طلوع نهار اليوم الثاني بنحو ساعة وقع انفجار كبير داخل المغارة فقضى على من تبقى على قيد الحياة، ونظرا لكون السلطات الفرنسية أعجبت بهذا العمل ،قامت بمكافأة الجنرال بيجو الحاكم العام حيث منحت له "عصا المارشالية " أو ما يسمى بقاهر الجزائريين  . 

بدافع الانتقام من الانتصارات التي حققتها مقاومة الشيخ بوزيان ببسكرة، أرسلت السلطات الفرنسية و العقيد  كاريوكسي بتاريخ 26 نوفمبر 1849 ،جيشا قوامه 19 ألف جندي بقيادة الجنرال هيربيون  الدي  حاصر  كل المحيط الخاص بقبيلة زعاطشة  ،حيث  ستخدمت المدفعية لضرب الواحة وتدميرها، وكلل هذا القصف بدخول الفرنسيين إلى الواحة   وبدءوا في تنفيذ أحكام الإعدام في حق أكثر من 1500 شخص  و على رأسها الشيخ بوزيان  الدي علق  رأسه على مقصلة أمر بنصبها الجنرال هيربيون  على باب معسكره، رفقة رأس ابنه ورأس الحاج موسى الدرقاوي نكاية وعبرة للثائرين ،  وقام هدا الجنرال  بحرق أشجار النخيل   هذه النماذج المقدمة هي مجرد عينة من أنواع القهر والعذاب الذي ذاقه الشعب الجزائري على ايدي الاستعمار .

 فجرائم الإبادة التي رسمتها أنامل الجنود الفرنسيين في حق الجزائريين لم تتوقف عند هذا الحد ،فبداية من سنوات الخمسينات من القرن التاسع عشر  اقترف سفاحون آخرون  جرائم إبادة اخرى من أمثال ديمونتنياك الذي اشتهر كقاطع للرؤوس، الدي سجل في كتابه رسائل جندي   " أننا رابطنا في وسط البلاد وهمنا الوحيد الإحراق والقتل والتدمير والتخريب حتى تركنا البلاد قاعا صفصفا، إن بعض القبائل لازالت تقاومنا لكننا نطاردها من كل جانب حتى تصبح النساء والأطفال بين سبي وذبيح والغنائم بين سلب ونهب ."  وفي رسالة بعث بها إلى احد أصدقائه  قال هدا السفاح  " لا يمكن تصور الرعب الذي ، يستولي على العرب حيث يرون قطع رأس بمسيحية، فاني أدركت ذلك منذ زمن بعيد ،واقسم لك بأنه لا يفلت احد من أظفاري حتى ينال من بز رأسه مايناله... وقد أنذرت بنفسي جميع الجنود الذين أتشرف بقيادتهم أنهم لو أتوا بعربي حي لأنهلت عليهم ضربا بعرض نصل سيفي. وأما قطع الرؤوس فهي تكون على مرأى ومسمع جميع الناس ويضيف هذا السفاح قائلا:"ينبغي أن نقتل كل الرجال والأطفال وان نضعهم في السفن ونبعث بهم إلى جزر المركيز أو غيرها،وبكلمة مختصرة، ينبغي أن نقضي على كل من لايركع أمامنا كالكلب ".

 

وديمونتنياك هذا هو القائل في إحدى رسائله  " قد اقطع الرؤوس لطرد الخواطر المحزنة التي تساورني احيانا...!!!".

 هذه الظواهر اللاانسانية هي ميزة تميز بها معظم جنرالات فرنسا الاستعمارية   حيث لم يشذ الجنرال سانت أرنو  عن هذه الظاهرة   " ان ناحية بني مناصر بديعة وهي من أغنى نواحي افريقيا، ترى فيها القرى والمساكن متقاربة بعضها لبعض، احرقنا كل شيء فيها وحطمنا كل شيء ،الحرب وما أدراك ما الحرب!، ما أكثر عدد النساء والأطفال الذين اعتصموا بثلوج الأطلس فماتوا فيها بردا وجوعا"... " إننا نحطم ونحرق، ونخرب الديار والأشجار أما المعارك فإنها لاتوجد أو قلما توجد"، وعن حملته التي قادها على منطقة القبائل  خلال 1851 يقول سانت أرنو " تركت  ورائي حريقا هائلا، أحرقت نحو مائتين من القرى، أتلفت جميع البساتين وقطعت جميع أشجار الزيتون ". 

 جرائم الاستعمار الفرنسي في   القرن التاسع عشر لا تزال مجرد قطرات من بحر الدماء الذي اغرق فيه الجزائريون بلا رحمة ولا شفقة، هذه الجرائم الابادية لم تتوقف عند هذا الحد، وفي هذا القرن بل أخذت مناحي أخرى وأشكالا أكثر جهنمية في القرن العشرين.

 

الجرائم الشنيعة كثيرة  لا تعد ولا تحصى  ارتكبها الاستعمار الفرنسي في الجزائر، مسلسل الجرائم الفرنسية  كان أبطاله امثال الجنرال بيجو مهندس الابادة ، الذي منذ أن حلّ بالجزائر سنة1841، تبنى سياسة الحرب الشاملة ضد الشعب الجزائري،  معتمدا على  إستراتيجية أساسية  و هي حرب الإبادة،  التى كانت في نظره كفيلة بالقضاء على مقاومة الشعب الجزائري وإضعاف قدراته القتالية والنضالية. الجنرال  سانت أرنو ، وهو أحد معاوني الجنرال   بيجو قال  في مذكراته «لقد كانت حملتنا في الجزائر حملة  تدميرية أكثر منها عملاً عسكريا، ونحن اليوم وسط جبال مليانة لا نطلق إلا قليلا من الرصاص، وإنما نمضي وقتنا في حرق جميع القرى والأكواخ، وإن العدو يفر أمامنا سائقا أمامه قطعان غنمه»

 في نفس السياق  قال جيرار  وزير الحرب الفرنسي إنه «لا بد من إبادة جميع السكان العرب، إن المجازر والحرائق وتخريب الفلاحة هي في تقديري الوسائل الوحيدة لتركيز هيمنتنا» ، وأما الجنرال  يجو ، فقال أمام البرلمان الفرنسي «أينما وُجدت المياه الصالحة والأرض الخصبة، يجب إقامة المعمرين بدون استفسار من أصحاب الأراضي هذه».  وقد  أكد المؤرخ فرنسي جاك جوركي  على خلاف جميع المؤرخين الفرنسيين  أن «الفرنسيين قتلوا منذ الاحتلال مرورا بالثورات والانتفاضات التي قام بها الوطنيون الجزائريون إلى غاية الاستقلال عشرة ملايين  جزائري  ّ.

اعترافات هؤلاء المجرمين تؤكد ان الشعب الجزائري عاش وسط حرب ابادة جماعية منظمة تبنتها فرنسا مند عام 1830 والى غاية عام 1962   

 

فرنسة الاستعمارية سرقت 50 مليون جنيه إسترليني ذهبا

 من خزينة الدولة الجزائرية

إبادة 2،3 مليون جزائري بين عام 1830 وعام 1861

 

ارتكبت فرنسا على مدار سنوات احتلالها للجزائر الكثير من الجرائم ضدّ الجزائريين،  حيث ظلّ هذا الملف في عداد المسكوت عنه، إلى غاية تسريب وثائق تاريخية كشفت كثير من فظائع  هدا الاْحتلال ،منها  استحوذ الفرنسيون على أموال ضخمة من  خزينة الجزائر،  في هدا الشأن تقول  وثائقهم بأن الخزينة التي كانت تقع في القصب كانت تحتوي على حوالي 2.400.000 جنيه استرليني ذهبا، ولكن حسب ما ذكره  المؤرخين فأن الداي علي خوجة قد استعمل سنة 1817، 50 بغلا   لمدة خمسة عشر ليلة لنقل محتوى الخزانة  عندما   نقل  

 مقر الحكومة   إلى القصبة   والتى كانت  تحتوى على  على أكثر  من 50 مليون جنيه إسترليني .

 وقد ابتكرت فرنسا الاستعمارية وسائل جديدة لقهر الجزائريين، فقامت بجمعهم   في محتشدات الأسلاك الشائكة،  و تركتهم في الصحراء  يعانون الموت البطيء في العراء، كما شكلت   فرقة خاصة مهمتها اغتصاب النساء وقتل الأطفال؛ لإرهاب أي قرية يشتبه في تمردها ضد فرنسا .   

 بين عامي1830 و1861 قامت قوات الاحتلال الفرنسي بابادة 2.267.000 جزائري   ،هده الإبادة كانت نتيجة المقاومة الشعبية التي خاضها الجزائريون ،فمنذ أن احتلت  فرنسا الجزائر  لم تمر سنة واحدة من دون مقاومة شعبية الى غاية  عام 1919 .  في المقابل فقد تضاعف عدد المغتصبين  من الفرنسيين و أجناس أخرى من الأوروبيين ثماني  مرات   حيث   وصل عدد المستوطنين  الأوروبيين سنة 1847 الى  109000 نسمة ارتفع هدا العدد  إلى 829000 نسمة سنة 1921 . كما عملت فرنسا على توطين الفرنسيين في الأراضي الجزائرية ليكونوا عيونًا لها في الأراضي المحتلة، فأعطتهم أفضل الأراضي وأكثرها خصوبة؛ ليشعروا بأهمية ما قُدِّم لهم فيكونوا مخلصين لحكومتهم، 

  وقد تزامنت هده الهجرة مع الإبادة المبرمجة عن طريق التجهيز و التفقير و حشد السكان في الأراضي القاحلة و الصحاري و سفوح الجبال و المساعدة على نشر الأوبئة بين السكان  مثل الطاعون و الكوليرا و التيفوييد ، و نفي الآلاف منهم إلى المستعمرات الفرنسية ككاليدونيا لجديدة و غيرها  . وقد جاء في تقرير رسمي رفعته لجنة التحقيق الفرنسية إلى الملك شارل العاشر سنة 1833م، ما نصه: "كيف يجوز لنا أن نشكو من مقاومة الجزائريين للاحتلال، في وقتٍ قامت فيه فرنسا بتهديم المساجد، وإلغاء القضاء الشرعي، والاستيلاء على أموال الأوقاف، وتعيين الإمام والمفتي الموالين للإدارة الفرنسية؟! لقد أهدرت السلطات الفرنسية حقوق الشعب، وداست مقدساته، وسلبت حرياته، واعتدت على الملكية الفردية، ودنَّس جنودها المساجد، ونبشوا القبور، وأعدموا شيوخًا من الصالحين؛ لأنهم تجرءوا على الشفاعة لمواطنيهم! " .    

بالتزامن مع سياسة الابادة والتهجير التى تعرض لها الشعب الجزائري من طرف السقاحي  فرنسة الاستعمارية  تبني    قائد الغزو الفرنسي  روفيجور    مخطط  تحويل المساجد الى كنائس  بقوله " يلزمني أجمل مسجد في المدينة لاجعل منه معبدًا للمسيح "،  فاختار مسجد القشاوة وأمر على الفور بتحويله إلى كنيسة    فتقدمت إحدى فرق الجيش الفرنسي وهاجمت على المسجد بالفئوس والبلط،  و بداخله  4000   مسلمٍ  جزائري  الدين اعتصموا جميعًا خلف الأبواب دفاعًا عن بين الله ،  لتهجم عليهم  القوة العسكرية  بالسكاكين   والحراب ،   وقد استمرت هذه المعركة طوال الليل  ،والتى ادت الى قتل كل المصليين  ولما انتهى الجنود من اغتصاب هذا المسجد، تحولوا إلى مسجد  القصبة الغني بالذكريات عن الإسلام، ففعلوا به ما فعلوه  بمسجد القشاوة..!! ثم اصطف الضباط، والجنود بعد ذلك لإقامة قداس ابتهاجًا بهذا الفوز العظيم!! .

 كما  تعرضت المؤسسات الثقافية و الدينية إلى الهدم و التخريب و التدمير  ، حيث تم  تركيز على المؤسسات الدينية ، وعلى رأسها المساجد و الجوامع و المدارس و الزوايا ، لما لهذه المؤسسات  من دور في الحفاظ على مقومات الشعب الجزائري و إنتماءه الحضاري العربي الإسلامي .و كان من نتائج سياسة ، تدهور الثقافة و المستوى التعليمي في المجتمع الجزائري . حيث كانت مدينة الجزائر تضم   لو حدها 176 مسجدا قبل الاحتلال الفرنسي لينخفض هذا العدد سنة 1899  إلى خمسة فقط ،و أهم المساجد التي عبث بها الاحتلال  ، جامع القصبة الذي  تحول إلى كنيسة الصليب المقدس،و جامع علي بتشين الذي تحول إلى كنسية سيدة النصر  .

و كان الحال نفسه في باقي المدن الجزائرية، كما  تعرضت الزوايا إلى نفس أعمال الهدم و البيع و التحويل ،  حيث لقيت نفس مصير المساجد و الجوامع  ، فقد تعرضت 349 زاوية إلى الهدم و الاستيلاء  ، ومن أشهر الزوايا التي إندثرت من جراء هذه السياسة زاوية القشاش و الصباغين و المقياسين و الشابرلية. 

  و  لخص أحد جنرالات فرنسا في تقريره إلى نابليون الثالث إصرار الإدارة الفرنسية على محاربة المؤسسات الثقافية الجزائرية   قائلا:" يجب علينا أن نضع العراقيل أمام المدارس الإسلامية ...كلما استطعنا إلى ذلك سبيلا ... و بعبارة أخرى يجب أن يكون هدفنا هو تحطيم الشعب الجزائري ماديا و معنويا".

واتبع الفرنسيون سياسة تبشيرية لتنصير المسلمين خاصة في منطقة القبائل، فتعرض رجال الإصلاح وشيوخ الزوايا للتضييق والمراقبة والنفي والقمع، وفتحت كثير من المدارس التبشيرية وبنيت الكنائس ووجه نشاطها للأعمال الخيرية والخدمات الاجتماعية لربطها بواقع السكان هناك، وقام الرهبان والقساوسة بالتدريس في الكثير من المدارس. وحسب الإحصائيات الفرنسية بالجزائر فإن منطقة القبائل كان بها مدرسة لكل 2100 طفل، في حين كانت هناك مدرسة لكل أربعين ألف طفل في بعض المناطق الأخرى بالجزائر. 

وسعى الفرنسيون إلى عزل بعض المناطق بالجزائر والحيلولة دون اتصالها أو تفاعلها مع باقي المناطق الأخرى، وكان تركيزهم على منطقة القبائل، ورعوا نزعاتها الإقليمية التي تتنافى مع وحدة الشعب الجزائري، وذلك بالاهتمام بالأعراف والتقاليد واللهجات والفولكلور على حساب الثقافة العربية الإسلامية، وصدرت تعليمات واضحة لموظفي الإدارة الاستعمارية الجزائرية تتلخص في ضرورة حماية القبائل وتفضيلهم في كل الظروف على العرب، ولولا المواقف الشجاعة والتضحيات التي قدمها أبناء القبائل لأمكن للمخطط الاستعماري تدمير البنية الاجتماعية للشعب الجزائري في تلك المناطق 

 فرنسا الاستعمارية بدلت اقصى جهودها   لضرب الوحدة الوطنية الجزائرية بين العرب والبربر، فأوجدوا تفسيرات مغرضة وأحكاما متحيزة لأحداث التاريخ الجزائري، ومنها أن البربر كان من الممكن أن يكون لهم مصير أوروبي لولا الإسلام، واعتبروا العنصر البربري من أصل أوروبي، وحكموا عليه بأنه معاد بطبعه للعرب، وسعوا لإثبات ذلك من خلال أبحاث ودراسات تدعي العلمية، وخلصوا من هذه الأبحاث الاستعمارية في حقيقتها إلى ضرورة المحافظة على خصوصية ولغة منطقة القبائل البربرية بعيدًا عن التطور العام في الجزائر.

كانت الألقاب الجزائرية قبل الاستعمار الفرنسي ثلاثية التركيب (الابن والأب والجد)، وفي حالات أخرى خماسية التركيب، بحيث تضاف لها المهنة والمنطقة. الا أن الإدارة الاستعمارية الفرنسية غيرت هد ه الطريقة

 بإصدارها في 23 مارس 1882 قانون الحالة المدنية أو قانون الألقاب، الذي نص على استبدال ألقاب الجزائريين الثلاثية وتعويضها بألقاب لا ترتبط بالنسب ، وسبق صدور هذا القانون محاولات متواصلة لطمس الهوية الجزائرية، أهم ملامحها إجبار الأهالي ، وهو التعبير الشائع لتوصيف الجزائريين ،على تسجيل المواليد الجدد وعقود الزواج لدى مصلحة الحالة المدنية الفرنسية، بعدما كانوا يقصدون القاضي الشرعي أو شيخ الجماعة. وكانت الغاية من استبدال ألقاب الجزائريين الثلاثية وتعويضها بألقاب لا ترتبط بالنسب ،هو تفكيك نظام القبيلة لتسهيل الاستيلاء على الأراضي، وإبراز الفرد كعنصر معزول، وتغيير أساس الملكية إلى الأساس الفردي بدلا من أساس القبيلة، وطمس الهوية العربية والإسلامية من خلال تغيير الأسماء ذات الدلالة الدينية وتعويضها بهوية هجينة، وإحلال الفرد في المعاملات الإدارية والوثائق مكان الجماعة، و   تطبيق النمط الفرنسي الذي يخاطب الشخص بلقبه وليس باسمه.

و بموجب هذا القانون لم تكتف السلطات الاستعمارية بتغيير أسماء وألقاب الجزائريين ،بصفة عشوائية بل عوضت العديد منها بأسماء مشينة ونابية وبعضها نسبة لأعضاء الجسم والعاهات الجسدية، وألقابا أخرى نسبة للألوان وللفصول ولأدوات الفلاحة وللحشرات وللملابس وللحيوانات ولأدوات الطهي ، ولم يكن هناك أي منطق في إطلاق الألقاب على الأشخاص، وكل ما هنالك هو رغبة في تحطيم معنويات الجزائريين، من خلال منح الفرصة لترديد أسمائهم مشينة طول الوقت وعلى مرّ الأزمان ، حيث بقي  الأبناء والأحفاد يتوارثون هذه الأسماء منذ عام 1882 وهي أسماء لم يختاروها هم ولا آباؤهم، وإنما أجبروا على حملها حتى اليوم.

 

السياسة الهدم و التخريب أكدها  تقرير فرنسي صدر سنة 1833 جاء فيه " لقد حطمنا .. و جرّدنا السكان الذين و عدناهم بالاحترام .. و أخذنا ممتلكاتهم الخاصة بدون تعويض .." ، هذا المسلك اعتمده السفاح بيجو في مخططه الذي تضمن عدة أساليب جهنمية منها تخريب القرى التي يسكنها الأهالي تخريبا تاما ،  وهدم المؤسسات الدينية أو بيعها للمستوطنين الأوربيين فهدموها و بنوا مكانها 

  

 مليون مستوطن اوروبي  لدعم مشروع الصليبية في الجزائر

كلوز يل  وراء  فكرة  تحويل  الجزائر الى سان دومينغ جديدة

 

ما بين عام 1871 وعام 1889  تمكن الاستعمار الفرنسي في تملك حوالي مليون هكتار من  الاراضي الجزائرية  بعدما   كان قد استولى على 481000 هكتار   بين عام  1830  وعام  1870   وفي مدة 130 سنة من الاستيطان  استحوذ الغزاة على حوالي خمسة ملايين من الهكتارات من جملة سبعة ملايين صالحة للزراعة.

بالموازاة مع دلك كانت وتيرة توطين الفرنسين والاوروبين  في ارتفاع مستمر ففي سنة 1871 تم توطين   119000  ليصل عددهم  سنة  1903 الى 200.000  مستوطن وقد تضاعف هدا العدد بخمسة مرارات ليصل الى مليون مسوطن اوروبي  بحلول عام 1962  فكان كلما استمر الاستيطان مدة أطول كلما ازداد توسعه و كثرت مستوطناته . التى بلغت  150 مستوطنة خلال عام1850   و  في عام 1880  وصل    العدد  الى  207 مستوطنة   أما في عام 1920  ارتفع هذا العدد إلى 217 مستوطنة    . 

 إن الحملات الاستيطانية التي انتهجتها فرنسا منذ دخولها أرض المحروسة ،كانت ضمن مشروع صليبي حاقد  بدليل ما قاله  الجنرال دو بورمون و هو يخاطب جنوده بعد استيلاء على  مدينة الجزائر "لقد جددتم عهد الصليبيين  " في نفس الاطار  صرح الجنرال بيجو  خلال عام 1844م لأحد الرحالة الفرنسيين يدعى بوجولا   " إن الحرب التي نقوم بها في إفريقيا إنما هي حلقة من حلقات الحروب الصليبية  ".حيث ادعى القادة الفرنسيين بأن من أسماء الله الحسنى أنه إلله الجيوش وإلله المعارك وأن المجتمعات لا تتقدم إلا بالدماء والدموع ، فحسبهم أن الهدف الذي يسعون لتحقيقه من حروبهم في إفريقيا هو أسمى و أقدس من الهدف الذي يسعون لتحقيقه من حروبهم في أوروبا ، فبالنسبة لهم المسألة تتعلق بقضية روحية قضية الحضارة و قضية التعاليم لمسيحية الخالدة التي كتب الله لها النصر المؤزر في هذه الدنيا و خير فرنسا لتكون لها سندا قويا . لافيجري وهو مهندس السياسة التبشيرية في الجزائر  قال  بشان هدا الامر   " يجب أن نلهم هذا الشعب عن طريق أبنائه أحاسيس أخرى و مبادئ أخرى غير الإسلام ... و ينبغي أن نقدم له مبادئ الإنجيل ... فإما أن يندمج في حياتنا أو نطرده إلى الصحاري ".

نشرت إحدى الصحف الباريسية مقالا عن أهمية الجزائر بالنسبة للفرنسيين جاء فيه  "... و نظرا لكل هذه الاعتبارات من جودة و خصوبة الأراضي و قرب المسافة بينها (لجزائر) و بين فرنسا و    أطماع فرنسا في الجزائر كانت بلا حدود حيث حرمت  الجزائريين وهم السكان الأصليين  من الخيرات فعانوا  أقصى درجات الحرمان والبؤس .. " .

منذ السنوات الأولى للاحتلال   باشرت  ادارة الاستعمار الفرنسي  سياسة استيطانية شرسة وواسعة جندت لها كل الإمكانيات المادية والبشرية العسكرية منها ومدنية  ،  وقد   قال  الفرنسي  لامورسيير  بشان الاستيطان في العهد العسكري من عام 1830 الى غاية 1870     " من أجل تحقيق هذا الهدف ، لابد من الاستعانة بالمعمرين الأوربيين ، وذلك أننا لا نستطيع على أية حال أن نثق ثقة تامة بالأهالي . فهؤلاء سيغتنمون أول فرصة ليثوروا ضدنا، فإخضاع العرب لسلطتنا إن هو إلا مرحلة انتقالية ضرورية بين حرب الاحتلال والفتح الحقيقي. والشيء الوحيد الذي يجعلنا نأمل أن نتمكن ذات يوم من تثبيت أقدامنا في الجزائر ، هو إسكان هذه البلاد بمعمرين مسيحيين يتعاطون الزراعة … ولهذا ينبغي أن نبذل جميع المساعي لترغيب أكبر عدد ممكن من المعمرين في المجيء فورا إلى الجزائر، وتشجيعهم على البقاء فيها باقتطاعهم الأراضي فور وصولهم ". وقد ساهمت المدرسة السان سيمونية والكنيسة المسيحية ، مساهمة كبيرة في وضع الأسس والمفاهيم التي انطلق منها الاستيطان الأوربي في الجزائر  ، والتي انطلقت كلها من فكرة مفادها "إن الأراضي غير الأوروبية تعد مناطق خالية من الحضارة، فهي ملائمة للاستعمار".

 

ومن أبرز و أخطر القوانين التي فتحت المجال واسعا للمعمرين و الذي يدخل في إطار سياسة الاستيطان التي ميزت مرحلة الحكم المدني ما بين 1871 و 1899 ،هو قانون فارنييه الذي صدر عام 1873 و قد سمي بقانون الكولون أي المستوطنين، يضاف إلى  مرسوم التبعية لعام  1881 وهي قوانين تصب كلها في الاستيلاء على كل الأراضي مهما كانت وضعيتها ، و من أشهر الحكام المدنيين الذين أطلقوا يد المستوطنين و عملوا على نجاح سياسة الاستيطان، الحاكم العام ألبير غريفي الذي شهدت مرحلة حكمه بناء القرى الاستيطانية ،و تخصيص أكثر من 300 ألف هكتار لبنائها، كما أن الاستيطان الحر الذي قننه الطبيب وارني ساعد على امتلاك الكولون لأراضي واسعة ، فما بين عامي 1880 و 1908 استولى المستوطنون على أكثر من 450823 هكتار لتصل هذه المساحة إلى مليون هكتار ما بين 1871 و 1898 وبالتالي فإن الحكم في ظل النظام الجمهوري الفرنسي هو الذي قدم أكبر مساعدة للمستوطنين وفرض إرادتهم في الجزائر، من خلال قوانين وبرامج مسطرة لتوسيع نطاق الإستيطان الرسمي, إلى جانب إنشاء المشاريع التجارية و العمرانية الخاصة بالمعمرين الجدد و الهدف من ذلك هو ترجيح كفة العنصر الأجنبي على العنصر العربي في الجزائر لفرنسة الجزائر كليا.

بعد  احتلال القوات الغازية الفرنسية  لمدينة الجزائر وما جوارها ، أقيمت  في سنة 1834  حكومة الممتلكات الفرنسية في شمال إفريقية  ، وكان من رأي بعض الفرنسيين الاكتفاء باحتلال الأجزاء الشمالية من البلاد  الجزائر   تحقيقاً للسيطرة الاقتصادية على منافذ تجارة أفريقيا الوسطى  عبر الصحراء   وللسيطرة الإستراتيجية على غرب حوض المتوسط ، لكن المقاومة  التي قادها الأمير عبدا لقادر الجزائري ضد فرنسا سنة  1837 ، أقنعت الكثيرين من القادة في فرنسا  بأن الاحتلال يجب أن يكون كاملاً ، لذلك لمّا قُضي على مقاومة الأمير عبد القادر  سنة 1847  استمرّت عملية الاحتلال الجزائر الى غاية مطلع القرن العشرين  حيث استطاعت القوات الغازية الفرنسية  أن تفرض سيطرتها  على كامل التراب الجزائري .  

وليس المهم فقط هو أن فرنسا احتلّت الجزائر، ولكن الأكثر أهمية هو السياسة التي سارت عليها فرنسا في  

وقد اعتبرت الجزائر جزء من التراب الفرنسي بناءا على مرسوم سنة 1840  الصادر عن لويس فيليب ملك فرنسا ،وفي سنة 1846 اعتُبِر الجزائريون فرنسيين، ووضعت أسس الحكم المباشر مع البطش بالسكان الأصليين . 

 

  في الوقت الذي كانت فيه  جيوش فرنسا الاستعمارية تشن حرب إبادة ضد الجزائريين ،انهزمت في حربها    مع بروسيا سنة  1871 ،وعلى  اثر دلك سُلِّمت الألزاس واللورين لألمانيا ، فحاولت فرنسا أن تسترد المجد المحطم في فرنسا بانتصارات   ضد الثوار الجزائريين ، واعطاء  الفرنسيين الذين أُجلُوا   عن الألزاس واللورين، والذين انتقلوا إلى الجزائر بأعداد لا يستهان بها، أراضيَ جيدة يقيمون عليها، ولم يكن انتزاع أراضي التل وغيرها يسير على غير هدى أو يقوم على المصادفة ،بل  يسير وفق سياسة مرسومة واضحة القواعد  ، حيث  أُنشئت  لجنة خاصة لبحث مشكلة الأراضي في منطقة مِتِدجة   وهي أراضٍ كانت أصلاً  مللك للجزائريين ، فأصدرت قرارها سنة 1850  سمحت فيه للجزائريين بـامتلاك 11 هكتار، وللفرنسيين بأن يتملكوا   36  هكتار ، وكانت حصة الحكومة الفرنسية 96  هكتار، التي وُضِعت تحت تصرف المعمَّرين.

 لم يقف الجزائريون مكتوفي الأيدي أمام هذه التصرفات ،  فبعد ثورة  الأمير عبدالقادر ، قامت ثورة أبو زيان   سنة 1849 والتي  دامت ستة أشهر كاملة ،ولما انتصر الجيش الفرنسي عليه بعد محاصرته في بسكرة، نكّل الجيش بالسكان هناك، فدمّر الواحة وقتل سكانها ، وفي سنة 1871 قامت في الجزائر ثورة  كان على رأسها الشيخ المقراني والشيخ محمد الحداد شيخ الطريقة الرحمانية، عمّت بلاد زواوة ومقاطعة قسنطينة وأيالة الجزائر،.  حيث بلغ عدد القتلى فيها نحو ستين ألفاً من الجزائريين وعشرين ألفاً من الفرنسيين ، وبعد انتصار الجيش الفرنسي حُكِم على ستة آلاف جزائري بالإعدام، وغُرِّمت الجزائريين  بستة وثلاثين مليون فرنك ، وبسبب عجز القبائل عن الدفع صُدرت الأملاك، وأُجلي السكان ، فقامت على أثر ذلك ثورة أخرى بوهران استمرت خمس سنوات ،  و ثورة القبائل المهرانية في سنة 1882  .

لجأ الجزائريين خلال عام 1910 إلى غير سبيل الثورة لتوضيح وجهة نظرهم والحصول على حقوقهم ، ولكن الخلاف بين النظرة الجزائرية والنظرة الفرنسية كان كبيراً جداً؛ ففرنسا كانت تريد أن تصبح الجزائر فرنسية وأن يصبح الجزائريون فرنسيين، بحيث ينسون مقوّماتهم الذاتية وشخصيتهم التي أكسبهم إياها تاريخهم ولغتهم ودينهم ، هذه السياسة كان يقرر قواعدها فئتان ، المعمَّرون الفرنسيون في الجزائر الذين أصبحوا أصحاب  الكلمة  الأول في شؤون البلاد  كلها، والحكومة الفرنسية التي اتّبعت هذه الخطة منذ الاحتلال.     في حين كان  أصحاب الأرض يريدون أن يظلوا جزائريين مسلمين، وأن يكونوا أحراراً مستقلين في بلادهم ، ومن ثم فلم يكن من  حل لهذه المشكلة إلا عن طريق الثورة، التى  قاومتها فرنسا بمنتهى الشدة، وقمعتها بمنتهى البطش

  أثناء الحرب العالمية الأولى هاج الجزائريون على أثر اعتزام الحكومة الفرنسية تجنيدَ عدد كبير من أبناء  الجزائر  للقتال في صفوف الجيش الفرنسي ، إلاّ أن فرنسا وَعَدَتهم  بمنحهم، بعد الحرب سائرَ الحقوق المدنية  فقبلوا العرض،  حيث تم  تجنيد نحو ستين ألف جزائري  للقتال في صفوف الجيش الفرنسي ، و عند ما انتهت الحرب تقدّم وفد جزائري إلى ولسون رئيس الولايات المتحدة يطالب بحقوق  الجزائر على أساس بنوده الأربعة عشر، وخاصة ما يتعلق منها بتقرير المصير

  هذه الجماعة هي التي أصبحت فيما بعد  تسمى كتلة الناخبين المسلمين الجزائريين ،تركزت أهدافها في أمرين  الحصول على الحقوق المدنية كاملة، وإصلاح أحوال الجزائريين الاقتصادية والاجتماعية ،  لم تستجيب  فرنسا إلى أيٍّ من هذه المطالب، حيث   كان على رأس هذه الجماعة الأمير خالد الذي الذي نُفي مرتين بسبب انتشار فكرته بين أفراد الشعب  وتوفّي في سوريا منفياً سنة 1936 . 

 في سنة 1924  انعقد في باريس المؤتمر المغربي ،  الذي  طالب بحرية التعبير  والنشر وإلغاء قانون الأنديجينيا أي قانون السكان الأصليين الذي كان يحرم الجزائريين من حقوقهم المدنية،  و السياسية  وقد نشأ عن هذه الحركة وعن انتشار الروح القومية بين الأفارقة   الشماليين   المقيمين في فرنسا، قيامُ   جمعية نجم شمال أفريقيا التي صارت لها صيغة سياسية  1926  .

 

 كان انتهاء الحرب العالمية الثانية   إنذار سلام على الأوربيين،  وعلى الجزائريين  إنذار شؤم  حيث تحولت فرحتهم إلى مأساة حقيقية  ، هذه المأساة تمثلت في مجزرة الثامن ماي 1945، يومها  اغتنم زعماء الحركة الوطنية فرصة الاحتفال بالعيد العالمي للشغل المصادف ليوم  01 ماي1945، وكذلك الاحتفال بالهدنة  نتيجة انتهاء الحرب العالمية الثانية، فنظموا مظاهرات سلمية نددت بالقمع الاستعماري،   ليؤكدوا للعالم مشروعية الطموحات الوطنية للشعب الجزائري و تفنيد مقولة  "الجزائر فرنسية " .

فرنسا الاستعمارية بدل الوفاء بتهداتها اتجاه الجزائريين الدين خضوا الحرب لتحريرها من المان قامت طيلة اسبوع بارتكاب مجازز فضيعة  كانت حصيلتها  النهائية    تراوح  مابين 45 ألف إلى 100 ألف شهيد، بالإضافة إلى ألاف الجرحى كما  ان الاستخدام الواسع للطائرات المقنبلة والإعدام الجماعي، ساهم في ارتفاع عدد القتلـى الغير المبلغ عنهم.

 و مجازر هي دليل  على مدى عظمة الحقد الاستعماري اتجاه الشعب الجزائري و  الرغبة في إنهاء وجوده، 

 

فالقتل والتدمير والإعدام الجماعي وقنبلة القرىوالمد اشر والأرياف بالإضافة إلى الاعتقالات وحملات النفي التي  ، تبين النوايا الإجرامية مع سبق الإصرار والترصد للسلطات الفرنسية بالتخطيط المسبق لارتكاب المجزرة

ومن أهم المصادر التي أكدت ذلك صحيفة" ستارز- اندرستربيرز" لسان حال الجيش الأمريكي في 28 ماي 1945 حيث ورد فيها   " ... إن قاذفات القنابل الفرنسية قد حطمت قرى آهلة بالسكان بأكملها ... لقد طار الطيارون الفرنسيون حوالي ثلاثمائة مرة في اليوم الواحد مستعملين القاذفات الأمريكية الثقيلة والمتوسطة، حتى سويت القرى بعدد من القرى ... والدواوير... أثناء حملة دامت تسعة أيام.."

 

 لقد  تفنن أحفاد بيجو في قتل الجزائريين والتنكيل بهم، فأحرقوا ألاحياء بعد جمعهم بالعشرات ورشهم بالقازوال في حظائر بيع الحيوانات، وفتحت بطون الحوامل على ذهان زجاجة البيرة بين جنديين إن كان في بطن الحامل ذكر أم أنثى ،وألقوا بالشيوخ ذو المكانة في القبيلة  من أعلى الطائرات ،ورش ألاف الجثث بالجير حتى لا تؤدي الأحياء الأوربيين  بعد تركها أيام وليالي على شوارع الطرق لتكون عبرة لمن بقي حيا من الجزائريين ولتكون قرة عين للسادة الأوروبيين.

 

    فرغم كل التضحيات التي قدمها الجزائريون إلى فرنسا في الحرب العالمية الثانية، إلا أن قادة الاحتلال الفرنسي أبوا إلا أن يتركوا بصمتهم في يوم احتفل به العالم ضد النازية والاحتلال،   وكان مفهوم السلام والأمن العالميين يمس شعوب أوربا دون سواهم. 

 

 

الاستيطان الفرنسي   فجر   أكثر من 17 قنبلة  في صحراء الجزائرية

إسرائيل فجرت  قبلتها النووية  الأولى  في الجزائر

 

  إذا كانت الصحراء  الجزائرية قد دخلت في نطاق سياسة الجديدة لاستيطان الفرنسي ،التى تزامنت مع   المراحل الأخيرة  لثورة الجزائرية ،فإن التجارب النووية و الأسلاك الشائكة أو طريق الموت كما كان يسميها المجاهدون ، اعتبرت كسياسية معلنة من طرف السياسي العجوز ديغول الذي كان يسعى لخروج من دائرة الطوق الأمريكي التي ظهرت عقب التطويق الاقتصادي و العسكري الذي جاء بعد التفوق الاقتصادي الذي  مكن الأمريكان من الهيمنة السياسية  على العالم ، و في غياب الوعي الإقليمي و الدولي وجدت فرنسا نفسها  في منطقة آمنة بالوطن العربي و القارة الإفريقية، لتقوم بتجاربها النووية الباطنية و الجوية   التى  كانت    الصحراء  الجزائرية مسرحا لها  ، فقامت فرنسا بتنفيذ مخططاتها الإجرامية دون أي اعتبار للبيئة و الإنسان .        

بعد تغيير موازين القوى في  سنوات  الخمسينات ،  لم تعد هناك قيمة  للمستعمرات التقليدية و الإمبراطوريات التي لا تغيب عنها الشمس،  حيث  صار  عنصر القوة  هو  امتلاك أحدث الأسلحة، و منها السلاح  النووي   الذي عرفته العلاقات الدولية من خلال توازن الرعب  الذي وقع  بين العملاقين الأمريكي و الاتحاد السوفياتي سابقا ،  ومن هدا المنطلق بدأت فرنسا في عهد ديغول بتنفيذ مشاريعها النووية حتى لا تقصى  من نادي الأقوياء، لأنها  لم تكن في دلك الوقت  تملك القوة الاقتصادية القادرة على مواجهة المنافسة الشديدة داخل   العالم الحر بعد تحطم قوتها العسكرية و الاقتصادية   أثناء الحرب العالمية  الثانية ،و الاستنزاف الكبيرة الدي لحق  بميزانيتها في حربها الخاسرة بالجزائر ،و لولا المساعدة الأمريكية  لما كانت فرنسا قوية  رغم مراوغات العجوز ديغول للتملص من الهيمنة العسكرية و الاقتصادية للسيد الأمريكي الجديد الدي  حرر باريس و فرنسا من الاستعمار ألماني . 

  التجارب و الدراسات و الأبحاث الفلكية و الجيولوجية التي قامت بها فرنسا في الصحراء الجزائرية  كانت كلها  تصب في خانة المنافسة العلمية من أجل امتلاك قوة الردع ،و فرض سيطرتها  أوروبيا و إفريقيا     بغرض الالتحاق بركب أمريكا و الاتحاد السوفييتي سابقا  في إنجازاتهما الفضائية،  نظرا لما يحتويه هذا البعد من قوة لفرنسا و تعويض عقدة جيش فرنسا المنهزم عسكريا أثناء حروبها في أوروبة و الهند الصينية و الجزائر ، الهدف الحقيقي الذي طرحه الجنرال ديغول كما تثبته الدراسات  الحديثة ،هو ضرب الانقلابيين الذين  هندسوا انقلاب  يوم  13 ماي 1958 م و رهن الثورة و الشعب الجزائري من أجل إقناع الرأي العام الفرنسي و الرأي العام الدولي، أن فرنسا لا تزال الدولة العظيمة القوية،  كانت تجارب فرنسا النووية هي الورقة الأخيرة للضغط على المفاوض الجزائري و إقناع العالم بحتمية فرنسة الصحراء  بحجة بانهم هم  من  مدوا خطوط السكك الحديدية، و أقاموا المنشآت البترولية، و أحدثوا مجالات للصناعة، كما أقنعوا شركائهم بأن الصحراء مكان جيد لردم النفايات الأوروبية في فضاء خال هو ملك فرنسا وحدها، دون بقية الدول الإفريقية و الجزائر بصورة خاصة رغم الرفض العالمي لخطوات و مغامرات فرنسا منذ جوان 1958 إلى جويلية 1962م .

 قي  فبراير 1960 تمكنت فرنسا من تفجير  قنبلتها النووية الأولى في الصحراء الجزائرية في ظل تعتيم إعلامي غربي و فرنسي كبير  يخص ظروف و سير التجربة و أخطارها على الإنسان و الحيوان ،تلتها بعد دلك   تفجير أكثر من 17 قنبلة و تجربة نووية، تفوق حدود المنطق العلمي و الضرورة الاستيراتيجية ،كانت منطقة رقان بالهقار وواد النموس ببشار  مسرحا لها  ، حيث استباحت  فرنسا النووية الأرض و أصحابه  وقامت  بتدمير المنطقة و أهلها بالكامل .

  الاسرائليون كانوا  حاضريين في جميع مراحل تركيب مراكز التجارب النواوية والبكترولوجية  التى انشاتها فرنسا الاستعمارية قي الصحراء الجزائرية  ،في هدا السياق أكدت العديد من المصادر العلمية والتاريخية بان القنبلة النووية  الاولى  التى فجرت بالصحراء الجزائرية هي قنبلة اسرائلية جربت تحت غطاء فرنسا  .

وكانت فرنسا المستوطنة عند إجراءها للمفاوضات مع المجاهدين الجزائريين الدين رفضوا   خطة استقلال الشمال عن الجنوب ،  هددت  باستعمال القنبلة النووية  في أكبر التجمعات السكانية  .

  ان التجارب النووية والبكترولوجية التي أجرتها فرنسا المستوطنة ، قد أحدثت  أضرارا بالبيئة والإنسان الجزائري   نتيجة  الأخطار المترتبة عن التلوث الإشعاعي الناتج عن التجارب النووية و دفن النفايات النووية في بعض المناطق من  الصحراء الجزائرية   ،  ولحد الساعة  لا يزال أهل رقان و مثلث الموت الذي يزيد عن 1000 كلم²  يتعرض للإشعاع،  الذي تركه من يدعون اليوم انهم  دخلوا الجزائر لتحضير سكانها فخرجوا منها مرغمين تحت نير رشاشات الشهداء والمجاهدين تاركين اشعاءات نووية واخرى خفية تشهد على وحشيتهم لا على تحضرهم .

  

 

خطط الجنرال ديغول للقضاء على الثورة الجزائرية

   خط شال وموريس ب6000 فرلط ،و500 ألف  جندي فرنسي و 3 ملايين  لغم

  1073 جندي  فرنسي  التحفوا بالمجاهدين  بالولاية الخامسة 

 

عندما دخلت الثورة الجزائرية  شهرها الرابع ،اجتمع في 15 مارس 1955 المجلس الوزراء الفرنسي  ،والدي  انتهى بإقرار الحكومة الفرنسية قانون الحالة الاستثنائية،  بموجبه منحت باريس سلطات خاصة للوزير المعين في الجزائر لمواجهة ما تسميه بحوادث الجزائر، حيث أصبحت هذه السلطات كاملة سنة 1958  من اجل اتخاذ كافة الإجراءات للقضاء على الثورة الجزائرية  ،  فتشكلت محاكم خاصة لقمع الجزائريين استنادا إلى التشريع الاستثنائي الذي سنته فرنسا الاستعمارية ، لتوجيه تهمة الخيانة إلى كل من يحمل سلاحا  ضد فرنسا .

  جندت فرنسا الاستعمارية  مختلف وسائل القمع و التدمير بمساعدة حلف شمال الأطلسي للقضاء على  الثوار الجزائريين ، في هدا الاطار  شهدت الجزائر من 1956  إلى 1958  ، تدفقا ضخما لقوات العدو الفرنسي  بلغ في نهاية الخمسينيات حوالي 800 ألف جندي ،  هذا الجيش المدجج بأحدث الأسلحة  قام بعمليات كبرى في القرى و الأرياف الجزائرية، فضاعف من المناطق المحرمة و اتخذ من سياسة الأرض المحروقة و المحتشدات وسيلة لعزل الثورة عن  الشعب   ، كما أنشأت السدود المكهربة المشهورة  بخطي موريس و شال على طول الحدود الشرقية والغربية الجزائرية ، التي أرغمت أكثر من 280.000 جزائري على  الهجرة إلى تونس و المغرب ، كما  زجت بمئات الآلاف من المواطنين في السجون و المعتقلات،و قبل البدء في عمليات التطهير و التمشيط والسحق حسب زعم الفرنسيين،  تابع ديغول تصميم سياسته محاولا القضاء على عزيمة المجاهدين الجزائريين وقيادتهم ، فصرح في 8 جانفي 1959م قائلا  ".. و ضمن المجموعة المشكلة بهذه الكيفية هناك مكانة مفصلة مخصصة مشتركا اشتراكا متينا مع فرنسا...  " .

 وقد عمدت القيادة الفرنسية المحتلة  إلي التعبئة العسكرية الضخمة لتنفيذ عمليات الجنرال ديغول و التي بلغت ذروتها انطلاقا ،من الخطة العسكرية التي عرفت بخطة الجنرال شال مهندس البرنامج المفضل عسكريا  ضد الجيش التحرير  الجزائري  ،و تتمثلت هذه الخطة في سلسلة من العمليات العسكرية،التي تختص كل واحدة منها بمنطقة معينة، و تحمل كل عملية اسما معينا ،و تقوم كل عملية من تلك العمليات على تعبئة كل القوى العسكرية الفرنسية في منطقة محدودة تحاصرها من جميع الجهات ثم تقوم بغارات جوية و عمليات إنزال ، حتى يتم القضاء على مراكز الجيش التحرير الجزائري و وحداته، من خلال تمشيط محكم لا يترك وراءه أثر لموقع ثورة .

  بدأت أولى هذه العمليات بتاريخ 6 فيفري 1959 التي أطلق عليها اسم التاج ، في سعيدة بالولاية الخامسة،      حيث وضع  شال قواته البالغة  أكثر من 40ألف عسكري التي كانت تحت تصرف الثلاثة ضباط ، وهم الجنرال غامبياز، الذي تولى قيادة عملية التاج بمساعدة جنرال الطيران ايزانو من مركز طيران  في سانيا قرب وهران،والعقيد بيجار الذي كان آنذاك مسؤولا على قطاع سعيدة ، و توزع الجنود الفرنسيون كالجراد على الجانب الغربي من جبال الونشريس و جبال الظهرة و جبال سعيدة و فرندة ،أما الجيش التحرير  الجزائري     بقيادة العقيد الشهيد لطفي  تجنب الاصطدام مع  العدو، و اعتمد على  تقسيم وحداته   إلى مجموعات صغيرة يتراوح عدد عناصرها بين اثنين و أربعة مجاهدين ،  من أجل تسهيل اختفاء و تنقل المجاهدين و لإيهام العدو بأن الولاية الخامسة خالية تماما  من جيش التحرير ،  اعتقد الجنرال شال بأنه نجح في عمليته و أن مدينة وهران قد تطهرت نهائيا من الثوار، فأخذت الصحف الاستعمارية تشيد بهذه الانتصارات لدرجة أن راديو باريس الفرنسي تغنى بهذه العمليات الحربية الموفقة التي قام بها الجنرال شال ، كما  نشرت الصحف الاستعمارية في شهر أفريل 1959  مقالات تقول بأن الجنرال ديغول هنئ القادة العسكريين على عمالياتهم الأخيرة في وهران .

 بعد عملية التاج التي اعتقد جنرال شال بأنه نجح في تنفيذها ،انتقلت قواته إلى الولاية الرابعة ، للقيام بعملية أخرى التي أطلق عليها  هذه اسم الحزام وكان يظن أنه سيقضي على مجاهدي الولاية خلال شهرين جوان و جويلية من عام1959  ، ولكن بمجرد أن بدأت قوات العسكرية الفرنسية  بالانتشار في الولاية الرابعة حتى  قوبلت بهجمات  مجاهدو الولاية الخامسة الذين كانوا بانتظارهم  بعد أن أعادوا تنظيم وحداتهم،  أخلطت هده هجومات أوراق خطة شال  فجعلته و قواته العسكرية في مأزق لم تكن ينتظرانه،الأمر الذي أجبر القائد العام للقوات الفرنسية أن يختار بين أمرين، الواحد إما أن يطلب المساعدة من فرنسا ليرد بها على هجمات جيش التحريرالجزائري، و إما أن يقسم قواته و يدفع بها إلى الجبهات التي فتحها المجاهدون، و هو ما حدث بالفعل لأن الخيار الأول لم يقبله جنرال ديغول، فقسم  شال قواته .

 في الوقت الذي كان فيه شال منهمكا في تطبيق عملية الحزام، تناقلت وكالات الأنباء العالمية تفاصيل معركة عنابة التي اشتبكت فيها مجموعة قليلة من المجاهدين الجزائريين  مع  حوالي ثلاث و عشرون ألف عسكري فرنسي ، حيث  كان ضابط بحرية بريطاني شاهد عيان على تلك المعركة  من ميناء عنابة ، و لما شهد كثرة العنف و كثرة الجنود الفرنسيين و الاستعدادات الضخمة ، سأل شخصا كان بجانبه  " كم عدد الثوار الذين تحاربونهم الآن ...؟  " فأجابه أخر بأن عددهم حوالي سبعين ثائرا. فابتسم الضابط البريطاني ابتسامة سخرية و قال  " باستطاعة حلف شمال الأطلسي الاعتماد على الجيش الفرنسي ضد الإتحاد السوفيتي  "، كانت معركة عنابة دليل فاضح على حتمية فشل سياسة ديغول بأرض الجزائر، ورغم هذا الفشل لم يمنع شال من تصريح  في صيحة جنونية عقب معركة عنابة قائلا  "سأشعلها نارا  " و من وحي هذه العبارة أطلق على العملية التي جند لها أكثر من 20 ألف جندي و استهدف بها عنابة  اسم الشرارة جبال  الحضنة ، التي تعبر السلسلة الرابطة بين الأوراس و القبائل، و وضح الأسباب التي دعته إلى الاختيار ذلك المكان بقوله  " أنه طريق العدو الإستراتيجي ،و طرق الفلاقة من الأوراس إلى الولاية الثالثة "  و أضاف قائلا " لقد أشعت قبل انطلاق هذه العملية أنني سأقصد منطقة القبائل و هكذا كانت المفاجئة حيث لم تعلم بوجهتي إلا القليل من المقربين إلي ".

  استغرقت هذه العملية أحدة عشر يوما بدءا من 9 إلى20 جويلية 1959م ، لكن لم تمكن هذه المدة لعملية الشرارة من إطفاء نار الثورة بالمنطقة القبائل . بعدها هيأ جنرال  شال نفسه لاقتحام معاقل المجاهدين بالولاية الثالثة و سميت هذه العملية  بالعملية المناضر المكبرة (جيمال) وهي أطول عملية من مخطط شال حيث استغرقت مدة ستة أشهر، كما تعتبر حسب رأيه من أهم العمليات الناجحة والتى رفض فيها تكليف السلطات الجهوية لقيادة العملية كما تعود في عملياته السابقة، وإنما عمد إلى قيادتها بنفسه مصطحبا معه الجنرال فور الذي كان مسؤولا للقطاع و يحفظ الولاية عن ظهر قلب  . 

  كان الجنرال ديغول يتابع العملية باهتمام كبير،لأنها كانت في نظره أحسم عملية من عمليات التمشيط التي خططها شال، وتمتد مساحة هذه العملية من مدينة دلس إلى شرق مدينة بجاية ساحل البحر، و من الجنوب تمتد من مدينة البويرة إلى قرية قنزات ،  حيث  استعملت القيادة العليا الفرنسية في هذا العملية أكبر قوة مسلحة،  حسب تصريح  القائد العام الجنرال زلير  الذي قال " لقد وضع في متناول الجنرال شال كل القوى اللازمة لنجاح عملية جيمال وأجمعت الصحف الفرنسية على  أنها أضخم و أكبر عملية حربية نظمت في الجزائر منذ بداية الثورة  "، حيث بلغ تعدادها سبعين ألف عسكري أي ما يعادل عشر الجيش الفرنسي المتواجد في الجزائر.

و لتسهيل هده  العملية اختيرت المناطق العالية لتكون مراكز مراقبة، حيث أقام شال مركزين للقيادة   ، أحدها في جبل أزرو و نطهور   علوه 7126 م ،و الأخر في أكفادو - اوالزان بعلو يبلغ 1621 م  ، فمن هذه الجبال أشرف شال ومعاونيه أمثال نائبه غراسيو الذي كان يباشر في تنفيذ العمليات، و إذا تغيب   يخلفه العقيد سيكالدي بمساعدة إما الكومندو فوليكس أو الكومندو دي سان مارك، مع العلم أن الجنرال ديلبير قد انتقل من سطيف إلى مركز قيادة شال لمساعدته في تدبير العملية، أما التدعيم الجوي فقد كان تحت إشراف الضباط  الطيارون تحت قيادة جنرال الطيران بوني الذي كان  في نفس الوقت رئيس مركز قيادة شال المكلف بالتنسيق الاستعلام، والذي كان يعتبر آنذاك العنصر الأساسي الذي تعتمد عليه كل العمليات . 

   إن عملية جيمال التي انطلقت يوم الأربعاء 21 جويلية 1959 ،اشتركت فيها كل أنواع القوات الفرنسية بما فيها القوات الجوية، حيث قامت الطائرات العمودية بنقل جنود المظليين  إلى جبل اكفادو شرق عزازقى  وهو مركز من مراكز الثوارالهامة،و في نفس الوقت كانت سفن الأسطول تنقل الجنود إلى شاطئ الصخري عند رأس سيقلي غرب مدينة بجاية ، حيث بدأ  الجنود في تسلق الجبال واتخذت مواقعها عند الصخور الكبيرة والدروب الجبلية الضيقة ، كما قامت أربعة ألاف سيارة مصفحة و مائتا دبابة بمحاصرة الطرق الكبيرة ، و شمل الحصار كذلك مئات المدن والقرى الواقعة في نطاق العملية ، لان الفرنسيين كانوا متخوفين من الهزيمة    حيث صرح أحد القادة الفرنسيين إلى صحيفة لا لوران الفرنسية في عددها الصادر في 31 جويلية عام 1959  قائلا  " سنعرف في أقل من شهران  ان كانت هذه الحرب ستستمر إلى ما لا نهاية   أم أنها ستنتهي عما قريب ، و استطيع أن أؤكد أنها ستنتهي عن قريب " و بالفعل انتهت كما انتهت العمليات السابقة  ، فصرح الجنرال فور يوم 3 أوت 1959   قائلا  "الواقع أن عملية جيمال ليست شيئا خارقا للعادة ، إنها ليست إلا استمرار للعمليات وظروف الحرب في الجزائر تفرض علينا أن نغير في كل يوم نفس العمل، الذي قمنا به بالأمس  هذه الحروب تتطلب منا أن يكون السكان في معونتنا ، و إذا لم نحصل على تأييد السكان و معونتهم لنا فان هذه الحرب لن تكون لها نهاية  " و في اليوم التالي أي في 4 أوت 1959  نشرت الصحف الفرنسية تصريحا للجنرال شال جاء فيه  " الواقع أن عملية جيمال  صعبة و شاقة إلا أننا نعرف ذلك منذ البداية، فالعدو يذوب بكيفية عجيبة كالزئبق ، لكننا سنتمكن من الانتصار عليه  " ورغم الهزيمة التي تلقاها شال في الولاية الثالثة  الا انه  كان مصرا على مواصلة القتال ، فلما زار الجنرال ديغول مركز قيادة أرتوا  في شهر أوت من عام 1959  ، لمعرفة  كيفية تطبيق برنامجه على طول الجزائر و عرضها ، أشار شال إلى خريطته العسكرية و قال  "هذه هي خريطة الجزائر ... وكلما نجحنا في تهدئة جهة من الجهات و طوينا الجانب الذي تقع فيه هذه الجهة ، إننا بدأنا هجومنا على المعاقل الثوار من الحدود المغربية من ناحية التراب الجزائر ،و سنواصل هذا الهجوم    إلى الحدود التونسية من الشرق، و نضمن أن لا نرجع إلى الوراء مطلقا فإذا ما وصلنا إلى الحدود التونسية بهذا الزحف تكون التهدئة قد نجحت ، و عندئذ نستطيع أن نعلن للعالم أن الحرب في الجزائر قد انتهت ...  "

بعد أن أصاب الشلل عملية المناظر المكبرة ،توجه شال إلى ولاية الثانية ،و طبق عليها عملية أسماها الأحجار الكريمة، و التي  بدأت في الأسبوع من شهر ديسمبر من عام 1959 ،بزحف عشرة ألاف عسكري فرنسي على التراب الشمال القسنطيني قصد تمشيطه من المجاهدين.

في السنين الأولى من اندلاع الثورة  المسلحة إلى غاية سنة 1956 كانت مناطق الحدود الجزائرية على طول الخط الحدودي آهلة بالسكان،  كانت الدرع الواقي لجيش التحرير في الإقامة والتمركز و التموين و الاتصالات   و نتيجة للمعارك اليومية الطاحنة  بين وحدات جش التحرير الجزائري ، والقوات الفرنسية بمناطق الحدود   حولت  هده الأخيرة هذه المناطق في عمق 50 كلم داخل الجزائر، مناطق عسكرية محرمة ، حيث قامت القوات الفرنسية بتحطيم المنازل و إتلاف المحاصيل الزراعية و قطع الأشجار و تسميم المياه ، وقتل الحيوانات و المواشي،مما أدى إلى  فرار السكان إلى المناطق  الداخلية ، وإلى الحدود الجزائرية المغربية و التونسية،    و ما بقي من سكان هذه المناطق جمعت السلطات الاستعمارية في المحتشدات و المعتقلات و مراكز التجمع و   السجون ، تحت الحراسة العسكرية و المراقبة الشديدة، عن طريق البطاقات الخاصة يتم  تقديمها عند الدخول و الخروج في الأوقات المسموح بها.

   قامت القوات الفرنسية تحت قيادة شال و موريس ووزراء الدفاع والقوات العسكرية على الحدود الغربية و الشرقبة  ، بتسييج الحدود  حيث  جندت لها قوات مادية و بشرية كبيرة ،من المساجين و المعتقلين الجزائريين   و حتى من المدنيين و عساكر فرنسية ، و   اللفيف الأجنبي ، للإسراع  في  تطويق الحدود الجزائرية و عزلها عن عالمها الخارجي  .

 وقد جهزت   القوات الفرنسية الأسلاك الشائكة المكهربة بقوة 6000فولط ، بأحدث الآلات الإلكترونية و الرادارات و الأضواء الكاشفة و غيرها من الوسائل ،  وأقامت عليها  حراسة شديدة 24/24   ،  إذ كان عدد القوات الفرنسية الرابطة بالمنطقة الثامنة للصحراء  بالولاية الخامسة 110 ألف عسكري فرنسي ،و في المنطقة  الشمالية للحدود الجزائرية المغربية 145ألف جندي فرنسي ،  وفد بلغ عدد أفراد القوات الفرنسية حسب المصادر و الإحصائيات  مجلة الدفاع الفرنسي ووثائق أخرى.. ما يزيد عن 200ألف جندي للقوات الثلاثة المتمركزة على خط الحدود الجزائرية التونسية  .

وقد تم تدعيم  الأسلاك الشائكة المكهربة و الملغمة بموجة لالتقاط الصوت على طول الخطوط الحدودية   بمراكز و أبراج المراقبة، و قواعد مجهزة ببطاريات المدفعية و صواريخ أرض-أرض وأرض –جو و الرادارات المتحركة فوق المدرعات   ،والرادارات الثابتة في المراكز و القواعد التي تحدد بالضبط مكان المرور،  كما  تزودت  مراكز المراقبة وأبراجها بكل المعلومات للقصف المدفعي الآلي ، خاصة وأنها تتتبع ما يحمل فوق أكتاف الإنسان و على ظهور الحيوانات من أسلحة كيف ما كان نوعها  من مدافع الهاون و الرشاشات المدفعية و حتى الأسلحة الفرية من البنادق المختلفة . 

 وكشفت  خرائط الألغام  ان المنطقة الشمالية الممتدة  من سيدي الجيلالي جنوب غرب ولاية تلمسان إلى القنادسة  ولاية بشار زرعت بها  أكثر من ثلاثة ملايين لغم بلاستيكي متنوع ، ذو صناعة ألمانية  التي يصعب اكتشافها بالآلات و الأجهزة الإلكترونية و تحتفظ بفعاليتها  لمدة  100 سنة  .

 وحسب مصادر رسمية فرنسية عسكرية موثقة أنه في الفترة ما بين  1955/1959 ،  تم فرار 1073 جندي  فرنسي من صفوف القوات الفرنسية بالولاية الخامسة لغرب الجزائر ، خاصة تلك المتمركزة على الحدود الجزائرية المغربية و التحاقهم بصفوف المجاهدين الجزائريين ،حيث تولت القيادة الثورة  الجزائرية   إرسالهم إلى  بلدهم  أو بلدان أخرى رغبوا الالتحاق  بها.

لقد  صخرت  فرنسا  الاستعمارية  ما يزبد عن نصف مليون جندي فرنسي على الحدود الجزائرية المغربية و التونسية ، بالإضافة إلى الجبهات الأخرى للحدود الجزائرية الليبية و النيجر و المالية و موريتانيا و الصحراء الغربية و السواحل البحرية...  فأصبحت مناطق الحدود الجزائرية المغربية و التونسية إلى عمق 50 كلم فأكثر مناطق محرمة و أرض محروقة خالية من السكان المدنيين،   اجتمعت فيها أشرس جيوش القوات الفرنسية   مثل اللفيف الأجنبي ، ورجال الكمندوس و المظليين   للتدخل السريع و غيرهم  .

 

  

 

تقرير سري   يكشف  أن الجيش الرسمي الفرنسي  وراء انشاء  منظمة الجيش السري

فنون  التعذيب والإبادة بمدرسة جان دارك

عندما اندلعت ثورة التحرير الجزائرية  في نوفمبر 1954، اختارت السلطات الفرنسية عدم الاعتراف بالطابع السياسي للقضية الجزائرية  واعتماد  بدلا من ذلك، مسلك القوة  فأحجمت عن تسمية الحرب باسمهما، وبقيت مصرة إلى غاية سنة (1956)، على نعتها رسميا بـ"حوادث الجزائر" ، أما العمليات الحربية التي كانت قواتها تقوم بها لمواجهة الثورة، فقد أطلقت عليها مصطلح " التهدئة". غير أن سلسلة القوانين التي سنت تباعا، ناقضت هذا الخطاب الإدماجي و تطابقت تماما مع واقع الحرب الهادفة  إلى إعادة غزو الجزائر.  

في بداية عام 1955، نقل الحاكم هيرتز من الأغواط إلى بسكرة، ليتولى مهمة القمع في المناطق الممتدة بين لأوراس و الصحراء ، وتم  إحياء من جديد  قانون "العقوبات الجماعية"   الذي سبق أن ألغي لدواعي الإدماج ، و بمقتضاه، أصبح لأي عمل فدائي، يقع في محيط بمجموعة سكانية جزائرية ما، يعتبر من مسؤولية هذه المجموعة ماديا و معنويا ، وكلما ظهر جيش التحرير الجزائري في ناحية من نواحي البلاد، راحت السلطات المحلية المعنية تطبق فيها هذه القاعدة.

 في مطلع أفريل 1955، صادق البرلمان الفرنسي على قانون الطوارئ ، وفي 12 مارس 1956، صوت البرلمان المذكور لصالح قانون السلطات الخاصة الممنوحة للحاكم العام في الجزائر، روبير لاكوست. بموجبها حصل هذا الأخير على تعزيزات عسكرية ضخمة و صلاحيات واسعة لخنق الحريات. 

   بهذه التدابير  تنوعت  مهام الجيش الفرنسي  إلى درجة أن أعمال فرقة ما في الجزائر أصبحت غير قابلة للخضوع للرقابة التنظيمية و التشريعية  الفرنسية ، وفي ظلها، راحت سلطة القضاء العسكري الاستثنائي تتعزز، مقرونة بتعميم التعذيب الذي لم يبق بالنتيجة أسلوبا بوليسيا بحتا ،و إنما إلى وسيلة حربية أيضا. كل ذلك كان  يجري في ظل تعتيم رسمي، مسند برقابة على منشورات قلقة للغاية.  

فطوال الأشهر السبعة الأولى من عام 1957  كانت الحملة القمعية المسماة  " معركة الجزائر "  ،  مصدر معلومات حية تدين جلادي الشرطة و الجيش ،  هؤلاء،  كانوا يطلقون على قاعات الفظائع اصطلاح " لابوراتوار"، أي المخابر،حيث  يشرعون في التعذيب النفسي لحظة انقضاضهم على المواطنين بقصد الاعتقال. لذا تراهم يقومون بالتحضير جو مرعب يوقع له اثارا مدمرة " إن الحالات التي تمت معاينتها و المتعلقة بالإصابة بالجنون بمختلف درجاته و بالولادة السابقة لأوانها و بالأزمات النفسية وبالوفيات على إثر سكتة قلبية، حالات لا تحصى   . 

 في مقال مطول و مفيد للغاية، تصدى أحد الكتاب لجانب من الطرح الرسمي الفرنسي الذي دافع عنه الكثيرون، من بينهم غي مولي،   لتفنيد القول بأن التعذيب في الجزائر لا يمثل سوى " حادثا عرضيا أو غلطة أو زلة ". هذا ما كان يتم ترديده رسميا، بعد أن استحال صمود السلطات في الموقف المعتاد القاضي بنفي ممارسة التعذيب. 

  الشهادات لم تتوقف عن التسرب إلى مسامع الناس و أبصارهم من الطرفين معا  متضمنة تفاصيل كثيرة ودقيقة ، ومما ورد فيها، مثلا، أن التعذيب في الجزائر يتحول من شبه العشوائية التي كانت تميزه حتى عام 1957إلى شكل من الأشكال المهنية وإلى مؤسسة قائمة بذاتها ضمن نظام الاحتلال ككل، لها هياكلها و منظورها – كالمدعو لوفريدو و المدعو بودفان – ومراكزها التكوينية في فنون الإبادة، مثل " مدرسة جان دارك "   في سكيكدة....إلخ 

إن عناصر الشرطة والجيش، الذين مارسوا التعذيب في الجزائر، يعتبرون ضرورة تبريره " عارا و مفارقة " في نفس الوقت.     

 لقد كان بوسع أندري مالرو أن يعلن، بصفته وزيرا للثقافة، عن زوال تعذيب الجزائريين منذ تولي ديغول الحكم في ماي 1958، لكن الدليل على استمرار التعذيب الواسع النطاق كان ماثلا لأعين الجميع  إنه، قبل كل شيء عدم تخلي رئيسه الجنرال عن الحل العسكري ، بل إن هذا الأخير تبنى، بعد سنة من إمساكه مقاليد السلطة، مخطط شال الهادف إلى إعادة غزو الجزائر، منطقة بعد الأخرى، الشيء الذي كان يتطلب وفرة من المعلومات الدقيقة لا يمكن الحصول عليها إلا بالاستنطاق الوحشي للمساجين و المشتبه بهم و عامة الناس بعد    تعميم استعمال التعذيب كوسيلة حربية. 

  في اليوم السبت 23 ماي 1959،  انتشر  خبر اغتيال المحمي الجزائري أمقران ولد أو عدية، الذي سبق

 و أن رافع أمام المحاكم الفرنسية لفائدة عدد من مناضلي جبهة التحرير الوطني، وكان ينتظر أن يدافع، في ذلك اليوم المذكور، عن مجموعة من الطلبة متهمين بإعادة تشكيل الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين. وبعد حوالي شهر من تلك الواقعة، أمرت الحكومة الفرنسية بحجز كتاب " لاغانغرين   الذي  تضمن شهادات سبعة من المتهمين المعنيين بشأن التعذيب الذي عانوه في مقر مديرية أمن الإقليم في باريس، إبان فترة اعتقالهم. ولم تمضي سوى بضعة أسابيع حتى انتشر نبأ وفاة عيسات  إيدير، الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين،  على إثر تعرضه للتعذيب ، فاتسعت رقعة ردود الفعل، مرة أخرى، خاصة في أوساط الحقوقيين و النقابيين في فرنسا و في بلدان أخرى كثيرة، مما أجبر المسؤولين العسكريين الفرنسيين على الخروج عن صمتهم المألوف ،وقد صدر عن هؤلاء نصان، واحد رسمي، وهو بيان هيئة أركان الجزائر العاصمة، و الثاني شبه رسمي، في شكل افتتاحية بجريدة البلاد. البيان لم  يأت بجديد بالنسبة لجوهر المسألة ، فهو لا يعدو " أن يفسر " أن عيسات إيدير " انتحر" و لم يمت نتيجة حرقه بالشفاطة (الشاليمو) ، على نحو قولهم فيما سبق أن علي بومنجل " انتحر" و العربي بن مهيدي "انتحر" وغيرهما كثيرون. 

أما المقال، فإنه حمل في ثناياه ما لم يكن معهودا، ألا وهو الإقرار بوجود التعذيب في الجزائر مع تجنب الإشارة إلى التهم الدقيقة الواردة في كتاب " لا غنغرين" و إلى وفاة عيسات إيدير ومن سبقه  ولحقه، ولكنه توجه إلى أصحاب النوايا الحسنة " مطالبا إياهم" أن يعملوا و يخبروا غيرهم أن الحكومة و القيادة العليا للجيش ينددان صراحة بالتعذيب... .و انه تقرر اتخاذ عقوبات جنائية و تأديبية و سيتواصل اتخاذ مثلها في حق الأخطاء المرتكبة التي لا مفر منها على المستوى الفردي.

"...... لا شك أن الحديث عن العقوبات، حديث شكلي طالما يعمد المسؤلون إلى بقاء هذه العقوبات المفترضة في نطاق السرية و كأنها غير خاضعة للقانون الجنائي. أما الرسالة الموجهة لأصحاب النوايا الحسنة في الامة الفرنسية، فهي تحمل، من خلال التنديد بالتعذيب، اعترافا واضحا بسريان ممارسته وهو اعتراف تدلي به الأوساط الرسمية الفرنسية لأول مرة، ليس في مجالس خاصة، كما حدث أحيانا، وإنما منشورا في صحيفة يقوم بتحريرها مساعدون مقربون من وزير الحرب.

وفي مكان آخر من الافتتاحية المذكورة، لا حظ كاتبها " أن الجيش يسير وفق تقاليد جيوش الجمهورية " ولكنه لم يذكر أن جيش الغزو، في عام 1830 وما تلاه، كان خلافا لجيش " التهدئة "،   فنشر ضباطه وجنوده بصفة رسمية العديد من المذكرات و الرسائل يتحدثون فيها بزهو المنتصرين عن قيامهم بقطع الأذنين واغتصاب النساء و الزج بالجزائريين في المغارات قبل تدخينها أو هدم المداشر فوق رؤوسهم ... إلخ.  في الحقيقة، كان جيش " التهدئة" يسير بسرعة متزايدة على طريق التحلل من القيم الجمهورية ،هذا ما أظهرته مشاركته في عدة حركات انقلابية، بدءا من عام 1960  

وقد كشفت فحوى تقرير سري كتبه بعض الجنود الفرنسيين  على  أن منظمة الجيش السري هي  بالفعل بنت الجيش الرسمي، جهاز ولد رحمه كمؤسسة قمع. هذه المنظمة، التي انصهر بداخلها العسكريون و المدنيون اليمينيون المتطرفون، كانت تأوي، في نفس الوقت تشكيلة من الفرق المسلحة وحزبا سياسيا يجمع أنصار " الجزائر الفرنسية " ، وكان هؤلاء يهتدون بمذهب معاد لتراث الجمهورية الديمقراطية ،فضلا عن احتماء الرؤوس المدبرة بالحكم الفاشي القائم حينذاك في إسبانيا ،وكان نشطاء المنظمة داخل الجزائر لا يترددون، أحيانا، في إشهار تبنيهم للتصور النازي كليا أو جزئيا ، وهو الأمر الذي لم يكن خاصا بالجنود البسطاء وصغار المستوطنين المغمورين، وإنما كان يمتد إلى كبار الضباط  وأصحاب الثروات الضخمة، من أمثال سالان وقودار وأرقو  وغيرهم من القادة العسكريين " الذين وجدوا في الفلسفة النازية و الفاشية غياتهم  المنشودة  لأنها تنسجهم مع حقدهم العنصري ضد الشعوب المكافحة في سبيل استقلالها ،ومع رغبتهم في بناء كل شيء على أساس القوة العسكرية و الإرهاب و الاستبداد. إن طرق التعذيب بالكهرباء وحمام الاستحمام و الزجاجات ........ إلخ، مقتبسة من أساليب " الجستابو " 

 ان  تشويه المناضلين عقليا و نفسيا لاستخدامهم كحواسيس وعملاء  ،واستخدام   أساليب الدعاية وترديد الشعارات و الأكاذيب لترسخ بكثرة التكرار، كلها تطبيقات للأساليب النازية تم  تكيفها مع الواقع الجزائري .

  فكبار المستوطنين،  سبق لبعضهم ، أن رحب بانتصار القوات الألمانية على فرنسا  عام 1940، و بالتعاون مع حكومة بيتان، من منطلق لم يتغير طوال عقود حضورهم في الجزائر وهو استعدادهم للتحالف مع كل قوة تحمي امتيازهم ،فعندما شرعت منظمة الجيش السري  في عمليات القتل و التفجير، لم يجد المحققون رسوما للصليب المعكوف على جدران الفيلات و القصور التابعة لهؤلاء فقط، بل عثروا أيضا على دلائل تورطهم " إن قائمة المدنيين الأوربيين الذين ألقي عليهم القبض مع مرتزقة اللفيف الأجنبي في حادثة اغتيال  غافوري    محافظ الشرطة بالجزائر العاصمة،  تشتمل على جماعة من أكبر الإقطاعيين و الرأسماليين الأوربيين في الجزائر ،  عائلات غوتيي و سالياج و لونغ و ديمازور      عائلة بورجو    ليس من قبيل الصدفة أن تكون هذه العائلات التي سيطرت على قطاعات هامة من الاقتصاد الجزائري، هي نفسها التي كانت تتعاون مع النازية خلال الحرب العالمية الثانية  

    

 

ديغول حاول  تقسيم  الجزائر  إلى اثنة عشر مقاطعة

الاتصالات السرية بين  جيش التحرير الجزائري  وديغول الفرنسي

 

 كان الجنرال ديغول يعلم بأن نجاح الخطة العسكرية لن تأتي بالنتائج السياسة المطلوبة إن لم تكن متبوعة بخطة سياسية تعمل على مستويين، الأول داخلي أي من داخل الجزائر و ذلك  لتأمين الحد الأدنى من الشروط اللازمة لتأثير على الرأي العام الجزائري و دفعه إلى التخلي عن جبهة التحرير الوطني ، و الثاني خارجي  يعمل على  بحث  الدعم الدولي لضمان السياسة الديغولية ، و قد أكمل الجنرال ديغول خطته العسكرية بخطة سياسية أعلنها في 16 سبتمبر 1959 م التي اسماها  تقرير المصير، و قدمه الإعلام الفرنسي في صورة مشروع متفتح يدل على وجود استعداد جدي للتفاوض لدى الجنرال ديغول .

  ،فمشروع المذكور يعني  بمفهوم  ديغول فرض الخيار بين أمرين إما إبقاء الجزائر فرنسية أو تقسيمها ، فالجنرال ديغول يقول بالحرف الواحد " باسم فرنسا و الجمهورية ، و نظرا للسلطة التي يخولني إياها الدستور ، ألتزم فيما أبقاني الله حيا و أنصت الشعب لي ، بأن أطلب من الجزائريين في محافظاتهم ألاثني عشر ماذا يريدون أن يكنوا في النهاية من جهة، ومن جهة أخرى أطلب من الفرنسيين أن يصادقوا على هذا الاختيار   أما تاريخ التصويت فسأحدده عندما يحين الأوان و هو على أكثر تقدير أربع سنوات بعد العودة الحقيقية

 للسلام "،و هذا ما يعنى بأن  ديغول كانت له نية في استبعاد الصحراء من الاستفتاء، فالجزائر آنذاك كانت مقسمة إلى 15 محافظة من بينها اثنان تشملان المناطق التي ينوي الجنرال اقتطاعها في الجزائر لتظل فرنسية في حل تصويت الجزائريين  الذين يعتبرهم أفرادا ضد الإدماج، إضافة إلى الموانئ التي لا يشملها الاستفتاء  من أجل ضمان شحن البترول في جميع الحالات، والمناطق الآهلة الأوروبيون الذين سوف يختارون أن يبقوا فرنسيين مادام السؤال سوف يطرح على سكان الجزائر كلهم كأفراد.

كان يشير  ديغول في مشروعه أيضا  إلى  الحكم الذاتي للجزائريين الذي  يكون تحت لواء فرنسا، فنص المشروع تقرير المصير&

    /الجزء الثاني / المخططات السرية  الفرنسية  لغزو الجزائر/خلفيات الصراع الجزائري أوروبي الأمريكي في البحر الأبيض المتوسط /30 دولة أوروبية  تتبنت  خطة   القضاء على " دولة الجزائر
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
S
Scfdgefge
Répondre
S
Merci
Répondre
شكرا لك اخي